ثقافة

الإنشراح – حالتا الشرح والضيق

«الشرح» بمعنى البسط، وفي مقابل الشرح «الضيق» و«الحرج» يقول تعالى مخاطباً رسوله (ص):

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}[1].

ويقول تعالى مخاطباً رسوله (ص)عندما كانت تنتابه بين حين وحين لحظات ضعف الإنسان:

{فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقُ بِهِ صَدْرُكَ}[2].

ويقول تعالى أيضاً لنبيه في نفس الحالات:

{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[3].

وعن لسان موسى كليم الله (ع) عندما أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون وقومه ليبلغهم رسالة الله… يقول القرآن:

{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}[4].

و«الشرح» و«الضيق» في الصدور، أو«البسط» و«الانقباض» في الصدور حالتان تتواردان على الصدور والقلوب.

في الحالة الأولى تتسع الصدور والقلوب، فتزخر بالمعرفة والنور واليقين، وتتحمل من الابتلاءات والمصائب والهموم ما لا قبل للإنسان بها، وفي الحالة الثانية تضيق القلوب والصدور، حتى لا تكاد تحمل شيئاً من المعرفة واليقين والنور، وشيئاً من الابتلاءات والمتاعب التي تواجه الإنسان في مسيرته وحركته إلى الله.

و«الشرح» و«الضيق» حالتان حقيقيتان للصدور تتواردان على الصدور، فتعطي الأولى الصدور سعة، وبسطاً، وتحملا، وقدرة على الاستيعاب.

وكل واحد منا يجد نفسه في منعطفات حياته كلا من هاتين الحالتين بصورة حقيقيّة، فيجد في نفسه إقبالا وسعة وقدرة على الاستيعاب أحياناً، ويجد في نفسه أحياناً ضيقاً وانقباضاً…

والشرح والضيق حالتان تتواردان على حركة الإنسان ومساره إلى الله تعالى… ولهما تأثير إيجابي وسلبي على حركة الإنسان. فإذا عرض «الشرح» و«البسط» على حركة الإنسان إلى الله أسرع الإنسان في مسيره وعروجه إلى الله، وإذا عرضت الاخرى على حركة الإنسان إلى الله أبطأ الإنسان في حركته وعروجه إلى الله، ولعله يعرقل حركة الإنسان ويوقف صعوده وعروجه إلى الله بصورة نهائية.

ولذلك فهما حالتان خطيرتان في حياة الإنسان، لهما تأثير على مصير الإنسان وعاقبته، وعلى سعادته وشقائه، وحركته إلى الله تعالى وابتعاده عن الله… وفيما يلي نحاول أن نتناول هذين المفهومين ببعض الشرح، وأن نقف عندها بعض الوقت.

الشرح والضيق حالتان تنتابان صدور الناس في حركتهم إلى الله من موضعين اثنين، وليس من موضع واحد، من موضع الابتلاء وما يصيب العاملين في سبيل الله من هموم ومتاعب في دعوتهم إلى الله تعالى، فتتسع صدور لما يواجه أصحابها من المجابهة والمواجهة وتضيق صدور فتتحسرون عن ساحة المواجهة والمعركة… وهذا هو أحد الموضعين…

والموضع الثاني انشراح الصدور وضيقها في المعرفة التي يرزق الله تعالى عباده… فتنشرح صدور للمعرفة والنور النازل على الإنسان من لدن الله تعالى، فتستوعب من اليقين والبصيرة والهدى والنور الكثير، وتضيق صدور فلا تنال من اليقين والنور الذي يؤتيه الله تعالى عباده نصيباً. وهذا هو الموضع الثاني.

ونحن نتحدث ـ إن شاء الله ـ عن كل من هذين الموضعين:


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الحجر: 97.
  • [2] ـ هود: 12
  • [3] ـ الأعراف: 2
  • [4] ـ الشعراء: 12
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى