ثقافة

فتية الكهف – التقوى عازل ولباس التّقوى ذلك خير

وبمناسبة الحديث عن العازل النفسي أقول:

إن التقوى من أقوى العوازل النفسية التي تحمي الإنسان من (الأهواء) و(الفتن). ولسنا نعرف عازلاً أقوى من هذا العازل.

والتقوى لباس يحفظ الإنسان من الأهواء والفتن، كما أن اللباس يحفظ الإنسان من الحر والبرد ومن أعين الناس، ويستر سوأة الإنسان. يقول تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}. فإذا حفظ الإنسان نفسه بملابس واقية ودافئة فليس عليه بأس أن يخرج من البيت في يوم شديد البرد، فلا يمسه ولا يضره البرد، وكذلك الإنسان إذا تسلّح بالتقوى، فليس عليه بأس من سلطان الهوى والفتن.

ولو أن الناس خرجوا إلى الشارع من دون ملابس تستر سوءاتهم، لأشبهوا الحيوانات، ولكن الله تعالى أكرم الإنسان باللباس الذي يستر سوأة جسمه، فكذلك التقوى لباس يستر سوأة النفس من الأهواء والشهوات والغرائز، فيلطفها ويعدلها ويرققها والتقوى حصن يحصن الإنسان من الأهواء والفتن والشياطين، كما أن الحصون تحمي الناس من سطو الأعداء وبطشهم.

يقول أميرالمؤمنين (ع): >أن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل<([1]). فالتقوى حصن منيع، يمنع الشياطين من البطش والسطو على الإنسان، والفجور حصن ذليل، لا يمنع أحداً ولا يحفظ من عدو.

وكما أن الإنسان لو تحصّن بحصن منيع لم يخف عدواً ولا سارقاً، ولا سبعاً ضارياً، كذلك من تحصّن بحصن التقوى. يقول أميرالمؤمنين (ع): >عباد الله، إن تقوى الله حمت أولياء الله محارمه<([2]).

وإذا أصبح الإنسان في حمى الله بالتقوى من الأهواء والفتن والشياطين، فلا يمسه منها سوء ولا أذى، وليس للهوى والشيطان عليه سلطان.

وأهم من ذلك كله أن التقوى تمنح صاحبها قدرة على الانتباه المبكّر. فإذا تعرض الإنسان لخطر سطو الشيطان تذكر فوراً، وأخذ العدة الكاملة لمواجهة الشيطان والهوى.

أرأيت أجهزة الإنذار المبكر؟ كذلك التقوى، فلا يتمكن الشيطان أن يغزو الإنسان على حين غرة وغفلة، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.

إن الشيطان لا يقتحم عليهم قلوبهم، وإنما يمسّهم طائف منه فقط.

فإذا مسهم من الشيطان طائف تذكروا، وبصورة مبكرة، فإذا هم مبصرون ولن يستطيع الشيطان أن يقتحم على أحد قلبه وصدره وعقله،وهو في مثل هذه الدرجة العالية من التذكر والبصيرة، والقدرة على المواجهة.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ شرح نهج البلاغة 9: 209.
  • [2] ـ شرح نهج البلاغة 7: 250.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى