وقد وردت روايات في تفسير الآية الكريمة بخلاف التفسير الذي رويناه عن رسول الله (ص) في حصر أهل البيت، وقت نزلت الآية الكريمة في الخمسة الطاهرة.
وهذه الروايات المختلفة ضعيفة من ناحية السند، ومتروكة، ويكفي فيها أن نقول أنّ ابن حجر الهيثمي، وهو من أكثر الناس إصراراً على توجيه الآية الكريمة بموجب هذه الروايات يعترف ويقول:
>إنّ أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين<[1].
ورغم ذلك فإنّ أمانة البحث تقتضينا أن نستعرض هذه الروايات لنعرضها للمناقشة من حيث السّند والدّلالة.
وهي على قسمين، منها ما تفسّر الآية الكريمة بأنّها تخصّ زوجات النبيّ (ص)، وهو رأي شديد التطرّف، لا يكاد يرتضيه حتى ابن كثير المعروف باتّجاهه السلبي في هذا الأمر[2].
ومنها ما تعم الآية الكريمة على زوجاته (ص)، وآله، بمن فيهم آل عقيل وآل عباس وآل جعفر وغيرهم.
وسوف نستعرض فيما يلي هذه الروايات، لنلقي عليهما بعض الأضواء:
رواية عكرمة ومقاتل:
وينفرد (عكرمة)، وربما (مقاتل)[3]. أيضاً، من بين المفسّرين كلّهم بتخصيص هذه الآية الكريمة بنساء النبي خاصّة، وكان عكرمة ينادي بهذا في الأسواق[4].
وهو قول عجيب، وأعجب منه أن يتحمس له عكرمة حتى ينادي به في الأسواق، هو أمر يثير كثيراً من الريب في النفس.
ومما يريبنا في هذه الرواية إنّ الذي يروي هذه الرواية شخصان عرفا بالكذب عند المحدّثين، وأسقطوا حديثهما عن الاعتبار.
وأول ما يستوقفنا من رواية عكرمة الذي كان يتحمس لهذا القول حتى إنّه كان ينادي به في الأسواق، إنّه كان أباضيّاً (خارجياً) يرى السيف[5]. وكان قد أتى نجدة الحروري (الخارجي) فأقام عنده ستة أشهر، وكان يحدّث برأي نجدة.
وقال ابن لهيع:
>كان ـ أي عكرمة ـ أول من أحدث فيهم ـ أي في أهل المغرب ـ رأي الصفرية<.
وقال يعقوب بن يوسف:
>سمعت ابن بكير يقول: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب، وترك هذا الدار وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا<[6].
ولذلك كلّه (لم يذكر مالك بن أنس عكرمة)[7]. ونقل، عن خالد بن أبي عمران: >دخل علينا عكرمة أفريقية وقت الموسم، فقال: وددت أني اليوم بالموسـم بيدي حربـة أضرب يميـناً وشمالاً. قال: فـمن يومئذ رفضه أهل أفريقية<[8].
وهو أمر يكفي ـ وحده ـ أن يستوقفنا طويلاً، وأن يريبنا في رواية عكرمة، ولا يقتصر أمر عكرمة على ما تقدم، فقد كان مولى لابن عباس، ومات ابن عباس وهو عبد لـه[9]. فلما توفي ابن عباس استغل علاقته بابن عباس في الكذب عليه، وأكثر من الكذب على مولاه في الرواية، حتى ضرب به المثل.
عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع:
>اتق الله ويحك يا نافع، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس<[10].
وعن سعيد بن المسيب إنه كان يقول لغلامه (برد):
>يا برد لا تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس<[11].
>وقال عبدالله بن الحارث: دخلت على علي بن عبدالله بن عباس وعكرمة موثق على باب كنيف فقلت: أتفعلون هكذا بمولاكم فقال: إنّ هذا يكذب على أبي<[12].
واشتهر أمره بالكذب.
يقول عطاء الخراساني:
>قلت لسعيد بن المسيب أن عكرمة يزعم أن رسول الله (ص) تزوج ميمونة وهو محرم، فقال كذب مخبثان[13]. (أي الخبيث)<.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري ـ إنّه ـ كان كذّاباً[14].
وكان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه[15].
وقال أبو عبدالله ـ أي أحمد بن حنبل ـ :
(عكرمة مضطرب الحديث).
وقال ابن عليه ذكره ـ أي عكرمة ـ أيوب، فقال: كان قليل العقل[16]. ومات بالمدينة، فما حمله أحد (أي لم يشيّعه أحد) وأكرّوا له أربعة[17].
وعن بعض المدنيين:
>إتفقت جنازته ـ عكرمة ـ وجنازة كثير عزة ـ الشاعر ـ بباب المسجد في يوم واحد، فما قام الناس إليها ـ جنازة عكرمة ـ أحد، فشهد الناس جنازة كثير وتركوا عكرمة<[18].
ذلك بعض ما يقوله الثقات من أرباب الجرح والتعديل، وبعض منه يكفى في الإعراض عن رواية عكرمة، وردّها إليه، فلا نطيل في مناقشته.
وأمّا مقاتل بن سليمان المفسّر، فتكفي فيه كلمة البخاري في ترجمته في كتاب التاريخ الكبير: (لا شيء ألبته)[19].
وعن العباس بن مصعب المروزي:
>ان ـ مقاتل ـ حافظاً للتفسير، لا يضبط الاسناد<[20].
وكان يدّعي أنه سمع الضحّاك بن مزاحم، وكتب التفسير عنه، وقد أنكر عليه جمع هذا الادعاء من أمثال ابن عيينة، وجويبر، وإبراهيم الحربي الذي كان يقول: مات الضحاك قبل أن يولد مقاتل بأربعة سنين[21].
وقال أبو حنيفة ـ متهماً له في مذهبه ـ أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطّل، ومقاتل مشبّه[22].
وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول:
>أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير يعني في البدعة والكذب: جهم، ومقاتل، وعمر بن صبح<[23].
وقال خارجة بن مصعب:
>كان جهم، ومقاتل، عندنا فاسقين فاجرين<[24].
وكان خارجة يقول:
>لم أستحل دم يهودي ولا ذمي، ولو قدرت على مقاتل بن سليمان في موضع لا يراني فيه أحد لقتلته<[25].
وقال عبدالصمد بن عبدالوارث:
>دم علينا مقاتل بن سليمان، فجعل يحدّثنا عن عطاء، ثم حدّثنا بتلك الأحاديث عن ضحّاك، ثم حدّثنا بها عن عمرو بن شعيب، فقلنا له: ممّن سمعتها. قال: منهم كلّهم، ثم قال: لا والله لا أدري ممّن سمعتها<[26].
وعن وكيع:
>أردنا أن نرحل إلى مقاتل، فقدم علينا، فأتيناه، فوجدناه كذاباً، فلم نكتب عنه<[27].
وكان يتبرع للخلفاء والحكام في وضع الأحاديث على رسول
الله (ص).
وقال أبو عبدالله وزير المهدي:
>قال لي المهدي: ألا ترى إلى ما يقول لي هذا، يعني مقاتلاً. قال: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس<[28].
وكان معروفاً بعدائه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، حتى إنه أراد أن يستخف بقيمة كلمة علي (ع): >سلوني قبل أن تفقدوني<، فقال هو: >سلوني عمّا دون العرش، حتى أخبركم به<، فقال له يوسف السمتي من حلق رأس آدم أوّل ما حج. فقال: لا أدري[29].
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني:
>مقاتل بن سليمان كان دجّالاً، جسوراً<.
وقال النسائي:
>الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله (ص) أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشّام<[30].
وقال عنه العسقلاني:
>مقاتل بن سليمان: كذبوه، وهجروه، ورمي بالتجسيم<[31].
ذلك على نحو الإجمال حال عكرمة ومقاتل، ولا أخالني بحاجة إلى أن أقف أكثر من هذا المقدار عن هذين الرجلين وروايتهما، وتفسيرهما للآية الكريمة، فلنعرض عنهما، ونتعرّض لغيرهما من الروايات.
رواية ابن عباس:
والرواية الأخرى يرويها الواحدي في أسباب النزول:
>عن أبي القاسم عبدالرحمن بن محمد السراج قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الحسن بن عليّ بن عفّان قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبيّ (ص) {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[32].
وهذه الرواية فيها أكثر من آفة في سندها: فبعض رواتها مجهولون، لا ذكر لهم في كتب الرجال والجرح والتعديل، وبعضهم مذكورون بالضعف ومتّهمون بالكذب.
فان أبا يحيى الحماني، وهو عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني مرمي بالارجاء والخطأ[33]. وقيل هو من دعاة المرجئة[34]. وقال النسائي: ليس بقوي[35]. وقال ابن سعد وأحمد: كان ضعيفاً. وقال المجلي: كوفي ضعيف الحديث مرجي. وقال ابن معين: كان ثقة، ولكنه ضعيف العقل[36].
وأما الخصيف الذي يروي الرواية عن سعيد بن جبير، فقد ضعفه أحمد. وقال ابن حنبل عنه: ليس بحجة، ولا قوي في الحديث. وقال أبو حاتم صالح: يخلط، وتكلّم في سوء حفظه، وقال ابن المديني: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أبو طالب: سئل أحمد عن عتاب بن بشير فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، روى أحاديث نافرة منكرة، وما أرى إلاّ أنها من قبل خصيف. وقال ابن معين: أنا كنا نتجنب حديثه، وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: تركه جماعة من أئمتنا.. الخ[37]. وقال عنه الذهبي: خصيف بن عبدالرحمن، مولى بني أميّة، صدوق سيئ الحفظ، ضعفه أحمد[38].
ولا نريد أن نطيل أكثر من هذا في مناقشة سند هذا الحديث، وفي رأينا أنّ بعض هذا الجهل والضعف الذي يكتنف سند هذا الحديث يكفي للإعراض عنه.
ومن عجب أن تنتهي هذه الرواية الضعيفة إلى ابن عباس، وقد روي عنه بأسانيد قوية صحيحة صريحة، وفي كتب معتبرة من كتب الحديث، نزول الآية الكريمة في الخمسة الطيبة: رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين^ فقط، واختصاصها بهم دون غيرهم، فيعرض الواحدي عن تلك الروايات الصريحة الصحيحة، ويذكر هذه الرواية الضعيفة!.
رواية واثلة بن الأسقع:
والرواية الثالثة يرويها ابن جرير الطبري قال:
>حدّثني عبدالكريم بن أبي عمير، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا أبو عمر، قال: حدّثني شدّاد أبو عمّار، قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدّث، قال: سألت عن عليّ بن أبي طالب في منزله فقالت فاطمة: قد ذهب يأتي برسول الله (ص)، إذ جاء فدخل رسول الله (ص) ودخلت فجلس رسول الله (ص) على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه، وعليّاً عن يساره، وحسناً وحسيناً بين يديه، فلفع عليهم بثوبه، وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} اللّهم هؤلاء أهلي، اللّهم أهلي أحق. قال واثلة: فقلت: من ناحية البيت، وأنا يا رسول الله من أهلك. قال: وأنت من أهلي. قال واثلة: إنّها لمن أرجى ما أرتجي<[39].
ويرويها ابن جرير بإسناد آخر:
>قال حدّثني عبدالأعلى بن واصل، قال: حدّثنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا عبدالسلام بن حرب عن كلثوم المحاربي عن أبي عمّار، قال: إنّي جالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليّاً(رضي الله عنه)، فشتموه، فلمّا قاموا قال: اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا. إنّي عند رسول اللّه إذا جاء علي وفاطمة وحسن وحسين، فألقى عليهم كساءً ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي، اللّهم اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قلت
يا رسول اللّه: وأنا. قال: وأنت. قال: فواللّه إنها لأوثق عمل عندي<[40].
ويستوقفنا في رواية واثلة بن الأسقع قبل كل شيء إنّ واثلة نفسه يروي هذه الرواية من دون الزيادة التي في آخرها.
روى ابن كثير قال:
>قال الإمام أيضاً: حدّثنا محمد بن مصعب، حدّثنا الأوزاعي، حدّثنا شدّاد بن عمّار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع(رضي الله عنه)، وعنده قوم، فذكروا عليّاً(رضي الله عنه)، فشتموه، فشتمته معهم. قال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (ص). قلت: بلى. قال: أتيت فاطمة رضي اللّه عنها أسألها عن علي(رضي الله عنه). فقالت: توجّه إلى رسول الله (ص)، فجلست انتظره حتى جاء رسول اللّه (ص) ومعه علي وحسن وحسين. آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليّاً وفاطمة رضي اللّه عنهما، وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً، رضي اللّه عنهما، كل واحد منهما على فخذه، ثم لفّ عليهما ثوبه أو قال كساء. ثم تلا صلى اللّه عليه وآله وسلّم هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وقال اللّهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق<[41].
وروى الحاكم في المستدرك نحواً من هذه الرواية باسناده إلى بشر بن بكر، قال: حدّثنا الأوزاعي، حدّثنا أبو عمّار، حدّثني واثلة بن الأسقع، وذكر الروايـة قريـباً مما تقـدّم. دون أن يـذكر واثـلة دخوله ضـمن أهل البيت^[42].
والروايات الثلاثة التي عرضناها رويت عن شداد (أبي عمّار) عن واثلة ابن الأسقع. وفي الأولى والثانية يدخل واثلة في أهل البيت، وفي الثالثة لا يدعي الدخول فيهم.
وهذا الاختلاف أول ما يثير الريب في النفس من رواية واثلة بن الأسقع. وأغلب الظن إنّ هذه الإضافة ليست من كلام واثلة بن الأسقع، وإنما أدخلت على روايته بعد ذلك، وإلاّ فلا نجد مبرراً في إغفالها في الرواية التي نقلناها عنه آنفا، مع أنّها أرجى ما يرتجيه، وشرف لا يضاهيه شرف. فكيف يجوز أن يهمل ذكرها وهو يتحدّث عن آية التطهير.
واثلة بن الأسقع:
على أنّ المرء لا يستريح إلى مرويات واثلة بن الأسقع، ولا تطمئن لها نفسه، فقد كان واثلة من أصحاب الصفة من أصحاب رسول اللّه (ص). فلمّا توفي رسول الله (ص) انتقل إلى الشام، وبقي فيها، يشهد الغزوات، حتى توفي في أيام عبدالملك، وهو ابن مائة وخمسين سنة. وقال قتادة عنه كان آخر الصحابة موتاً بدمشق[43].
ولا نستبعد نحن أن يكون بنو أمية قد استغلوا وجود واثلة في الشام في تمرير جملة من أهدافهم السياسية.
فقد روي عن واثلة بن الأسقع روايات كثيرة في فضل معاوية بن أبي سفيان، اتفق أصحاب الجرح والتعديل على أنّها موضوعة على رسول الله (ص).
فقد أخرج ابن عساكر وغيره عن واثلة عن رسول الله (ص):
>إن الله ائتمن على وحيه جبرئيل وأنا ومعاوية وكاد أن يبعث معاوية نبياً، من كثرة علمه، وائتمانه على كلام ربّي، يغفر الله لمعاوية ذنوبه، ووقاه حسابه، وعلمه كتابه، وجعله هادياً مهدياً، وهدى به<[44].
قال الحاكم: سأل أحمد بن عمر الدمشقي وكان عالماً بحديث الشام عن هذا الحديث، فأنكره جداً[45].
وعن واثلة عن رسول الله (ص):
>الأمناء عند الله ثلاثة: أنا وجبرئيل ومعاوية<[46].
قال النسائي وابن حيان: هذا الحديث باطل وموضوع[47].
ونقل السيوطي الرواية عن واثلة بن الأسقع بعدّة طرق، ونقل اتفاق أئمة الجرح والتعديل على أنها موضوعة وإن اختلفت كلماتهم في الواضع لها.
ويأتيه جمع فيشتمون علّياً (ع)، فيسكت عنهم، ولا يقول شيئاً، فإذا ذهبوا عاتب شدّاد على اشتراكه معهم، وذكر لهم أنّ آية التطهير نزلت في علي والزهراء والحسن والحسين[48].
شدّاد (أبو عمار):
ويروي الروايتين عن واثلة بن الأسقع شداد (أبو عمار)، وهو (مولى معاوية بن أبي سفيان)[49]، وهو أول ما يدعو للوقوف موقف الارتياب منه في روايته فيما يتعلّق بفضائل أهل البيت^، وذكره البخاري ولم يوثقه، وقال: إنّه كان يصلّي على بعيره في السفر[50].
وروى عن أبي هريرة وعوف بن مالك فيمن روى عنهم، وقال صالح بن محمد: لم يسمع من أبي هريرة ولا من عوف بن مالك[51]، ومع ذلك فهو على رأي صالح بن محمد صدوق!!.
وقد مرّ عليك قريباً إنّه اشترك مع الجمع في شتم عليّ (ع) حتّى إذا انفض الجمع عاتبه واثلة بن الأسقع، فقال شدّاد: >قد شتموه فشتمته<[52].
وكيف يمكن أن يطمئن الإنسان إلى حديث إنسان هذا مبلغه من الدين، يرى جمعاً يشتمون عليّاً، فيشتمه معهم، دون أن يتحقق من شخصه أو يتحفّظ لدينه، على أنّ من غير المعقول أنّ شدّاد لم يكن يعرف عليّاً (ع) حين شتمه بمحضر واثلة بن الأسقع.
وبعد هذه الملاحظات كيف يمكن الاعتماد على هذه الرواية في دخول واثلة بن الأسقع في آل بيت رسول الله (ص). وقد وردت روايات صريحة صحيحة صحّحها أئمّة الحديث ووثّقوا رجالها من أنّ الآية الكريمة نزلت في رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، لم يشاركهم فيها غيرهم، حتى أنّ اُم سلمة تمنّت أن تدخل فيهم، بروايتها هي، فردّها رسول الله (ص) رداً رقيقاً، وقال (ص) لها: >مكانك، أنت على خير<.
رواية أُمّ سلمة:
روى ابن جرير عن أبي كريب قال:
>حدّثنا خالد بن مخلد، قال: حدّثنا موسى بن يعقوب، قال: حدّثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص عن عبدالله بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني امّ سلمة أنّ رسول الله (ص) جمع علياً والحسنين ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جار إلى الله، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، فقالت أُمّ سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم، قال انك من أهلي<[53].
وقد ورد في سند الرواية موسى بن يعقوب، وخالد بن مخلد. أما الأول فهو موسى بن يعقوب بن عبدالله بن وهب بن زمعة بن الأسود. قال عنه علي بن المديني: ضعيف الحديث منكر الحديث، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الأثرم سألت أحمد عنه فكأنه لم يعجبه، وقال الساجي: اختلف أحمد ويحيى فيه، قال أحمد: لا يعجبني، وقال ابن القطّان: ثقة[54] وأما الثاني، فهو خالد بن مخلد القطواني أبو الهيثم البجلي. قال عبدالله بن أحمد عن أبيه: له أحاديث مناكير، وحكى أبو الوليد الباجي في رجال البخاري: عن ابن حاتم إنّه قال لخالد بن مخلد أحاديث مناكير، وفي الميزان للذهبي: يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء[55].
ولا نريد أن نقف عند هذه الرواية طويلاً، ولا عند غيرهما من رجال الرواية، ففي الأحاديث الكثيرة الصريحة والصحيحة المروية عن أمّ سلمة، والتي تقدّم بعضها ويأتي بعضها في هذه الرسالة الشريفة ما يكفي لردّ هذه الرواية، فقد روي عنها بسند صحيح أنّها تمنّت أن تدخل في عداد أهل البيت الذين نزلت فيهم آيه التطهير، فردّها رسول الله (ص) برفق، وقال لها: >مكانك، إنّك على خير، أو إنّك من أزواج النبيّ<، ولم ينعم لها رسول الله.
وليس من الصحيح أن نترك كل الروايات التي روتها اُمّ سلمة، ورواها عنها رجال ثقات صحّحها أئمة الحديث، ونأخذ بهذا الحديث الذي قرأنا طرفاً من سنده.
رواية ابن حجر الهيثمي:
ونقل ابن حجر الهيثمي:
>انه (ص) اشتمل على العباس وبينه بملاءة ثم قال: يا رب هذا عمّي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي، فاسترهم من النار كستري إيّاهم بملاءتي هذه، فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت، فقال آمين، وهي ثلاثاً<[56].
وهذه الرواية ينقلها ابن حجر من غير إسناد، ولا نعلم من أي مصدر نقل الحديث لننظر في سند الحديث، ولم نعثر على الرواية مسندة أو غير مسندة في مصدر آخر غير الصواعق من المصادر التي راجعناها للإلمام بسند الحديث وألفاظه، ويكفي ذلك في وهن الحديث.
على أنّ لفظ الرواية يكفي وحده، بغض النظر عن سنده في الإعراض عنها وتركها.
فهي في أغلب الظن وضعت في أيام سلطان العباسيين وتسابق الناس إلى التقرب إلى الخلفاء العباسيين بوضع أحاديث في فضل العباسيين.
فهذه اسكفة الباب تؤمن ثلاثاً على دعاء رسول الله (ص)، وحوائط البيت تقول آمين ثلاثاً في التعقيب على دعاء رسول الله (ص).
وبعض هذا يكفي في وهن الرواية وضعفها وتركها ـ فضلاً عن أنّ الرواية لم ترو في مصدر معتبر ـ ولم يذكر له سند.
هذا أهم ما عثرنا عليه من الروايات التي تعارض من حيث المضمون الروايات الصحيحة والصريحة الناطقة باختصاص التطهير في آية التطهير برسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين^.
الآل والأهل في اللغة والحديث:
يظهر من مراجعة اللغة والحديث أن كلمة (الأهل) و(الآل) لا تطلق على الزوجة إلاّ بقرينة تدل عليه، فإذا خلا الكلام من أي قرينة، فانه يدل على أهله الذين يتّصل إليهم بنسب قريب.
يقول ابن المنظور في دلالة كلمة (الآل) و(الأهل) على الزوجة:
>وهذا معنى يحتمله اللّسان، ولكنّه معنى كلام لا يعرف إلاّ أن يكون له سبب كلام يدل عليه، وذلك أن يقال للرجل: تزوجت، فيقول: ما تأهّلت، فيعرف بأول الكلام إنّه أراد ما تزوّجت، أو يقول الرجل: أجنبت من أهلي، فيعرف أن الجنابة إنّما تكون من الزوجة، فأمّا أن يبدأ الرجل فيقول: أهلي ببلد كذا، فأنا أزور أهلي. وأنا كريم الأهل، فإنّما يذهب الناس في هذا إلى أهل البيت<[57].
خلاصته أنّ كلمة (الآل) و(الأهل) تدلاّن على أقرباء الإنسان من نسبه، فإذا اقترن الكلام بقرينة أمكن أن تدل الكلمة على الزوجة، كما يقول الرجل: أجنبت من أهلي. وبذلك يظهر أنّ إطلاق الآل على الزوجة ليس من الإطلاق الحقيقي، وإنّما هو من المجاز الذي يحتاج إلى القرينة في انصرافه عن معناه الحقيقي.
وقال ابن الأثير:
>قد اختلف في آل النبيّ (ص) فالأكثر على انهم أهل بيته. قال الشافعي(رض): دلّ هذا الحديث (لا يحلّ الصدقة لمحمد وآل محمد) أنّ آل محمد هم الذين حرمت عليهم الصّدقة وعوّضوا منها الخمس، وهم صلبه من بني هاشم وبني المطّلب<[58].
وبهذا المعنى روى مسلم في الصحيح عن يزيد بن حيان، قال:
>انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسـنا إليه، قال لـه حصـين: لقـد لقيت يا زيـد خـيراً كثـيراً، رأيت رسول الله (ص)، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (ص). قال: يا بن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (ص)، فما حدّثتكم فاقبلوا، وما لا، فلا تكلّفونيه، ثم قال: قام رسول الله (ص) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي، فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله، ورغبّ فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته. قال: نساؤه من أهل بيته، ولكنّ أهل بيته من حرّم الصدقة بعده<.
وفي حديث آخر من مثل ما تقدّم في الثقلين، رواه مسلم عن زيد بن أرقم في آخره:
>فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر،ثم يطلّقها، فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده<[59].
وإنّما نقلنا ما تقدّم من اللغة والحديث لنبيّن أنّ الآل والأهل لا تشمل الزوجات إلاّ بنحو من التجوّز، فإذا أطلقت هذه الكلمة من غير قيد أو قرينة، فإنّها لا تدل إلاّ على أقارب الإنسان بالنسب، فقط.
وأمّا (أهل البيت) الذين أذهب الله عنهم الرجس في صريح آية من القرآن الكريم فهم الخمسة الطاهرة لا غيرهم من سائر أقرباء النبيّ وآله وزوجاته، والقول الفصل في ذلك ما تقدّم وما يأتي في هذه الرسالة الشريفة من أحاديث صريحة وصحيحة عن رسول الله (ص).
سياق الآية الكريمة في سورة الأحزاب:
وأما مسألة السياق، وموقع آية التطهير في سورة الأحزاب المباركة من الآيات المتعلقة بأمّهات المؤمنين، والتمسّك به على دخول نساء النبي (ص) في آية التطهير، فهو ـ كما يقول الإمام شرف الدين[60] ـ من الاجتهاد في مقابل النص، الذي لا يحلّ لأحد ولا يجوز.
فلا يتجاوز التمسّك بالسياق من أن يكون اجتهاداً واستحساناً نابعاً من وحدة سياق الكلام، وهو أمر لا يمكن التمسّك به في قبال النصوص الصحيحة والمتواترة التي تخصّص الآية الكريمة بالخمسة الطاهرة، رسول الله (ص) وعلي والزهراء والحسن والحسين^.
فإنّ القرآن الكريم لم يترتّب في الجمع على حسب ترتيبه في النزول بإجماع المسلمين كافة، وعلى هذا فالسياق لا يكافئ الأدلة الصحيحة عند تعارضهما لعدم الوثوق حينئذ بنزول الآية في ذلك السياق، ولذا كان الواجب في مقامنا هذا ترك فحوى السياق لو سلم ظهوره بما زعموا والاستسلام لحكم ما سمعت بعضه من الأدلّة القاطعة والحجج الساطعة[61].
على أن اختلاف الضمائر في هذه الآية الكريمة عما قبلها وبعدها من الآيات يزلزل وحدة السياق عن الأساس.
ولكي نيسّر لك الأمر نتلو عليك آية التطهير وما قبلها وما بعدها فانظر فيها وأمعن النظر في اختلاف الضمائر فيها عمّا قبلها وبعدها من حيث التذكير والتأنيث،
قال عزّ من قائل:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[62].
أرأيت إلى اختلاف آية التطهير المباركة عمّا قبلها وبعدها من الآيات الكريمة، واختلافها الظّاهر في الضمائر.
فهل تبقى وحدة في السياق، حتى يكون السياق معارضاً للأدلّة القاطعة باختصاص التطهير بالخمسة الطاهرة، فضلاً عن إنّه من الاجتهاد في قبال النص.
على أنّ آية التطهير الكريمة، وحدها، كافية لتحديد أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً.
فإنّ الآية الكريمة، بحكم ما تقدّم من حديث في تفسير فقراتها صريحة في تنزيه أهل البيت من كل رجس وتطهيرهم، عن كل إثم، في كل صغيرة أو كبيرة، وذلك معنى العصمة في السلوك.
والآية الكريمة صريحة في إثبات العصمة لأهل البيت، وبعد إثبات هذه الحقيقة لا نتوقف كثيراً في معرفة المقصود بأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
فنأخذ بكل من يحتمل دخوله في أهل البيت من زوجات رسول الله (ص)، وآل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس وغيرهم:
ثم نتساءل عن أمرين اثنين:
1 ـ من كان يدّعي من هؤلاء الآل العصمة من كلّ رجس وذنب؟؟.
2 ـ وإذا اتفق الادعاء من بعضهم، فهل يصدّق عمله دعواه أم لا. وهذا التساؤل محك دقيق في تحديد وتشخيص المعنيين بالتطهير والعصمة في الآية الكريمة.
وعند مراجعة الفئات المحتمل دخولها في (أهل البيت) في الآية الكريمة، نرى انّ هذا الشرط لم يتوفّر في غير هؤلاء الخمسة في أحد مّمن عاصر نزول الآية الكريمة من آل رسول الله (ص) وزوجاته.
فلم يكن في زوجات رسول الله (ص)، وآل عقيل، وآل عباس، وآل جعفر وغيرهم ممّن ينتمون إلى رسول الله (ص) بنسب أو سبب من يدّعي العصمة، وإن الله قد أذهب عنه كل رجس وطهّره تطهيراً.
وقد ظهرت من بعضهم مخالفات ومعاصي لا تتّفق مع التقوى، فضلاً عن العصمة والنزاهة عن كلّ رجس.
ولا يبقى غير الخمسة الطاهرة: رسول الله (ص) وعلي والزهراء والحسن والحسين^، وهم داخلون في آية التطهير بالتأكيد، وباتّفاق الروايات تقريباً.
وينطبق عليهم الشرطان السابقان:
فقد كانت دعوى العصمة معروفة من أئمة أهل البيت^ منهم، ومع ذلك لم يحص أحد مفارقة أو خلافاً في المراحل المختلفة من حياتهم رغم أنّهم كانوا يعيشون فيما بين الناس، ويسلكون مسالك الناس في الحياة والمعاش، ويقيمون مع الناس، ما يقيم الناس بعضهم مع بعض من علاقات اجتماعية، وكانت أعمالهم ومواقفهم تحت الأضواء دائماً، وبمرأى ومسمع من الناس.
ولو كانت تصدر عنهم مخالفة أو مفارقة في كلام أو عمل أو موقف، لنقل إلينا، فيما نقل التاريخ من سلوكهم وكلماتهم.
فينحصر أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس في عصر نزول الآية الكريمة إذن في الخمسة الطاهرة.
ويتلخّص مما تقدّم النقاط التالية: ـ
1 ـ لاشك في شمول الآية الكريمة للخمسة الطاهرة^، بموجب كل الروايات المنقولة، عدا ما يروى عن عكرمة، وقد عرفنا حاله وحال روايته، فيكون شمول الآية الكريمة لهم إذن موضع الاتفاق على كل تقدير، على تقدير الاستناد على الروايات، وعلى تقدير الاستناد على إطلاق كلمة (أهل البيت) في الآية الكريمة.
وأمّا زوجات النبيّ (ص) وسائر ذويه، فلا تشملهم الآية الكريمة إلاّ بناء على الاستناد على إطلاق كلمة أهل البيت.
والاستناد على إطلاق كلمة أهل البيت لا يزيد على أن يكون من الاجتهاد، وهو أمر مقبول، إلاّ أنّ هذا الاجتهاد يسقط في قبال النصوص الواردة في حصر أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس في الخمسة الطاهرة فحسب، وبذلك لا يبقى لهذا الإطلاق والاجتهاد محل في البحث.
2 ـ ومع غض النظر عن النصوص والأحاديث الواردة، فان الآية الكريمة تشمل بإطلاقها الخمسة الطاهرة، وأمهات المؤمنين وسائر أهل بيت رسول الله (ص) على نحو سواء، إلاّ أنّ الآية الكريمة تنفي عنهم الرجس أيضاً نفياً قاطعاً، وتثبت لهم العصمة من كل رجس وذنب بموجب ما تقدّم من تحليل في هذا البحث. وهو خير محك لاختبار صحة التمسّك بإطلاق الآية الكريمة، فيخرج من نطاق هذه الآية، رأساً، من كان لا يدّعي مثل هذه العصمة المطلقة، أو كان سلوكه وعمله ينفي هذه العصمة. من آل عباس وجعفر وعقيل وغيرهم من زوجات رسول الله (ص).
3 ـ وبمراجعة تاريخ أمهات المؤمنين وسائر ذوي رسول الله (ص) من غير الخمسة الطاهرة الذين سميّناهم، نرى أنّ هذا الشرط غير متحقق فيهم قطعاً، فلم يعهد منهم مثل هذا الادعاء أبداً.
ثم لا تخلو حياتهم بعد ذلك من مفارقات كبيرة أو صغيرة، ممّا ينفي قطعاً احتمال دخولهم في أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
4 ـ وأمّا الخمسة الطاهرة^، فانهم لم يخفوا دعوى العصمة، ولا يجد الإنسان مشقّة كبيرة أن يستظهر ادّعاء العصمة المطلقة من خلال كلامهم.
ثم لم يصدر عنهم مطلقاً، ما ينافي هذا الادعاء على امتداد حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ومواقفهم رغم أنّهم^ مروا بظروف سياسية واجتماعية دقيقة، وتعرضوا لكثير من التحدي والظلم والخصومات السياسية، وكانت الدواعي متوفرة في تسجيل المفارقات والخلافات عليهم لو أنّهم كانوا يرتكبون شيئاً منها في حياتهم.
وبذلك فإنّ الآية الكريمة، بنفسها، وبغض النظر عن الأحاديث المتواترة الواردة في تفسيرها تكفي في تحديد وتعيين أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
{وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
وهذه الكلمة، بعد قوله تعالى: ليذهب عنكم الرجس، إمعان في التنزيه والتطهير والعصمة لأهل البيت^.
فكأنّما الآية الكريمة تشير إلى أنّ الله تعالى بعد أن أذهب عنهم الرجس، فخلت نفوسهم وصدورهم من أي رجس وذنب، طهّر الله قلوبهم وصدورهم، بعد ذلك من آثار الرجس أيضاً، فلم يبق في نفوسهم رجس أو أثر لرجس، يأتي من البيئة أو التاريخ مهما كان ضعيفاً أو قليلاً.
وهذا غاية ما يمكن أن يوصف به مقام العصمة والنزاهة والسمو الروحي في ولي من أولياء الله، ممّن اختارهم الله واجتباهم لرسالته ودعوته وللإمامة في خلقه،
فالآية الكريمة واضحة الدلالة على العصمة، لو أننا تعاملنا معها بما نتعامل مع أي كلام عربي مبين، فضلاً عن أنّه أفضل الكلام وأبينه. وأمتنه.
والآية الكريمة كما هي واضحة في معنى العصمة، واضحة أيضاً في تحديد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
أقرأ ايضاً:
الهوامش والمصادر
- [1] ـ الصواعق المحرقة: 143.
- [2] ـ تفسير ابن كثير 3: 483.
- [3] ـ دلائل الصدق2: 65.
- [4] ـ أسباب النزول للواحدي: 240، وابن كثير 3: 483، وجامع البيان للطبري22: 7.
- [5] ـ الكاشف للذهبي2: 276.
- [6] ـ تهذيب التهذيب7: 267.
- [7] ـ المصدر السابق.
- [8] ـ المصدر السابق.
- [9] ـ صفوة الصفوة2: 103.
- [10] ـ تهذيب التهذيب7: 267.
- [11] ـ المصدر السابق.
- [12] ـ وفيات الأعيان 2: 428، وتهذيب التهذيب 7: 268.
- [13] ـ تهذيب التهذيب 8: 268.
- [14] ـ المصدر السابق.
- [15] ـ المصدر السابق.
- [16] ـ المصدر السابق.
- [17] ـ المصدر السابق.
- [18] ـ المصدر السابق.
- [19] ـ التاريخ الكبير للبخاري 8: 14.
- [20] ـ تهذيب التهذيب10: 280.
- [21] ـ تهذيب التهذيب10: 281.
- [22] ـ المصدر السابق.
- [23] ـ المصدر السابق.
- [24] ـ المصدر السابق.
- [25] ـ المصدر السابق.
- [26] ـ المصدر السابق.
- [27] ـ المصدر السابق.
- [28] ـ المصدر السابق.
- [29] ـ المصدر السابق.
- [30] ـ وفيات الأعيان4: 342.
- [31] ـ تقريب التهذيب للعسقلاني 2: 272.
- [32] ـ أسباب النزول للواحدي: 239.
- [33] ـ تقريب التهذيب1: 469.
- [34] ـ الكاشف للذهبي2: 152.
- [35] ـ تهذيب التهذيب6: 120.
- [36] ـ المصدر السابق.
- [37] ـ تهذيب التهذيب 3: 143 ـ 144.
- [38] ـ الكاشف 1: 280.
- [39] ـ جامع البيان للطبري 22: 6.
- [40] ـ جامع البيان22: 6.
- [41] ـ تفسير ابن كثير 3: 483.
- [42] ـ مستدرك الصحيحين3: 147.
- [43] ـ تهذيب التهذيب 1: 101.
- [44] ـ الغدير5: 308 ط2، واللئالئ المصنوعة 1: 419.
- [45] ـ الغدير5: 308.
- [46] ـ اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1: 417.
- [47] ـ المصدر السابق.
- [48] ـ تفسير ابن كثير3: 483.
- [49] ـ التاريخ الكبير للبخاري4: 226.
- [50] ـ التاريخ الكبير4: 226.
- [51] ـ تهذيب التهذيب 4: 317.
- [52] ـ تفسير ابن كثير 3: 483.
- [53] ـ تفسير جامع البيان 22: 7.
- [54] ـ تهذيب التهذيب10: 378 ـ 379.
- [55] ـ تهذيب التهذيب 3: 117 ـ 118.
- [56] ـ الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي: 144، والأسكُفّة: خشبة الباب التي يوطأ عليها.
- [57] ـ لسان العرب 11: 38.
- [58] ـ النهاية لابن الأثير 1: 81.
- [59] ـ الجامع الصحيح لمسلم بن الحجّاج 7: 122 ـ 123. وروى الحديثين ابن كثير في التفسير 3: 486.
- [60] ـ الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء÷: 213.
- [61] ـ المصدر السابق.
- [62] ـ الأحزاب: 32 ـ 34.