حيدر و التاريخ
وِسطَ الخيانةِ و المكارهِ *** في قَبيحِ الخلق ِ يَسطع
شأن و أن تَكلم ناظريَ *** و في صَميمِ القَلبِ أرضع
وَجِلٌ قلبيَ و استراحَ *** مِنَ القَلبِ المُروعْ
من أينَ يا أبنَ الطَيبين *** أُبادِرُ الوَصفَ المُفَرعْ
أمِنَ الجمالِ و ما خَطاكَ *** تَصورُ الصَديق ِ مَطلعْ
تِلكَ البشاشةِ لو ضَحت *** في ليلٍ بالوِترِ شَعشعْ
بُرقٌ يَرِدُ البُغضَ حُباً *** و الحَسودُ دُعاءِ يَسمعْ
نَفسٌ عَنِ الخَيرِ الصَفيِّ *** بِكُلِ عَزمٍ لا يُزَعزعْ
إن يَسلِبوهُ و يَغصبوهُ *** أتاهمُ النُصحَ المُمنعْ
حتى على من اغالوه *** يَحنو كأُمٍ للمُرَضعْ
هذاَ الوَصيُ أَخو النَبيِّ *** بِخُلقهِ أهراً تَقنعْ
و غدا كنفسِ المُصطفى *** بَثَ مآقيهِ فأرجعْ
فقُل تعالوا آيةً عن صدقها *** من أينَ تُردعْ
و عَليٌ الأسمُ الذي *** لِجلالِ ذاتِ اللهِ يُرفعْ
زَوجُ البَتولِ و من لهُ *** عُرسٌ على السِناتِ أَجمعْ
و هو الذي لسَيدينِ *** على قِنانِ الفَضلِ لأُوقعْ
ما الفَرقُ إلا فُرقةٌ *** في شَخصهِ جَسدٍ تَجمعْ
ما العِلمُ إلا أَنهرٌ *** من صَدرهِ الفياضُ تَنبعْ
ما الرُكنُ لو لا سَيفهُ *** يُرثى و لولاهُ تَضعضعْ
ما الدينُ إلا حُبهُ *** فأعشقهُ بالإيمانَ تُطبعْ
أنا لم أرى من مادحيكَ *** على بيانِ الصِدق ِ ألكعْ
أخرستنا يا سيدي *** لكِنما المَخروسُ فقفعْ
لما دنى من أنفهِ *** رَوحٌ كَمسكٍ مُضَوّعْ
رَوحُ السيادةِ و العِبادةِ *** كَيف يُمنعْ
إلا على من أنفهُ قد حُزَ *** بالأضمي المُبشعْ
يا يَومَ بَدرٍ هل شَهِدتَ لِحيدرٍ *** مُذ فِيكِ أشجعْ
خَاضَ الملاحِمَ و الجماجمَ سَيفهُ *** للحق ِ أَخضعْ
عُد أبا شَيبةَ و الوليدَ *** و كُلُ من حاذهُ بَضعْ
قَتلَ الملائكُ و الصحابةِ نِصفهم *** و النِصفَ وَزعْ
و بيومِ أُحدٍ و الشَعاعَ تَجاذبَ *** البَطلَ المُلمعْ
وَجِلَ القُلوبِ لدى الحَناجِرِ *** و الكَرِ للفرِ أسرعْ
نَجِمَ الغِمارةِ بِسيفهِ *** و أقتادَ عِزاً للمُشبعْ
كَسرَ الوَسيجَ بِصدره *** و بِما ثَبتنَ بهِ تَذرعْ
فإذا أعتراهُ النَزفَ *** من أكبادها جَلّداً تَشبعْ
و أعتاضَ عَزرائيلُ سَيفاً *** للمماتِ و قد تَرضعْ
و إذا الأَمينُ مِنَ السَماءِ يُنادي *** يا مَبرورُ فاسمعْ
لا سَيفَ إلا ذو الفِقارِ *** و لا فتى غَيرُ المُقنعْ
يا حُلةِ الأَحزابِ قُري *** من لعَمرٍ حيِّ جَدعْ
يَومٍ بهِ عَمرُ بن ودِ *** يَضِجُ كالأسدِ الموجَوعْ
و المُصطفى نَدبَ الصَحابةَ *** من لهذا الجُبتِ يَطلعْ
و الرُعبُ يَلتهِمُ النُفوس *** و سُمُهُ للقلبِ يَلذعْ
أينَ الذيَ يُبايعونَ الله *** بالأرواحِ نَدفعْ
حَانَ الوفاءُ فهل نَقضتم عَهدكم *** أم جُرَ مَدمعْ
كُلٌ بِشملةِ خائفٍ *** كأسَ المَنيةِ قد تَقبعْ
إلا أبنُ زَبرُ أبو الحُسينِ *** بِنفسهِ فَرداً تَطوعْ
و مَضى و خَيرُ العالمينَ *** لهُ بِنصرٍ قد تَضرعْ
و آتى بِرأسِ العامِري *** و وجهُ بالنورِ يَسطعْ
نَحو النبي و ضَمهُ *** و بِضَمهِ الإيمانُ يُجمعْ
فَكفى الإلهَ المُسلمينَ الحَربَ *** للحملاتِ أنزعْ
هي ضَربةٌ عُدلِت بِها الخَيرات *** ما يَمضي و يَتبعْ
تَكفيهِ فَضلاً للأنامِ *** فكَيفَ و الأفضالُ أوسعْ
قُل لليهودِ العابثينَ بِخيبرٍ *** ما كانَ يَصنعْ
دَكَ الحُصونَ و زَلزلَ البابَ الذي *** بِطوبِ يُقرعْ
و دَحاهُ جِسراً لليمين *** عليهِ كُلُ الجَيشِ يَهبعْ
و المرحبَ المَهيوب *** نُبراسَ الردى بالأرضِ جَرعْ
يا سَيفَ حَيدرٍ *** أينَ أنت اليومَ و الأَكبادُ تَدمعْ
تِلكَ اليَهودُ الغاشمون *** على زُجاجِ القُدسِ ظُلِّعْ
هَجموا على شَعبٍ ضَعيفٍ *** بالحديدِ و لا تَمزعْ
و غَدة فِلَسْطينُ السَليبةُ مُلكهم *** و الأَهلُ بَلقعْ
نَادت بإخوانِ العُروبةِ *** خَلِصوا الشَعبَ المُضيعْ
زُونَ العُروبةِ بالفنونِ *** يداعبُ الجِيدَ المُرصَعْ
نادي عَلياً يا فِلَسْطينُ الذي *** لبى المُروعْ
و استنجدي بالهاشُمي *** فذلِكَ الحِصنُ المُمَنعْ
و دَعي الشِكايةِ للمُلوكِ *** فما كَفى المَجروحُ أبقعْ
إنَ الخَلاصَ بِمثلِ حَيدره *** لا خَلاصَ بِهديِ تُبعْ
مُسترسلاً كَرشَ التُخومِ *** على دِماءِ الشَعبِ يَمرعْ
هذا أخو الصَهيون مُجتمعان *** في رَحلٍ و موّضعْ
في رَحلِ حِزبِ المؤمنين *** و مَوضعَ الشَعبِ المُلّوعْ
عودي لحيدره و أعلمي *** ما خَابَ مُتَبعٌ لأروعْ
و إذا الصِعابُ تَلبدت *** نادوهُ يا أبا الغوثِ تُقشعْ
نِدائهُ يَومَ الفَتحِ لا يَخفى *** على فَطِنٍ و أَروعْ
يَومٌ بِهِ حَملَ اللواء *** و آمنَ البَطحاءَ أَجمعْ
نَفسُ النبي و من لصدعِ المُصطفى *** في السِلمِ يُمنعْ
لم أنسهُ قَدِمَ الجُموع *** و رَاحَ بالتبليغِ يَصدعْ
غري قُريشٌ بالأمانِ *** فلا تُراعوا اليومَ تلفعْ
لا ضَيرَ لا تَسريبَ *** بل أَمنٌ طَفا عن كُلِ خَولعْ
حتى أُميةُ لا تَخافَ *** و لا مِنَ الإعفاءَ تَجزعْ
يَومُ التسالِمُ و التَسامُحِ *** في أمانِ الله تَركعْ
لكنَ يَومَكِ يا أُميةُ *** بالحُسينِ السِبطِ جَعْجَعْ
و قتلةِ ريزاً بالجزاءِ *** و هَكذا الغدارُ يَصنعْ
و بأمركِ صَدرُ الحُسينِ بنعلكِ *** يَرقاهُ أسلعْ
بالفَتحِ داركمُ تُصان *** و دارهم بِالطفِ تُفزعْ
و يَحِلُ خِدركمُ السلام *** و خِدرهم بِنارِ يُدفعْ
أأميُ ماضيكِ اللعين *** لهُ انتهارُ الشَعبِ يَرجعْ
لَزمٌ أفاضَ بِكُلِ نَهمٍ *** من لُحومِ الشَعبِ يَشبعْ
هذا أبو النَجماتِ أهَوجُ لا يروىُ *** و عَزمهُ مِدفعْ
خَضبَ في أرضِ السَوادِ *** و شَمتِ الأحبابِ نَزعْ
مِنكم تَحَدرَ و اللبانُ دِماءٌ *** داعيةً و مَرجعْ
و بإسمكم فَوقَ المَكارمِ و الكرامر *** رَبتُ تبضعْ
من فَكَ يومَ صَكَ النَجيع *** و لا عَنِ الأعرابِ يُسطعْ
كم من حُرةً فُتخت و كم أُمٍ *** على الأبناءِ تَطبعْ
لم تَبقى دارٌ دونَ مُعضلةً *** مِنَ الآهاتِ يَضجعْ
فترى خليلَ السلامِ *** فليسَ لي بالصَبرِ مَطمعْ
يا مُظْهِرَ الحَق ِ المُغيث *** و يا سَليلَ الحُرِ فأسمعْ
و أمضي على أعنفها بَتراً *** فمها بدلت صُميدعْ
و استبنها أَرضاً جَبوناً *** ردها الطاغوتُ يُخلعْ
و استبنها أُختٍ على الجبهاتِ *** للباغينَ تَصرعْ
فالعِزُ أبنٌ للحروب *** و من يَعقُ الأمُ يَخضعْ
هذا نِداءُ أبا الحُسينِ *** فَلبيهِ يا من تَشيعْ
هذا اللواء فَخذ بهِ *** و طَريقُ الطَفِ مَهيعْ
و الفَجرُ يَهتِكُ بالغياراء *** بالهواشيمِ قد تَشعشعْ
بِرداءِ السِبطِ أمتدَ الهدى *** بِرداءِ حيدرة قد تَلفعْ
سَغبُ الكَريمِ مَضى بِهِ و نحى *** إلى فِرعونَ يَنزعْ
حتى إذا طَابَ المُضيفِ *** و أوشكَ المَلعونَ يَطمعْ
نادهُ أمالكَ يا شَبيهُ *** بِربكم آمنةُ فأرجعْ
من أينَ يا عَلقَ الزِنا *** أوزارُ حَربِ الله تُوضعْ
و لقد تَفشى حَيفكم *** و كَرامةِ الإنسانِ ضَيعْ
لا بُدَ أن تَرنوا لِحربٍ *** بَعدِ وَكرِ العِزِ أرفعْ
لا رأيُ تَمَ لسانٍ *** لَرجُلِ الجَيشِ المُدرعْ
جَيشُ الوصي يُهددُ الدُنيا *** فَترهبهُ و تَركعْ
بُشراكَ حَيدره *** فلوائُكَ في يدِ الأحرارِ يُرفعْ
هذا إذا نِداءُ يَومُ الحِفاظِ *** بهِ نِداءُ اللهِ تَضجعْ
من آلِ كاسانِ نِدائهُ *** لَحنَ و الفِعلُ مِفقعْ
فإذا علا شَرفَ البُغاةِ *** على جِهادِ المُلكِ تَخضعْ
أينُ المَفرُ مُخالفينَ الذِكر *** و الراياتُ تَضبعْ
زَحفاً على أرضِ الشهادةِ *** لا أَنيسَ اليومَ يَنفعْ
هل رأت ضَربةَ حيدرٍ *** مُجنُّ أبنَ وداً إذ تدرعْ
هل رَدَ عَنهُ الموتَ جَيشٌ *** للجبالِ الصُمِ يَقلعْ
هي أُختها من نَسلِهِ *** فإذا بُليتَ بِها تَردعْ
مهما تَطاولَ عَهدكم *** لا تحسبوا المَظلومَ يَهجعْ
ما دامَ فينا حَيدرٌ *** لو ننحي للظُلمِ يَشفعْ
الشاعر غازي الحداد | ديوان الحزن المعشوق