ثقافة

المهدويّة وكمال البشرية

إنّ الفكرة تتجاوز النشاط الدينيّ، وتشمل النشاط العلميّ أيضاً. فإذا لاحظنا سعي البشر في مختلف حدوده، وفي متنوع حقوله: في حقل العلم، والفلسفة، والأدب، والتجارب الاجتماعية، وتجربة الأنظمة والقوانين، نجد أنّ البشر متحركون نحو الكمال، ونحو الأفضل في جميع شؤون حياتهم. صحيح أنّ الإنسان قد ينحدر وينزل ويخطئ وينحرف، ولكنّ هذه الزّلات في السير الأساسي والخط العريض في حياة البشر، أمور جزئية. فالإنسانية منذ البدء كانت تتكامل، وتعلو، وتسمو وتتقدّم نحو الأفضل، وهي مطمئنة بأنّ الأفضل ميسور لها، ولهذا تسعى لأجله. لو كان البشر يعتقدون، كما يقول البعض بأنّ الإنسان في تدهور، أو أنّ العالم في تأخّر، أو أنّ الأمر نحو الأسوأ، لما كانوا يسعون، ويشتغلون، ويتحركون بأمل وبفطرة، وبإيمان نحو المستقبل. فإذاً، العلم هو النشاط الواسع الذي ينبثق من الحقول المختلفة العلمية، والأنظمة الاجتماعية، والمساعي التي تُبذل لأجل التجربة في الحقول الاجتماعية، والعادات والسِّير والأخلاق، وجميع شؤون البشر تبشِّر بالمستقبل الأفضل… بمستقبل يوفّر لجميع البشر أن يصرفوا جميع طاقاتهم، وإمكاناتهم وكفاءاتهم في سبيل حياة سعيدة… لأنّ البشر، كما تعلمون، في هذه الوقت، وفي جميع الأنظمة، قسم من طاقات البشر، أو بتعبير أصحّ، قسم قليل من طاقات البشر، يصرف في سبيل حياة البشر. أما الكثير الكثير من الطاقات، والكثير الكثير من الأفراد، لا يزالون خارج المسرح، لا تُستعمل طاقاتهم في سبيل حياة البشرية وسعادة البشر. فكلّ واحد منا، في أيّ حقل من الحقول البشرية، يسعى أن يقصد القمة. ما هي القمة؟ القمة أن يكون الإنسان، كلّ إنسان، بجميع طاقاته، ليس فقط بطاقاته المادية، أو طاقاته الفكرية… الإنسان، كل إنسان… بجميع طاقاته يمكن أن يستفيد منها، تبرز هذه الطاقات، لتستعمل هذه الطاقات في سبيل خير البشرية، ولا شكّ أنّ هذا النظام كالحلم، يراود مخيلة كلّ إنسان يعيش، وكلّ إنسان يسعى.

فإذاً، المستقبل الأفضل المثالي، الذي كان يُحلم به من أيام أفلاطون، وكان يُسمّيه المدينة الفاضلة، هذا المستقبل، هذا المجتمع المثاليّ، الذي تشترك في بنائه وتكوينه جميع الطاقات البشرية، وهذا المستقبل هو حلم كلّ إنسان.

وليست عقيدة الشّيعة، بالنسبة إلى المهديّ، إلّا انتظار الداعي المبشّر، لهذا المستقبل الذي هو أمل الجميع ومستقبل الجميع. فإذاً، لا أريد أن أدخل في تفاصيل هذه العقيدة، بمقدار ما أريد أن آخذ الجانب التربويّ من العقيدة”[1].

الهوامش والمصادر

  • [1] كلمة الإمام السيد موسى الصّدر في مناسبة 15 شعبان ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى