ثقافة

الولاية التكوينية

الولاية التكوينية هي سلطان الله المطلق على هذا الكون في الخلق والتدبير.

والإمداد الإلهي ليس في مرحلة حدوث الأشياء وإبداعها فقط، وإنما يتصل الإمداد الإلهي لهذا الكون في الحدوث والبقاء.

فكما يحتاج هذا الكون في حدوثه إلى إفاضة الوجود من قبل الله تعالى كذلك يحتاج في استمراره وبقائه إلى إفاضة الوجود منه تعالى.

ولا ينقطع الإمداد الإلهي عن هذا الكون لحظة واحدة. وهو عزّ شأنه محيط بخلقه مهيمن عليهم، لا يعزب عن علمه شيء من شؤون خلقه وأعمالهم، ولا يفلت عن قبضة قدرته شيء في السماوات والأرضين.

وهذه القدرة والتدبير والإفاضة المستمرة والمتصلة والهيمنة الكاملة على الخلق هي المقصود بالولاية التكوينية. والإنسان مشمول بهذه الولاية والهيمنة والتدبير والإمداد الإلهي التكويني. يقول تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[1].

ويقول تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}[2]، وهو أقصى ما يمكن أن يتصوّره الإنسان من القرب والهيمنة والإحاطة.

يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان: (وقد ذكر الله سبحانه لنفسه من الولاية، الولاية التكوينية التي تصحح لـه التصرّف في كل شيء وتدبير أمر الخلق بما شاء وكيف شاء).

قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ}[3].

وقال {مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}[4].

وقال {أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ}[5].

وقال {فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ}[6].

والقرآن الكريم يرسم أبعاد هذه الوراثة التكوينية بصورة دقيقة، تنفي وجود أيّة سلطة أُخرى في الكون ونفوذ أيّة قدرة عدا قدرة الله تعالى، وتعلن أن الأمر كلّه لله تعالى في الخلق، والصنع، والإبداع، والرزق، والحياة، والممات… وهو الذي يدير أمر هذا الكون، ويقبض على أزمّة الأُمور فيه، لا يخرج شيء منه عن محيط حلمه وقدرته، وهو القريب السميع، البصير، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض والسماء ولا يعجزه شيء، ولا تنفد خزائن ملكه، وهو المهيمن على خلقه المحيط بهم، وهو الذي يرسل رحمته إلى عباده وخلقه، ويتولاهم برحمته، ويعمّ برحمته الناس جميعاً، وهو القاهر فوق عباده، والرؤوف الرحيم بهم، والكون كلّه خاضع لحكمه، لا يخرج شيء منه عن دائرة سلطانه المطلق، ولا يتمرّد منه شيء عن أمره وحكمه، ولا يشاركه أحد في خلق أو رزق أو أمر، وليس لأحد شيء من قدرة أو علم أو نفوذ إلاّ منه وبه، ولا يجري شيء في هذا الكون إلاّ بأمره، وحكمه، وفي دائرة سلطانه، وما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها، وما من ورقة تسقط من غصن إلاّ بعلمه، وما من رطب ولا يابس إلاّ هو في علمه.

واليك هذه الباقة العطرة من آيات الله البيّنات:

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا * وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا}[7].

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[8].

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً…* ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ *… اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ…}[9].

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[10].

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى…}[11].

{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[12].

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[13].

{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ… * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ…}[14].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[15].

{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[16].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1]ـ ق: 16.
  • [2]ـ الأنفال: 24.
  • [3]ـ الشورى: 9.
  • [4]ـ السجدة: 4.
  • [5]ـ يوسف: 101.
  • [6]ـ الشورى: 44. تفسير الميزان 6: 12 ـ 13.
  • [7]ـ الفرقان: 2 ـ 3.
  • [8]ـ النمل: 60 ـ 64.
  • [9]ـ غافر: 61 ـ 62 و 64 ـ 65.
  • [10]ـ الأعراف: 54.
  • [11]ـ الزمر: 5 .
  • [12]ـ القصص: 71 ـ 72.
  • [13]ـ الزخرف: 84 .
  • [14]ـ فاطر: 11 و 13 ـ 14.
  • [15]ـ فاطر: 3 .
  • [16]ـ الأنعام: 59.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى