ثقافة

موقف علماء أهل السنة من يزيد وعبيدالله بن زياد

قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ} سورة النساء – الآية 135

نحن حينما نبحث في شخصيات تاريخية فإننا نقدم شهادة بين يدي الله، ولهذا يجب أن تكون الشهادة من جميع المذاهب خالصة من كل قيد أي إنها خالصة لله.

بطبيعة الحال إن محاكمة بعض الشخصيات قد تصل إلى خطوط حمراء أي هناك قواعد لمحاكمة الشخصيات، ولا اشكال في اتخاذ قواعد للمحاكمة ولكن الاشكال في القواعد غير المستندة للكتاب والسنة.

وحينما نضع شخصيات معروفة في الساحة تحت المجهر مثل يزيد بن معاوية، ونقرأ كلمات علماء أهل السنة فإن الذي نريده من التأمل في كلماتهم هو معرفة خلفيات آرائهم، ولماذا هذه الفئة مدحت وتلك ذمت وتلك سكتت ؟

الموقف الأول: موقف الذم

من ذم يزيد وحمله جرم قتل الحسين (ع) اتجه إلى ذم أفعاله، هذا الفريق يقرأ يزيد كونه تابعيا، ولا يجدون محذورا في ذم تابعي، نعم الصحابي لا يجيزون ذمه. قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه هدى الساري عن مروان بن الحكم: يقال له رؤية (للنبي) فإن ثبتت فلا يُعرج على من تكلم فيه أي لا يقبل أي قدح فيه. 

اذًا هذه الفئة لا يرون مشكلة في ذم يزيد، نعم هل يجيزون لعنه أم لا ؟  هذا بحث آخر.

الموقف الثاني: موقف الدفاع

وأبرز من دافع هو صاحب كتاب العواصم من القواصم، فهؤلاء يحاولون تبرير جناياته من قتل الحسين (ع) وواقعة الحرة، وأحد أسباب توقفهم فيه هو تعيين معاوية له، فلئلا تصل نوبة القدح إلى معاوية سدوا طريق قدح يزيد، وأيضا لو وصلت النوبة إلى معاوية فقد يصل الأمر إلى تقييم ملف نشاط الصحابة بكامله، وهذا ملف مغلق أمام النقد عندهم.

الفكر المهيمن على أهل السنة هو فكر تقديس الحاكم وإعطائه حصانة عن النقد والحساب، وقد أنكر الحافظ الذهبي على أهل الشام مذهبهم في تقديس الحاكم باعتباره ظل الله في الأرض، وأنه معين من الله، وقد ساعد ذلك الترويج الأموي لمسألة الجبر، فهذا التقديس المطلق والتصحيح الدائم لتصرفات الحاكم منعهم من توجيه أي نقد إليه، وتحريم النقد استمر إلى دولة بني العباس، فإن نفس هؤلاء الحكام من مصلحتهم بقاء هذا الفكر حتى يسلموا هم أيضا من النقد، وإلى اليوم نجد بعض الحكومات الاسلامية تسد هذا الباب حتى لا يصل النقد إليهم.

البيئة الشامية في دولة بني أمية بيئة ناصبية، فإن الملاحظ لتنشئة يزيد في بيئة طابعها السياسي نصب العداء لأهل البيت (ع) لا مجال له لتبرئة ساحة يزيد، لا من خلال البيئة التي نشأ فيها ولا من خلال سلوكه السياسي في سنوات حكمه الثلاث، فهذا التيار المدافع عن يزيد لا يقوم إلا على إنكار هاتين الحقيقتين(بيئته وسلوكه السياسي).

وليس ذلك بعيدا عنهم فإن عبدالمغيث الحنبلي ألف كتابا في فضائل يزيد، ولكن رد عليه ابن الجوزي بكتاب: الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد، وبعضهم حينما يبحث حديث “الخلفاء من بعدي اثنا عشر” يضع يزيد معهم بل بشرت التوراة بخلافته كما قال ابن تيمية.

يروى عند أهل السنة وبسند صحيح عند بعضهم عن النبي (ص): من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.    فمثل هذا الأثر يُغض النظر عنه حين تقييم يزيد.

وأيضا روي عندهم بسند صحيح عن النبي (ص): من سب عليا فقد سبني.

وعن النبي (ص): أول من يغير سنتي رجل من بني أمية.

إذًا هناك نصوص تجرم ولكنهم يتغاضون، فمثل ابن تيمية يدافع عن يزيد فيقول: إن له حسنات وسيئات. ولكن لا يصح مثل هذا لأن أفعاله الشنيعة ليست أمورا صغيرة يمكن التجاوز عنها، والحاصل أنه يمكن من خلال إعادة السنة النبوية عرض منهج لتقييم يزيد.

أما عبيدالله بن زياد فلا يجدون حرجا في ذمه لأنه ليس تابعيا ولا والده من الصحابة، وتوجد بعض روايات ذمه وتصح عند بعضهم، ومما ذكر في أحداث مقتله أنهم جاؤوا برأسه مع مجموعة من الرؤوس الأخرى فكانت تأتي حية وتدخل في أنفه وتخرج منه كرارا.

قال القاضي عياض وهو من علماء المالكية: وعبدالله بن مطيع كان أميرا على المدينة … وعلى يديه كانت وقعة الحرة في الجيش الذي وجه به يزيد بن معاوية لحربهم فهزموا أهل المدينة وقتلوهم واستباحوها ثلاثة أيام … وعطلت الصلاة والأذان  في مسجد النبي (ص).

الحافظ ابن الجوزي في كتابه الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد: ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيدالله بن زياد، وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنية الحسين (ع).

القرطبي في كتابه المفهم: وهؤلاء الأغيلمة كان أبو هريرة يعرف أسمائهم وأعيانهم … وكأنهم يزيد بن معاوية وعبيدالله بن زياد ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله (ص) وسبيهم وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكة وغيرها.

الذهبي في تاريخ الاسلام: وفعل بالمدينة ما فعل … وشرب الخمر … ولم يبارك الله في عمره. وله عبارة أخرى: وكان ناصبيا جلفا … يتناول المسكر … ولم يبارك في عمره.

ابن كثير في البداية والنهاية: وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد … وقد أراد بارسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه، ودوام أيامه من غير منازع، فعاقبه الله بنقيض قصده، وحال بينه وبين ما يشتهيه، فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.

كلمة بارزة

نحن حينما نبحث في شخصيات تاريخية فإننا نقدم شهادة بين يدي الله، ولهذا يجب أن تكون الشهادة من جميع المذاهب خالصة من كل قيد أي إنها خالصة لله.


الكاتب: سماحة الشيخ إبراهيم جواد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى