ثقافة

النشء الجديد في خطر

والتجأت المرأة المعاصرة في الغرب الى دور الحضانة لتتفادى جانباً من هده المشكلة…

ولكنها ادركت بعد حين: ان الطفل لا يكاد ينمو بعيدا عن احضان ابويه، وعن عطف الامومة، بشكل خاص… نموا سويا معتدلا.

يقول الدكتور الكسيس كارل:

«ولقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب الاسرة بالمدرسة استبدالا تاما. ولهذا تترك الأمهات اطفالهن لدور الحضانة حتى يستطعن الانصراف الى اعمالهن او مطامعهن الاجتماعية، او مباذلهن، او هوايتهن الادبية او الفنية، او اللعب، او ارتياد دور السينما… وهكذا يضيعن اوقاتهن في الكسل. انهن مسؤولات عن اختفاء وحدة الاسرة واجتماعها، التي يتصل فيها الطفل بالكبار فيتعلم عنهم أمورا كثيرة… ان الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع اخرى من نفس عمرها في حظيرة واحدة، لاتنمو نموا مكتملا، كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمضي في أثر والديها.

والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذين يعيشون وسط جمهرة من الاطفال الآخرين واولئك الذين يسيرون بصحبة راشدين اذكياء.

لأن الطفل يتشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقا للقوالب الموجودة في محيطه، اذ انه لا يتعلم الا قليلا من الاطفال في مثل سنه. وحينما يكون وحده في المدرسة، فانه يظل غير مكتمل.

ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة، فانه يحتاج الى عزلة نسبية واهتمام جماعة اجتماعية محددة تتكون من الاسرة.

وجذور كثير من الفوضى والارتباك والامراض النفسية في حياة الشباب يعود الى ايام الحداثة والطفولة والمسؤول عن ايام الطفولة والحداثة هي الام.

الطفل الذي لم يجد عناية كافية من أمه ايام الحداثة ينشأ شاذا قاسيا غير مستقيم السلوك»[1].

ويقول العالم الانجليزي سامويل سمايلس:

«ان النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما تنشأ عنه من الثروة للبلاد، فان نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية، لانه يهاجم هيكل المنزل، ويقوض اركان الاسرة ويمزق الروابط الاجتماعية».

الأختلاط:

{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ذلك هو موقف القرآن الكريم من الاختلاط… يعرضها بوضوح من جانبيها: الرجال والنساء.. فعلى الرجال أنْ يغضوا من أبصارهم… وعلى النساء أنْ يغضضن من أبصارهن.

ومسألة الجنس ذات قطبين: عرض وطلب.

واذا كان الرجل يقوم بدور الطلب غالبا، فان المرأة تقوم بالدورين معا.

وصيانة الرجل من الفساد اذا كان بالاحتياط في الطلب فحسب، فان صيانة المرأة لاتتم الابالاحتياط في الطلب والعرض معا.

ففيما يخص الرجال، يكفي أن{يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}. وفيما يخص النساء.. فالمسألة ذات قطبين

{يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} و{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} من جانب آخر.

وهنا، وفي هذه النقطة بالذات، يختلف القرآن الكريم عن النظريات البشرية في العفاف والاختلاط.

فالمسألة لا تتعلق بسلامة رجل او امرأة، او اسرة او جماعة.. وانما تتعلق بسلامة الكيان الانساني والمجتمع البشري عامة.

المسألة في هذا الاطار تفتقر الى احتياط أكثر، واتخاذ ضمانات كافية لصيانة هذا الكيان من الانهيار والتحلل.

ولا يكفي الاحتياط في الطلب وفرض ضمانات على هذا القطب من قطبي المسألة لسلامة الكيان الانساني… عن طريق تهذيب النفس وتربية الشباب، وأخذهم على النظافة والتقوى والبراءة في النظرة واللحظة… واللمس… فطالما رأينا أنّ هذا القدر من الاحتياط لا يكفي للابقاء على سلامة العلاقات الاجتماعية بين الجنسين.

فلا ينفع الاحتياط مال م تكن الصيانة من الجانبين… من جانب الطلب والعرض..

من جانب الرجل والمرأة ان يحافظا على أبصارهما وفروجهما وابصارهما

ومن جانب المرأة ان تحافظ على زينتها ومفاتنها…

من حيث الطلب، ومن حيث العرض معا.. ومن القطب الموجب والقطب السالب جميعا.

وبهذه الصورة المزدوجة من الاحتياط، يمكن ضمانة سلامة الكيان الانساني من السقوط والتحلل.

فلا تبتذل المرأة في عرض نفسها.. ولا يبتذل الرجل في النظرة واللحظة ولا تسرف المرأة في العرض.. ولا يسرف الرجل في اللحظ.

هذا من جانب…

وملاحظة أخرى أجمل من هذا كله في الآية الكريمة، وامعن في الحكمة في معالجة علاقات الجنسين:

فان الآية الكريمة تعالج الفساد في علاقات الجنسين من بدايات الخط الى نهاياتة.. من حيث يتسرب الفساد اول الامر… الى حيث ينتهي الفساد آخر الخط…

من حيث يبتدىء الفساد «مطبوعا بطابع البراءة» كما يقال… من اللحظ، والنظرة: والكلمة البريئة… الى حيث ينتهي ساعة السقوط، ولحظة الاندماج الجنسي.

{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.. {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}. فلا يكفي ان يصون الانسان نفسه عن لحظات السقوط مالم تسبق ذلك صيانة العين واليد والحواس ـ مداخل النفس ومسارب الشهوة اليها.

والعلاج الحكيم الذي يعرضه القرآن الكريم علينا، هو ان نمارس العلاج في داخل النفس وفي ظواهر الحواس.

من بدايات الخط الى نهايته…

من اللحظ البريء… الى لحظة السقوط…

{يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.

 {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} وازكى للعلاقات القائمة بين الجنسين، وانقى للاخلاق، واطهر للسلوك.

وهذا هو الضمان الذي يقدمه القرآن…

واهتماما بالموضوع، وتأكيدا له.. يأخذ القرآن باعطاء التفصيلات

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ}.. والخمار هو القناع الذي تغطي به المرأة نفسها، والجيب: فتحة الثوب التي تلي صدرها… فتغطي بالخمار رأسها ونحرها وصدرها حتى لا يظهر شيء من مفاتن جسدها للناظر.

ولا ينتهي عند هذا الحد…

{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}.. وهذا غاية في الحيطة.. فحتى الهمسة والحركة المنبهة، والايماءة العابرة.. قد تنفذ الى النفس، وتفعل مفعولها، وتثير في النفس كوامن الشهوة، وتكون منفذا للفساد والتحلل.

وليس عبثا كل هذا الحرص على سلامة العلاقات بين الجنسين وكل هذه الدقة والحيطة في تحديد علاقات الجنسين.

فهناك في النفس الانساني سر يصارح به الله ويماري الانسان فيه… ولا يفيد المراء.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الاطلاعات الاسبوعية: 1206.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن - الهجرة والولاء

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى