ثقافة

علاقة الإنسان الذاتية في القرآن

المدخل

رسالة (الدين) في حياة الإنسان تنظيم العلاقات الإنسانية.

والعلاقات التي ينظمها الدين في حياة الإنسان أربعة:

1ـ علاقة الإنسان بالله.

2ـ علاقة الإنسان بنفسه.

3ـ علاقة الإنسان بالآخرين.

4ـ علاقة الإنسان بالأشياء والأفكار.

وتتصف هذه العلاقات بالإيجابية، والسلبية معاً.

فقد تتصف علاقة الإنسان بالله بالعبودية، والإنابة، والتضرع، والإخبات، وحسن الظن، والشكر، واليقين.

وقد تتصف هذه العلاقة بالكفر، والجحود، والاستكبار، وسوء الظن.

وقد تتصف علاقة الإنسان بالآخرين بالشدة، والعنف، واللؤم، والعداء، والحرب، والبغضاء، والخيانة، والنفور.

وقد تتصف هذه العلاقة باللين، والتسامح، والتسهيل، والعطاء، والخدمة، والرفق والإحسان، والحب، والسلم، والأمانة.

وقد تتصف علاقة الإنسان بالأشياء، والأفكار، بالإفساد، والتبذير، وقد تتصف علاقة الإنسان بها بالإصلاح والإعمال.

والعلاقة بالنفس هي واحدة من هذه العلاقات الأربعة، وهي أهمها بعد العلاقة بالله تعالى. وأكثرها تعقيداً، وظرافة، ورقة، وهي كذلك قد تتصف بالإيجاب، وقد تتصف بالسلب.

فقد يجهل الإنسان نفسه، وقيمته فيكون كما قال الله تعالى:

{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[1].

… جاهلا بنفسه وقيمتها ظالماً لها.

وقد يكون الإنسان من الذين أراهم الله تعالى أنفسهم، وفقههم بقيمتها، وعرّفهم بآياته فيها. يقول تعالى:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[2].

فيعرف الإنسان قيمة نفسه ويحترمها.

وقد يحتقر الإنسان نفسه، وما آتاه الله تعالى في نفسه من المواهب.

وقد يفرّ الإنسان من نفسه، ويتهرّب منها إلى ألوان من اللهو الذي يشغله عن نفسه، أو إلى المخدرات والانتحار.

وقد يعرف الإنسان كيف يواجه نفسه على أرض الواقع بجدية وواقعية،

وقد يكون الإنسان منسجماً مع نفسه،

وقد يكون في علاقته بنفسه قلقاً مرتبكاً،

وقد يكون محباً لنفسه،

وقد يكون عدواً لها،

وقد يكون ذاكراً لنفسه، وقد يكون ناسياً لها،

وقد يكون قابضاً على نفسه متمكناً منها،

وقد تغلبه نفسه وتتمكن منه،

وقد ينطوي على نفسه،

وقد تكون نفسه منفتحة،

وقد يهلكها وقد يحييها. يقول تعالى: {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}[3].

وقد يصدق مع نفسه، وقد يغرها ويمنّيها، ويخادعها، ويغشّها، يقول تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[4].

وقد يعترف لنفسه بالخطأ وينقد نفسه، وقد يغالطها ويبرّر اخطاءها وأهواءها، وقد يطلق لنفسه العنان في شهواتها، وقد يمسكها بقوّة عند حدود الله. ويضبط تصرفاتها، وقد يدع نفسه فيما تطلب من الراحة والاستغراق في الأهواء والشهوات، وقد يتعبها ويجهدها في ابتغاء كمالها ونموها، وقد يسمو بنفسه، وقد يسف بها، وقد يكون غريباً عن نفسه، وقد يأنس بنفسه، ويحلو لـه أن يخلو بها في التأمل، وقد تكون علاقته بنفسه علاقة صِدامية… إلى أمثال ذلك من ألوان العلاقة السلبية والإيجابية مع النفس.

والعلاقة بالنفس رقيقة تخفى على الإنسان غالباً، فلذلك لا يشعر الإنسان بفداحة الخسارة التي يتحملها عند ما تكون هذه العلاقة سلبية، فقد يخسر الإنسان في تجارته مالا قليلا أو كثيراً فيشعر بها، ويشعر بفداحة هذه الخسارة، ويحاول أن يستعيد المال الذي خسره، ويعوضه. ولكن قد يخسر الإنسان نفسه، وهو من أعظم أنواع الخسران فلا يحس بذلك، ويتحول من خسارة إلى خسارة اخرى، حتى يخسر نفسه كلها.

يقول تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}،

ويقول تعالى: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ}[5].

وقد يظلم الإنسان غيره فيحسُّ بذلك وتؤنبه نفسه، ويحاول أن يجبر ظلمه للآخرين بالعدل والإحسان إليهم، ولكن قد يظلم نفسه، ويعتدي عليها فلا يشعر بهذا الظلم.

يقول تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[6].

وقد يهلك الإنسان نفساً زكية فيشعر بكبر الإثم، ولكن قد يهلك الإنسان نفسه فلا يشعر بمثل هذا الإثم.

ويقول تعالى: {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ}[7]. والضرر الذي يلحق الإنسان إذا كانت علاقته بنفسه سلبية لا يشبهه ضرر آخر إلا الضرر الّذي يلحق به إذا كانت علاقته بالله تعالى سلبية.

وعلاقة الإنسان بنفسه تدرس اليوم ضمن الدراسات النفسية والتحليل النفسي باهتمام، ولكن في إطار محدود، ولن نجد قبل القرآن اهتماماً أو انتباهاً إلى هذه العلاقة وأهميتها، وقيمتها في حياة الإنسان، والى وقت قريب جداً لم تكن الدراسات النفسية والإنسانية قد فتحت ملف هذه العلاقة بعد، والقرآن بحق هو فاتح هذا الافق الواسع من العلاقات الإنسانية.

وسوف نحاول إن شاء الله ضمن هذه الدراسة أن نتأمل في هذه العلاقة من خلال آيات القرآن الكريم.

نماذج من علاقة الإنسان بنفسه في القرآن

كما ذكرنا كان القرآن أول كتاب في تاريخ الفكر البشري يفتح باهتمام، ودقة، وتفصيل هذا الافق الفكري الواسع على الإنسان، وعلى طريقة القرآن، فانّ مفردات هذه العلاقة تذكر في سياقات كثيرة، ومتعددة، ويمرّرها القرآن بلطف، حتى لا يكاد يشعر الإنسان انه أمام تصور وفهم جديد للعلاقات الإنسانية، ولكن عند ما نجمع هذه الآيات ونضم بعضها إلى بعض، نجد أن القرآن يجعلنا أمام فهم وتصور جديدين للعلاقة الإنسانية، ويفتح علينا افقاً جديداً في هذه العلاقات لم يسبق للفكر الإنساني أن أطل عليه من قبل، وها نحن أمام طائفة من مفردات العلاقة بالنفس من خلال آيات القرآن الكريم.

واليكم هذه الطائفة من مفردات العلاقة بالنفس، في كتاب الله.

1 ـ قد يبيع الإنسان نفسه لله تعالى، ابتغاء مرضاة الله «والثمن مرضاة الله»، وهو من أفضل البيع، والشراء في حياة الإنسان:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ}[8].

2 ـ وقد يسفّه الإنسان نفسه، وهو من اقبح ألوان التسفيه يقول تعالى:

{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}[9].

3 ـ وقد يظلم الإنسان نفسه، وهو أمر مثير للاستغراب أن يظلم الإنسان نفسه، ولكنه أمر واقع في حياة الإنسان يقول تعالى:

{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً}[10].

4 ـ وقد يتعامل الإنسان مع نفسه باعتدال واقتصاد من دون أن يظلمها، يقول تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ}[11].

والمقتصد هو الذي يتعامل مع نفسه باعتدال، ومن دون إفراط أو تفريط.

5 ـ وقد يحسن الإنسان إلى نفسه، كما يظلمها يقول تعالى عن ذرية إبراهيم وإسحاق، {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}[12].

6 ـ وقد ينسى الإنسان نفسه، وهو من اغرب حالات النسيان يقول تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}[13].

7 ـ وقد يشهد الإنسان على نفسه. يقول تعالى:

{وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ}[14].

ومن العجب أن هذه الشهادة تمت قبل أن يحل الإنسان في هذه الدنيا.

8 ـ وقد يخون الإنسان نفسه، وهذه خيانة من أغرب أنواع الخيانة في حياة الإنسان. يقول تعالى:

{عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[15].

9 ـ وقد يمقت الإنسان نفسه، وهو من أغرب المقت، يقول تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوْا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ}[16].

10 ـ وقد يخادع الإنسان نفسه، يقول تعالى: {يُخادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[17].

11 ـ وقد يضل الإنسان نفسه، يقول تعالى:

{وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}[18].

12 ـ وقد يكذب الإنسان على نفسه، وليس على غيره، يقول تعالى:

{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[19].

13 ـ وقد يهلك الإنسان نفسه، يقول تعالى:

{وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}[20].

14 ـ وقد يخسر الإنسان نفسه، يقول تعالى:

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر}[21].

والخسر هنا هو خسارة النفس التي هي اعظم وافدح أنواع الخسائر.

15 ـ وقد يبخل الإنسان عن نفسه، وهو من غريب البخل، يقول تعالى: {فَمِنكُم مَن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَفْسِهِ}[22].

هذه خمسة عشر نموذجاً من النماذج التي يذكرها القرآن في علاقة الإنسان بنفسه، وتعامله مع نفسه.

تحليل العلاقة

والآن نعيد النظر في كتاب الله كرة اخرى. لنعرف كيف يحلل القرآن هذه العلاقة. وكيف يفهمها. إن طريقة القرآن في تحليل علاقة الإنسان بنفسه، وتعامله مع نفسه طريقة جديدة تماماً. كما أن طريقة القرآن في فهم هذه العلاقة وهذا التعامل طريقة جديدة غير مألوفة لدى الناس. فان القرآن يعتبر العدوان الذي يمارسه الإنسان على غيره والتجاوز الذي يمارسه الإنسان لحدود الله من ظلم الإنسان لنفسه، وليس لغيره.

{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً}[23].

والقرآن يعتبر بخل الإنسان في الإنفاق على غيره من البخل على نفسه، {فَمِنكُم مَن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَفْسِهِ}.

فيبدو أنَّ هذا الفهم جديد تماماً على ما يألفه الناس «إلا ما أخذه حكماء المسلمين من القرآن».

كيف يحلل القرآن هذه العلاقة؟

يطرح القرآن في تحليل هذه العلاقة مجموعة من النقاط، والعناوين التي توضح كيف تؤول هذه المفردات التي يحسبها الناس من علاقة الإنسان بالغير إلى علاقة الإنسان بنفسه. وفيما يلي نلقي نظرة سريعة إلى هذه العناوين.

1 ـ الإنسان يكسب ما يصدر عنه:

وهذه نظرية قرآنية جديدة في أفق الفكر وهي أن الإنسان يكسب عمله الذي يصدر عنه.

وتفسير القرآن عن ذلك دقيق: يقول تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}[24]. وكسب الإثم هو جذب الإنسان للإثم إلى نفسه وهو معنى في مقابل صدور الإثم، والقرآن يذكرنا بان كل إثم يصدر عن الإنسان يكسبه الإنسان لنفسه، ويجذبه إلى نفسه، وليس من إثم يصدر عن الإنسان إلا ويجذبه الإنسان إلى نفسه ويكسبه. يقول تعالى: {كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[25] ويقول تعالى: {كُلُّ امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[26]، فيعبر القرآن عن العمل الصادر عن النفس بما تكسبه النفس.

فان في فعل الإنسان كسب، وما ليس بكسب، فالتعلم كسب للعلم دون التعليم، ولكن القرآن يقرر أن كل فعل الإنسان كسب. وفي كل فعل يكسب الإنسان شيئاً، حسنة أو سيئة. فإذا احسن كسب حسنة، وإذا أساء كسب سيئة.

2 ـ وما يعمله الإنسان يرجع إليه:

وكما يكسب الإنسان عمله كذلك يرجع العمل إلى صاحبه، وكلاهما بمعنى واحد، ولكن بأسلوبين مختلفين، والقرآن يستعمل الأسلوبين معاً فلنتأمّل في هذه الآية المباركة:

{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[27].

و(اللام) في هذه الآية الكريمة في كلمة (لأَنفُسِكُمْ) ليس بمعنى (المصلحة) كما تقول أن الكلمة الطيبة للإنسان، والكلمة الخبيثة عليه. وذلك بدليل قوله تعالى: «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا». فقد استخدم القرآن (اللام) في مورد النفع والضرر معاً. إذن معنى الآية الكريمة أن إحسان الإنسان وإساءته مردودان إليه.

فإذا احسن الإنسان انتفع بهذا الإحسان حتماً. وإذا أساء تضرر بهذه الإساءة قطعاً.

رواية قيس بن عاصم:

روى قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلت عليه، وعنده الصلصال فقلت يا نبي الله: عظنا موعظة فإنّا قوم في البرية. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):

«لابد لك يا قيس من قرين يدفن معك، وهو حي وتدفن معه، وأنت ميت. فان كان كريماً أكرمك، وان كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا منه وهو فعلك». فقلت يا نبي الله: احب أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على من يلينا من العرب، وندّخره.

فأمر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من يأتيه بحسان بن ثابت فقال: فأقبلت أفكر فيما أشبه هذه الموعظة من الشعر، فاستتبّ لي القول قبل مجيء حسان.

فقلت يا رسول الله: قد حضرتني أبيات أحسبها توافق ما تريد، فقلت:

وفي آيات عديدة من القرآن نجد تصريحاً، وتأكيداً على هذه الحقيقة القرآنية وهي:

إن كل خير وشر يصدر عن الإنسان يعود إلى الإنسان نفسه، فان كان خيراً كان له، وانتفع به، وان كان شراً كان عليه، وتضرر به.

تأمّلوا في الآيات التالية:

{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}[29].

{فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا}[30].

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْهَا}[31].

{وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}[32].

{وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}[33].

{فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}[34].

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}[35].

{فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}[36].

{فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}[37].

وهذه الآيات واضحات صريحات في علاقة العمل بصاحبه، وان العمل من خير، أو شر مردود إلى صاحبه، فان كان خيراً كان العمل لـه ينتفع به، وان كان شراً كان العمل عليه ويتضرر به.

3 ـ وتنقلب السيئات إلى المصائب:

إن السيئات التي يقترفها الإنسان تتحول في حياته إلى مصائب ومحن.

يقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[38].

ويقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَة فَمِن نَفْسِكَ}[39].

وهذه الآيات واضحات في أن السيئات، والذنوب تتحول في حياة الأفراد، والأمم إلى مصائب، ومتاعب، وبلاء، ومعضلات اقتصادية، وسياسية، وإدارية، والى كوارث طبيعية كذلك. كما أن الذنوب، والمعاصي التي يرتكبها الإنسان تتحول في الآخرة إلى عذاب جهنم.

4 ـ والنفس رهينة العمل:

وهذه حقيقة من رقائق حقائق القرآن، والقرآن يقرر حقيقة كبرى من حقائق هذا الكون عند ما يقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى}[40]، ويقرر حقيقة ضخمة عند ما يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ}[41] فالعمل الذي يصدر عن الإنسان هو الذي يقرّر مصير الإنسان، إن كان خيراً أو كان شراً.

وهذه الحقائق واضحة لمن قرء القرآن، وأمعن النظر فيه، فهل يستطيع الإنسان أن يتخلص من نتائج عمله، ويتهرب منها في الآخرة؟ كما يتخلص المجرمون في هذه الدنيا أحيانا عن نتائج أعمالهم.

وإذا كان الجواب بالنفي كما يقول القرآن، فما هو الضمان الذي يلزم الإنسان بقبول نتائج عمله في الدنيا والآخرة؟ يقول القرآن إن نفس الإنسان هي الضمان ولا ضمان غيرها.

ولنأت بمثل على ذلك يوضح منظور القرآن. أن الدائن الذي يقرض الآخرين مبلغاً من المال، يأخذ منهم عاده تعهداً وضماناً لئلا يتمكن المدين أن يتخلى في يوم ما عن مسؤوليته المالية تجاه الدائن، ويكون هذا الضمان ملزماً له بقبول هذه المسؤولية والاعتراف بها، وهذا الضمان هو (الرهن) أو (الرهينة) التي يستلمها الدائن من المدين، ويحبسها عنده، فإذا أنكر المدين المسؤولية تصرف الدائن في الرهن.

ونفس الإنسان هي الرهينة التي يحبسها الله تعالى عنده، وتكون في حوزة سلطانه، وقدرته تعالى رهناً بما يعمل الإنسان. فإذا أساء، أو ظلم، أو اعتدى فلا يستطيع أن يتخلى عن نتائج أعماله، فان نفسه رهينة عند الله، وسيأخذ الله تعالى هذه الرهينة بما عمل الإنسان من سوء أو ظلم، كما يأخذ الدائن الرهينة التي يحبسها عنده، ويتصرف فيها بما يستحق على المدين.

يقول تعالى: {كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[42].

يقول تعالى: {كُلُّ امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[43].

ومن عجب أن الراهن في هذه المعاملة هو الرهينة، كما لو كان المجرم نفسه سجيناً عند الحاكم، فان الحاكم لا يحتاج مع ذلك إلى رهين أخر.

وأي جريمة يقوم بها السجين في مثل هذه الحالة ترجع مباشرة إليه، لأنه هو (الرهينة)، وليس هناك من رهين غيره، ليحجب العقوبة عن الراهن.

وكما أن الإنسان رهن عمله، كذلك العمل رهن الإنسان، فان لم يعمل الإنسان شيئاً يكون العمل رهن عنده، وتحت اختياره إن شاء فعل وان شاء لم يفعل، فإذا فعل الإنسان أنقلب هو إلى رهين لفعله لا يستطيع أن يتخلص من آثاره، وعواقبه.

5 ـ اصل بقاء العمل:

هذا الأصل من أهم الاصول في الثقافة الإسلامية، ويقرب من هذا الأصل النظرية التي أثبتها (لافوازيه) العالم الفرنسي المعروف في الفيزياء في إثبات (بقاء المادة)، وقد تم تطوير النظرية فيما بعد في الفيزياء، فشملت المادة والطاقة. واشتهرت هذه النظرية في الفيزياء باسم لافوازيه العالم الفرنسي الذي كان من أقطاب الثورة الفرنسية، ثم اعدم بعد ذلك على يد الثوار.

وأما أصل بقاء العمل، فلم يسبق القرآن فيه أحد، ولم يلحقه أحد، إلا من اخذ عنه، ويبقى القرآن هو الفاتح الوحيد لهذه النظرية، والمعلم الوحيد لها، وبناء على هذه النظرية فلا يفنى للإنسان جهد وعمل، مهما كان هذا الجهد، ومهما كان حظه من الصلاح والفساد.

يقول تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}[44].

فكل عمل يعمله الإنسان من خير أو شر، ويحسب الإنسان أن الزمن قد طواه واستهلكه لا ينعدم، وإنما ينتقل صاحبه من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، فإذا انتقل الإنسان من دار الدنيا إلى الآخرة وجده أمامه، قد احضر إليه من قبله، وقد غفل عنه أو نسيه تماماً، فيسره ما يراد محضراً أمامه من عمل الخير، ويسوءه ما يراه محضر أمامه من عمل السوء، يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيداً، ويقول تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هذَا الْكِتَبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يِظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[45].

وهاتان الآيتان تقرّران حقيقتين:

الحقيقة الاولى: أن كتاب الإنسان يوم القيامة لا يغادر صغيرة، ولا كبيرة إلا أحصاها.

الحقيقة الثانية: أن الناس يوم القيامة يرون ما عملوه من قبل حاضراً عندهم (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً) وهو تقرير لنفس الحقيقة.

6 ـ ارتسام العمل على صفحة النفس:

إن العمل يرتسم على صفحة النفس ويثبت عليها، وليس فقط يترك أثرا على صفحة النفس، وهذا ما يعرفه الناس جميعاً، والذي يذكره القرآن أعمق من ذلك، وهو أن العمل يثبت على صفحة النفس ثباتاً لا يمكن إزالته، يقول تعالى:

{وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً}[46].

والطائر الذي يلزمنا الله تعالى في أعناقنا هو أعمالنا كما يقول أرباب التفسير، وهذا الكتاب الذي يفتحه الله أمامنا، ونلقاه منشوراً ليس شيئاً غير صفحة نفسنا التي ارتسمت عليها أعمالنا، كما يقول بعض المفسرين.

يقول تعالى في شأن هذا الكتاب: {وَوُضِعَ الْكِتَبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هذَا الْكِتَبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}.

يقول الفيض الكاشاني في تفسيره (الصافي) في تفسير هذه الآية الكريمة: (طائره: عمله وما قدّر لـه، والكتاب هي صحيفة عمله، وهي بعينها نفسه التي رسخت فيها آثار أعماله بحيث انتقشت بها)[47].

وكما يرتسم عمل الإنسان على جوارحه وأعضائه، فإن جوارح الإنسان وأعضاءه تفضحه يوم القيامة.

7 ـ شهادة الإنسان على نفسه:

يقرر القرآن مبدأ شهادة الإنسان على نفسه. وهذه الشهادة تتم في عالم الذر (الميثاق الفطري بين الله تعالى والإنسان) وفي اليوم الآخر كذلك.

ففي الميثاق يقول تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[48].

وعن شهادة اليوم الآخر يقول تعالى: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِم بِالْكُفْرِ}[49].

والشهادة من حيث المفهوم غير الإقرار والاعتراف، وللإنسان يوم القيامة إقرار واعتراف على نفسه بالظلم، كما انه يشهد على نفسه. يقول تعالى عن اعتراف الإنسان على نفسه:

{فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لاَِصْحَابِ السَّعِيرِ}[50]. ويقول عن شهادته على نفسه: {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}[51].

وفي هذا الموضع الشاهد هو المشهود عليه، وتقرير وحدة الشاهد والمشهود عليه من خصائص القرآن، وكما يشهد الإنسان على نفسه تشهد على أعضاؤه وجوارحه في ذلك اليوم العسير.

يقول تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[52].

والشهادة تطلب الحضور الواعي للشاهد، ومن دون حضور الشاهد عند المشهود عليه لا تتحقق الشهادة، فلابد أن يكون للجوارح في هذه الدنيا نحو من الحضور الواعي لأعمالنا، وتصرفاتنا حتى تتم الشهادة، والله تعالى اعلم بخلقه، وآياته، وادرى كيف تتم هذه الشهادة.

8 ـ مسؤولية الإنسان عن نفسه:

يقول تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ الْسَّمْعَ وَالْبَصَرَ كُلُّ أُوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[53]. ولابد في كلّ مسؤولية من ثلاث أطراف:

1 ـ السائل.

2 ـ والمسؤول.

3 ـ والمسؤول عنه.

والسائل، هو الله تعالى من دون ريب.

والمسؤول، هو الإنسان كما أن المسؤول عنه هو نفسه، وفي هذا المورد يتحد المسؤول، والمسؤول عنه، كما في المورد السابق (الشهادة).

والفؤاد في الآية الكريمة (مسؤول) وهو قلب الإنسان (الجانحة وليس الجارحة) وهو المسؤول عنه أيضاً فيتحد المسؤول والمسؤول عنه.

9 ـ محاسبة الإنسان لنفسه:

يقول تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}[54]. وهنا أيضا يتحد المحاسب (بالكسر) والمحاسب (بالفتح)، فيكون الإنسان يومئذ هو الذي يحاسب نفسه، ولا يحتاج إلى محاسب آخر، وهو شاهد على نفسه، كما هو محاسب لها.

10 ـ مقت الإنسان لنفسه:

إن الذين لا يستجيبون لدعوة الله تعالى في الدنيا يمقتون أنفسهم ويكرهونها، في الآخرة لانهم لم يستجيبوا لدعوة الله تعالى في الدنيا… هؤلاء يمقتون أنفسهم في الآخرة وأشد المقت وأقساها على الإنسان أن يمقت الإنسان نفسه. ولا نعرف مقتاً أضر بالإنسان من ذلك. ومع ذلك فان مقت الله تعالى لهم اعظم من مقتهم أنفسهم ويناديهم الله تعالى (أو الملائكة) في الآخرة: إن مقت الله لهم في الآخرة أعظم من مقتهم لأنفسهم.

يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوْا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[55].

وكلمة النداء في هذا الآية توحي بأنهم ينادون من مكان بعيد، وليس الله تعالى ببعيد عنهم بالتأكيد، فهو تعالى {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} و{يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، ولكنهم بعيدون عن الله، حجبتهم ذنوبهم ومعاصيهم عن الله، وحالت بينهم وبين أن يسمعوا كلام الله من قريب، فلا يسمعون كلام الله إلاّ كما يسمع البعيد نداء البعيد، في هذا اليوم العسير.

وكما يمقت الإنسان نفسه في الدنيا بسيِّئاته، وتمرّده، ورفضه لدعوة الله، كذلك يمقتها في الآخرة، ومقت الآخرة اعظم من مقت الدنيا، ومقت الله لهم اعظم من مقتهم أنفسهم في الآخرة.

فان يوم القيامة يوم الحسرة {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ}[56].

وفي هذا اليوم العسير يلوم الإنسان نفسه، ولا ينفعه اللوم {فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم}[57].

الخلاصة والنتيجة

هذه مجموعة من التصوّرات القرآنية ترسم لنا صورة دقيقة عن مسألة علاقة الإنسان بنفسه، وتعامل الإنسان مع نفسه، وتحليل هذه العلاقة.

ونحن بهذه النقاط، والعناوين نستطيع أن نكون تصوراً متكاملا عن علاقة الإنسان الذاتيّة بنفسه، وتحليلا لهذه العلاقة.

فلا سبيل لفناء جهد الإنسان وفعله.

وكل جهد للإنسان من خير، أو شر يرتسم على صفحة نفسه وجوارحه، ويعود إليه ويكون الإنسان مسؤولا عنه، ولا يتمكن أن يتخلى أو يتهرب عنه فهو رهان عمله، وهو يشهد يوم القيامة على نفسه ويحاسبها، ويكره نفسه ويمقتها بما فعلت، وتنقلب هذه السيئات إلى مصائب، ومشاكل، ومتاعب، وكوارث في حياته الدنيا، والى عذاب الحريق في الدار الآخرة.

إذن لا يقرر القرآن فقط مبدأ تعامل الإنسان مع نفسه وعلاقته بها، وإنما يقرر حقيقة ابعد من ذلك، وهي أن كل فعل وجهد يقوم به الإنسان يرجع إليه عاجلا أو آجلا، ويكون من مصاديق تعامل الإنسان مع نفسه، وعلاقته بها.

      

خسارة النفس

من روائع المفاهيم القرآنية مفهوم (خسارة النفس). يقول تعالى:

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

إنّ للإنسان أمدا محدوداً، وأيّاماً معدودة في هذه الدنيا، وهذه الأيّام هي رأس مال الإنسان.

وقد ورد في الحديث (يا ابن آدم إنّما أنت أيامك) فكل يوم ينقضي من حياة الإنسان ينقضي شطر منه.

فإذا انقضت أيامه جميعاً انتهى دور الإنسان في هذه الدنيا، وخسر كل رأس ماله، فان الدنيا للإنسان هي ساحة العمل والإنتاج والتجارة، وأما الآخرة فهي مرحلة الحساب والحصاد:

(اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل)[58].

إذن رأس مال الإنسان هي الأيام التي قدّرها الله تعالى لـه في هذه الدنيا، فإذا انقضى يوم من حياته دون أن يستثمره في عمل صالح فقد خسر شطراً من عمره، وإذا انقضت أيّامه جميعاً، دون أن يستثمرها في الأعمال الصالحة خسر عمره جميعاً وهو الخسران المبين.

فإذا لم يؤمن الإنسان بالله، ولم يعمل صالحاً، ولم يتواصَ بالحق والصبر… ففي خسارة دائمة، واستهلاك مستمر.

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر}.

وأي استهلاك لا يخلف نتيجة وثمرة فهو خسران، وهذه الخسارة هي شر أنواع الخسارة، فان من الخسارة خسارة المال، وخسارة الأولاد، والأزواج، وخسارة المواقع والمناصب، وخسارة العلم وكل ذلك خسارة، ولكن خسارة النفس شر أنواع هذه الخسائر، وعن هذه الخسارة يقول تعالى:

{الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ}[59].

ويقول تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}[60].

ويقول تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوْا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[61].

والآية دقيقة، ومعبّرة: إن الخسارة الكبرى في حياة الإنسان أن يخسر الإنسان نفسه وأهله يوم القيامة، فان عقب الإنسان امتداد للإنسان من بعده، فقد يخسر نفسه، ولكن عقبه من بعده يعوضون خسائره، فإذا خسر نفسه، وخسر أهله من بعده فذلك هو الخسران الذي لا خسران بعده.

الأخسرون أعمالاً:

والخاسرون على درجات ومراتب، فمن الناس من يخسر عمره فقط. ومن الناس من يكون أخسر من ذلك، فلا يخسر عمره فحسب، وإنما يشتري بعمره عذاب الله تعالى وغضبه، وهو بئس الشراء، اولئك يخسرون أعمارهم، فلا ينتفعون منها، ولا يستثمرونها، فتلك خسارة، وخسارتهم الاخرى انهم يبذلون هذا العمر الخاسر في معصية الله تعالى، وفي كسب غضبه وعذابه. وتلك الخسارة فوق هذه الخسارة، وابلغ منها في الخسران.

يقول تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}[62].

ويقول تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[63].

فبئس الشراء هذا الشراء وبئست الخسارة هذه الخسارة، وإنها خسارة فوق كل خسارة، اولئك الاخسرون أعمالا.

يقول تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}[64].

ويقول تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[65].

والى جنب هؤلاء، واولئك الذين ربحت تجارتهم، وهم أقلية من الناس، بذلوا أعمارهم في طاعة الله، واستثمروا حياتهم في تجارة رابحة مع الله، وهم أقلّية من الناس.

يقول عنهم تعالى: {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، فان كل لحظة من لحظات العمر فرصة للتجارة مع الله، وابتغاء رحمة الله وفضله، فكل لحظة يستثمرها الإنسان في طاعة الله تعتبر تجارة رابحة، وكل لحظة يستهلكها الإنسان في غير طاعة الله تعتبر خسارة.

والإنسان في أي لحظة من لحظات عمره. إمّا أن يكون رابحاً، أو يكون خاسراً، ولا يمكن أن تمر على الإنسان لحظة في عمره لا يربح فيها، ولا يخسر.

خداع النفس وخيانتها

ليس دائماً يتعامل الإنسان مع نفسه بصدق، فان النفس قد تقاوم رغبات الهوى وشهواتها بقوّة، وقد تمارس النفس اللوامة (الضمير) دوراً من التأنيب على صاحبه، فتحجزه عن الاستجابة للهوى والشهوات.

والضمير، في نفس الإنسان قلعة ذات مقاومة عالية، وهي آخر قلعة تسقط في النفس أمام زحف الهوى. وقد أودع الله تعالى في الضمير الشيء الكثير من القدرة على المقاومة والصمود لتحصين الإنسان من الانحراف والسقوط في الشهوات.

فعندما يمتنع الإنسان من الاستجابة لما يمليه عليه هوى النفس من الرغبات والشهوات، يمارس الإنسان دوراً من الالتفات، والخداع والكذب على نفسه وهو من أغرب أنواع الالتفات، والخداع والكذب.

فيحاول الإنسان أن يبرّر لنفسه هواها ويخادعها، ويلتف عليها. وتتنوع وسائل وأساليب خداع النفس، فقد يوجّه الإنسان الذنب ويبرّره لنفسه فيرتكبه، وقد يوجه الإنسان لنفسه شهادة الزور، أو كتمان الشهادة فيزوّر الشهادة أو يكتمها، وقد يتوسع في توظيف العناوين الثانوية التي يسمح الله تعالى للإنسان أن يستخدمها حال العسر والحرج والضرورة، فيتسامح الإنسان في استعمالها في غير مواضعها الحقيقية، ويتوسع في استخدامها دون مبرر حقيقي من عسر وحرج وضرورة.

(والحيل الشرعية) باب آخر من أبواب ابتلاء الإنسان بخداع النفس، واستخدام هذه الحيل التي جعل الله تعالى فيها فسحة لعباده، في غير مواضعها الدقيقة يستدرج الإنسان إلى الوقوع في صريح الحرام.

وإذا سمح الإنسان لنفسه، باستخدام أمثال هذه التبريرات، والعناوين، والحيل لا يبقى حرام إلا ويمارسه الإنسان من خلالها، وإذا تجرأ على ذلك، سقطت عنده حرمة الحرام، وارتكبه عند ذلك، من دون تبرير، أو استخدام لواحد من هذه العناوين، والحيل.

ومن هذا القبيل الحيل التي يستخدمها بعض الناس في تحليل الربا، وفي أكل المال بالباطل.

وقد ذكر الله تعالى لنا من هذه الحيل في كتابه الحيلة التي استخدمها بنو إسرائيل في اصطياد السمك يوم السبت، وقد حرمه الله تعالى عليهم في هذا اليوم، وكان السمك يتوجه إلى سواحلهم يوم السبت اكثر من أي يوم آخر من أيام الاسبوع، فكانوا إذا امتلأت سواحلهم في هذا اليوم بالسمك سدوا طريق العودة عليها، وحبسوها عند الساحل، ثم بدأوا بصيدها في الأيام التي تلي السبت من الاسبوع، وقد قص الله تعالى لنا قصة أصحاب السبت وحيلهم وانتقام الله تعالى منهم. يقول تعالى:

{واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[66].

وقد غضب الله تعالى عليهم ولعنهم وعذّبهم بالتفافهم على أحكامه وحدوده.

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً}[67].

وقد يتصور الإنسان في هذه الحيل، والتبريرات انه يخادع الله تعالى، والحقيقة انه يخادع نفسه، ويكذب عليها.

وهذا باب واسع في علاقة الإنسان السلبية بنفسه، يقول تعالى:

{يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم}[68].

وقد يكذب الإنسان على نفسه، ويموّه عليها.

يقول تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[69].

ويستغرب الإنسان كيف يخادع الإنسان نفسه، وكيف يموّه، ويكذب عليها، ولكنها الحقيقة التي لابد أن يعترف الإنسان بها.

فقد يرتكب الإنسان المعصية ويمنّي نفسه بالتوبة، ويقضي شبابه بالفراغ والبطالة، ويمنّي نفسه بتدارك ذلك فيما بعد، وهو يكذب على نفسه في ذلك بالصراحة. فهو لا يعرف من عمره وأيامه وإقامته في الدنيا شيئا، وهو لا يعلم ماذا بقي من عمره، وكم يعيش في هذه الدنيا بعد يومه هذا بل بعد ساعته، ولحظته هذه.

فاذاً هو عند ما يمني نفسه بالتوبة، وتدارك ما فاته من أيام الغفلة فيما بعد يكذب على نفسه بالصراحة، ويمارس هذا الكذب بصورة متكررة، وهذا اللون من الكذب، ومخادعة النفس، والالتفاف عليها من خيانة النفس، في التصور القرآني.

يقول تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[70].

ويقول تعالى: {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ}[71].

وهذه حقائق كبيرة في حياة الإنسان يمارسها الإنسان من دون أن يعرفها، ومن دون أن يسميها بأسمائها، وقد كشف القرآن الغطاء عنها، مثل خيانة النفس، والكذب، والتمويه عليها، وخداعها، بل وتسفيهها أيضاً، فان الإنسان قد يجد عند نفسه من صفاء الرؤية، ونقاوة الفطرة ما يمنعه من الانحراف، والزيغ، أو ارتكاب الحرام، وسلوك مسالك الهوى والشيطان، وارتكاب الحرام فيسفّه نفسه وينسب ما يجد في نفسه من صفاء الفطرة إلى البلادة والسذاجة.

يقول تعالى، فيمن يسفّه نفسه: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}[72].

وبعد: فلا نريد أن نتوسع في هذا الباب فإنه باب واسع من المعرفة في علاقة الإنسان السلبية بنفسه.

عداء الإنسان لنفسه

وهل يمكن أن يعادي الإنسان نفسه ويعتدي عليها؟

وإذا أمكن ذلك فهل هي حالة شاذة من حالات الشذوذ في حياة الإنسان، أم هي حالة مألوفة.

وجواب القرآن في الأمرين معاً بالإيجاب، فان عدوان الإنسان على نفسه أمر واقع، وحقيقة قائمة في حياة الإنسان، ولا سبيل إلى نفيه وإنكاره، وهي حالة واسعة، وكثيرة الانتشار في حياة الناس، وأكثر الناس لأنفسهم ظالمون. وفي النصوص الإسلامية نجد بوضوح كلمة (عداوة الإنسان لنفسه) و (عدو نفسه)، فقد ورد في حديث الإمام علي (ع) لعاصم بن زياد لما بلغه انه قد اعتزل طيّبات الحياة الدنيا، وتخلى عنها (يا عُدَيَّ نفسه) وهي تصغير لكلمة العدو، ومعناه يا (عدو نفسه).

وتفصيل الحديث برواية الشريف الرضي في نهج البلاغة: أن الإمام دخل على العلاء بن زيد الحارثي، يعوده وهو من أصحابه، فلما رأى سعة داره قال: «ما كنت تصنع بهذه الدار في الدنيا، أما أنت في الآخرة كنت أحوج إليها، بلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري الضيف، وتصل فيها الرحم. فقال لـه العلاء، يا اميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد قال: وماله؟ قال لبس العباء وتخلى عن الدنيا؟ قال: عليّ به. فلما جاء قال: يا عدي نفسه استهام بك الخبيث. أما رحمت اهلك، وولدك أترى (عزّ وجلّ) أحلّ لك الطيبات، وهو يكره أن تأخذها، أنت أهون على الله من ذلك.

قال يا اميرالمؤمنين: هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك، قال: ويحك، إني لستُ كأنت، إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ[73] بالفقير فقره[74]».

ونحن لكي نتحدث عن عدوان الإنسان على نفسه، نحتاج إلى أن نبحث هذا الأمر من الناحية التصورية تارة، والتصديقية تارة اخرى، على مصطلح أهل المنطق.

فلابد لنا أولاً أن نفهم ما هو معنى عدوان الإنسان على نفسه؟ ولابد لنا بعد ذلك أن نعرف لماذا يعتدي الإنسان على نفسه؟ والإجابة على السؤالين الأخيرين تمكننا من التصديق بهذه القضية، وهذه ثلاثة أسئلة.

وفيما يلي نبدأ أولا: بالجانب التصوري من هذه القضيّة، ثم نعقّبه بالجانب التصديقي.

1 ـ ما هو معنى عدوان الإنسان على نفسه؟

وهذا هو السؤال الأول (البحث التصوري).

العداء ليس دائماً ظاهراً، فقد يكون أمرا مبطّناً، ظاهره الصداقة والحب، وباطنه العداء. وكثير من نماذج الحب الظاهر، والساذج، يستبطن ابشع ألوان العداء.

فقد يهمل الوالدان ابنهما، ويهمل المعلم تلميذه، ويعفيه عن التكاليف التربوية، والدراسية، ومشقة التربية، والتعليم رحمة وإشفاقا به، إلا أن هذا التعامل ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب، فان هذه الشفقة، والرحمة تستبطن الظلم، والعدوان.

والطبيب الذي يعفي المريض، عن مشقة العلاج رحمة، وشفقة به، لا يمكن أن يحسن الظن بصدق عواطفه تجاه المريض، فان هذه الرحمة تستبطن الكثير من الظلم بالمريض.

والعدوان على النفس، من هذا القبيل من العدوان المستبطن، وغير الصريح الذي ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب. إنّ العدوان: ظلم، وبغي، ومكر، وهلاك، وباطل، وكذب، وتسفيه، وخيانة.

والإنسان كما يبيّن القرآن الكريم يظلم نفسه، ويبغي عليها، ويمكر بها ويهلكها، ويكذب عليها، ويسفهها، ويخونها.

يقول تعالى: عن ظلم الإنسان لنفسه:

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}[75].

{يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}[76].

وعن بغي الإنسان على نفسه:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم}[77].

وعن هلاك الإنسان لنفسه:

{وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}[78].

وعن كذب الإنسان على نفسه:

{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[79].

وعن خيانة الإنسان لنفسه:

{عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}[80].

وعن تسفيه الإنسان لنفسه:

{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}[81].

وعن خداع الإنسان لنفسه:

{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}[82].

وكل ذلك من العدوان على (النفس)، ولا يتصور للعدوان معنىً آخر.

2 ـ كيف يعتدي الإنسان على نفسه؟

وهذا هو السؤال الثاني: (البحث التصديقي).

وللإجابة على هذا السؤال نقول:

إن ثمن النفس الجنة، وهي أغلى الأثمان، واعزها.

يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[83].

فإذا باع الإنسان نفسه، بثمن غير الجنة، فقد ظلمها، وما اكثر الناس الذين يبيعون أنفسهم بلذة عابرة، من لذات الدنيا، أو شهوة زائلة، أو مال، أو منصب.

روي عن عليّ (ع) انه قال:

«انه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلاّ بها»[84].

وعنه (ع): «من باع نفسه بغير الجنة، فقد عظمت عليه المحنة»[85].

وعنه (ع) أيضا: «من باع نفسه بغير نعيم الجنة، فقد ظلمها[86].

وعنه (ع): «ظلم نفسه من رضي بدار الفناء، عوضاً عن دار البقاء»[87].

وعنه (ع): «ظلم نفسه من عصى الله، أو أطاع الشيطان»[88].

ومن عجب أن هذه النفس، التي يظلمها الإنسان، ويبغي، ويكذب عليها، أو يخونها… هي أعز الأنفس على الإنسان، وهي نفسه. يقول أميرالمؤمنين (ع):

«عباد الله… الله الله في أعز الأنفس عليكم، وأحبها إليكم، فان الله قد أوضح لكم سبيل الحق، وأنار طرقه، فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة»[89].

وعن أميرالمؤمنين (ع):

أما ترحم من نفسك، ما ترحم من غيرك، فلربما ترى الضاحي من حر الشمس فتظلله، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له، فما صبرك على ذاتك، وجلدك على مصابك، وعزاك عن البكاء على نفسك، وهي أعز الأنفس عليك[90].

وعن الصادق (ع): كتب رجل إلى أبي ذر (قده): يا أباذر أطرفني بشيء من الحكمة. فكتب إليه أن العمل كثير، ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبّه فافعل.

قال: فقال الرجل: وهل رأيت أحدا يسيء إلى من يحبه؟ فقال لـه: نعم، نفسك، أحب الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها[91].

وفي دعاء (أبي حمزة الثمالي) نلتقي بهذه الفقرات الرائعة في البكاء على ظلمنا لأنفسنا، ومخادعتنا لها، وفي الجزع لما يؤول إليه امرنا في ظلمة القبر، وضيق اللحد، وفضيحة الحشر: «وأعني بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف، والآمال عمري… ومن يكون أسوا حالا مني، إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبر لم أمهده لرقدتي، ولم افرشه بالعمل الصالح لضجعتي. ومالي لا ابكي، ولا ادري إلى ما يكون مصيري، وارى نفسي تخادعني، وأيّامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت.

فمالي لا ابكي، ابكي لخروج نفسي، ابكي لظلمة قبري، ابكي لضيق لحدي، ابكي لسؤال منكر ونكير إياي، ابكي لخروجي من قبري، عرياناً، ذليلا، حاملا ثقلي على ظهري»[92].

إذن ظلم الإنسان لنفسه، وعدوانه عليها، من أبرز الحالات انتشاراً في حياة الناس. وما أكثر الناس الذين يظلمون أنفسهم، وهم لا يشعرون!

ونظراً لخطورة ظاهرة ظلم الإنسان لنفسه في حياة الناس، يؤكد القرآن عليها كثيراً، ويلفت نظر الإنسان إليها يقول تعالى:

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[93].

{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[94].

وفي دعاء العبد الصالح (ذي النون) (ع) في جوف الحوت في ظلمات البحر.

{لاَّ إِلهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[95].

وهذه الاستغاثة تحتوي على عناصر ثلاث هي:

اللجوء إلى الله، والاضطرار إليه (لاَّ إِلهَ إِلاَّ أَنتَ).

وتنزيه الله، وتسبيحه: (سُبْحَانَكَ).

والاعتراف بـ(الظلم): (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).

كما ورد ذكر ظلم النفس في نصوص الحديث، والدعاء كثيراً ففي دعاء كميل (سبحانك، وبحمدك ظلمت نفسي، وتجرأت بجهلي، وسكنت إلى قديم ذكرك لي، ومنك عليّ)[96].

وكان رسول الله (ص)يدعو الله فيقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت»[97].

وعن علي (ع) أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا كبر، وافتتح قال:

«أنا عبدك، ظلمت نفسي، وأعترف بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت»[98].

وكان علي (ع) إذا استوى على الدابة قال: «سبحانك لا اله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي»[99].

3 ـ لماذا يعتدي الإنسان على نفسه؟

وهذا هو السؤال الثالث: وهو يدخل أيضاً في البحث التصديقي لهذه القصة. والجواب على ذلك: في كلمتين: «الهوى والشيطان».

والإنسان إنما يعتدي على نفسه، بسبب إغراء الهوى ووساوس الشيطان، فالهوى والشيطان هما السبب المباشر وغير المباشر لسقوط الإنسان، وهلاكه، وظلمه لنفسه، يقول تعالى:

{وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}[100].

ويقول تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[101].

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلاِْنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[102].

وعن علي (ع): «الهوى مطيّة الفتن».

و «الهوى قرين مهلك».

و «الهوى اعظم العدوين».

و «الهوى يردي».

و «اهلك شيء الهوى».

و «الشهوات سمومات قاتلات»[103].

نسيان الإنسان لنفسه     

نسيان الإنسان لنفسه

نسيان الإنسان لنفسه، من مصاديق غضب الله تعالى على عبده، وعقوبته له.

يقول تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[104].

وفي القراءة الاولى لهذه الآية الكريمة، نفهم من السياق أن نسيان المرء لنفسه من عقوبة الله تعالى له، يعاقبهم به كما انهم نسو الله.

والله تعالى يعاقب عباده على نحوين:

1 ـ قد يسلبهم النعمة.

2 ـ وقد ينزل عليهم العذاب.

وفي القرآن الكريم نماذج من كلّ من هاتين العقوبتين، على الامم التي سلفت من قبلنا.

وهذه العقوبة من النوع الأول، فان الله تعالى قد أنعم على الإنسان فيما أنعم.

1 ـ بنعمة معرفة الله تعالى وذكره.

2 ـ ونعمة وعي الذات وذكرها.

وهاتان نعمتان مترابطتان، فإذا ذكر الإنسانُ الله تعالى ذكّره اللهُ تعالى نفسه. وإذا عرف الله عرّفه الله تعالى نفسه، وإذا عرف نفسه عرف الله (من عرف نفسه عرف ربّه)[105].

وإذا نسي الله آنساه نفسه. والعقوبة هنا من سنخ الجريمة. فان نسيان الله تعالى هو نسيان للمنعم ونسيان المنعم كفر ونسيان للنعمة. وعقوبة هذه الجريمة أن ينسيه الله نعمة معرفة الله ونعمة معرفة نفس، وهذه العقوبة من سنخ الجريمة. وهذه مسألة جديدة في الفكر الإنساني يطرحها القرآن لأوّل مرة.

وفيما يلي نحاول أن ننظر في هذه المسألة من خلال أربعة أسئلة:

1 ـ كيف ينسي الله عباده أنفسهم؟

2 ـ كيف ينسى الإنسان نفسه؟

والسؤال الثاني، يختلف عن السؤال الأول، وسوف نجد في الجواب الاختلاف بين السؤالين واضحاً.

3 ـ ما هي خسائر الإنسان عندما ينسى نفسه؟

4 ـ وأخيرا كيف يعود الإنسان إلى نفسه، ويعرفها، ويعيها، ويذكرها؟

وهذه أربعة أسئلة، تحتوي على النقاط الأساسية، في هذا الموضوع. وفيما يلي نحاول إن شاء الله، أن نتعرّف على إجابة كل واحد، من هذه الأسئلة الأربعة:

1 ـ كيف ينسي الله تعالى الإنسان نفسه إذا نسيه؟

إن الآية (24) من سورة الأنفال توضح لنا، كيف يُنسي الله تعالى عبده نفسه. يقول تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}. والآية الكريمة بصدد بيان قرب الله تعالى من عبده، وأقصى درجات القرب أن يَحُول بين المرء وقلبه، فلا شيء عندئذ أقرب منه تعالى إلى الإنسان، وقلب الإنسان، هو مركز الوعي، والفهم، والذكر، والبصيرة لدى الإنسان، فكيف يحول الله بين المرء وقلبه وهذه واحدة من رقائق مسائل الفكر الإسلامي، ودقائقها.

إنّ قلب المرء هو المرء، والحيلولة عادة تكون بين شيئين، وليس بين الشيء ونفسه، والآية الكريمة تصرح بأن الله يحول بين المرء وقلبه، وهو بمعنى الحيلولة بينه وبين نفسه. وحجب الإنسان عن نفسه. فما هو معنى حجب المرء عن نفسه؟

عزل الإنسان عن نفسه:

ومعنى حجب المرء عن نفسه. إن الله تعالى يسلب الإنسان القدرة على درك نفسه، ووعيها، ومعرفتها. فيكون الإنسان عندئذ غريبا عن نفسه، محجوباً عنها، وهذه الغربة من بؤس الإنسان وشقائه، ولا بؤس ولا شقاء في حياة الإنسان أكثر من أن يكون الإنسان غريباً عن نفسه.

فقد يكون الإنسان غريباً عن الوسط الذي يعيش فيه، وقد يكون الإنسان غريباً عن جيرانه، وقد يكون غريباً عن أهله وأقربائه، وقد يكون غريباً عن زوجه، وأبنائه، وأمه، وأبيه، وكل ذلك من بؤس الإنسان… فان الغربة بؤس من دون شك. ولكن اعظم بؤس الإنسان، وشقائه هو أن يكون غريباً عن نفسه.

وإذا أمعنا النظر في حياة الإنسان المعاصر، نجد أن حالة انفصال الإنسان عن نفسه، (وغربة الإنسان عن نفسه) حالة مرضية شائعة في أوساط الحضارة الجاهلية في الغرب والشرق.

و(الأدب الوجودي) المعاصر يعكس لنا هذه الحالة المرضية في الإنسان المعاصر بوضوح… وكتاب (الغريب) لـ (جان بول سارتر) شاهد على ذلك. وفي رأينا إن غربة الإنسان المعاصر عن نفسه، وهروبه عنها، هي من أثار غضب الله تعالى على الإنسان في إعراضه عن الله ونسيانه لذكر الله، واحتجابه وفراره عن الله، فحجبه الله عن نفسه، وأنساه نفسه، وجعله غريباً عن نفسه، يشعر بالغربة تجاه كلّ شيء وكلّ أحد، حتى تجاه نفسه.

وقلب الإنسان بيد الله تعالى، يصنع به ما يشاء، ويقلبه كيفما يريد. وقد ورد في الحديث الشريف: «إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء»[106].

ويقول (العلامة الطباطبائي) صاحب تفسير الميزان (قده) في شرح هذا الحديث الشريف: أن الأعمال الثقيلة يقوم بها الإنسان عادة بيده، والأعمال الدقيقة الفنية، يقوم بها الإنسان عادةً برؤوس أصابعه. ولما كان تقليب القلوب، من الأعمال الدقيقة التي تتطلب دقة، وظرافة، ورد في الحديث، أنها بين إصبعين من أصابع الرحمن.

وهذه اللفتة واحدة من أروع لفتات هذا المفسر الجليل. وسبحان الله تعالى، وحاشاه أن تكون له يد أو إصبع، أو يحتاج في علمه إلى يد، أو إصبع، وإنما هي طريقة رمزية في التعبير، شائعة في القرآن والحديث، لمن يألف أسلوب القرآن والحديث في أمثال هذه الموارد، والمقصود بذلك الإشارة إلى رقة القلب ودقة عمله.

إذن القلب رقيق، وفعله رقيق، ويختلف القلب (الجانحة)، عن الجوارح المحسوسة للإنسان، فان حركة الجوارح حركة محسوسة ظاهرة، وحركة الجوانح حركة غير محسوسة، وغير ظاهرة. وإذا عطبت الجارحة ظهر عليها العطب، وتبيّن ذلك للإنسان وسبقها إنذار، وتنبيه متكرر (الآلام)، وأمّا الجانحة فتعطب بالتدريج وبصورة هادئة، ومن غير إنذار ولا تنبيه. ولذلك فينبغي أن يعوذ الإنسان بالله تعالى، من أن ينتكس قلبه ويزيغ. فان الله مقلب القلوب، وقلوب عباده بين إصبعين من أصابعه، لا يخفى عليه شيء من قلوب عباده، وهو قادر على أن يحصّن قلوبنا ويمنحها مناعة، وقوة وسلامة، ويحفظها من الانزلاق والسقوط.

ومن أدعية القرآن الكريم:

{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[107].

وزيغ القلب ميله عن الاستقامة، وانحرافه;

يقول تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[108].

وكان دعاء رسول الله (ص):

«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»[109].

2 ـ كيف ينسى الإنسان نفسه؟

وهذا هو السؤال الثاني من الأسئلة الأربعة التي قدمناها أمام هذا البحث:

والجواب على ذلك، إن نسيان الإنسان لنفسه، يتمّ بفرار الإنسان من نفسه.

فإن في الناس من لا يحبّ أن يواجه نفسه، ويريد أن يفر من نفسه، وينهزم عنها.

ونسيان النفس، يحقق لهؤلاء الناس الفرار من أنفسهم.

واهم أسباب الفرار من النفس سببان:

الوسط الشخصي، والوسط الاجتماعي الذين يعيشهما الإنسان، فان الظروف التي تحيط حياة الإنسان الشخصية، والاجتماعية قد تجعل الإنسان في مواجهة قوية لضميره وفطرته وما أودع الله تعالى في نفسه من القيم… فيتعرض الإنسان لضغوط قوية لا طاقة له بها، ويعيش صراعاً عنيفاً داخل نفسه بين ظروفه الواقعية التي يعيشها، وبين ضميره، وفطرته وقيمه التي أودعها الله تعالى في نفسه، فإذا عجز الإنسان عن الاستجابة للضمير والفطرة حاول أن يتخلص من هذه الضغوط، والصراع بأي شكل ممكن، وذلك بمحاولة الفرار من نفسه، وتناسي نفسه، وقيمه، وفطرته، وضميره.

والطريقة التي يسلكها الإنسان، في الفرار من نفسه، وفي نسيانها، طريقة معقدة شديدة التعقيد، ملتوية شديدة الالتواء. وعلماء النفس معنيون بدراسة الطرق التي يسلكها الإنسان، في محاولة التخلص من نفسه، والفرار منها.

ولنضرب على ذلك، مثالين:

المثال الأول: قد يرتكب الإنسان، جريمة قتل لإنسان بريء، في لحظة من لحظات فورة الغضب، والانفعال فيتعرض لضغوط قوية، وتأنيب قوي من جانب الضمير (النفس اللّوامة)، والضمير أقوى قلعة في الإنسان، يحمي الإنسان ويحفظه من السقوط، وهو آخر قلعة تسقط في حياة الإنسان، وإذا عجز الإنسان عن الاستجابة لصوت الضمير، حاول أن يقوم بخنق هذا الصوت، وإخماد جذوة الضمير بكل وسيلة ممكنة.

والوسائل التي يتخذها الإنسان لخنق صوت الضمير، وإخماد جذوته قد تكون في الاستغراق في اللهو، والجنس، والقمار، والمسكرات التي تفقد الإنسان نفسه، وقد يكون في الاستغراق في الجريمة نفسها، ومضاعفتها، فان الجريمة تنسي الجريمة، وتكرار ممارسة الجريمة، يذهب بحرمة الجريمة وهيبتها في النفس.

المثال الثاني: قد يعيش الإنسان في وسط حضاري فاسد لا يستجيب لمطالب الفطرة، والضمير، ولا يروي الحاجات الرئيسية في نفس الإنسان من الإيمان، والحب، والشرف، والعفة والأمانة والكرامة، ويدفع الإنسان إلى تجاوز هذه القيم. بينما تلح النفس على الإنسان بالاستجابة لهذه القيم، فيقع الإنسان في دوامة هذا الصراع بين ظروفه الحضارية، وما أودع الله تعالى في نفسه من القيم.

وهذا الصراع مصدر عذاب، وعناء كبير، وطويل للإنسان.

وقد يعجز الإنسان عن التلبية لدعوة الضمير، والفطرة، ويعجز عن مواجهة هذا الصراع، فيحاول أن يتخلص من نفسه فيهجر نفسه، وفطرته، وضميره. وهي حالة فرار الإنسان من نفسه، والتنكر لها ومحاولة نسيانها.

3 ـ ما هي خسائر الإنسان عندما ينسى نفسه؟

هذه هي ثالث الأسئلة…

الخسارة الاولى: التي يخسرها الإنسان هي نفسه، وهي اعظم الخسائر، فما يخسر الإنسان في حياته شيئاً اعظم من نفسه، وكل خسارة تهون أمام خسارة النفس.

يقول تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ}[110].

فلا شيء يخسره الإنسان، ويفقده اعظم من خسارته لنفسه، وفقدانه لها.

وما أروع هذه الكلمة العلوية، التي يرويها الامدي في الغرر عن علي (ع):

«عجبت لمن ينشد ضالته، وقد أضل نفسه فلا يطلبها» وأي شيء اعجب، من أن يفقد الإنسان بعض ما يملكه من مال الدنيا فينشده، ويبحث عنه في كل مكان، ولكنه يفقد نفسه التي هي أعز ما آتاه الله تعالى ويخسرها فلا ينشدها، ولا يبحث عنها.

وقد روي عن أميرالمؤمنين (ع): انه كان يقول:

«الله الله في أعز الأنفس عليكم»[111].

الخسارة الثانية: «المعرفة»، فان النفس بوابة من أعظم أبواب معرفة الله تعالى. وإذا خسر الإنسان نفسه، وافسدها، وضيّعها فقد اغلق على نفسه بابا من أعظم أبواب المعرفة.

وقد روي عن علي (ع): «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»[112] ونتساءل كيف يهتدي الإنسان من نفسه إلى معرفة الله تعالى.

والجواب على ذلك يتطلّب دراسة واسعة للنفس البشرية، وقنوات الاتصال بالله تعالى المعبئة في عمق النفس، وهو باب واسع من المعرفة لا نستطيع أن ندخله الآن.

ولكننا نود أن نشير الآن إشارة إجمالية إلى بعض هذه القنوات.

ومن أهم هذه القنوات «الفطرة». فقد أودع الله في فطرة الإنسان إيمانا به تعالى وحاجة اللجوء إليه وظمأً لا حدَّ لـه إلى الإيمان بالله واللجوء، والتضرع إليه وشوقا إلى الله، وحبا لـه وكل ذلك كامن في فطرة الإنسان، من دون حاجة إلى دليل وبرهان. وكما يحتاج الإنسان إلى الماء، والطعام، والنوم كذلك يحتاج الإنسان، بالفطرة إلى الله تعالى.

وهذه الحاجة الفطرية كامنة في عمق النفس. وهي أساس التدين والإيمان بالله في حياة الإنسان.

وإذا أضاع الإنسان نفسه، فقد أضاع فطرته وأضاع على نفسه باباً واسعاً من أبواب المعرفة الفطرية لله تعالى، وهو من أيسر أبواب المعرفة وأوضحها.

وفي نفس الإنسان منافذ كثيرة أُخر لمعرفة الله تعالى نذكر مثالا واحداً منها:

قد يتخذ الإنسان قراراً، وتجتمع لـه أسباب القرار، وتكتمل عنده أسباب الإرادة، وتتم الإرادة، إلا أنه ينصرف عن إرادته وقراره، من دون أن يعرف لذلك سبباً في قرارة نفسه، فيشعر الإنسان بوجود قوة مهيمنة عليه، قادرة على نقض قراره، وصرف عن إرادته.

وهذه مسألة، من اغرب المسائل في نفس الإنسان. فقد يواجه الإنسان قوة لها سلطان أعظم من سلطانه في محل عمله، وحتى في بيته، ينقض قراره وهو أمر يألفه الإنسان في حياته. ولكن الذي لا يمكن توجيهه، وفق القوانين الطبيعية، والمادية أن تكون لأحد داخل نفسه قوة وسلطاناً فوق إرادته، وان يتصرف في نفسه بما لا يمكن نقضه، وإن ينقض من إرادته، ما استجمعت أسباب القرار لـه، فيشعر الإنسان عندئذ بوجود قوّة غيبية كبرى مهيمنة على نفسه وقراره. وفي ذلك يقول أميرالمؤمنين (ع): «عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم»[113] وهذا نوع من الوعي الذاتي لله تعالى داخل النفس، إذن هنالك علاقة قوية وشيجة متبادلة بين معرفة النفس ومعرفة الله تعالى، فإذا نسي الإنسان نفسه، وانكرها نسي الله تعالى.

وإذا عرف الإنسان نفسه، ووعاها عرف الله تعالى «من عرف نفسه فقد عرف ربه».

وإذا نسي الإنسان الله تعالى أنساه الله نفسه يقول تعالى:

{نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[114].

وإذا ذكر الإنسان الله تعالى ذكّره تعالى نفسه، وبصّره بها. عن أميرالمؤمنين (ع): «إن الله تعالى جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة»[115].

فان ذكر الله تعالى هو النور الكاشف الذي يسلطه الإنسان على نفسه، فيعرف كنوزها، وما أودع الله تعالى فيها من القيم، كما يعرف به نقاط الضعف من نفسه.

والخسارة الثالثة: (العمل)، وإذا كانت الخسارة الاولى هي النفس، والخسارة الثانية هي الوعي، فان الخسارة الثالثة هي العمل، والحركة. فان الإنسان يتحرك إلى الله تعالى بما أودع الله في نفسه من كنوز المواهب، والوعي والمعرفة، والطاقة المحركة له هي نفسه، فإذا خسر نفسه خسر الحركة إلى الله وخسر العمل. فان العمل الصالح يرفع الإنسان إلى الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[116] والعمل الصالح يصدر عن النفس، فإذا خسر الإنسان نفسه خسر العمل الصالح الذي يرفعه إلى الله.

ومن الناس من أودع الله في نفسه كل المواهب، والقيم التي تتطلبها هذه الحركة الصاعدة إلى الله، وهو مع ذلك يعيش ويموت كما يعيش الحيوان ويموت الحيوان، تائهاً ضائعاً، ليس له من هذه الدنيا إلا ما يتمتع به الحيوان: «ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويُلهِهم الأمل»[117].

ومثلهم في ذلك، مثل الدّابة التي تموت في الصحراء ظمأً، وهي تحمل على ظهرها الماء البارد الزلال، أو الإنسان الذي يعيش في تعاسة الفقر، والحاجة، يبحث عن المال في كل مكان، وكنوز الذهب مخبوءة تحت أقدامه في بيته الذي يسكنه.

إن هذا الإنسان ليس فقيراً. كما نتصوره. ولكن يجهل ما يملك من كنوز الذهب. وكذلك هؤلاء الناس الذين يعيشون كما يعيش الحيوان (بل هم أضل)، ويراوحون في مكانهم لا تنقصهم القدرة على الحركة، ولا تنقصهم المواهب، والقيم التي تمكنهم من الحركة، ولكن مصيبتهم، وبؤسهم في انّهم يجهلون انهم يملكون هذه الإمكانات، والكفاءات، والقدرات، والمواهب التي تمكنهم من الحركة إلى الله تعالى.

ومن هنا فان مصيبة الإنسان إذا سلبه الله تعالى ذكر ما انعم عليه لا تقل عن مصيبته إذا سلبه الله تلك النعم، والإنسان إذا نسى الله تعالى، وما انعم عليه فقد لا يسلبه الله تلك النعمة، ولكن يسلبه ذكرها، ووعيها وصدق الله تعالى، حيث يقول: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم).

إنَّ حسرة الإنسان الذي يجوع، وهو يملك من المال ما يستطيع أن يطعم به الكثيرين، وهو يجهل ذلك، أو لا يذكره اعظم ممن لا يملك هذه المال، وهذه مصيبة الإنسان عند ما يخسر عمله.

ولنتأمل في هذه الآية المباركة من سورة الكهف، فيمن يخسر علمه:

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاَ * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[118].

إن ابرز صفة في هؤلاء، انهم يضل سعيهم ـ كما يقول الله ـ في الحياة الدنيا، فهم يكدحون ويتعبون، يجتهدون ويجهدون أنفسهم، كما يكدح المؤمنون من دون فرق، ولكن كل جهد وعمل وكدح لهم في ضلال وضياع، لا يجني منه شيئاً إلا الخسارة كمن يبني بناءاً عالياً فخماً في أرض غيره، ويجتهد ويكدح في ذلك، ويبذل فيه عمره وماله، فإذا أكمل البناء، لم يكن لـه من هذا البناء شيء. لأنه بناه في أرض غيره… وكذلك عمل هؤلاء. «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا».

4 ـ ما هي العوامل التي تؤدي إلى نسيان النفس؟

وهذا هو السؤال الرابع، والجواب أن الاستغراق في الهوى، والشهوات ولذات الدنيا ينسي الإنسان نفسه وروحه، والقيم التي أودعها الله تعالى في نفسه، ولذلك ورد التأكيد في النصوص الإسلامية بالاقتصاد في النوم، والأكل، وشهوة الجنس وسائر حاجات الجسم، فان الهوى إذا طغى في حياة الإنسان استهلكه، وأخفى هذا الجانب السامي من شخصيته، واصبح محوراً لاهتماماته وسعيه وجهده.

5 ـ كيف يعود الإنسان إلى نفسه؟

وهذا هو السؤال الخامس: والأخير في هذا البحث، وقبل أن نجيب على هذا السؤال ينبغي أن نعيد النظر في أصل المشكلة. إن المشكلة تكمن في عاملين: «الهوى، والطاغوت».

وهذان العاملان، هما أقوى العوامل المؤثرة في تحريف الإنسان.

ونقصد بالهوى: مجموعة الغرائز، والشهوات الكامنة في داخل النفس.

ونقصد بالطاغوت: الجهاز الحاكم في المجتمع القائم على تجاوز حدود الله، بكل ما يتطلب هذا الجهاز من قوة، ومال، وإعلام، ونظام سياسي، وإداري.

وهذا العاملان، هما أقوى عوامل التخريب، والتحريف في حياة الإنسان.

والضمير والفطرة: والعقل هي العوامل التي تحصن الإنسان في مقابل هذين العاملين.

والصراع قائم في حياة الإنسان بين هاتين الجبهتين: جبهة «الهوى والطاغوت» و«جبهة الضمير والفطرة والعقل».

وهذا الصراع من أعنف المعارك، وأقواها، وأكثرها شراسة في حياة الإنسان، ومصير الإنسان، وقدره يتوقف على نتيجة هذا الصراع.

وهناك منهجان، لمواجهة هذا الصراع: المنهج الأول المنهج السلبي، الذي يوحي به الشيطان إلى أوليائه، وهو أن يهجر الإنسان فطرته وضميره وعقله.

أما المنهج الإيجابي، الذي جاء به الأنبياء (ص)من عند الله فهو يختلف عن هذا المنهج اختلافاً كبيراً، واليك إجمال هذا المنهج.

في مواجهة الهوى، يجاهد الإنسان شهواته واهواءه، ويهجر المعاصي والذنوب، وهذه المكافحة هي اكبر الجهادين وهو جهاد النفس، وهذه الهجرة هي كبرى الهجرتين. وهي الهجرة من الذنوب والمعاصي إلى الله.

وفي مواجهة الطاغوت، يوجهنا هذا المنهج، بدل أن نهجر أنفسنا، وفطرتنا إلى أن نهجر المجتمع، والوسط الخاضع لسلطان الطاغوت، إذا كنا غير قادرين على تغيير الوسط الذي يحكمه الطاغوت، ثم إعداد القوة في الهجرة للعودة لمواجهة الطاغوت.

وهذه الهجرة هي صغرى الهجرتين، وهذا الصراع هو اصغر الجهادين.

إذن النهج الإلهي، يوجّه الإنسان في الحالة الاولى إلى الجهاد الأكبر وهو «جهاد النفس».

والهجرة الكبرى وهي «الهجرة من الذنوب والمعاصي إلى الله: وهي التوبة».

وفي الحالة الثانية إلى الهجرة الصغرى.

«الهجرة من الطاغوت» والجهاد الأصغر «جهاد الطاغوت» وهو النهج الإيجابي السليم في هذه المواجهة، أما هجرة النفس، والعقل، والفطرة، والضمير فهو النهج السلبي الذي يوصي به الشيطان إلى أوليائه في هذه المواجهة، ونوضح ذلك بمثل:

إن الإنسان إذا تعرض للسرقة والاعتداء، فان المنهج السليم في حالة القوة هو مواجهة السارق والمعتدي، ومكافحته، وفي حال الضعف هو فرار الإنسان بنفسه، وأمواله، وعرضه من المعتدين والسراق إلى موضع أمين.

والمنهج السلبي، هو أن يعرض الإنسان عن ماله، وعرضه في مثل هذه الحالة، ويتركهما للمعتدين والسراق.

إن المنهج السليم في مواجهة الهوى والطاغوت، هو «الجهاد الأكبر» و«الهجرة الكبرى» و«الجهاد الأصغر» و«الهجرة الصغرى»، وهما كفيلان بإعادة الإنسان إلى نفسه، إذا شاء الإنسان في هذا الصراع أن يستعيد نفسه وفطرته.

نسأل الله تعالى أن يمكننا من أنفسنا، ويحفظ لنا ما رزقنا من الوعي، والبصيرة، والضمير، والفطرة.


أقرأ ايضاً:

الهوامش والمصادر

  • [1] ـ الأحزاب: 72.
  • [2] ـ فصلت: 53.
  • [3] ـ الأنعام: 2
  • [4] ـ الأنعام:24.
  • [5] ـ الأنعام: 2.
  • [6] ـ آل عمرا: 117.
  • [7] ـ الأنعام:26.
  • [8] ـ البقرة: 07.
  • [9] ـ البقرة: 30.
  • [10] ـ النساء: 10.
  • [11] ـ فاطر: 0.
  • [12] ـ الصافا: 112.
  • [13] ـ البقرة 44.
  • [14] ـ الأعاف: 172.
  • [15] ـ البقة: 187.
  • [16] ـ غار: 10.
  • [17] ـ البرة: 9.
  • [18] ـ آ عمران: 69، النساء: 113.
  • [19] ـ لأنعام: 24.
  • [20] ـالأنعام: 26.
  • [21] العصر: 1ـ 2.
  • [22]ـ محمد: 38.
  • [23 ـ النساء: 110.
  • 24] ـ النساء: 111.
  • [25] ـ المدثر: 38.
  • [26] ـ الطور: 21.
  • [27] ـ غافر: 10.
  • [28] ـ خصال الصدوق: 111 ـ 112، باب الثلاثة.
  • [29] ـ النساء: 111.
  • [30] ـ الأنعام: 104.
  • [31] ـ الإسراء: 15.
  • [32] ـ النمل: 40.
  • [33] ـ فاطر: 18.
  • [34] ـ الزمر: 41.
  • [35] ـ فصلت: 46، الجاثية: 15.
  • [36] ـ الفتح: 10.
  • [37] ـ محمد: 28.
  • [38] ـ الشورى: 31.
  • [39] ـ النساء: 79.
  • [40] ـ النجم: 4.
  • [41] ـ الزلزال: 7 ـ 8.
  • [42] ـ المدثر: 38.
  • [43] ـ الطور: 21.
  • [44] ـ آل عمران: 30.
  • [45] ـ الكهف: 49.
  • [46] ـ الإسراء: 13
  • [47] ـ التفسير الصافي 3: 182.
  • [48] ـ الأعراف: 172.
  • [49] ـ التوبة: 17.
  • [50] ـ الملك: 11.
  • [51] ـ الأعراف: 37.
  • [52] ـ فصلت: 12.
  • [53] ـ الإسراء: 36.
  • [54] ـ الإسراء: 14.
  • [55] ـ غافر: 10.
  • [56] ـ الزمر: 56.
  • [57] ـ إبراهيم: 23.
  • [58] ـ بحار الأنوار 32: 355 ح 337.
  • [59] ـ الأنعام: 12.
  • [60] ـ الأعراف:8 ـ 9.
  • [61] ـ الزمر: 15.
  • [62] ـ البقرة: 90.
  • [63] ـ البقرة: 102.
  • [64] ـ الكهف: 103 ـ 105.
  • [65] ـ هود: 22 ـ 21.
  • [66] ـ الأعراف: 162.
  • [67] ـ النساء: 46.
  • [68] ـ البقرة: 9.
  • [69] ـ الأنعام: 24.
  • [70] ـ البقرة: 187.
  • [71] ـ النساء: 107.
  • [72] ـ البقرة: 131.
  • [73] ـ تبيّغ الدم: إذا هاج بصاحبه.
  • [74] ـ نهج البلاغة: 324 ـ 325، صبحي، خطبة 209.
  • [75] ـ الكهف: 35.
  • [76] ـ البقرة: 54.
  • [77] ـ يونس: 23.
  • [78] ـ الأنعام: 26.
  • [79] ـ الأنعام: 24.
  • [80] ـ البقرة: 187.
  • [81] ـ البقرة: 131.
  • [82] ـ البقرة: 9.
  • [83] ـ التوبة: 111.
  • [84] ـ بحار الأنوار 78: 13.
  • [85] ـ غرر الحكم.
  • [86] ـ غرر الحكم.
  • [87] ـ غرر الحكم.
  • [88] ـ غرر الحكم.
  • [89] ـ نهج البلاغة: 221، خط 157، صبحي صالح.
  • [90] ـ نهج البلاغة: 344، خط 233، صبحي صالح.
  • [91] ـ الكافي 2: 458.
  • [92] ـ المصباح للكفعمي: 596.
  • [93] ـ الأعراف: 23.
  • [94] ـ النحل: 118.
  • [95] ـ الأنبياء: 87.
  • [96] ـ المصباح للكفمي: 556.
  • [97] ـ مسند أحمد بن حنبل 1: 94.
  • [98] ـ المصدر السابق.
  • [99] ـ مسند أحمد بن حنبل 1: 97.
  • [100] ـ ص: 26.
  • [101] ـ الأعراف: 22.
  • [102] ـ يوسف: 5.
  • [103] ـ غرر الحكم للامدي، وراجع ميزان الحكمة 4: 3476.
  • [104] ـ الحشر: 19.
  • [105] ـ غرر الحكم للامدي.
  • [106] ـ علل الشرائع، باب نوادر العلل: ج75.
  • [107] ـ آل عمران: 8.
  • [108] ـ الصف: 5.
  • [109] ـ كنز العمال: 1: 390 ح1682.
  • [110] ـ الزمر: 15.
  • [111] ـ شرح نهج البلاغة: 9: 209 خطبة 158.
  • [112] ـ شرح مائة كلمة للبحراني: 57، الكلمة الثالثة.
  • [113] ـ نهج البلاغة ـ قصار الكلمات، الكلمة 250.
  • [114] ـ الحشر: 19.
  • [115] ـ بحار الأنوار: 66: 325 ح39.
  • [116] ـ فاطر: 10.
  • [117] ـ الحجر: 3.
  • [118] ـ الكهف: 103 ـ 104.
تحميل الفيديو
الشيخ محمد مهدي الآصفي
المصدر
كتاب في رحاب القرآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى