ساحة المعركة
الإعداد للمعركة
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:الرمي سهم من سهام الإسلام.
عن عبد الله بن المغيرة رفعه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله عزَّ وجلّ:﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل﴾ 1 قال:الرمي.
عن علي بن إسماعيل رفعه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:اركبوا وارموا وإن ترموا أحبُّ إلي من أن تركبوا، ثم قال: كلّ لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث:في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته، فإنهنًّ حق ألا إنَّ الله عزَّ وجلّ ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنّة: عامل الخشبة والمقوى به في سبيل الله، والرامي به في سبيل الله.
عدد المجاهدين
عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال:إنّ الله عزَّ وجلّ فرض على المؤمن في أول الأمر أن يقاتل عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم، ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النّار، ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاًً من الله عزَّ وجلّ فنسخ الرجلان العشرة.
عن الهيثم بن عبد الله الرماني قال:سألت علي بن موسى الرضا عليه السلام فقلت له:يا ابن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام لمَ لمْ يجاهد أعدائه خمساً وعشرين سنَّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم جاهد في أيام ولايته ؟ فقال:لأنَّه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ترك جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاثَ عشرة سنة، وبالمدينة تسعةَ عشرَ شهراً، وذلك لقلة أعوانه عليهم، وكذلك علي عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلَّة أعوانه عليهم، فلما لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع تركه الجهادَ ثلاثَ عشرة سنَّة وتسعة عشر شهراً فكذلك لم تبطل إمامة علي عليه السلام مع تركه للجهاد خمساً وعشرين سنَّة إذا كانت العلة المانعة لهما واحدة.
عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم ؟ فقال:للذي سبق في علم الله أن يكون، وما كان له أن يقاتلهم وليس معه إلا ثلاثة رهط من المؤمنين.
وعن أبي أسامة الشحَّام قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:إنهم يقولون:ما منع علياً إن كان له حق أن يقوم بحقه ؟ فقال:إن الله لم يكلف هذا أحداً إلا نبيه، فقال:﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ﴾2، وقال لغيره:﴿إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ﴾3، فعلي عليه السلام لم يجد فئةً ولو وجد فئةً لقاتل.
عن عمرو بن أبي نصر قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:خير الرفقاء أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير العساكر أربعة آلاف، ولن تغلب عشرة آلاف من قلة.
عن فضيل بن خيثم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:لا يهزم جيش عشرة آلاف من قلة.
عن أبي حمزة الثمالي، عن شهر بن حوشب قال:قال لي الحجاج وسألني عن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مشاهده ؟ فقلت:شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً في ثلاثمائة وثلاثة عشر، وشهد أحداً في ستمائة، وشهد الخندق في تسعمائة فقال:عمن ؟ قلت:عن جعفر بن محمد عليه السلام، فقال:ضلَّ والله من سلك غير سبيله.
الحثّ على الجهاد
عن أبي صادق قال:سمعت عليا عليه السلام يحرض الناس في ثلاثة مواطن، الجمل، وصفين، ويوم النهر، يقول:عباد الله اتقوا الله وغضوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، واقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة والمناضلة والمنابذة والمعانقة والمكادمة، وأثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين.
وفي حديث مالك بن أعين قال: حرض أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين فقال:إن الله عزَّ وجلّ قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، وتشفى بكم على الخير الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله، وجعل ثوابه مغفرة للذنب، ومساكن طيبة في جنات عدن، وقال جل وعز:﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾4.
اتخاذ شعار للمعركة
عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: شعارنا “يا محمد يا محمد”، وشعارنا يوم بدر “يا نصر الله اقترب”، وشعار المسلمين يوم أحد “يا نصر الله اقترب”، ويوم بني النضير “يا روح القدس أرح” ويوم بني قينقاع “يا ربنا لا يغلبنك”، ويوم الطائف “يا رضوان”، وشعار يوم حنين “يا بني عبد الله يا بني عبد الله” ويوم الأحزاب “حم لا يبصرون”، ويوم بني قريظة “يا سلام أسلمهم” ويوم المريسيع وهو يوم بني المصطلق “ألا إلى الله الأمر” ويوم الحديبية “ألا لعنة الله على الظالمين” ويوم خيبر يوم القموص “يا علي آتهم من عل” ويوم الفتح “نحن عباد الله حقاً حقاً” ويوم تبوك “يا أحد يا صمد” ويوم بني الملوح “أمت أمت” ويوم صفين “يا نصر الله” وشعار الحسين عليه السلام “يا محمد”، وشعارنا “يا محمد”.
عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قدم ناس من مزينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما شعاركم ؟ قالوا: حرام، قال: بل شعاركم “حلال”.
قال:وروي أيضا أن شعار المسلمين يوم بدر “يا منصور أمت” وشعار يوم أحد للمهاجرين “يا بني عبد الله يا بني عبد الرحمن” والأوس “يا بني عبد الله”.
اتخاذ الرايات
عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام قال: أول من قاتل إبراهيم عليه السلام حين أسرت الروم لوطاً فنفر إبراهيم عليه السلام حتى استنقذه من أيديهم إلى أن قال:وأول من اتخذ الرايات إبراهيم عليه السلام عليها “لا إله إلا الله”.
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث علياً عليه السلام يوم بني قريظة بالراية، وكانت سوداء تدعى العقاب وكان لواؤه أبيض.
الدعاء قبل القتال
عن أبي عبد الله عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث سريةً دعا لها.
عن ابن القداح، عن أبيه الميمون، عن أبي عبد الله عليه السلام إن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا أراد القتال قال هذه الدعوات:اللهم إنك أعلمت سبيلاً من سبلك جعلت فيه رضاك، وندبت إليه أوليائك، وجعلته أشرف سبلك عندك ثواباً وأكرمها لديك مآباً وأحبها إليك مسلكاً، ثم اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليك حقاً، فاجعلني ممن يشتري فيه منك نفسه، ثم وفى لك ببيعه الذي بايعك عليه غير ناكث ولا ناقض عهداً، ولا مبدل تبديلاً بل استيجاباً لمحبتك، وتقرباً به إليك، فاجعله خاتمة عملي، وصير فيه فناء عمري، وارزقني فيه لك وبه مشهداً توجب لي به منك الرضا، وتحط به عني الخطايا، وتجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة والعصاة تحت لواء الحق، وراية الهدى ماضياً على نصرتهم قدماً، غير مول دبراً، ولا محدث شكاً، اللهم وأعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال، ومن الضعف عند مساورة الأبطال ومن الذنب المحبط للأعمال، فأحجم من شكّ أو أمضي بغير يقين فيكون سعيي في تباب وعملي غير مقبول.
عن كرام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:أربع لأربع فواحدة للقتل والهزيمة “حسبنا الله ونعم الوكيل” يقول الله عزَّ وجلّ:﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾5،والأخرى لمكر السوء﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد﴾6:يقول الله ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾7،والثالثة للحرق والغرق:(ما شاء الله لا قوة إلا بالله) وذلك إن الله يقول:﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾8، والرابعة للهم والغم:﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين﴾9قال الله سبحانه:﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين﴾10.
مشية المجاهد
روي أنَّ أبا دجانة الأنصاري اعتمّ يوم أُحد بعمامة، وأرخى عذبة العمامة بين كتفيه حتى جعل يتبختر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:إن هذه لمشية يبغضها الله عزَّ وجلّ إلا عند القتال في سبيل الله.
أرض المعركة
وفي حديث مالك بن أعين قال:حرض أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين فقال:… فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص فقدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا على النواجذ، فإنّه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا على أطراف الرماح، فإنّه أمور للأسنَّة، وغضوا الأبصار فإنّه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، أميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم فإنّ المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ… واعلموا أن أهل الحفاظ هم الذين يحتفون براياتهم ويكتنفونها، ويصيرون حفافيها وورائها وأمامها، ولا يضيعونها لا يتأخرون عنها يسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها، رحم الله امرءاً واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة، ويأتي بدناءة وكيف لا يكون كذلك وهو يقاتل الإثنين، وهذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هارباً منه ينظر إليه وهذا فمن يفعله يمقته الله، فلا تتعرضوا لمقت الله فإنّ ممركم إلى الله، وقد قال الله عزَّ وجلّ:﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾11 ،وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيف الآجلة، فاستعينوا بالصبر والصدق، فإنَّما ينزِّل النصر بعد الصبر فجاهدوا في الله حق جهاده، ولا قوة إلا بالله.
قال:وفي كلام آخر له الإمام علي عليه السلام:… فإن بدأوكم فانهدوا إليهم وعليكم السكينة والوقار، وعضوا على الأضراس فإنَّه أنبى للسيوف عن الهام، وغضوا الأبصار، ومدوا جباه الخيول، ووجوه الرجال، وأقلوا الكلام فانه أطرد للفشل، وأذهب للويل ووطنوا أنفسكم على المبارزة والمنازلة والمجاولة وأثبتوا واذكروا الله كثيراً، فإنّ المانع للذمار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم، ويضربون حافتيها وأمامها، وإذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد، وعليكم بالتحامي، فإن الحرب سجال لا يشتدن عليكم كرة بعد فرة، ولا حملة بعد جولة، ومن ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه، واستعينوا بالصبر، فإنّ بعد الصبر النصر من الله عزَّ وجلّ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام، واذكروا الله عزَّ وجلّ ولا تولوهم الأدبار، فتسخطوا الله تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه، وإذا رأيتم من إخوانكم المجروح ومن قد نُكِّل به أو من قد طمع فيه عدوكم فقوه بأنفسكم.
محمد بن الحسين الرضي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له في حضِّ أصحابه على القتال:فقدموا الدارع، وأخّروا الحاسر، وعضوا على الأضراس، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا في أطراف الرماح فانه أمور للأسنَّة12، وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب، أميتوالأصوات فانه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تجعلوها ولا تجعلونها إلا بأيدي الشجعان منكم، فإنّ الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم يكتنفونها حفافيها وورائها وأمامها لا يتأخرون عنها فيسلموها ولا يتقدمون عليها فيفردوها، أجزأ امرؤ قرنه وآسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، وأيم الله لو فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة، أنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم إن في الفرار موجدة الله، والذل اللازم، والعار الباقي، وإن الفار غير مزيد في عمره، ولا محجوب بينه وبين يومه، من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء، الجنّة تحت أطراف العوالي، اليوم تبلى الأخبار، اللهّم فإن ردّوا الحق فافضض جماعتهم، وشتت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم، إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم، وضرب يفلق الهام ويطيح العظام ويبدد السواعد والأقدام وحتى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر13، ويرموا بالكتائب تقفوها الجلائب14، حتى يجر بلادهم الخميس يتلوه الخميس، وحتى تدعق الخيول 15في نواحي أرضهم وبأعنان مساربهم ومسارحهم.
عن عباد بن صهيب قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:ما بيَّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدواً قط ليلاً.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال، كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول:تفتح أبواب السماء، وتقبل الرحمة، وينزل النصر، ويقول: هو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب، ويفلت المنهزم.
ضوابط جهادية
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول:سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، لا تغلّوا ولا تمثِّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيُّما رجلٍ من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث أميراً له على سرية أمره بتقوى الله عزَّ وجلّ في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامةً ثم يقول: اغز بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثِّلوا ولا تقتلوا وليداً ولا متبتلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تحرقوا زرعاً لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله.
عن الريان بن الصلت قال:سمعت الرضا عليه السلام يقول:كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيشاً فاتهم أميراً بعث معه من ثقاته من يتجسس له خبره.
عن ربيعة وعمارة، إن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلباً لما في يديه من الدنيا فقالوا:يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتامروني أن أطلب النصر بالجور لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم، والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف وإنما هو أموالهم.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلقى السُّم في بلاد المشركين.
اجابة المبارز
عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سئل عن المبارزة بين الصفين بعد إذن الإمام ؟ فقال:لا بأس، ولكن لا يطلب إلا بإذن الإمام.عن أبي عبد الله عليه السلام قال:دعا رجلٌ بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:ما منعك أن تبارزه ؟ فقال:كان فارس العرب وخشيت أن يغلبني فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:فانه بغى عليك، ولو بارزته لغلبته ولو بغى جبل على جبل لهدِّ الباغي.
وقال أبو عبد الله عليه السلام إن الحسين بن علي عليه السلام دعا رجلا إلى المبارزة فعلم به أمير المؤمنين عليه السلام فقال:لئن عدت إلى مثل هذا لأعاقبنَّك ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنَّك، أما علمت أنه بغي.
محمد بن الحسن الرضي في نهج البلاغة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام:لا تدعُوَنَّ إلى مبارزة، وإن دعيت إليها فأجب فإنّ الداعي باغ، والباغي مصروع.
الخدعة في الحرب
عن إسحاق بن عمار، عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه عليهم السلام، أن علياً عليه السلام كان يقول:لإن يخطفني الطير أحبُّ إلي من أن أقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الخندق:الحرب خدعة، ويقول:تكلموا بما أردتم.
عن عدي بن حاتم وكان مع علي عليه السلام في غزوته:أنّ علياً عليه السلام قال يوم التقى هو ومعاوية بصفين فرفع بها صوته يسمع أصحابه:والله لأقتلنَّ معاوية وأصحابه، ثمّ قال في آخر قوله:إن شاء الله، وخفض بها صوته، وكنت منه قريباً، فقلت:يا أمير المؤمنين إنك حلفت على ما قلت، ثمّ استثنيت، فما أردت بذلك ؟ فقال: إن الحربَ خدعة، وأنا عند المؤمنين غير كذوب، فأردت أن أحرِّض أصحابي عليهم كي لا يفشلوا ولكي يطمعوا فيهم، فافهم فإنك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء الله، واعلم أن الله عزَّ وجلّ قال
لموسى عليه السلام حيث أرسله إلى فرعون﴿فَأْتِيَا قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى، ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى على الذهاب.
محمد بن علي بن الحسين قال:من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:الحرب خدعة.
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه عليهم السلام، عن علي عليه السلام أنه قال:الحرب خدعة إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوالله لإن أخرُّ من السماء أو تخطفني الطير أحبُّ إليَّ من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا حدثتكم عني فإنما الحرب خدعة، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلغه أن بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان إذا التقيتم أنتم ومحمد أمددناكم وأعناكم، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فقال:إن بني قريظة بعثوا إلينا إنا إذا التقينا نحن وأبو سفيان أمدونا وأعانونا، فبلغ ذلك أبا سفيان فقال: غدرت يهود، فارتحل عنهم.
الوفاء وعدم الغدر
عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسعى بذمتهم أدناهم ؟ قال:لو أن جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال:أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به.
عن أبي عبد الله عليه السلام إن علياً عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون، وقال:هو من المؤمنين.
عن عبد الله بن سليمان قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:ما من رجل أمَّن رجلاً على ذمة ثم قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر.
عن أبي عبد الله عليه السلام:قال لو أن قوماً حاصروا مدينة فسألوها الأمان فقالوا:لا، فظنوا أنهم قالوا:نعم، فنزلوا إليهم، كانوا آمنين.
عن أبي عبد الله، عن أبيه عليه السلام قال:قرأت في كتاب لعلي عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضَها بالمعروف والقسط بين المسلمين فإنّه لا تجارُ حرمة إلا بإذن أهلها، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه وأبيه، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على عدل وسواء.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:من ائتمن رجلاً على دمه ثم خاس به فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول في النّار.
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سألته عن قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزوا تلك المدينة، فقال أبو عبد الله عليه السلام:لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا…
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:يجيء كل غادر بإمام يوم القيامة مائلاً شدقه حتى يدخل النّار.
عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة:أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس إلا أن لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ألا وإن الغدر والفجور والخيانة في النّار.
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:لا يقتل الرسل ولا الرهن.
حكم الأسرى
عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث قال:إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله، فانك لا تدري ما حكم الإمام فيه، وقال:الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئاً.
عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون قال:أتي علي بأسير يوم صفين فبايعه، فقال علي عليه السلام:لا أقتلك إني أخاف الله رب العالمين، فخلى سبيله وأعطاه سلبه الذي جاء به.
عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إطعام الأسير حقٌّ على من أسره، وان كان يراد من الغد قتله، فانه ينبغي أن يطعم ويسقى ويرفق به كافراً كان أو غيره.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سألته عن قول الله عزَّ وجلّ:﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾16، قال:هو الأسير، وقال:الأسير يطعم وإن كان يقدم للقتل، وقال:إن عليا عليه السلام كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين.
عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه عليهم السلام، قال:قال علي عليه السلام:إطعام الأسير والإحسان إليه حقّ واجب وإن قتلته من الغد.
حكم الغنيمة
عن حفص بن غياث قال: كتب إلي بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل من السيرة فسألته وكتبت بها إليه، فكان فيما سألت أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمةً ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ولم يلقوا عدواً حتى خرجوا إلى دار الإسلام هل يشاركونهم فيها ؟ قال: نعم.
عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن علي عليهم السلام في الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممن شهد القتال، قال:فقال:هؤلاء المحرومون فأمر أن يقسم لهم.
عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنَّه سأله عن سرية كانوا في سفينة (فقاتلوا وغنموا وفيهم من معه الفرس وإنما قاتلوهم في السفينة)، ولم يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال:للفارس سهمان، وللراجل سهم، قلت:ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم، قال: أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسم بينهم؟ ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهماً وهم الذين غنموا دون الفرسان ؟ قلت:فهل يجوز للإمام أن ينفل ؟ فقال له:أن ينفل قبل القتال، فأما بعد القتال والغنيمة فلا يجوز ذلك لأن الغنيمة قد أحرزت.
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام قال:كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهماً.
عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:أما إنّي والله ما أرزأكم من فيئكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم ؟ قال:فقام إليه عقيل كرم الله وجهه فقال:فتجعلني وأسود في المدينة سواء ؟ فقال:اجلس ما كان ههنا أحد يتكلم غيرك، وما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوى.
عن أبي مخنف الأزدي قال أتى أمير المؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة فقالوا:يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني ويحكم أن اطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام ؟ لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجماً، والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم.
المصدر: ساحة المعركة، سلسلة جهاد الأعداء – تراثيات إسلامية، نشر جمعية المعارف الاسلامية.
المصادر والمراجع
1-الأنفال:60
2-النساء:84
3-الأنفال:16
4-الصف:4
5-آل عمران:173 – 174
6-غافر:44
7-غافر:45
8-الكهف:39
9-الأنبياء:87
10-الأنبياء:88
11-الأحزاب:16
12-مار السنان:اضطرب ولم يصب هدفه، انظر ( الصحاح مور 2: 820 ).
13-المنسر:قطعة من الجيش تمر امام الجيش الكبير ( الصحاح نسر 2: 827 ).
14-اجلبوا:تجمعوا ( الصحاح جلب 1: 100 ).
15-دعقت الخيل:أكثرت الوطء ( الصحاح دعق 4: 1474 ).
16-الإنسان:8