أهل البيت (ع) في موقع الدفاع عن التوحيد و العدل – القيمومة الإلهية الدائمة على نظام القضاء والقدر في الكون
قد يتصور البعض أنّ الله تعالى أبدع نظام القضاء والقدر في الكون، وفي حياة الإنسان وانفصل عنه بعد ذلك ويجري ويتحرك هذا النظام في الكون والمجتمع كما يتحرك ويعمل المعمل الذي أنشأه المهندس الذي صمّمه وصنعه من دون حاجة إلى حضوره هو في تشغيله وحركته. والكون كذلك يجري بموجب نظام القضاء والقدر الذي أبدعه الله تعالى غير أنّ ارتباط هذا النظام كان بالله تعالى في مرحلة الحدوث ثمّ انفصل عنه تعالى بعد ذلك واستقل.
وكذلك الإنسان يختار ويعمل في دائرة نظام القضاء والقدر مستقلا عن إرادة الله تعالى ومشيئته، وإن كان هذا النظام من إرادة الله ومشيئته في حال حدوثه وخلقه. وهو تصور قديم لليهود في انقطاع سلطان الله ونفوذه في الكون بعد أن خلق الكون {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}[1].
والتصور القرآني يختلف اختلافاً جوهرياً عن التصور المتقدّم ويتلخّص هذا التصور في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وفي أنّ الله هو الحي القيّوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ولا تنقطع قيمومته عن هذا الكون إطلاقاً.
إذن هذا النظام يجري في الكون والمجتمع بإرادة الله تعالى ومشيئته، ولا ينفصل الإنسان ولا الكون عن إرادة الله ومشيئته لحظة واحدة.
حتى أنّ مشيئة الإنسان تجري بمشيئة الله. يقول تعالى:
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[2].
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[3].
روى الصدوق عن رسول الله (ص) أنّه قال:
«عن الله أروي حديثي: إنّ الله تبارك وتعالى يقول: يابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي، وبعصمتي وعوني أديت إليّ فرائضي… الخ»[4].
وفي حديث أميرالمؤمنين (ع) إلى الشيخ الّذي سأله (ع) عن مسيرهم إلى صفّين: «ولم يملّك مفوّضاً» بمعنى أنّ الله تعالى لم يفوّض أحداً في ملكه وسلطانه، بل هو قائم عليه قيم به، وهو الحي القيّوم، والّذي يتصور أنّ الله تعالى فوّض إليه أمره، ورفع عنه قيمومته واستقل عن الله تعالى في فعله واختياره، فقد أوهن الله عزّوجلّ في سلطانه كما ورد في النص.
عن الصدوق عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع)، قال:
«إنّ الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أنّ الله عزّوجلّ أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم الله في حكمه، فهو كافر.
ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليه، فهذا قد أوهن الله عزّوجلّ في سلطانه، فهو كافر.
ورجل يزعم أنّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلّفهم مالا يطيقون، وإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ»[5].
فلا يوجد في هذا الكون ولا في حياة الإنسان قبض وبسط وسعة وضيق ويسر وعسر إلاّ بحكم الله ومشيئته.
عن أبي عبد الله (ع) قال:
«ما من قبض ولا بسط إلاّ ولله فيه مشيئة وقضاء وابتلاء»[6].
إذن لله تعالى الحضور الدائم المتّصل في هذا الكون كلّه، وفي كلّ مساحة القضاء والقدر، لا يغيب عنه شيء، ولا يجري في مساحة الكون كله شيء من دون حضوره، وله قيمومة دائمة على كلّ الكون وهو الحيّ القيّوم.
{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}[7].
أقرأ ايضاً:
- أهل البيت (ع) في موقع الدفاع عن التوحيد و العدل – القضاء والقدر هو النظام الإلهي في الكون وحياة الإنسان
- أهل البيت (ع) في موقع الدفاع عن التوحيد و العدل – تتّم المعاصي من الناس بقضاء الله وقدره ولا يعصى مغلوبا
الهوامش والمصادر
- [1] ـ المائدة: 64.
- [2] ـ التكوير: 29.
- [3] ـ الإنسان: 30.
- [4] ـ التوحيد: للصدوق: 340 ح10، 338 ح6، ط 1398 هـ. وانظر اُصول الكافي 1: 142 ح6 باب المشيئة والإرادة ـ كتاب التوحيد، ط 1388 هـ وبحار الأنوار 5: 57 ح104.
- [5] ـ بحار الأنوار 5: 9 ـ 10 ح14 عن الخصال للصدوق.
- [6] ـ الكافي: 1: 152/ باب الابتلاء والاختيار ـ كتاب التوحيد.
- [7] ـ البقرة: 255.