ثقافة

الفتنة والفرقان في القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} الأنفال: 28

إطار الفتنة في القرآن

الفتنة مصطلح قرآني محدّد.

ولكي نفهم معنى الفتنة لابُدّ أن نضعها في الإِطار الذي وضعها القرآن فيه، وفي هذا الإِطار نستطيع أن نفهم معنى الفتنة وأنواع الفتنة، ومضلات الفتن وفتنة الخير، وفتنة الشر، وفتنة السرّاء وفتنة الضرّاء.

وهذا الإطار يتكون من ثلاث مفاهيم:

1ـ الهوى                  2 ـ الفتنة                                   3 ـ الابتلاء.

وفيما يلي نحاول أن نرسم هذا الإطار من خلال ما ورد في القرآن من توضيح لهذه المفاهيم الثلاثة:

1 ـ الهوى:

الأهواء هي: مجموعة الغرائز و الشهوات والرغبات الكامنة في نفس الإنسان والساعية لتحقيق لذّات وحاجات جسده.

وهي من أهم العوامل المقوّمة لحياة الإنسان، ولولا الهوى لم تتصل حلقات حياته، ولم تعمّر الأرض بالإنسان، ولم تستقر حياته على وجه الأرض، ولم ينتظم أمر معيشته وبقاؤه.

وخطورة الهوى، في طغيانه ونفوذه وتأثيره القويّ في حياة الإنسان، فلا يتوقف الهوى عند الحدود المعقولة لحاجة الجسد؛ فليس لنزوع الإنسان إلى المال والموقع والسلطان واللّذات الأُخرى حدود معقولة.

وقد روي عن رسول الله “ص” في هذا المعنى: <لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له واديان من ذهب لابتغى وراءهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن ادم إلاّ التراب>[1].

وهذه الخاصية من ابرز خصائص الهوى.

والخاصية الأُخرى للهوى قوة تحريك الهوى ونفوذه وتأثيره وقد ورد في القرآن: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ}[2] وفي هذه الآية العديد من الدلالات على التوكيد والمبالغة.

ولأمر ما جعل الله تعالى للهوى هذه القوة والنفوذ والتأثير في حياة الإنسان.

2 ـ الفتنة:

الفتن هي: مجموعة المثيرات والمغريات الموجودة في واقع حياة الإنسان، مثل المال، والسلطان، والموقع، والجنس الآخر، والمأكل، والمشرب، والمسكن، والمركب، والأزواج والبنين.

وهي الوجه الآخر للهوى.

فإنّ (الأهواء) هي الرغبات والغرائز والميول الكامنة في داخل النفس، و(الفتن) هي المثيرات والمغريات للهوى وهي قائمة في واقع الحياة.

فالأهواء كامنة داخل النفس.

والفتن قائمة خارج النفس في واقع الحياة.

إذن هما قطبان متقابلان.

القطب الأول كامن داخل النفس، والقطب الآخر في واقع الحياة.

وهما يتجاذبان فالجنس الآخر (في واقع الحياة) يثير الغريزة الجنسية في النفس، و(المال) يثير في النفس غريزة (حب المال)، وكذلك الموقع وحب الموقع، والدنيا وحب الدنيا… وهكذا.

والفتن على طائفتين:

الطائفة الأُولى: عوامل الإثارة والإغراء.

والطائفة الثانية: عوامل البأس والضر وسوف نتحدث عنهما إنشاء الله تعالى.

مضلاّت الفتن:

ومن الفتن، مضلات الفتن، التي طالما استعاذ منها بالله تعالى عباد الله الصالحون، يقولون: (اللهم إنّا نعوذ بك من مضلات الفتن). وهي طائفة من الحوادث والخلافات والمنازعات والمنافسات على الملك والسلطان، تسلب الرؤية من الناس وتتركهم من غير نور، إلاّ من عصمه الله تعالى وهداه، وهي من أخطر أنواع الفتنة، يفقد فيها الناس ما آتاهم الله تعالى من النور والهدى والبصيرة، ويتخبطون في ظلمات الفتنة، ويلتبس عليهم الحق بالباطل، حتى لايميزوا حقاً من باطل، ولا باطلا من حق، ولا يميزوا بين إمام هدى وإمام ضلال.

ومن هذه الفتن ما حدث للمسلمين من بعد رسول الله “ص” حتى قاتل الناسُ علياً والحسن والحسين “ع”، ووقفوا إلى جنب معاوية في (صفّين)، والى جانب ابنه يزيد في (الطف)، وخذلوا الحسن “ع” ونصروا معاوية، وقتلوا الحسين “ع” ونصروا يزيد.

ولا يمكن أن يكون هذا التخبّط في الموقف السياسي والنصر والخذلان والقتال دون أن تُطْبِقُ الفتنة عليهم، وتسلبهم النور والرؤية بشكل كامل، إلاّ من عصم الله.

ونقول (إلاّ من عصم الله) لأَن هذه الفتنة نتيجة لأعمال الناس أنفسهم وليست سبباً.

فمن الناس من يجلب الفتنة لنفسه بعمله، وهم الذين تحرقهم الفتنة، وتسلبهم الفتنة النور والبصيرة والهدى.

ومن الناس من يعصمهم الله في الفتن بالتقوى والإِخلاص وابتغاء وجه الله، فيسلمون في الفتنة، ويعصمهم الله تعالى فيها، فلا تضرهم الفتنة، مهما ضَرَّتْ وقَست.

3 ـ الابتلاء:

وابتلاء الإنسان في علاقة الفتنة بالهوى، فالفتنة تجذب الهوى، والهوى ينجذب إلى الفتنة (في فتنة السراء).

والأهواء و النفوس تجزع من الفتن في (فتنة الضراء).

وابتلاء الإنسان في هذا (الجذب) و(الجزع) و(الاندفاع) و(الفرار).

وليس في الاستجابة للهوى في فتن السرّاء، والجزع من فتن الضرّاء بأس عندما تكون هذه الاستجابة في الحدود المعقولة التي يقرّها الدين والعقل.

ولكن البأس كل البأس في الاستجابة للهوى في فتن السرّاء والضرّاء عندما يطغى الهوى ويتجاوز حدود الدين والعقل ويغلب الإنسان بما لم يتمكن الإنسان منها بالصبر والتقوى.

والصبر هو سلاح الإنسان في مواجهة فتنة الضرّاء.

والتقوى هو سلاح الإنسان في مواجهة فتنة السرّاء.

فإذا استسلم الإنسان لطغيان الهوى كان مآله الجحيم، وإذا صبر واتقى الله وضبط النفس عن الهوى كان مأواه الجنة.

{فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[3].

وهذا الاحتكاك والتّماس بين الهوى والفتنة هو مصدر ابتلاء الإنسان.

والابتلاء في حياة الإنسان خافضة رافعة، يسقط الإنسان فيها إذا استسلم لطغيان الهوى والفتنة، ويرقى منها إلى الله إذا قاوم الهوى والفتنة بالصبر والتقوى، وهما سلّمان يرقى بهما الإنسان إلى الله تعالى.

مساحة الفتنة في حياة الإنسان:

مساحة الفتنة في حياة الإنسان من أوسع المساحات؛ فإنّ الفتنة بمعنى الامتحان، والله تعالى يمتحن بعضنا ببعض.

يقول تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً}[4].

فالرعيّة فتنة للحاكم، والضعيف فتنة للقوي، والفقير فتنة للغني.

عن رسول الله “ص”: <الفقير عند الغني فتنة، والضعيف عند القوي فتنة>[5].

فإنّ الله يمتحن الأقوياء بالضعفاء ويمتحن الأغنياء بالفقراء، ليرى ما يؤدّون إليهم من حقوقهم التي وضعها الله تعالى عليهم تجاههم.

كما أن المال والأزواج والأولاد فتنة للإنسان.

يقول تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[6].

والله يمتحن الناس بأموالهم وأولادهم وأزواجهم.

وقد ورد في الرواية عن رسول الله “ص”: <إن في مال الرجل فتنة، وفي زوجته فتنة، وفي ولده فتنة>[7].

وقد روي في صفة عيسى “ع”: <لم تكن لـه زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته>[8].

و روي عن رسول الله “ص”: <إنّ لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال>[9].

وقال أميرالمؤمنين “ع” لرجل يسمى (حرب)، يمشي معه وهو راكب: <ارجع؛ فإنّ مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي، ومذلة للمؤمن>[10].

إذن مساحة الفتنة من أوسع المساحة في حياة الإنسان، وأينما يتجه الإنسان يواجه الفتن مع كل قبض وبسط في حياته.

روي عن الصادق “ع”: <ما من قبض ولا بسط إلاّ ولله فيه المَنُّ أو الابتلاء>[11].

وأيضاً عنه “ع”: <ما من قبض ولا بسط إلاّ ولله فيه مشيئة وقضاء وابتلاء>[12].

وأيضاً عنه “ع”: <ليس شيء فيه قبض أو بسط مما أمر الله به أو نهى عنه إلاّ وفيه ابتلاء وقضاء>[13].

يقول العلامة المجلسي في تفسير القبض والبسط في هذه الأحاديث: لعلّ القبض والبسط في الأرزاق بالتوسع والتقتير، وفي النفوس بالسرور والحزن، وفي الأبدان بالصحة والألم، وفي الأعمال بتوفيق الإقبال عليه وعدمه، وفي الأخلاق بالتحية وعدمها، وفي الدعاء بالإجابة لـه وعدمها، وفي الأحكام بالرخصة في بعضها، والنهي عن بعضها[14].

ولأمر ما جعل الله تعالى مساحة الفتنة في حياة الإنسان مساحة واسعة؛ لان الإنسان يتكامل ويرقى إلى الله تعالى بالفتنة ويخلص مما يشوب نفسه عن الهوى والرَّين بالفتنة، فكانت مساحة الفتنة أوسع المساحات في حياة الإنسان.

الفتن على طائفتين:

فتنة الضراء، وفتنة السراء.

وفتنة الضراء من عوامل البأس والضُرّ.

وفتنة السراء من عوامل الإثارة والإغراء.

وكل منهما فتنة وابتلاء وامتحان، ولكن الأُولى من خلال المعاناة والعذاب والشدّة، والثانية من خلال الإغراء والإِثارة والرخاء والعافية.

ومن عجب أن الثانية أخطر على الإنسان من الأُولى.

وعن الطائفة الأُولى من الفتن يقول تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[15].

وهذه هي طائفة من فتن السرّاء.

وعن فتن الضرّاء يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}[16].

وهذه طائفة من فتن الضراء تصيب الناس، ويمتحن الله تعالى بها صبر المؤمنين ومقاومتهم {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

وفي هذه الفتن يُقبِل الناس على الله تعالى ويتضرّعون إليه ويشدّون حبلهم بحبله، وبذلك يكتسبون من عند الله الحول والقوة. ومفتاح ذلك، التضرع إلى الله والإقبال على الله.

يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[17].

وهذه الفتنة تزيد المؤمنين صلابة وقوة ومقاومة، وتعدّهم للقيام برسالة التوحيد على وجه الأرض، وهي مهمة صعبة وشاقة وعسيرة.

وكل من فتن الضرّاء والسرّاء فتنة، غير أنّ الله تعالى يبتلي عباده في النوع الأول بالمعاناة والعذاب والمحنة ليعلم مقاومتهم وصبرهم، وفي فتن السرّاء يبتلي عباده بالإغراء والإِثارة والعافية ليعلم مقاومتهم وتقواهم {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[18]. وفي كل منهما يسقط ناس.

فمن الناس من يسقط في فتنة الضراء والبأساء، وكثيرون أُولئك الذين تنفذ مقاومتهم ويستسلمون لفتنة الضراء ويتساقطون أثناء رحلة العذاب الطويلة الشاقة.

{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[19].

{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}[20].

ومن الناس من يقاوم ويصبر في رحلة الضرّاء الشاقة، ولكن يسقط على أعتاب فتنة السرّاء.

ومن عجب أن الذين يسقطون في فتنة السرّاء أكثر من الذين يسقطون في فتنة الضرّاء.

وفتنة السرّاء أشق على الإنسان وأصعب وأكثر خطورة.

إذن هناك نحوان من (الفتنة) على طريق الإنسان إلى الله تعالى، فتنة السراء وفتنة الضراء، وهما في مصطلح القرآن (فتنة الخير والشر).

يقول تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[21].

ومن فتنة الخير: الأموال والأولاد والأزواج.

يقول تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}.

وإذا أفلحت أمّة في اجتياز (فتنة الضرّاء) ابتلاها الله تعالى بـ(فتنة السرّاء)، وانقلبت في حياتهم فتنة الضرّاء إلى السرّاء، وهما وجها قضية واحدة، وعندئذ قد يسقط ناس في فتنة السرّاء تجاوزوا فتنة الضرّاء بقوة وشموخ وصبر.

وعن هذا الانقلاب من فتنة الضرّاء إلى فتنة السرّاء يقول رسول الله “ص” فيما روي عنه: <أنا لفتنة السرّاء أخوف عليكم من فتنة الضرّاء، إنّكم إذا ابتليتم بفتنة الضرّاء صبرتم، وان الدنيا حلوة خضرة>[22].

وهو حديث عجيب عن الفتنة؛ إنّ فتنة الضراء تزيد الإنسان قوة وصبراً وصموداً (إنكم إذا ابتليتم بفتنة الضراء صبرتم).

إِن التعذيب والسجون والاضطهاد والمطاردة تزيد المؤمنين قوّة على قوّة، وصبراً على صبر، وصموداً على صمود.

ولكن الدنيا حلوة خضرة، كما يقول رسول الله “ص”، فإذا ابتلى الله تعالى المؤمن بحلاوة الدنيا وخضرتها فلم يسقط فيها بلغ الغاية من الصمود والقوة والتقوى والصبر، وهي من أقوى أمارات العبودية لله تعالى.

إِن فتنة السرّاء تنخر الأُمّة من الداخل، وفتنة الضرّاء تضغط على الأُمّة من الخارج، وخطر الأول على الإنسان أكثر من الثاني، وما يلزم الإنسان من الحذر والحيطة في الأول أكثر من الثاني.

ويشير رسول الله “ص” في هذا الحديث إلى انتقال المسلمين من أيام المحنة والاضطهاد والجوع في مكة والمدينة (وهي فتنة الضراء في حياتهم) إلى مرحلة اليسر والعافية والسعة والغنى أيام الفتوحات، حيث أقبلت الدنيا على المسلمين وفتحت لهم الأرض كنوزها، ودانت لهم مراكز القوة في الأرض.

ولم يكن يومئذ رسول الله “ص” معهم في هذه المرحلة من الفتنة، ولكنّه كان يحذّرهم منها.

روي أن رسول الله “ص” أقبل يوماً على أهل الصُفّة في المسجد وهم يرقعون ثيابهم بالأدم، ما يجدون لها رقاعاً، فقال “ص”: <أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حُلّة، ويروح في أُخرى، ويغدى عليه بجفنة، ويراح عليه بأخرى، ويستتر بيته، كما تستتر الكعبة، قالوا: نحن يومئذ خير، قال: بل أنتم اليوم خير>[23].

وإذا كان رسول الله “ص” لم يدرك هذه الفترة الصعبة من تاريخ هذه الأُمّة، فقد أدركها أميرالمؤمنين “ع” وعاصرها بكل سيّئاتها وآثارها المخرّبة في حياة المسلمين.

وكان “ع” يرى دور هذه الفتنة في إِفساد المسلمين، وتحلّلهم، وميلهم إلى الدنيا، ورغبتهم عن الآخرة، وبعدهم من الله، وقربهم من الأهواء والشهوات، وتكالبهم على الدنيا وتنافرهم وتضاربهم فيما بينهم.

وكان يشبّه اثر النعمة في حياة المسلمين يومئذ بالسُكر.

فكان يقول “ع”: <ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم وانقطاع وصلكم، ذاك حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة والنعيم>[24].

ويحذّرهم “ع” منها، فيقول: <ثم إنكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتقوا سكرات النعمة، واحذروا بوائق النقمة، وتثبّتوا في قتام العشوة واعوجاج الفتنة>[25].

فتنة الاستدراج

وهذه الفتنة هي فتنة الاستدراج التي افتتن الله تعالى بها المسلمين في مرحلة الفتوحات، فلم يفلح المسلمون مع الأسف يومئذ في تجاوز هذه الفتنة وسقطوا فيها، فأقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، وأخذوا الدنيا من غير حلِّها وأسرفوا في ذلك، وتحوّل ذلك البيت المتواضع الذي كان يسكنه رسول الله “ص” في المدينة بجوار المسجد إلى القصور الحمراء والخضراء في دمشق وغرناطة وبغداد، وذلك الزهد الذي كان عليه رسول الله “ص” والخيرة من أصحابه إلى ترف وبذخ وإِسراف وإفساد في حياة السلاطين من بني أُميّة وبني العباس، الذين كانوا يصفون أنفسهم بأمراء المؤمنين وخلفاء رسول الله “ص” بغير حق.

فنخر في بنيانهم هذا الفساد، وأفقدهم قيمهم، وقوّتهم، وإيمانهم، وصلابتهم، وأخلاقهم.

وفيما يلي نذكر صورة واحدة فقط من الترف والبذخ والإسراف الذي كان يجري في قصور بني العباس برواية البشابشتي في كتاب (الديارات)، ونحيل القارئ إذا أراد التوسع إلى الموسوعات التاريخية الكبيرة التي دوّنت أحداث هذه الفترة من تاريخ الإسلام، ومنها (الأغاني) لأبي فرج الأصفهاني.

يقول البشابشتي في كتابه المعروف «الديارات» في تعريف دير السوسي ما هذا نصه:

وهذا الدير لطيف على شاطئ دجلة بقادسية سرّ من رأى، وبين القادسية وسر من رأى أربعة فراسخ والمطيرة بينهما، وهذه النواحي كلها متنزهات وبساتين وكروم والناس يقصدون هذا الدير و(يشربون!!) في بساتينه، وهو من مواطن السرور ومواضع القصف واللعب.

ولابن المعتزّ فيه:

يا ليالي بالمطيرة والكر

 خ ودير السوسي بالله عودي

كنت عندي انموذجات من الجنـ

 ـة لكنها بغير خلود

والقادسية من أحسن المواضع وأنزهها وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين، جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة، وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بـ(بركوارا)، ولما فرغ من بنائه وهبه لأبنه المعتّز، وجعل إِعذاره فيه، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلّها، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.

نموذج من البذخ والترف في جهاز الخلافة:

قال[26]: ولما صحّ عزمه على إِعذار أبي عبد الله المعتز أمر الفتح بن خاقان بالتأهّب لـه[27]، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً، فلم يوجد إلاّ فيما قُبض عن بني أُمية، فإنّه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه، وكان بساطاً[28] إبريسماً غرز مذهب مفروز مبطن.

فلما رآه المتوكل أُعجب به وأراد أن يعرف قيمته، فجمع عليه التجار، فذكر أنه قوّم على أوسط القيم عشرة آلاف آلاف دينار، فبسط في الإيوان، وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير، ومدّ بين يديه أربعة آلاف مِرْفَع[29] ذهب مرصعة بالجوهر، فيها تماثيل العنبر والند والكافور، المعمول على مثل الصور، منها ماهو مرصّع بالجوهر مفرداً، ومنها ماهو عليه ذهب وجوهر، وجعلت بساطاً ممدوداً.

وتغدّى المتوكل والناس، وجلس على السرير، وأُحضر الأُمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب فأُجلسوا على مراتبهم، وجعل بين صوانيهم والسماط فرجة، وجاء الفراشون بزُبل[30] قد غشيت بأدم مملوءة دنانير ودراهم نصفين، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت، وقام الغلمان فوقها، وأَمَرُّوا الناس على الخليفة بـ (الشرب!!)، وأن ينتقي كل من يشرب ثلاث حفنات ما حملت يداه من ذلك المال.

فكان إذا أثقل الواحد منهم ما أجتمع في كُمّه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه، وكلّما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملأونه به حتى يعود إلى حاله، وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع على كل واحد، وأقاموا إلى أن (صلّيت العصر والمغرب!!)، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري.

وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاث أثواب، وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربعمائة بُليّة[31] عليهن أنواع الثياب، وبين يديهن[32] ألف نبيجة[33] خيزران، فيها أنواع الفواكه من الاُترج والنارنج على قلّته في ذلك الوقت والتفّاح الشامي والليموه[34] وخمسة آلاف باقة نرجس وعشرة آلاف باقة بنفسج.

وتقدم إلى الفتح[35] بأن ينثر على البليّات وخدم الدار والحاشية ما كان أعدّه لهم وهو عشرون ألف ألف درهم[36]، فلم يُقدِم أحد على التقاط شيء، فأخذ الفتح درهماً، فأكبت الجماعة على المال فنُهب.

وكانت قبيحة[37] قد تقدّمت بأن تُضرب دراهم عليها: «بركة من الله لاعذار أبي عبد الله المعتز بالله»، فضُرب لها ألف ألف درهم نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة من البيضان والسودان.

وكان ممّن حضر المجلس ذلك اليوم: محمد بن المنتصر وأبو أحمد وأبو سليمان ابنا الرشيد وأحمد والعباس ابنا المعتصم، وموسى ابن المأمون وابنا حمدون النديم وأحمد ابن أبي رؤيم والحسين بن الضحّاك وعلي بن الجهم وعلي بن يحيى المنجّم وأخوه أحمد.

ومن المغنّين: عمرو بن بانة، أحمد بن أبي العلاء، ابن الحفصي، ابن المكي، سلمك (الزازي)، عثعث، سليمان الطبّال، المسدود أو حشيشة، ابن القصار، صالح الدقّاف، زفام الزامر، تفاح الزامر.

ومن المغنّيات: عريب، بدعة جاريتها، سراب، شارية وجواريها، ندمان، منعم، نجلة، تركية، فريدة، عرفان.

قال إبراهيم بن المدبر: لما طُهِّر المعتز اجتمع مشايخ الكتّاب بين يدي المتوكل، وكان فيهم يحيى بن خاقان وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير وهو واقف موقف الخدم بقباء ومنطقة، وكان يحيى لا يشرب النبيذ، فقال المتوكل لعبيد الله: خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيّر على كتفك منديلا وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه.

قال: ففعل، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه، فقال المتوكل: يايحيى لا تردُّه. قال لا يا أميرالمؤمنين، ثم شربه. وقال: قد جلّت نعمتك عندنا يا أميرالمؤمنين، فهنأك الله النعمة ولا سلبنا ما أنعم به علينا منك، فقال: يايحيى إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة في طهور ولي عهد!!

وقال إبراهيم بن العباس: سألت أبا حرملة المزيّن في هذا اليوم فقلت: كم حصل لك إلى أن وضع الطعام؟ فقال: نيف وثمانون ألف دينار، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر والعدات.

قال: وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام، ثم أصعد إلى قصره الجعفري، وتقدّم بإحضار إبراهيم بن العباس، وأمره أن يعمل له عملا[38] بما أنفق في هذا الاعذار ويعرضه عليه، ففعل ذلك، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم، وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران حتى أُرخ ذلك في الكتب وسمّيت دعوة الإسلام، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك.

وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها، فمنها: دعوة المعتز ـ هذه المذكورة ـ .

ومنها: عرس زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر، فإنّ المهدي زوّج ابنه الرشيد بأُم جعفر ابنة أخيه، فأستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها، من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة، وأعطاها بَدنة[39] عبدة[40] ابنة عبد الله بن يزيد بن معاوية امرأة هشام، ولم يُر في الإسلام مثلها ومثل الحب الذي كان فيها، وكان في ظهرها وصدرها خطان ياقوت أحمر وباقيها من الدر الكبار الذي ليس مثله، ودخل بها الرشيد في المحرم سنة خمس وستين ومائة في قصره المعروف بالخلد[41]، وحشر الناس من الآفاق، وفرق فيهم من الأموال أمر عظيم، فكانت الدنانير تجعل في جامات[42] فضة، والدراهم في جامات ذهب، ونوافج[43] المسك وجماجم[44] العنبر والغالية في بواطي زجاج، ويفرق ذلك على الناس ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة، واُوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار[45] الذهب.

وأحضر نساء بني هاشم، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم، وصينية كبيرة فضة فيها طيب، ويخلع عليها خلعة وشيء مُثقَل، فلم يُر في الإسلام مثلها، وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت المال الخاصة سوى ما أنفقه الرشيد من ماله خمسون ألف ألف درهم.

واسم زبيدة أمة العزيز، وزبيدة لقب، وكان أبو جعفر يرقّصها[46]، وهي صغيرة وكانت سمينة ويقول: ما أنت إلاّ زبيدة، ما أنت إلاّ زبيدة فمضى عليها هذا الاسم.

ومنها: عرس[47] المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، بفم الصلح، وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً. وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس، فقالت: ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف، فبلغ الحسن بن سهل فقال: كان النفقة على يد زبيدة! أنفقنا خمسة وثلاثين ألف ألف وكان يجري في جملة الجرايات في كل يوم على نيف وثلاثين ألف ملاح.

وكان دخولـه في المدينة التي بناها بفم الصلح ـ على شاطئ دجلة ـ لثمان خلون من شهر رمضان سنة عشر ومائتين.

قال: وأمهر المأمون بوران مائة ألف دينار وخمسة آلاف ألف درهم، وأوقد بين يديه تلك الليلة ثلاث شمعات عنبر وكثر دخانها، فقالت زبيدة: إن فيما ظهر من المروءة لكفاية، ارفعوا هذا الشمع العنبر وهاتوا الشمع.

قال: ولما جلبت بوران على المأمون نثر عليها حباً كباراً كان في كمه، فوقع على حصير ذهب كان تحته، فقال: لله درّ الحسن بن هانئ ما أعظمه من شاعر فصيح حيث يقول:

كأن صغرى وكبرى من فواقعها

 حصباء در على أرض من الذهب

قال: وامتنع من كان حاضراً أن يلتقط شيئاً، فقال المأمون: أكرمنها! فمدّت زبيدة يدها فأخذت حبة فالتقط من حضر الباقي.

وكان اسم بوران خديجة وكانت وفاتها في سنة إحدى وسبعين ومائتين في أيام المعتمد، ولها ثمانون سنة، ولبوران ترثي المأمون:

أسعداني على البكا مقلتيا

 صرت بعد الإمام للهمّ فيّا

كنت أسطو على الزمان فلما

 مات صار الزمان يسطو عليا

ذكر ابن خُرداذبه: أن المتوكل أنفق على الأبنية التي بناها وهي: بركوارا، والشاه، والعروس، والبركة، والجوسق، والمختار، والجعفري، والغريب، والبديع، والصبيح، والمليح، والسندان، والقصر، والجامع، والقلاية، والبرج، وقصر المتوكليّة، والبهو، واللؤلؤة، مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم، ومن العين مائة ألف ألف دينار، تكون قيمة الورق عيناً بصرف[48].

علاج الفتنة في السرّاء والضراء:

في فتنة الضراء يجزع الناس، ويتعبون وييأسون ويجبنون، وهي نقاط سلبية خطرة في نفوس المؤمنين. ويتخذ الشيطان هذه النقاط مداخل إلى نفوس المؤمنين، يثبّطهم من خلالها، ويصدّهم عن الله ورسوله والمؤمنين، ويجرّهم إلى حياة الرخاء والعافية.

ولكي يقاوم الإنسان فتنة الضرّاء لابُدّ لـه من الذكر والتفويض والتوكل، والصبر والمقاومة والسكينة.

الذكر والتفويض والتوكل في علاقته بالله تعالى.

والصبر والمقاومة في علاقته بالساحة ومعاناتها وعذابها وهي فتنة الضرّاء.

والسكينة في علاقته بنفسه.

وفي فتنة السرّاء يصيب الإنسان الترهل، والاسترخاء، والترف، والطيش، والغرور، والسُّكر، والعُجب، والرئاء، والطغيان، والفساد، والكفر {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[49].

وهي نقاط خطرة ومهلكة، ينفذ من خلالها الشيطان إلى نفوس الناس، ويطوعّهم ويروضّهم لوساوسه وإغراءاته ويثيرهم ويحرّكهم كما يحب ويريد.

ولكي يقاوم الإنسان فتنة السرّاء لابُدّ له من الذكر، والطاعة، والزهد، والتقوى.

الذكر والطاعة في علاقته بالله.

والزهد في علاقته بالدنيا وفتن السرّاء.

والتقوى في علاقته بنفسه وأهوائها وميولها وشهواتها.

فتنة الضرّاء و السرّاء في هذا العصر:

وسوف يعود التاريخ مرة أّخرى بنا إلى فتنة الضرّاء والسرّاء من جديد، وتتكرّر دورة التاريخ من جديد، بعد انحسار الإسلام من الحياة وعودته إلى حياة المسلمين من جديد.

إِن عودة الإسلام إلى الحياة يمر بظروف مشابهة لظروف ميلاد هذه الأُمّة، وهي ظروف البأساء والضرّاء.

وقد بدأنا نعيش نحن المسلمين الدعاة إلى الله ورسوله ظروف البأساء والضرّاء، بشكل واضح في حياتنا المعاصرة، في كل مكان تقريباً.

وأصبحنا نألف في حياتنا اليومية الإِضطهاد، والملاحقة، والمضايقات، والسجون، والتعذيب، والفرار من الظالمين، وتمزّق الشمل، وفقدان الأمن، والمحنة، والمطاردة، والرعب، والجوع، وما أشبه ذلك.

ولست أريد أن أخص بذلك الجزائر ومصر وتركيا وفلسطين والمغرب والعراق والبحرين… ففي كل بلد من العالم الإسلامي يحكمه حاكم ظالم جائر نجد ألواناً من هذه الفتنة، ونجد شباب المسلمين وفتياتهم يعيشون مرارة هذه المحنة ومعاناتها بكل المعاني.

ولهم الله تعالى في هذه المحنة، وهو عزّ شأنه يراهم ويسمعهم ويرعاهم في عذابهم ومحنتهم، ولن تطول محنتهم، وإِن الصبح لقريب، ومن بعد هذه المحنة نصرٌ إنشاء الله، ولسنا نشك في ذلك.

ولكن بعد ذلك النصر فتنة من نوع آخر وهي فتنة السرّاء، وهي أخطر من فتنة الضرّاء.

ولئن نجح أسلافنا في فتنة الضرّاء وسقطوا في فتنة السرّاء بعد ذلك. فعلينا أن نعد أنفسنا من الآن لنتجاوز هذه الفتنة وتلك، ونحصّن أنفسنا ضد هذه الفتنة وتلك.

ولعل من أبناء هذا الجيل من يعيش الفتنتين معاً.

ولكي نحصّن أنفسنا وأبناءنا من كلتا الفتنتين لابُدّ لنا أن نستعين بالصبر والصلاة كما أمرنا الله تعالى:

{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}[50].

ونعمّق حالة الذكر والارتباط بالله في نفوسنا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[51].

ونتزود بالتقوى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[52].

تقنين الفتنة و أسبابها

فتنة الدعوة:

فتنة الدعوة والمواجهة فتنة شاملة مطلقة، ولا يمكن أن تنهض أُمّة برسالة الدعوة إلى الله تعالى دون أن يفتنهم الله تعالى بالبأساء والضراء في مواجهة المشركين.

ولا يمكن أن تشقّ الدعوة طريقها إلى الناس دون أن تواجه العوائق والعقبات.

وقد افتتن الله تعالى المسلمين في مكة وفي المدينة بالبأساء والضراء، كما أفتتن قبلهم الأُمم التي نهضت برسالة الدعوة إلى التوحيد وهذه هي فتنة الدعوة.

يقول تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[53].

فلا يكاد يتميز الذين صدقوا عن الكاذبين إِلاّ من خلال هذه الفتنة.

وقد كانت هذه الفتنة جارية في الأُمم السابقة، كما هي في هذه الاُمّة.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}[54].

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[55].

وفي هذه الآيات يؤكد القرآن على:

1 ـ إن فتنة البأساء والضرّاء سُنّة ثابتة في كل أمة تنهض في الأرض برسالة الدعوة إلى توحيد الله.

2 ـ والله تعالى بهذه السُنّة يميز بين الصادقين والكاذبين والضعفاء والصابرين.

مُضِلاَّت الفتن:

ومن الفتن ما ليس من هذه وتلك، وإنما هي من نوع العقوبة والعذاب، ونتيجة لما تكسب أيدي الناس من الإِثم، ومنها مضلات الفتن، التي تسلب الناس الرؤية والبصيرة وتذرهم في ظلمات الفتنة، إلاّ من عصم الله تعالى، فإنّ هذه الفتن من العقوبة التي يستحقها الناس على ما جنت أيديهم من الإِثم.

والقرآن الكريم صريح وواضح في ذلك:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[56].

{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}[57].

{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[58].

{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[59].

عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب “ع” في مضلات الفتن التي حدثت في أيامه: <قال رسول الله “ص”: ياعلي، إن اُمّتي سيفتنون من بعدي. ياعلي إن القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنّون بدينهم على ربهم، ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع.

قلت: يارسول الله فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك بمنزلة الرِدَّة أم بمنزلة الفتنة؟ فقال: بمنزلة الفتنة>[60].

إذن، تحدث مضلات الفتن وتتسع وتتعاظم، ويكثر فيها السقوط والهلاك والضلال، بموجب نظام وقانون وسُنّة، كما تجري التفاعلات الفيزيائية بموجب نظام وقانون وسنّة، وبشكل دقيق وبحسابات دقيقة. كذلك مضلات الفتن لا تحدث اعتباطاً وعفواً، و ليس من شيء يجرى في هذا الكون بصورة عفوية، وإِنما يكسب الناس هذه الفتن بما تجني أيديهم من الإثم.

يقول أميرالمؤمنين “ع” في نشوء الفتنة وأسبابها، وهو الخبير بها وهو من معالم الهدى فيها: <أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالَفُ فيها كتاب الله، ويَتَولَّى فيها رجالٌ رجالا، على غير دين الله. فلو أن الباطل خَلُص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أن الحق خلص من لبس الباطل إِنقطعت عنه ألسن المعاندين. و لكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث فيمزجان، فهناك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى>[61].

وعن أميرالمؤمنين “ع” أيضاً: <يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ إسمه، مساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها وعُمارها شر أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة.. يقول الله سبحانه.. لأبعثن على أُولئك فتنة تترك الحليم فيها حيراناً>[62].

وفي الحديث القدسي من خطاب الله تعالى لموسى بن عمران “ع”: >وأعلم إن كل فتنة بدؤها حب الدنيا<[63].

عمومية نتائج الفتنة:

إِنّ للفتن أسباباً طبقاً لسنن الله تعالى، فلا تحدث في حياة الناس فتنة إلاّ بنظام وقانون، وبما تكسب أيدي الناس، وبذلك تدخل الفتنة في دائرة التقنين.

ولكن آثار الفتنة ونتائجها لا تخص الذين أوقدوا نار الفتنة فقط وإنما تعمهم وغيرهم، ممن لم يكن لهم دور في إشعال الفتنة.

ومن الضروري أن نفهم الفتنة بهذه الصورة المقنّنة التي يرسمها القرآن من حيث المبادئ ومن حيث النتائج في الدنيا والآخرة.

1 ـ فمن حيث المبادئ تحدث الفتنة بما تكسب أيدي الناس من إثم وظلم إذا كانت مساحة الإثم والظلم كبيرة وواسعة في المجتمع.

{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

2ـ ولكن نتائج الفتنة لا تخص الذين ظلموا فقط، وإنما تعمهم وغيرهم ممن لم يقترفوا إثماً ولا ظلماً. والى هذا المعنى تشير الآية 25 من سورة الأنفال: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

فتشملهم محنة الفتنة، وابتلاء الفتنة، وإن لم يكن لهم دور في إشعال نار الفتنة.

3 ـ ولكن الفتنة ـ في هذه الحالة ـ تصيب دنياهم فقط، إذا تمسّكوا بالتقوى والإخلاص، ولاتصيب آخرتهم، فإنّ من خصائص القيامة الفرز والفصل، ومن أسماء القيامة (يوم الفصل) يقول تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[64].

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}[65].

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}[66].

فلا تزر وازرة وزر أُخرى يوم القيامة. يقول تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[67].

يومئذ يتميّز المجرمون من الصالحين {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، وتبلى السرائر {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[68].

فإذا كانت الفتنة تصيب المتقين في دنياهم، فلا تصيبهم في دينهم، ويجعل الله تعالى لهم من التقوى فرقاناً يعصمهم من الفتن.

يقول تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[69].

ويقول أميرالمؤمنين “ع”: <اعلموا إنّه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ونوراً من الظلم>[70].

وهذه نقاط وحقائق أساسية يرسمها القرآن للفتنة.

الآثار الايجابية للفتنة:

وإذا كانت الفتنة مصدر تضليل وسقوط وهلاك في حياة الكثيرين، فإنّها في حياة الصالحين تمحيص وتهذيب.

وعن هذا الدور المزدوج لفتنة القتال بين المؤمنين والكافرين يقول تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[71].

إنها للمؤمنين تمحيص وتشذيب وتهذيب وتزكية، وللكافرين محق وسقوط وهلاك. وليس الفرق في الفتنة، ولكنّ الفرق فيمن تشمله الفتنة.

عن معمر بن خلاد: سمعت أبا الحسن “ع” يقرأ: <{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}، ثم قال لي: ما الفتنة؟ قلت جعلت فداك: الفتنة التي عندنا فتنة في الدين، فقال: يفتنون كما يفتن الذهب، ثم قال: يخلصون كما يخلصون الذهب>[72].

وهذا التشذيب والتهذيب يتم في بعدين: بُعد عمودي داخل نفوس المؤمنين، وبُعدٌ أفقي في المجتمع الإسلامي.

أمّا البعد الأول: ففي نفوس المؤمنين خير وشر، وصلاح وفساد، ويقين وشك، وتقوى وهوى.

ولا تخلص مما فيها من الهوى والشك والإثرة والأنانية إلاّ في (الفتنة)، وذلك قولـه “ع”: <يفتنون كما يفتن الذهب ويخلصون كما يخلص الذهب>.

وهذا هو البعد العمودي لدور الفتنة في نفوس المؤمنين.

أمّا البعد الثاني: ففي المجتمع؛ فإنّ المجتمع خليط من المؤمنين والمنافقين، والأقوياء وضعفاء الإيمان، وأصحاب اليقين والبصيرة و المرتابين، وذوي العزائم والمترددين، ولا يستطيع أن ينهض المجتمع بهذا الخليط غير المتجانس بمسؤولية الدعوة إلى التوحيد وتقرير حاكمية الله على وجه الأرض من دون أن يتم فرز هذا الخليط غير المتجانس بعضه عن بعض.

عن أبي عبد الله الصادق “ع”: <تمنّوا الفتنة، ففيها هلاك الجبابرة وطهارة الأرض من الفسقة>[73].

والى هذا الفرز والفصل يشير أميرالمؤمنين “ع” فيما روى عنه الشريف الرضي في نهج البلاغة: <ألا وإن بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه “ص”، والذي بعثه بالحق لتبلبلُن بلبلة، ولتغربلُن غربلة، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقن سبّاقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا>[74].

وكلام الإمام واضح أن الناس في هذه الفتنة يغربلون بغربال الفتنة، فيصعد ناس إلى قمة المجتمع من قاعدة الهرم، ويهبط ناس من القمة إلى القاع، ويسبق ناس عرفوا بالقصور، ويقصر ناس عرفوا بالسبق، كما حدث ذلك بدء دعوة رسول الله “ص”، فقد رفع الله بالإسلام ناساً كانوا موضع احتقار الناس وامتهانهم، ووضع الله بالإسلام ناساً كانوا في قمة الهرم الاجتماعي يومذاك.

إذن، الفتنة خافضة رافعة، تخفض بناس، وترفع بآخرين، وهذا الخفض والرفع يتم ضمن سنن ونظام الهيّ في حياة الناس، يكشف القرآن عنه الغطاء.

وهذا هو البعد الثاني للتهذيب والتشذيب الذي يتم بالفتنة.

ولربما يكون في حديث الإمام الصادق “ع” التالي إشارة إلى هذين البعدين معاً.

يقول “ع”: <والله لا يكون ما تَمُدّونَ إليه أعينكم، حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تمحصوا>[75].

ويقول “ع”: <والله لتمحصن، والله لتميزن، والله لتغربلن>[76].

والإمام الصادق “ع” يتحدث في هذين الحديثين عن فتنة آخر الزمان.

والتمحيص هو البعد الأول للتهذيب والتشذيب.

والغربلة والتمييز هو البعد الثاني للتهذيب والتشذيب.

مضلات الفتن

مضلات الفتن من سنن الله تعالى في حياة الناس.

ولهذه السُنّة الإلهية نظام وقانون، شأن كل السنن الإلهية في التاريخ والمجتمع.

وفي الفتن يتكوّن الرجال الأشدّاء الذين يزيلون الجبال عن مواضعها، ويرقى الإنسان إلى الله تعالى.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.

إن الفتنة خافضة رافعة، وكما ترفع ناساً إلى الله، تسقط ناساً وتهلكهم، وهذه ضريبة الخلقة والتكوين ليس عنها من محيص.

وإذا حلّت مضلات الفتن بقوم سلبتهم بصائرهم، وأفقدتهم صوابهم وبصائر قلوبهم، إلاّ من عصم الله.

وقد ورد في الدعاء من تعقيبات صلاة العصر عن الإمام الصادق “ع”: <اللّهم إنّي أعوذ بك من مضلات الفتن>[77].

فإذا أعاذ الله تعالى عبداً من مضلات الفتن عصمه، وأنار عقله وقلبه، فلا تنال منه الفتنة قليلا ولا كثيراً.

ولهذه العصمة أصول وقوانين، كما للفتنة أصول وقوانين.

كيف تتكوّن مضلات الفتن:

يقول الإمام أميرالمؤمنين علي “ع”: <إِن الفتن تحوم كالرياح، يصبن بلداً ويخطأن أخرى>[78].

أرأيتم العواصف الرملية التي تهب من بعيد، فتصيب بلداً وتخطأ أخرى كذلك الفتنة.

ولهذه الإصابة والعدول سنن ونظام.

ولا تصيب الفتنة قوماً صدفة، ولا يسلم قوم من الفتنة بصورة عفوية.

وعلينا أن نفهم (الفتنة) بهذه الصورة العلمية في نشوئها، وتعاظمها، وخسائرها، وأرباحها، وآثارها، فليس شيء في هذا الكون يحدث صدفة، ويتعاظم ويمتد، أو يتقلص وينقضي بصورة عفوية، فإنّ كل ما في هذا الكون يخضع للنظام والقانون، وسنن الله تعالى في الفيزياء والكيمياء لا تختلف عن سنن الله تعالى في التاريخ والمجتمع.

والفتنة، ومضلات الفتن واحدة من هذه السنن تحدث بقانون، وتتعاظم بنظام، وتصيب مجتمعاً وتعدل عن آخر بنظام، ويسقط فيها ناس ويسلم منها آخرون، كل ذلك بنظام وسبب.

انقلاب البصائر:

إن مضلات الفتن تسلب الناس الرؤية، فلا يعرف الإنسان في الفتنة الحق من الباطل، ولا الصراط المستقيم عن سبل الشيطان، إلاّ من عصم الله.

وهذه واحدة من خصائص الفتنة.

وقد تقلب الفتنة الرؤية للإنسان، فيرى الإنسان الحق باطلا والباطل حقاً، والهدى ضلالاً والضلال هدى، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، وهذه الحالة هي حالة الانقلاب في البصائر، وهي أضرّ من انعدام الرؤية.

إن الظلمة لاتزيد على انعدام النور، ولكن الفتنة تقلب الرؤية عند الإنسان، فيرى الإنسان فيها المنكر معروفاً والمعروف منكراً، إلاّ من عصم الله، وهذه حالة أبلغ في الضلال من حالة انعدام الرؤية التي (تهبط فيها الرؤية بلغة الفيزياء إلى الصفر).

وقد كان أميرالمؤمنين علي “ع” يقول: <أنا فقأت عين الفتنة> يعني جعلتها عوراء، كي لا ينخدع بها الناس.

فقام إليه رجل فقال: حدّثنا يا أميرالمؤمنين عن الفتنة.

قال “ع”: <إن الفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت نبهت، يشبّهن مقبلات، وينبهن مدبرات>[79].

وهي حالة غريبة في الفتنة، إذا أقبلت يلتبس على الإنسان الحق بالباطل (شبّهت)، وإذا أدبرت نبّهت الإنسان فيعجب الإنسان كيف التبس عليه هذا الأمر؟ فرآه بغير وجهه، بل رآه منكوساً بخلاف ما هو عليه.

ولست أجد تفسيراً لما حصل للمسلمين صدر الإسلام من القتال غير ذلك.

فلا نستطيع أن نفسّر قتال الناس لـ(علي “ع”)، وخذلان الناس للحسن “ع”، وقتالهم للحسين “ع”، وإيثارهم لمعاوية وإبنه يزيد على علي والحسن والحسين^ بغير هذا التفسير.

فلا يكاد يؤثر أحد معاوية بن أبي سفيان على علي والحسن “ع”، ولا يزيد بن معاوية على الحسين “ع” إلاّ إذا انتكست لديه الرؤية، فأصبح يرى الأشياء مقلوبة، وهي حالة غريبة في التاريخ والمجتمع.

وعن هذه الحالة يقول الإمام أميرالمؤمنين علي “ع”: <لُبِسَ الإسلام لبس الفرو مقلوباً>[80].

ومن قبل وقف إبراهيم “ع” وحده يدعو إلى الله، ووقف الناس يتفرجون كيف يلقي نمرودُ إبراهيم “ع” في النار ليحرقه فيها.

فكان إبراهيم “ع” لوحده في هذه الفتنة اُمّة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ}، والناس كلهم أُمّة أخرى.

انقلاب في المواقف:

ويتبع الإِنقلاب في البصائر إنقلاب في المواقف، ويتحول الإنسان من موقف إلى موقف ومن جبهة إلى جبهة ومن معسكر إلى معسكر انقلاباً مفاجئاً، تبعاً لما يصيب الإنسان من الانقلاب في الرؤية والبصيرة.

روي عن رسول الله “ص” في الفتن التي تصيب الناس من بعده: <ليغشين من بعدي فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام دينهم بعَرَض من الدنيا قليل>[81].

مفاجأة في الردّة (يصبح مؤمناً ويمسي كافراً)، واسترخاص للدين، وهو أعز ما عند الإنسان، حتى إنّ أقواماً يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل.

وعن رسول الله “ص” أيضاً في الفتنة التي تهجم على الناس من بعده:

<ستكون فتن، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، إلاّ من أحياه الله تعالى بالعلم>[82].

فإذا أحيى الله تعالى قلب عبده بالعلم، وجعل فيه نوراً من عنده وبصيرة، وعصمه من الفتنة فلا تضره الفتن.

وهذه الحالة، وهي حالة انقلاب البصائر والمواقف أشد ما يكون على الناس في الفتنة.

ورحم الله فرزدق الشاعر، قال للحسين “ع” عندما سأله “ع” عن الناس في العراق من خلفه: (قلوبهم معك وسيوفهم عليك)، وهي حالة إنفصال البصائر عن المواقف (القلوب عن السيوف). والبصيرة والموقف أمر واحد فإذا انشطرا شطرين، إنشطرت معهما شخصية الإنسان.

إلاّ أن الذي يرويه الرواة عن رسول الله “ص” فيما يحدث من بعده من الفتن أعظم من ذلك؛ لأَنها من الانقلاب في البصائر والمواقف معاً حيث يقول “ص”: (ليغشين من بعدي فتن كقطع الليل المظلم)، و هذا من الانقلاب في (البصائر)، ثم يقول “ص”: (يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً) وهذا من الانقلاب في (المواقف).

فتنة بني أمية والخوارج:

وقد حدثت بعد وفاة رسول الله “ص” فتن كقطع الليل المظلم، كما حدّثنا بذلك رسول الله “ص”، فقد فيها المسلمون الكثير من رشدهم ووعيهم، ودخلوا في مداخل ضلال وتيه إلاّ من عصم الله تعالى.

وقد أخبر رسول الله “ص” المسلمين بذلك في مواقع كثيرة، ونهاهم أن يعودوا كفاراً من بعده، يقتل بعضهم بعضاً، وبيّن لهم أن الفتن مقبلة عليهم كقطع الليل المظلم.

  • عن زينب بنت جحش إنها قالت: استيقظ رسول الله “ص” من نومه وهو محمر وجهه، وهو يقول: <لا اله إلاّ الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج، وعقد بيديه عشرة.

قالت زينب قلت يارسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟

قال: إذا كثر الخبث>[83].

  • وعن أبي امامة عن رسول الله “ص”: <ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً إلاّ من أحياه الله بالعلم>[84].
  • وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله “ص” قال: <كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي، يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حُثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه>[85].
  • وروى مسلم في الصحيح عن رسول الله “ص”: <يكون بعدي أُمراء لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، وستقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس>[86].
  • وروى ابن ماجة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله “ص”: <إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً>[87].
  • وعن محمد بن سلمة أن رسول الله “ص” قال: <إنها ستكون فتنة وفرقة وخلاف>[88].

ومن ابرز مصاديق هذه الفتنة فتنة بني اُمية، يقول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب “ع”: <ألا إن أخوف الفتن عندي فتنة بني أمية>[89].

فقد كانت فتنة بني أمية فتنة عمياء. وفي هذه الفتنة استعاد بنو أمية الكثير من الأعراف والأفكار الجاهلية إلى الإسلام من خلال موقع خلافة رسول الله “ص” ـ كما استعادوا مواقعهم الاجتماعية والسياسية التي سلبهم الإسلام ـ فَحَلَّ معاوية ويزيد بما يحملان من أعراف وأفكار وتصورات وأفعال جاهلية محل رسول الله في الحكم والولاية.

وكان من أهم نتائج (صفّين) و(الطف) إلغاء شرعية خلافة آل أبي سفيان، وإحباط دور هذه الفتنة عن بصائر المسلمين، حتى وإن خرج معاوية ويزيد منتصرين من الناحية العسكرية على علي والحسن والحسين^.

وفي ذلك يقول أميرالمؤمنين “ع”: <أنا فقأت عين الفتنة>[90].

والفتنة الأخرى في أيام حكم الإمام “ع” كانت فتنة الخوارج. وقد كانت هذه الفتنة تركيباً معقّداً من مجموعة من الفتن، والأفعال، وردود الأفعال، انتهت إلى النهروان، فكانت هذه الفتنة أوجع لقلب أميرالمؤمنين “ع” من فتنة صفّين، لأَن ضحايا (النهروان) ضحايا الجهل، أمّا ضحايا صفّين فكانوا ضحايا الهوى والسلطة.

وكان الإمام “ع” يقول: <ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه>[91].

وفتنة (النهروان) كانت من النوع الأول، و فتنة (صفين) من النوع الثاني.

ومهما يكن من أمر. فقد كان من تقدير الله تعالى أن يعيش الإمام “ع” هذه الفتن الثلاثة بكل مآسيها ومصائبها. وهي فتنة (الجمل) و(صفّين) و(النهروان)، وجعله الله تعالى في هذه الفتن الثلاثة إمام هدى للمسلمين، وَمعْلَماً واضحاً من معالم الحق، فكان يقول “ع” في الفتن التي حدثت أيام حكمه: <فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون>[92]، مشيراً إلى الفتن الثلاثة التي حدثت أيام حكمه في الجمل وصفّين والنهروان.

وكان “ع” يقول: <أنا فقأت عين الفتنة> ولم يكن غير الإمام أميرالمؤمنين “ع” من يتمكن يومئذ أن يفقأ عين الفتنة.

الموقف من الفتنة:

لا أحد يستطيع أن يمنع الفتنة، ويحول بينها وبين الناس، إذا أراد الله تعالى أن تحلَّ الفتنة بأمّة من الناس، فما هو الموقف الصحيح إذن تجاه الفتنة؟

إنّ الموقف الذي يقرره القرآن الكريم من الفتنة هو مقاومة المفسدين وأئمة الظلم وسبل الشيطان في الفتنة.

يقول تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[93].

ويقول تعالى: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[94].

ويقول تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[95].

ويقول تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[96].

ويقول تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[97].

ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[98].

والآيات بهذا المعنى كثيرة وفي بعضها كفاية لمن أراد الحق والهدى في ظلمات الفتنة.

فإذا حلّت الفتنة بطائفة من المسلمين، فلا يصح ولا يجوز أن يستسلموا للظالم، ويدخلوا في حزبه وجنده، ولا يصح ولا يجوز أن يتهرّب الإنسان من مواجهة الفتنة، ويُغيِّب وجهه من ساحة الفتنة. فإنّ الساحة التي تَحِلُّ فيها الفتنة، وتحرقها هي ساحتنا. فلا يجوز أن يكون الإنسان وقوداً لهذا الحريق، ولا يجوز أن يقف الإنسان موقف المتفرج من هذا الحريق، ولذلك فإنّ الموقف الصحيح هو المقاومة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد، والتحذير، والإنذار، ما يسع الإنسان ذلك، وقبول كل التبعات السلبية والمضايقات التي يتعرض لها الإنسان من ناحية الظالمين في هذه الحالة.

  • روي عن رسول الله “ص”: <إن رحى الإسلام ستدور، فحيث ما دار القرآن فدوروا به. يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرقا. انه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم، وان عصيتموهم قتلوكم.

قالوا: يارسول الله فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونوا كأصحاب عيسى “ع”، نشروا بالمناشير، ورفعوا على الخشب. موت في طاعة خير من حياة في معصية>[99].

  • وروى الترمذي عن طارق بن شهاب قال: أول من قدّم الخطبة قبل الصلاة مروان. فقام رجل، فقال لمروان: (خالفت السنة). فقال: يافلان تُرِكَ ما هُنالِكَ.

فقال أبو سعيد: أمّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله “ص” يقول: <من رأى منكراً فلينكر بيده، ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان>، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح[100].

  • وروى الترمذي في السنن عن أبي سعيد الخدري، إن النبي “ص” قال: <إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر>[101].
  • ورواه أيضاً ابن ماجة في السنن[102].
  • وروى المتقي الهندي في الكنز: <أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر>[103].

والأحاديث بهذا المعنى كثيرة.

وهذا هو روح الإسلام في الموقف من الظالمين، أمّا المواقف المنحرفة فهي:

الاستسلام للفتنة:

  • روى ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وهو جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه. فسمعته يقول: بينا نحن مع رسول الله “ص” في سفر إذ نزل منزلا. فمنّا من يضرب خباءه ومنّا من يتنصل… إذ نادى مناديه الصلاة جامعة فاجتمعنا، فقام رسول الله “ص” فخطبنا فقال:… >إن أمّتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وان آخرهم يصيبهم بلاء وأمور تنكرونها، ثم تجيء فتن يرقق بعضها بعضاً، فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تتكشف، ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي، ثم تنكشف، فمن سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يجب أن يأتوا إليه. ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يمينه وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر<.

قال: فأدخلت رأسي من بين الناس، فقلت: أنشُدُكَ الله أنت سمعت هذا من رسول الله “ص”، فأشار بيده إلى أذنيه، فقال: سَمِعَتْهُ أذناي ووعاه قلبي[104].

ولا نريد أن نقف طويلا عند مناقشة هذا الحديث، فإنّ عبد الله بن عمرو بن العاص وقف إلى جانب أبيه عمرو بن العاص في فتنة صفين يقاتل أميرالمؤمنين “ع”، فلا غرو إذا كان يدعو إلى طاعة معاوية ويزيد ويقول: (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يمينه وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع)[105].

  • وروى مسلم عن بعض أصحاب رسول الله “ص” عن رسول الله “ص”: >يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنتي، وستقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قلت: كيف أصنع يارسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير، وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع<[106].
  • وروى العجاج الراجز قال: قال لي أبو هريرة: ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق.

قال: يوشك أن يأتيك بقعان الشام فيأخذوا صدقتك. فإذا أتوك فتلقهم بها، فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخلِّ عنهم وعنها، وإياك وان تسبّهم فإنّك إن سببتهم ذهب أجرك، وأخذوا صدقتك، وان صبرت جاءت في ميزانك يوم القيامة[107].

  • وعن زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله “ص”: <إنكم سترون بعدي اثرة وأموراً تنكرونها.

قالوا: فما تأمرنا يارسول الله.

قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم>[108].

ولست أعرف أمراً أحب إلى نفوس هؤلاء الظالمين وأرضى لمطامعهم من أن يؤدي الناس إليهم حقوقهم، ويسألون الله تعالى بعد ذلك ما يشاؤون من حقوقهم.

والحديث في ذلك كثير في المجاميع الحديثية[109].

وفي رأينا إن هذه الأحاديث موضوعة على رسول الله “ص”، ولست أَشكُّ في ذلك، وقد عرفنا حديث رسول الله “ص” في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الركون للظالمين، والوقوف في وجه الظالمين بكلمة الحق.

الموقف الانهزامي من الفتنة:

الموقف الآخر من الفتنة الموقف الانهزامي القائم على الفرار من المسؤولية. وهو موقف يرفضه الإسلام، فيما نعرف نحن من هذا الدين من تعميق الإحساس بالمسؤولية في نفوس المسلمين، والتأكيد على الموقف المسؤول في كل فتنة ورفض الهزيمة من الفتنة.

وقد روى الرواة في عصور الفتنة، روايات كثيرة لتبرير الفرار من الفتنة ننقل فيما يلي طرفاً منها:

  • عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: <قال رسول الله: كيف أنت وقتلا يصيب الناس حتى تغرق حجارة الزيت بالدم؟

قلت: ما خار الله لي ورسوله.

قال: الحق بمن أنت منه، قلت: يارسول الله: أفلا آخذ بسيفي فاضرب به من فعل ذلك.

قال: شاركت القوم إذن، ولكن ادخل بيتك.

قلت: يارسول الله فإن دُخِلَ بيتي.

قال: إن خشيت أن يُبْهِرُك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك فيبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار>[110].

ولسنا نشك في أن أبا ذر لا يمكن أن يتحدث بمثل هذا الحديث، ولو كان أبو ذر من أُولئك الذين يرون إنَّ الفرار من الفتنة هو الموقف، لم يقف موقفه المعروف من فتنة المال في عصر عثمان بن عفان، ولم يلجأ الخليفة لإبعاده إلى الربذة، ولعاش في داره في أمان وعافية وأغلق باب داره على نفسه حتى لا تصيبه الفتنة.

  • وروت عُدَيسة بنت أهبان، قالت: لما جاء علي بن أبي طالب ههنا البصرة دخل على أبي، فقال: >يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم. قال: بلى، فدعا جارية له.

فقال: ياجارية اخرجي سيفي، قال: فأخرجته، فَسَلَّ منه قدر شبر، فإذا هو خشب.

فقال: إن خليلي وابن عمك “ص” عهد إلي إذا كانت الفتنة بين المسلمين، فاتخذ سيفاً من خشب، فإن شئت خرجتُ معك.

قال: لاحاجة لي فيك وفي سيفك<[111].

  • وروى أبو موسى الأشعري قال: <قال رسول الله “ص”: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً. القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيّكم، وقطّعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة>[112].
  • وعن محمد بن مسلم إن رسول الله “ص” قال: <إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلك فأت بسيفك أحداً، فاضربه حتى ينقطع، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية>[113].
  • وعن ابن مسعود عن رسول الله “ص”: <تكون فتنة، النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي…>[114].

الموقف التبريري من الفتنة:

وهناك موقف آخر ابتدعه بعض علماء التبرير والتصحيح، ليصحح عمل كل الأطراف المشتركة في الفتنة من حق وباطل، والتخلص من تبعة إدانة طرف من الأطراف المشاركة في الفتنة، وإيثار العافية في الفتنة في القول والحكم.

واليك نماذج من هذا الباب الذي هو أغرب أبواب الموقف من الفتنة:

  • روى أبو بردة قال: جعلت رؤوس هذه الخوارج تجيء، فأقول إلى النار. فقال لي عبد الله بن يزيد، مايدريك؟ سمعت رسول الله “ص” يقول: <جعل الله عذاب هذه الأُمّة في دنياهم>[115].
  • وعن عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: قال رسول الله “ص”: <عذاب أمتي في دنياها>[116].
  • وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله “ص”: <أمتي مرحومة قد رفع عنهم العذاب إلاّ عذابهم أنفسهم بأيديهم>[117].

ولسنا نحتاج إلى مناقشة هذه الروايات من حيث السند والمتن والدلالة، ولا نتّهم أحداً من الصحابة والتابعين بالخصوص في إنتحال هذه الروايات على رسول الله “ص”، إلاّ من عرفنا منه ميلا إلى بني أُميّة، ولكننا على يقين أن هذه الروايات تعارض ما عرفناه من كتاب الله و ما صح من سُنة رسول الله “ص” من وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد وباللسان وبالقلب، وجهاد الظالمين، وحرمة الركون إلى الظالمين، وتحريم إتباع المسرفين. ومن يعرف روح هذا الدين من خلال كتاب الله وما صح وتواتر عن رسول الله “ص” يطمئن إلى أن هذه الأحاديث منحولة موضوعة على رسول الله “ص”، ورسول الله “ص” منها بريء.

كن في الفتنة كابن اللّبون:

ومما روي عن أميرالمؤمنين “ع” في الموقف من الفتن، الكلمة المشهورة التي يرويها الشريف الرضي في نهج البلاغة: <كن في الفتنة كابن اللّبون لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب>[118].

وإذا صحت نسبة هذه الكلمة إلى أميرالمؤمنين “ع”، فلابدّ أن يكون مقصود الإمام “ع” منها أحد أمرين:

أن يكون قصد الإِمام الفتنة التي تقع بين طرفين يتكالبان على الدنيا وكلاهما باطل، إذا كان المؤمن لا يتمكن من إزالتهما جميعاً من الساحة.

وإمّا أن يكون مقصود الإمام أن لا يعطي الإنسان من نفسه للباطل شيئاً في الفتنة، فإنّ المؤمن ضنين بنفسه في الفتنة، لا يعطي من نفسه ودينه وآخرته للأطراف الباطلة في الفتنة، ولا يأذن أن تحرقه الفتنة، ولا يبيع دينه في الفتنة بقليل من متاع الدنيا أو كثير يغريه به أئمة الباطل.

وهذا التوجيه أشبه بكلام الإمام “ع” من التوجيه الأول.

والفتنة تحرق طائفتين، وتسلم منها طائفة.

تحرق الذين يركبون موجة الفتنة، كما تحرق المتفرجين على ملعب الفتنة، ولا يسلم منها غير أُولئك الذين يتعاملون مع الفتنة من موقع المسؤولية الشرعية، ويقاومون الباطل في هذا الصراع ما وسعهم ذلك.

معالم الهدى في الفتن

والله تعالى بعباده رؤوف رحيم، يفتتن الناس بالخير والشر {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} لكن لا يكلهم إلى أنفسهم، ولا يمكّن الشيطان منهم، إلاّ من جعل للشيطان على نفسه سبيلا {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[119].

فإذا افتتن الله تعالى عباده بالفتنة، جعل لهم في الفتنة من الهداة الصالحين من عباده معالم يعرفون بها كيف يعملون في الفتنة، ويميّزون فيها الحق من الباطل ويهتدون بهم، كما يهتدي الناس بالنجوم {عَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[120].

علي “ع” من معالم الهدى في الفتن:

ومن معالم الهدى في ظلمات الفتن علي بن أبي طالب “ع”، فقد كان رسول الله “ص” يُحَدِّثُ أُمتّه بما يحدّث لهم من بعده من الفتن، وكان يحدّثهم بأن الله تعالى جعل لهم من بعده علي بن أبي طالب علامة بين الحق والباطل، فمن أراد الحق وقف مع علي بن أبي طالب في كل موقف اختلف فيه مذاهب الناس، وقد عرف المسلمون يومئذ أَن علي بن أبي طالب “ع” من معالم الهدى في مضلات الفتن.

واليك طائفة من أحاديث رسول الله “ص” في هذا الشأن:

  • روى الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب عن إسحاق بن بشير عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله “ص” يقول: <ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب “ع”>[121].
  • وروى أخطب خوارزم في المناقب عن أبي ليلى الغفاري: <سيكون بعدي فتنة، فإذا كان بعدي ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنّه الفارق بين الحق والباطل>[122].
  • وروى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله “ص” يقول لعلي “ع”: <أنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل>[123].
  • وروى الحمويني في (فرائد السمطين) باسناده عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله “ص” يقول لعلي “ع”: <أنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل>[124].
  • وروى أبوبكر الهيثمي في (مجمع الزوائد) عن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي “ص” بيد علي “ع” فقال: … <هذا فاروق هذه الأُمّة، يفرق بين الحق والباطل>[125].
  • وروى ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان عن ابن عباس: ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب “ع” فإنّي سمعت رسول الله “ص” يقول وهو اخذ بيد علي “ع”: ..<هو فاروق هذه الأُمّة، يفرق بين الحق والباطل>[126].
  • وروي أن رسول الله “ص” كان يقول: <إن علياً مع الحق والحق مع علي> بألفاظ مختلفة واليك بعضها:
  1. – روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عمن روى عنه عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله “ص” يقول: <علي مع الحق، والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة>[127].
  2. ـ وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أم سلمة: أن النبي “ص” قال لعلي “ع”: <أنت مع الحق والحق معك حيثما دار>[128].
  3. ـ وروى الحمويني الشافعي في فرائد السمطين عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله “ص” يقول: <علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض>[129].
  • وروي أن رسول الله كان يدعو لعلي أن يدير الله تعالى الحق معه.

ـ روى الحافظ الترمذي في الصحيح عن علي “ع” قال: قال رسول الله “ص”: >رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيثما دار<[130].

عمار بن ياسر من معالم الهدى في الفتن:

ومن معالم الهدى في الفتن عمار بن ياسر، جعله الله تعالى معلماً من معالم الهدى في ظلمات الفتنة، وحدّث بذلك رسول الله “ص”، وصح عنه الحديث، وتواترت عنه “ص” الرواية في ذلك، واليك طرف من أحاديث رسول الله “ص” في عمار (رواها الشيخ الأميني في الغدير)[131].

  • منها ما أخرجه ابن عساكر من طريق علي “ع”: <عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً>[132].
  • وأخرج ابن سعد في الطبقات مرفوعاً: <إن عمار مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار>[133].
  • وأخرج الطبراني والبيهقي والحاكم من طريق ابن مسعود مرفوعاً: <إذا اختلفت الناس، كان ابن سمية مع الحق>[134].
  • وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال عليك بكتاب الله. قال: أرأيت إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله؟ فقال: سمعت رسول الله “ص” يقول: <إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق>.
  • وأخرج أبو عمر في الاستيعاب من طريق حذيفة: <عليكم بابن سمية؛ فإنّه لن يفارق الحق حتى يموت، أو قال فإنّه يدور مع الحق حيث دار>[135].
  • وعن عائشة مرفوعاً: <عمار ما عرض عليه أمران إلاّ اختار الأرشد منهما>.
  • وعن طريق عائشة: <لا يخيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما<، أو>ما خيّر بين أمرين إلاّ أختار أرشدهما>[136].
  • وأخرج البزاز من طريق علي “ع” مرفوعاً: <دم عمار ولحمه حرام على النار أن تطعمه أو أن تأكله أو أن تمسه>[137].
  • وعن رسول الله “ص”: <ما لقريش وعمار، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قاتله وسالبه في النار>[138].

وعن خالد مرفوعاً: <من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله>. صححه الحاكم والذهبي والهيثمي.

وفي لفظ الطبراني: <من يعادي عماراً يعاديه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله، ومن يسبّ عماراً يسبه الله، ومن يسفّه عماراً يسفّهه الله، ومن يحقّر عماراً يحقره الله>[139].

وروي انه قيل لحذيفة: إن عثمان قد قتل فما تأمرنا، قال: إلزموا عماراً، قيل: إن عماراً لا يفارق علياً. قال: إن الحسد أهلك للجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعليٌّ أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإنّ عماراً من الأخيار[140].

  • وقد روي متواتراً عن رسول الله “ص” بطرق كثيرة صح جملة منها: <إن عمار تقتله الفئة الباغية>.

واليك بعض ألفاظه من كتاب الغدير للشيخ الأميني 9: 21ـ22:

ـ (ويحك يابن سمية تقتلك الفئة الباغية).

ـ (تقتل عماراً الفئة الباغية وقاتله في النار).

ـ (ويح عمار، أو ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية).

ـ (تقتل عماراً الفئة الباغية).

ـ (تقتلك الفئة الباغية)

ـ (قاتل عمار في النار).

ـ (تقتل عماراً الفئة الباغية عن الطريق، وان آخر رزقه من الدنيا ضياح من لبن).

ـ (وأخبرني حبيبي “ص” انه تقتلني الفئة الباغية وان آخر زادي مذقة من لبن).

ـ (انك لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحق، يكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن).

ـ (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار).

ـ (ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية قاتله وسالبه في النار).

ـ وفي لفظ عائشة: (اللهم بارك في عمار. ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن…)[141].

التبادل بين الحق وأهل الحق:

بين الحق وأهل الحق تبادل في الدلالة، فقد جعل الله تعالى أهل الحق دليلا على الحق ـ كما حدّث رسول الله “ص” أن علياً “ع” وعماراً من معالم الحق ـ والعكس أيضاً صحيح، فقد جعل الله الحق دليلا على أهل الحق.

فإذا التبس على الناس أمر الحق والباطل استدلوا على الحق بأهل الحق، وإذا التبس على الناس الأمر في أهل الحق استدلوا بالحق على أهل الحق.

وللحق نور يميز به الناس أهل الحق من أهل الباطل، ولأهل الحق نور يميز به الناس الحق من الباطل.

وكل منهما صحيح، وهذه من رقائق معارف القرآن. فقد عرّف الله تعالى في كتابه: الصراط المستقيم، بالذين أنعم الله عليهم، وسبل الشيطان بالمغضوبين والضالين {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.

والجملة الثانية (صراط الذين) وصف وبيان للجملة الأُولى (إهدنا الصراط المستقيم).

وذكر الله تعالى في كتابه في سورة الكهف قصة لقاء موسى بن عمران بالعبد العالم الذي آتاه الله من لدنه علماً بتفصيل. والغاية من هذه القصة ـ والله العالم ـ أن يتعلم موسى بن عمران “ع” من ربه كيف يهتدي بأهل الحق إلى الحق، وكيف يجعل من أهل الحق دليلا على الحق، إن كان لا يحيط به خُبراً.

هذا، والله تعالى، عاصم عبده وكليمه موسى بن عمران “ع” من الجهل والهوى والخطأ.

ومن نماذج الاهتداء بالحق إلى أهل الحق قوله تعالى:

{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}[142].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا}[143].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[144].

{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[145].

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[146].

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[147].

{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[148].

{وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[149].

وعلى هذا النهج وردت آيات كثيرة في القرآن تلتقي عند مفهوم واحد، وهو الاهتداء بما في القرآن من الحق إلى أنّ هذا الكتاب حق من عند الله، ومن جاء به أرسل من عند الله بهذا الحق، ودليل ذلك ما في هذا الكتاب من بيان وهدى وموعظة، وما في هذا الكتاب من وحدة وانسجام في الأفكار والمفاهيم:

{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}.

وما في هذا الكتاب من برهان ونور وبيان.

وما فيه من شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين.

وما فيه من إحكام وتفصيل في الآيات.

وما فيه من هدى وبشرى وتبيان لكل شيء.

وما فيه من الحق الذي لا يشوبه باطل.

وما فيه من قدرة عالية لانظير لها في تحدّي الناس بأن يأتوا بمثله، بل بسورة منه، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

كل ذلك وغيره من الحق دليل على أن هذا القرآن حق من عند الله، ومن جاء به أُرسل بالحق من عند الله. وهذا نحو آخر من الدلالة: هي دلالة الحق على الحق في مقابل دلالة الحق على أهله، ودلالة أهل الحق على الحق.

وقد روي أن بعض جند الإمام “ع” في (الجمل) تهيّب أن يقاتل جيشاً تقوده أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر والزبير وطلحة وجمع من أصحاب رسول الله “ص”، فجاء إلى علي “ع” يبثه ما في نفسه من الشك، فقال له أميرالمؤمنين “ع”:

<انك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه>[150].

وهذا النوع من الدلالة من دلالة الحق على أهله وكل منهما صحيح، فإذا كان الحق بيّناً كان الحق دليلا على أهله.

وإذا كانت (البيّنة) في أهل الحق كان أهل الحق أدلاّء على الحق.

وقد يدل الحق على الحق أيضاً، كما أسلفنا.

ويختلف الحال من موضع إلى موضع ومن حال إلى حال.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ بهذا المضمون كنز العمال3: 459ح7432، صحيح البخاري7: 169، صحيح مسلم3: 99، مسند احمد بن حنبل 3: 122، السنن الكبرى3: 368.
  • [2] ـ يوسف: 53.
  • [3] ـ النازعات 37ـ40.
  • [4] ـ الفرقان: 20.
  • [5] ـ كنز العمال9: 81 ح25063.
  • [6] ـ التغابن: 15.
  • [7] ـ كنز العمال16: 284ح44490.
  • [8] ـ نهج البلاغة، خطبة 160، شرح نهج البلاغة9: 229.
  • [9] ـ الترغيب والترهيب 4: 178.
  • [10] ـ نهج البلاغة، كلمة رقم 322.
  • [11] ـ بحار الأنوار 5: 216.
  • [12] ـ نفس المصدر.
  • [13] ـ بحار الأنوار 5: 217.
  • [14] ـ نفس المصدر.
  • [15] ـ آل عمران: 14.
  • [16] ـ البقرة: 155.
  • [17] ـ الأعراف:94.
  • [18] ـ التحريم: 2.
  • [19] ـ التوبة: 42.
  • [20] ـ الأحزاب:19.
  • [21] ـ الأنبياء: 35.
  • [22] ـ الترغيب والترهيب 4: 184.
  • [23] ـ نور الثقلين5: 17.
  • [24] ـ نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، خطبة رقم 277.
  • [25] ـ نهج البلاغة: 210.
  • [26] ـ الحكاية وردت بكمالها في كتاب «مطالع البدور في منازل السرور» للغزولي 1: 58 ـ 59 نقلا من كتاب «العجائب والطرف والهدايا والتحف» (تحقيق محمد حميد الله، الكويت 1959 ص:113ـ119).
  • [27] ـ وصفت هذه الحفلة في «لطائف المعارف» للثعالبي: ص 74 ـ 75 ط.ليدن 1867، ثمار القلوب ص: 131.
  • [28] ـ وصف هذا البساط في مروج الذهب 7: 290ـ 294.
  • [29] ـ المرفع كمنبر: ما رفع به، وكمقعد: الكرسي يمانية (التاج 5: 359) ج: المرافع. وانظر رحلة ابن بطوطة 3: 378، تكملة المعجمات العربية للدوزي 1: 543.
  • [30] ـ الزبل، واحدها الزبيل: وعاء ينسج من خوص النخل. والزبيل معروف إلى اليوم عند العراقيين ويسمونه (زنبيل).
  • [31] ـ البلية والجمع البليات: تخفيف الابلية التي تجمع على الابليات نسبة إلى مدينة «الابلة» التي كانت قريبة من البصرة (معجم البلدان 1: 97). وقال القلقشندي (صبح الأعشى 14: 363) نقلا عن رسالة لأبي إسحاق الصابي: (وأمره أن ينصب الارصاد على منازل المغنيات والمغنين ومواطن الابليات والمخنثين).
  • وفي كتاب «الموشى» للوشاء:173 ط. ليدن: (ورأيت جارية ابلية لبعض المخنثين وقد علقت طبلا في عنقها بزنار).
  • فالبلية أو الابلية، يراد بها المغنية الراقصة في الحفلات.
  • [32] ـ الوجه أن يقال: أيديهن.
  • [33] ـ النبيجة: السفرة والطبق من الخوص أو الخيزران.
  • [34] ـ يريد: الليمون.
  • [35] ـ تقدم إلى فلان بكذا: أمره به.
  • [36] ـ في مطالع البدور: ألف ألف درهم.
  • [37] ـ هي أم الخليفة المعتز بالله العباسي، كانت رومية فائقة الجمال، فسميت قبيحة من أسماء الأضداد، توفيت في سامراء سنة 264هـ(887م).
  • [38] ـ معنى (عملا) في هذه العبارة هو أن يكتب له مصاريف ما أنفق.
  • [39] ـ البدنة: ما يلبس من الثياب على البدن، والمراد بها هاهنا ضرب من القمصان تلبسه النساء.
  • [40] ـ ذكرها ابن حزم في جمهرة أنساب العرب: 104 ط.القاهرة1948. كتاب بغداد لطيفور 6: 115 ط.القاهرة.
  • [41] ـ الخلد: قصر بناه المنصور ببغداد بعد فراغه من مدينته على شاطئ دجلة، في سنة 159هـ (معجم البلدان 2: 459. المراصد 1: 362).
  • [42] ـ الجامات: واحدها الجام، بمعنى الكأس.
  • [43] ـ النوافج: واحدتها النافجة، وعاء المسك.
  • [44] ـ الجماجم: واحدتها الجمجمة، قدح من الخشب (النهاية لابن الأثير 1: 178).
  • [45] ـ الاتوار: واحدتها التور (بالتاء المثناة من فوقها): إناء كالاجانة يصنع من صفر أو مجارة (النهاية لابن الأثير 1: 120).
  • [46] ـ الأغاني 9: 97، تاريخ بغداد للخطيب 14: 433، زهر الآداب 2: 236، الشريشي 2: 245.
  • [47] ـ اشتهر خبر هذا العرس كثيراً في كتب الأدب والتاريخ: تاريخ الطبري 3: 1081ـ 1084، ثمار القلوب:130 ـ 132، لطائف المعارف:73، تاريخ بغداد للخطيب 7: 321، الوفيات 1: 130ـ132، البداية والنهاية 11: 49 ـ 50، مقدمة ابن خلدون 1: 311 ط. باريس، الصبوح والغبوق:99ـ100.
  • [48] ـ الديارات للبشابشتي: 149ـ 159.
  • [49] ـ العلق: 6 ـ 7.
  • [50] ـ البقرة: 45.
  • [51] ـ الأحزاب: 41.
  • [52] ـ البقرة: 197.
  • [53] ـ العنكبوت: 2 ـ 3.
  • [54] ـ البقرة: 214.
  • [55] ـ التوبة: 16.
  • [56] ـ آل عمران: 165.
  • [57] ـ النساء: 79.
  • [58] ـ الشورى:30.
  • [59] ـ الصف: 50.
  • [60] ـ نهج البلاغة: خطبة 156.
  • [61] ـ نهج البلاغة: خطبة50.
  • [62] ـ نهج البلاغة: حكمة 369.
  • [63] ـ بحارالانوار73: 73 و13: 304.
  • [64] ـ الصافات: 21.
  • [65] ـ الدخان: 40.
  • [66] ـ المرسلات: 14.
  • [67] ـ الزمر: 7.
  • [68] ـ الطارق: 9.
  • [69] ـ الأنفال: 29.
  • [70] ـ ميزان الحكمة 2: 1103.
  • [71] ـ آل عمران: 139 ـ 141.
  • [72] ـ بحار الأنوار 5: 219.
  • [73] ـ بحار الأنوار 93: 326.
  • [74] ـ نهج البلاغة، خطبة 16، بحار الأنوار 5: 218.
  • [75] ـ بحار الأنوار 5: 219.
  • [76] ـ بحار الأنوار 5: 216.
  • [77] ـ الأمالي للشيخ الطوسي: 580ح6، ومصباح المتهجد: 76، وسائل الشيعة 7: 137ح1.
  • [78] ـ بحار الأنوار 33: 364، عن الغارات 1: 10.
  • [79] ـ المصدر السابق.
  • [80] ـ شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد 7: 191.
  • [81] ـ كنز العمال للمتقي الهندي الحنفي11: 127 ح30893.
  • [82] ـ كنز العمال 11: 125ح30884.
  • [83] ـ سنن ابن ماجة:135 ح 3953.
  • [84] ـ سنن ابن ماجة ح 3954.
  • [85] ـ سنن ابن ماجة ح 3957.
  • [86] ـ صحيح مسلم 20: 16 كتاب الإمارة باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن.
  • [87] ـ سنن ابن ماجة ح 3961.
  • [88] ـ سنن ابن ماجة ح 3962.
  • [89] ـ النصائح الكافية، محمد بن عقيل ص140 .
  • [90] ـ السنن الكبرى للنسائي 5: 165ح8574، الغارات للثقفي 1: 6.
  • [91] ـ وسائل الشيعة 15: 83 ح13.
  • [92] ـ ميزان الحكمة 1: 36.
  • [93] ـ هود: 113.
  • [94] ـ الشعراء: 151 ـ 152.
  • [95] ـ الإنسان: 24.
  • [96] ـ النساء: 115.
  • [97] ـ الكهف: 28.
  • [98] ـ النساء: 60.
  • [99] ـ الدر المنثور 2: 300 في تفسير الآية 78 من سورة المائدة ط.مكتبة آية الله المرعشي النجفي.
  • [100] ـ سنن الترمذي 4: 469 ـ 470 مطبعة مصطفى البابي ح2172.
  • [101] ـ سنن الترمذي 4: 471 ح 2174.
  • [102] ـ سنن ابن ماجة 2: 1329 ح4011.
  • [103] ـ كنز العمال ح 5511 و5512 و5514.
  • [104] ـ سنن ابن ماجة 1: 1306 ـ 1307 ح3956.
  • [105] ـ صحيح مسلم 3: 1473، سنن النسائي 7: 153، سنن إبن ماجه 2: 1307، مسند أحمد2: 344.
  • [106] ـ صحيح مسلم 20: 6 كتاب الأمارة باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن.
  • [107] ـ الشعر والشعراء لابن قتيبة:572، وبقعان الشام: خدمهم وعبيدهم ومماليكهم.
  • [108] ـ صحيح البخاري 4: 181 كتاب الفتن، ط. مصر 1286هـ.
  • [109] ـ راجع كنز العمال للمتقي الهندي، 11: 107 ـ 365.
  • [110] ـ سنن ابن ماجة 2: 1308 ح 3958.
  • [111] ـ سنن ابن ماجة 2: 1309 ح3960.
  • [112] ـ سنن ابن ماجة 2: 1310 ح3961.
  • [113] ـ سنن ابن ماجة 2: 1310 ح3962.
  • [114] ـ مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري 4: 427.
  • [115] ـ مجمع الزوائد للهيثمي 7: 225 (دار الكتاب العربي).
  • [116] ـ مجمع الزوائد للهيثمي 7: 224.
  • [117] ـ المصدر السابق.
  • [118] ـ نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده 4: 3.
  • [119] ـ الحجر: 42.
  • [120] ـ النحل: 16.
  • [121] ـ الاستيعاب 4: 169 بذيل الإصابة ط. مصطفى محمد بمصر، أسد الغابة 5: 287 ط. سنة 1285.
  • [122] ـ المناقب لاخطب خوارزم:62 ط. تبريز.
  • [123] ـ ذخائر العقبى ص:56 مكتبة القدسي بمصر.
  • [124] ـ فرائد السمطين للحمويني.
  • [125] ـ مجمع الزوائد للهيثمي 9: 101 ط. مكتبة القدس بمصر.
  • [126] ـ لسان الميزان لابن حجر 2: 414 ط. حيدر آباد.
  • [127] ـ تاريخ بغداد 14: 321، مطبعة السعادة بمصر.
  • [128] ـ منتخب تاريخ ابن عساكر 6: 107 ط. الترقي بدمشق.
  • [129] ـ فرائد السمطين للحمويني.
  • [130] ـ صحيح الترمذي 3: 166 ط. الصاوي بمصر، والبيهقي في المحاسن والمساوئ ـ باختلاف يسير ـ :541 ط. بيروت، وابن الأثير في جامع الأصول 9: 420 ط. السنية المحمدية بمصر، والمستدرك للحاكم النيسابوري 3: 124.
  • [131] ـ الغدير9: 21 ـ 28.
  • [132] ـ كنز العمال 6: 183.
  • [133] ـ طبقات ابن سعد 3: 187 ط.هايدن.
  • [134] ـ تاريخ ابن كثير 7: 270.
  • [135] ـ الاستيعاب 2: 436.
  • [136] ـ راجع مسند أحمد 1: 389، سنن ابن ماجة 1: 66، تفسير القرطبي10: 181، شرح ابن أبي الحديد 2: 274، كنز العمال 6: 184، الإصابة 2: 512.
  • [137] ـ مجمع الزوائد 9: 295، كنز العمال 7: 75.
  • [138] ـ تاريخ ابن كثير 7: 268.
  • [139] ـ قال الشيخ الأميني& في الغدير 9: 28: أخرج هذا الحديث على اختلاف ألفاظه جمع كثير من الحفاظ وأئمة الفن راجع: مسند أحمد 4: 89، مستدرك الحاكم 3: 390، 391، تاريخ الخطيب 1: 152، الاستيعاب 2: 435، أسد الغابة 4: 45، طرح التثريب 1: 88، تاريخ ابن كثير 7: 311، الإصابة 2: 512، كنز العمال 6: 185، ج 7: 71 ـ 75.
  • [140] ـ كنز العمال 7: 73.
  • [141] ـ روى المحدثون هذه الأحاديث في عمار& من طرق كثيرة تربو ـ كما يقول الشيخ الأميني& ـ حد التواتر، منها: عن طريق عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عمر، وخذيمة بن ثابت، وكعب بن مالك، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعبد الله بن مسعود، وأبي رافع، وابن امامة، وابن قتادة، وزين بن أبي أوفى، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأم سلمة، وعائشة. راجع طبقات ابن سعد 3: 180. سيرة ابن هشام 2: 114. مستدرك الحاكم 3: 386 ـ 387 ـ 391. الاستيعاب 2: 436. قال تواترت الآثار عن النبي2 أنه قال (تقتل عماراً الفئة الباغية) وهذا من أخباره بالغيب وأعلام نبوته، وهو من أصح الأحاديث. شرح ابن أبي الحديد 2: 274. تاريخ ابن الكثير 26727. مجمع الزوائد 9: 296 وصححه من عدة طرق، تهذيب التهذيب 7: 409. و ذكر تواتره الإصابة، 2: 512 راجع إسناد الروايات بالتفصيل كتاب الغدير للعلامة الأميني& 9: 21ـ22.
  • [142] ـ النساء: 82.
  • [143] ـ النساء: 174.
  • [144] ـ يونس: 57.
  • [145] ـ هود: 1.
  • [146] ـ الإسراء: 9.
  • [147] ـ النحل: 89.
  • [148] ـ الإسراء: 88.
  • [149] ـ الإسراء: 105.
  • [150] ـ أنساب الأشراف للبلاذري:274 رقم358، تاريخ اليعقوبي 2: 210.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى