مناقشة كتاب آل البيت وحقوقهم الشرعيّة (القسم الثالث)
بسم الله الرحمن الرحيم، وأفضلُ الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين، المعصومين الميامين، سيما بقية الله في الأرضين، سيدنا ومولانا ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
لا زال البحث قائماً فيما يتعلَّق بمناقشة الكتاب الصادر من القاضي بمحكمة القطيف الكبرى، وهذه الحلقة الثالثة من هذه المناقشة.
وقد ناقشنا في الحلقتين السابقتين في الحلقة الأولى حول مفهوم أهل البيت(ع)، والحلقة الثانية في ذكر فضائل أهل البيت(ع) في القرآن الكريم والسنة النبويَّة، وهذه الحلقة قد عُقدت في بيان بعض عقيدة أهل السنة وعقيدة الشيعة الإمامية فيما يتعلّق بأهل البيت(ع)، وقد اقتصرتُ على ما جاء في الكتيب، دون سائر المعتقدات المذكورة في المطوّلات، فإلى تتمّة البحث… الشيعة والسنة قال القاضي في ص21: «يتهم الشيعة أهل السنة بأنهم يبغضون أهل البيت؛ لذا يسمونهم بالنواصب أو الخوارج، ولكنَّ الحق أنَّ مذهب أهل السنة مذهب مستقل، ومذهب النواصب والخوارج مذهب آخر.
فأهل السنة وَسَطٌ في حب آل البيت بين المذاهب…».
لا شكَّ بأنَّ سماحة القاضي قد استعمل أسلوب المغالطة في كلامه، وقبل أن نبيّن موطن المغالطة، نتوجَّه إليه لسؤاله عن هذه التهمة التي اتهمها الشيعة، من أي مصدر أو كتاب شيعي معتبر اقتبست هذه التهمة، وهي أن: الشيعة يقولون بأن كل السنة هم نواصب أو خوارج؟! يا ليته يدلّنا على مصدرٍ استند إليه في هذه الدعوى، فيبقى الأمر محل تأمل، حيثُ أنَّه ليس من الصحيح أن نتلقى التهم والدعاوى المجردة عن الدليل ونجيب عليها ونبرِّئ أنفسنا منها.
الأمر الآخر: لقد ذكر الفقهاء الأعلام (رحم الله الماضين وسدد الباقين) في بحث النجاسات تعريف كلٍّ من الناصبي والخارجي، ممّا يدلُّ على أنَّ الفقهاء ملتفتين إلى التفريق بينهما، حيثُ جاء في كلمات الأعلام في تعريف الناصب هو: من ينصب العداء لأهل البيت(ع) أو المعلن العداوة والبغضاء لأهل البيت(ع)، وهو أمر مسلَّمٌ بين فقهاء الشيعة الإمامية.
فهذه هي القاعدة الكلية، فكل من ينصب العداء والبغضاء لأهل البيت فهو ناصبي، وأما تطبيق هذه القاعدة الكلية فهو يقع بيد المكلَّف، فإذا وجد شخصاً يبغض أهل البيت فهو ناصبي، وليست من وظيفة الفقيه تحديد الموضوع الخارجي.
وأما تعريف الخارجي فهو: من خرج على إمام زمانه، والمصداق المعروف والمشهور هم الذين حاربهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(ع) في معركة النهروان، وأمَّا أمثالهم في هذا الزمن فهم الإباضية، وبهذا القيد: إذا كانوا يعتقدون أو يكفِّرون علي ابن أبي طالب فهم خوارج لا مطلقاً، فمن أين أتى بالقول: أن الشيعة يتهمون أهل السنة بالنصب أو الخروج؟! ويتابع قوله: «… فأهل السنة وَسَطٌ بين حب آل البيت بين المذاهب: فالشيعة يغالون في حب آل البيت، ومنهم من يطوف على قبورهم، ويدعوهم بكشف الضر وجلب النفع، ومنهم من يزعم أنهم يعلمون الغيب… إلخ».
وقفةٌ مع الكاتب لكشف المغالطة لا بد من التفريق في المقام بين فِرَقِ الشيعة، فليست الشيعة على مذهبٍ واحد، وليس من الصحيح أن تنسب عقائد بعض الفرق للفرق الأخرى.
فمثلاً: من فرق الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ومن الشيعة الزيدية والإسماعيلية، وهناك فرقة أخرى وهي فرقة المغالين، فالأولى هي التي لها السِيط الأكبر في هذا الزمن، والزيدية والإسماعيلية نسبة وجودها قليلة بالنسبة إلى الإمامية.
فأيٌ منهم تناقش؟! فمثلاً: الشيعة الذين يغالون في حب آل البيت ويزعمون بأنهم يعلمون الغيب بالاستقلال عن الله هؤلاء من المغالين، أو يرون بأن الأئمة آلهة، سواء مع الله أو من دون الله، لا شأن لنا بهم.
بل على العكس حَكَمَ أهل البيت(ع) بكفرهم.
وإن كان مقصودكم الشيعة الإمامية، وأنَّ الأمور التي يعتقدون بها هي عقائد فيها غلو، لا بد من تحرير موضع النزاع في معنى الغلو، وتطبيق مصاديقه.
فقد يكون بنظرك غلو، ولكنه في الواقع ليس غلواً، ومن هنا لا بد من توضيح معنى الغلو أولاً، ومن ثم أقوال أهل البيت(ع) في الغلو، وثالثاً أقوال الفقهاء في المغالين.
الأمر الأول: معنى الغلو: الغلو في اللغة: أصلها (غلا) وهي الزيادة وتجاوز الحد، فتقول: غلا في الدين والأمر، يغلو غُلُوّا: جاوز حدّه(1). فالغلو بالمعنى اللغوي هو مجاوزة الحد لكل شيء.
وأما بالمعنى الاصطلاحي هو مجاوزة الحد المعقول والمفروض، في العقائد الدينية والواجبات الشرعية(2).
وقال الشهرستاني في الملل والنحل في المغالين: «هم الذين غالوا في حق النبي(ص) وأخرجوهم من حدود الخليقة…»، وعرفه ابن تيمية قائلاً: «الغلو في الدين بأن ينزل البشر منزلة الإله…»، وجاء في دائرة المعارف: «أن الغلاة هم: الذين غلو في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الإنسانية ووصفوهم بأوصاف إلهية»(3). ويُفهم من كلامه بأن مسألة الغلو لم تقتصر على الشيعة فحسب، بل كل من غلا في حق أئمته.
والغالي: من يقول في أهل البيت(ع) ما لا يقولون في أنفسهم كما يدعون فيهم النبوة والألوهية(4). الأمر الثاني: الغلو في القرآن الكريم: لا يخفى بأن القرآن الكريم قد ذكر مفردة الغلو في أكثر من مورد، والرجوع إلى القرآن خير مصدر لتعريف هذه المفردة.
1- قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}(5).
وفي هذه الآية نهيٌ من الله(سبحانه وتعالى) عن الغلو في الدين، وهي إشارة لما نسبه أهل الكتاب في حق عيسى بن مريم من أنه ابن الله تارة وأنه الله تارة أخرى، وكذلك عقيدة التثليث عند النصارى.
والقرآن الكريم يردُّ عليهم هذه العقيدة الفاسدة ويقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ…}، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ…}. فهذه جملة من الآيات التي ترد على من يُغالي في دين الله، وينسب إلى غير الله صفاته الإلهية.
2- قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}(6).
3- قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}(7). وهو منح العلماء موقع التشريع على وفق أهوائهم وطاعتهم على ذلك، والغلو هنا: هو أن موقع التشريع مختص بالله تعالى، وأما وظيفة العلماء فهي أن يبينون حكم الله، والاعتقاد بأن للعلماء ما لله من حق التشريع فهو غلو.
ولهذه الآية شاهد من مواقف النبي الأكرم(ص): حيث أخرج الطبراني في المعجم الكبير أنَّ: عدي بن حاتم الطائي قال: أتيتُ النبي(ص) وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك، فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} حتّى فرغ منها فقلت: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرّمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه؟ قلت: بلى.
قال: فتلك عبادتهم. الأمر الثالث: أقوال النبي وأهل بيته في الغلو: لقد ورد عن النبي الأكرم(ص) وأهل بيته عدة أقوال تنهى عن الغلو فيهم واتخاذهم آلهة وأرباباً من دون الله:
1- قيل بأن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربّا؟ قال النبي(ص): معاذ الله أن نعبد غير الله، وأن نأمر بغير عبادة الله، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، صنفان من أمتي لا نصيب لهما من الإسلام: الغلاة والقدرية.
2- قال رسول الله(ص) مخاطباً الإمام علي ابن أبي طالب: «إن أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق: فرقة شيعتك وهم المؤمنون، وفرقة عدوّك وهم الشّاكّون، وفرقة تغلوا فيك وهم الجاحدون».
3- قال رسول الله(ص): «يا علي مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبّه قومٌ فأفرطوا فيه، وأبغضه قومُ فأفرطوا فيه».
4- جاء عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) عندما سأله أبو هاشم الجعفري عن الغلاة والمفوّضة قال: «الغلاة كفّار، والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زاوجهم أو تزوّج إليهم (منهم) أو آمنهم أو إئتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمةٍ خرج من ولاية الله(عزّ وجلّ) وولاية رسول الله(ص) وولايتنا أهل البيت»(8). فإن الإمام الرضا(ع) أجرى عليهم حكم الكفّار والمشركين في حرمة المجالسة والمواكلة والمناكحة، حتى لو تلفظوا بالشهادتين. وهذا هو النهج القرآني في التعامل مع المشركين في قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}. وكذلك عن النبي الأكرم(ص): «من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمّة»(9).
5- و جاء عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) حينما سأله المأمون قائلاً: يا أبا الحسن بلغني أن قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد، فقال الرضا(ع): «حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه علي ابن أبي طالب(ع) قال: «قال رسول الله(ص): لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} قال علي(ع): يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي، محبٌّ مفرط ومبغضٌ مفرط وأنا أبرء إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدنا…»(10).
6- وعن الإمام الرضا(ع) أنه قال: «من قال بالتناسخ فهو كافر ثم قال(ع): لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدرية، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا حرورية، ثم قال(ع): لا تُقاعدوهم، ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم برئ الله منهم».
هذه جملة من روايات أئمة أهل البيت(ع) حول الغلو والغلاة، وتبيّن شدّة نهيهم عن مجالستهم ومقاربتهم، بل طلبوا من شيعتهم أن يتبرؤوا منهم، ومن أراد المزيد في ما ورد عن أهل البيت(ع) عن الغلو والمغاليين فعليه أن يُراجع المصادر الحديثيّة للشيعة الإمامية.
الأمر الرابع: كلمات فقهاء الشيعة الإمامية في الغلو: وأمّا الآن فمع بعض كلمات فقهاء الشيعة الإمامية حول الغلو الغلاة، فمن يتتبع كلمات الفقهاء الإمامية في بحث النجاسات فإنهم يذكرون من جملة النجاسات الكافر، وضابطه كل من خرج عن الإسلام، أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، وهناك عدة ضوابط لمعرفة الكافر تُذكر في محلّها، والشاهد في أنهم يعدّون المغالي من ضمن أفراد الكافر، ويحكمون بنجاسته ما لم يرجع عن قوله وغلوّه:
1- المحقق الحلي(قده): «العاشر: الكافر، وضابطه كل من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة…»(11).
2- الإمام الخميني(قده): «وأمّا الغلاة، فإن قالوا بإلهية أحد الأئمة مع نفي إله آخر أو إثباته أو قالوا بنبوته، فلا إشكال في كفرهم. وأما مع الاعتقاد باُلوهيته تعالى ووحدانيته ونبوة النبي(ص) فلا يوجب شيء من عقائدهم الفاسدة كفرَهم ونجاستهم…»(12).
3- السيد أبو القاسم الخوئي(ره): «الغلاة على طوائف: فمنهم من يعتقد الربوبية لأمير المؤمنين أو أحد الأئمة الطاهرين ^ فيعتقد بأنه الرب الجليل وأنه الإله المجسَّم الذي نزل إلى الأرض، وهذه النسبة لو صحّت وثبت اعتقادهم بذلك فلا إشكال في نجاستهم وكفرهم، لأنه إنكار لألوهيته سبحانه، لبداهة أنه لا فرق في إنكارها بين دعوى ثبوتها لزيد أو للأصنام وبين دعوى ثبوتها لأمير المؤمنين لاشتراكهما في إنكار ألوهيته تعالى وهو من أحد الأسباب الموجبة للكفر…»(13). هذه بعض أقوال الفقهاء الماضين والمعاصرين في حكم الغلاة والقول بنجاستهم لإنكارهم الربوبية.
الخلاصة إنما يصدق الغلو على من يقول في النبي والأئمة(ع) بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله سبحانه في المعبودية أو كونهم يرزقون ويخلقون من دون الله، أو أن الله تعالى حلَّ فيهم أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب من غير وحي أو إلهام، أو الاعتقاد بكونهم من القدم مع نفي الحدوث عنهم، أو القول في الأئمة(ع) أنهم كانوا أنبياء، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات والعبادات ولا تكليف مع تلك المعرفة أو القول بأن الله فوَّض إليهم أمر العباد بالتفويض المطلق وغير ذلك من العقائد التي تنقص من عظمة الخالق وقدرته وشأنه وإنزال المخلوق بمنزلته.. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ثم القول بكل واحد من هذه خروج عن الدين وصاحبها كافر بإجماع الطائفة المحقة الإثني عشرية كما أن الأدلة العقلية هي الأخرى تكفر أهل تلك المقالات والنحل.
وقد تبيّنت أقوال الأئمة(ع) وأقوال الفقهاء الإمامية تبعاً لأئمتهم. فمن هنا لا يمكن نسبة تهمة الغلو لأحدٍ حتى يكون هذا الأمر المنسوب إليهم فعلاً غلوّا، وأما التمسّك بالتعريف اللغوي للغلو وتطبيقه على أمة محمد فهذا الفعل والأسلوب غير صحيح، ويفتقد جانب الورع والتقوى، في نسب الكفر والتكفير للآخرين.
أما ما تعرّض له سماحة القاضي بشأن بعض الأعمال التي يقوم بها الشيعة الإمامية بحضرة الأماكن المقدّسة والمراقد المعظّمة، فلا بد من توضيح عدة مفاهيم حتى يتضح للقارئ العزيز هل يصح الإتيان بهذه الأعمال عند المراقد الشريفة أو لا يجوز؟ وهل هو نوع من أنواع الغلو أو لا؟ وهل هي بدعة أم لا؟ ومن الإجمال إلى التفصيل… ما يتعلّق بالأماكن المقدّسة وزيارتها كان المسلمون منذ الصدر الأول للإسلام حتّى القرن السابع الهجري، لا يرون أي إشكالٍ في مسألة الزيارة للأماكن المقدّسة وذلك للتبرك والدعاء، حتّى جاء ابن تيمية وأفتى بحرمة شدّ الرحال لزيارة قبر النبي الأكرم(ص)، ونهى عن التوسل به والاستغاثة.
وقد تصدّى جملة من علماء أهل السنة لهذه البدعة في الدين، ودارت بينهم المناقشات بشأن ما أتى به ونشره بين المسلمين، واتهامه جميع المسلمين بتهمة الشرك وكفّرهم عن بكرة أبيهم.
ومن شاء أن يناقش في هذا الأمر فعليه أن يبطل كلام من جاء بهذه البدعة أوّلاً (وأعني بذلك ابن تيمية)، لأن بعض المتأخرين عنه إنما مشوا على ما بناه واختاره من رأي.
ذكر بعض العلماء الذين أنكروا على ابن تيمية: لقد ذكرتْ كتبُ التراجم للعلماء والفقهاء من أهل السنة بعض الذين عايشوا ابن تيمية أو لحقوه ممّن أنكر عليه ما اعتقده، سواء فيما يخص بحث الصفات الإلهية، أو المسائل الفقهية التي خالف فيها المذاهب الأربعة، أو مسألة شد الرحال لزيارة قبر النبي الأكرم(ص)، فكان كلما أفتى بشيءٍ يخالف مذهب أهل السنة الأشعرية يثورون عليه ويكتبون الكتب لردّ ما ذكره من اعتقادٍ وآراء شاذة.
ولأجل أن يقف القارئ على آراء معاصريه في حقه ومقاربي زمانه، نقتطف من غضون التاريخ جُملاً تكشف عن إطباق العلماء على الرد عليه ونقد آرائه:
1) الشيخ شهاب الدين ابن جهبل الكلابي الحلبي، المتوفي 733 هـ: قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: «درس وأفتى وشغل بالعلم مدة بالقدس ودمشق، مات سنة 733هـ، ووقفتُ له على تصنيف صنّفه في نفي الجهة رداً على ابن تيمية».
2) قاضي القضاة كمال الدين الزملكاني (667- 733هـ): عرّفه السبكي في الطبقات بقوله: «الإمام العلامة المناظر، ولد في شوال سنة 667هـ ودرس بالشامية البرانية -إلى أن قال-: ثم ولي قضاء حلب، وصنّف الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة».
3) الشيخ الإمام صدر الدين المرحل (المتوفي حوالي 750هـ): عرّفه السبكي بقوله: «كان إماماً كبيراً، بارعاً في المذهب والأصلين، يُضرب المثل باسمه، فارساً في البحث، نظاراً مفرط الذكاء، عجيب الحافظة -إلى أن قال-: وله مع ابن تيمية، المناظرات الحسنة، وبها حصل عليه التعصّب من أتباع ابن تيمية، قيل فيه ما هو بعيدٌ عنه، وكثر القائل فارتاب العاقل…».
4) الحافظ علي عبد الكافي السبكي (المتوفي 756هـ): ترجم له ولده في الطبقات، وهو أحد من ردّ على ابن تيمية، وألف فيه كتاباً أسماه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام)، وربما سُمّي (شنّ الغارة على من أنكر السفر للزيارة)(14). خلاصة الأمر: أن المعتقد السائد منذ زمن النبي الأكرم(ص) وجيل الصحابة والتابعين وما بعد التابعين إلى القرن السابع الهجري(15) هو: أن زيارة قبر النبي وقبور الأولياء والمؤمنين كان متعارفاً ومندوباً في نفسه، إلى أن جاء المبتدع ابن تيمية وصدّر فتاوى مخالفة لأمة النبي محمد(ص) قاطبة، وأخذ يكفّر كل شخصٍ يُعارضه في عقيدته الفاسدة.
إذن الأصل في زيارة النبي والتوسل به والتبرك بآثاره وكل هذه الأمور هو الجواز والإباحة، بل قد يكون من السنن والمستحبات التي حثَّ عليها الشارع المقدّس.
فمن أين أفتى ابن تيمية فتواه الشاذة؟! كلام ابن تيمية في الزيارة: قال ابن تيمية: ثبت في الصحيحين عن النبي(ص) أنّه قال: «لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» ثم قال (أي ابن تيمية): ولو نذر السفر إلى قبر الخليل(ع) أو قبر النبي لم يجب عليه الوفاء بهذا النذر باتفاق الأئمة الأربعة، فإن السفر إلى هذه المواضع منهي عنه لنهي النبي(ص): «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد…»، فإذا كانت المساجد التي هي من بيوت الله التي أمر فيها بالصلوات الخمس، قد نهي عن السفر إليها، إذا كان مثل هذا يُنهى عن السفر إليه، فما ظنّك بغيرها؟ فقد رخّص بعض المتأخرين في السفر إلى المشاهد ولم ينقلوا ذلك عن أحدٍ من الأئمة، ولا احتجّوا بحجة شرعية -إلى أن قال-: وكل حديث يروى في زيارة قبر النبي فإنه ضعيف، بل موضوع، ولم يروِ أهل الصحاح والسنن والمسانيد، كمسند أحمد وغيره من ذلك شيئاً، ولكن الذي في السنن ما رواه أبو داود عن النبي(ص) أنه قال: «ما من رجل يسلّم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتّى أرد عليه السلام»، فهو يردّ السلام على من سلم عليه عند قبره ويبلغ إليه سلام من سلم عليه من البعيد، كما في النسائي عنه أنه قال: «إن الله وكّل بقبري ملائكة يبلغون لأمّتي السلام»، وفي السنن عنه أنه قال: «أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ»(16).
الرد: هناك أمران: الأول: النهي عن شد الرحال إلى زيارة الأنبياء والصالحين.
الثاني: وصف الروايات الموجودة التي تحثُّ على الزيارة بالضعف بل الوضع.
ما يتعلّق بالأمر الأول: إن النهي عن شد الرحال إلى غير هذه المساجد لا يعني تحريمه، بل يعني نفي الفضيلة فيه (أي في شدّ الرحال)، وذلك لأن المساجد سوى الثلاثة هي متساوية في الفضيلة والثواب فلا ملزم لتحمّل العبء بشد الرحال إليها، فالمساجد الجامعة متساوية في الفضيلة في عامة البلاد، فلا وجه لشد الرحال والسفر إلى مسجد لإقامة الصلاة فيه، ولكنّه إذا شدَّ الرحال إليها بقصد الصلاة فيه والعبادة لربّه، لا يُعد عمله حراماً، وهو أيضاً ليس ببدعة، بل غاية الأمر لا يترتب عليه ثواب خاص.
وبذلك يتبيّن بطلان ما ذكره ابن تيمية من الاستدلال بالأولوية بأنه إذا حرّم شد الرحال إلى غير هذه الثلاثة مع أنها بيوت الله التي أمر فيها بالصلوات الخمس يكون شد الرحال والسفر إلى زيارة القبور حراماً بطريق أولى، فالأولوية ممنوعة في المقام، فتأمّل(17). في ذكر الروايات الواردة التي تحثُّ على الزيارة: وهي تقسّم إلى قسمين: القسم الأول: في زيارة القبور لقد حثَّ النبي الأكرم(ص) على زيارة القبور في نصوصٍ عديدة، نذكر جملة منها:
1. عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: «زوروا القبور، فإنّها تذكّركم الآخرة»(18).
2. وفي حديثٍ آخر عنه(ص): «زوروا القبور، فإنّ لكم فيها عِبرةٌ»(19).
3. روى ابن ماجة في سننه عن ابن مسعود عن رسول الله(ص) قال: «كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تُزهّد في الدنيا وتُذكّر في الآخرة»(20).
4. وروى مسلم في صحيحه: «زار النبي قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله… وقال: استأذنتُ ربّي أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تُذكّركم الموت»(21).
5. وقالت عائشة: «إنَّ رسول الله (ص) رخّص في زيارة القبور»(22).
6. وقالت أيضاً: إن النبي قال: «أمرني ربّي أن آتي البقيع فأستغفر لهم. قلتُ: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون»(23).
وهناك عدّة روايات وردت في صحيح مسلم(24) تبيّن ما يقوله الزائر عند القبور.
هذه جملة من الروايات الواردة في زيارة القبور، وهي وردت في أهم مصادر الحديث عند أهل السنة، ولا يمكن لأيّ أحد أن يطعن في صحتها أو إنكارها أو القول بأنها موضوعة!! ما هي فائدة زيارة القبور؟ أشار النبي الأكرم(ص) في هذه الروايات المتعددة إلى الفائدة من زيارة القبور، حيثُ أنها تذكّر الإنسان بالآخرة والموت، ونحن نعلم بأن الموعظة والعبرة تكون بالغة إذا ارتبطت بهادم الّلذات (الموت)، وهي تؤثّر فيه كثيراً.
فقد كان يهدف النبي الأكرم(ص) من السماح لزيارة القبور هي اتخاذ الموعظة والعبرة من هذه الزيارة.
والأمر الآخر أيضاً هي الدعاء للميّت، فقد قال النبي الأكرم(ص): «أمرني ربي أن آتي البقيع فأستغفر لهم…» وهو يُشعر بأنّ الميّت يستفيد من الدعاء له والاستغفار أيضاً، هذا خلافاً لما يزعمه البعض في دعواهم، بأن الميّتَ لا يستفيد من هذه الزيارة. القسم الثاني: في زيارة قبر النبي الأكرم(ص): أما ما جاء من النصوص(25) في فضل زيارة قبر النبي الأكرم(ص) فهي كثيرة، نقتطف منها(26):
1. عن عبدالله بن عمر مرفوعاً: «من زار قبري وجبت له شفاعتي».
2. عن عبدالله بن عمر مرفوعاً: «من جاءني زائراً لا تعمله (لا تحمله) إلا زيارتي، كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة».
3. عن عبدالله بن عمر مرفوعاً: «من حجَّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي».
4. عن عبدالله بن عمر مرفوعاً: «من حجَّ البيتَ ولم يزرني فقد جفاني».
5. عن عمر مرفوعاً: «من زار قبري -أو من زارني- كنت له شفيعاً…».
6. قال رسول الله(ص): «من زارني بعد وفاتي وسلّم عليّ رددتُ عليه السلام عشراً، وزاره الملائكة كلُّهم يسلِّمون عليه، ومن سلَّم عليَّ في بيته ردَّ الله تعالى عليَّ روحي حتّى أُسلّم عليه». هذه بعض الروايات الواردة في الحثّ على زيارة قبر النبي الأكرم(ص)، وقد رواها جملة من الحفّاظ من علماء أهل السنة، وأما يذكره ابن تيمية في كون هذه الروايات ضعيفة فهو مردود، بل فيها الكثير من الروايات الصحيحة وفق مباني أهل السنة، وكذلك يبطل قوله في أنها موضوعة. الخلاصة:
أولا: أن الاعتماد على هذه الروايات في التحريم ليس في محلّه، وهو يفتقد الصناعة الاستدلالية للفقه أساساً.
ثانياً: إن هذه الروايات الثلاث وما تضمّنتها هي من روايات أبي هريرة، والاستدلال بمتفرداته أمر مشكل.
ثالثاً: لقد ورد في الصحيح(27) أن النبي كان يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً يصلّي فيه، فلو كان شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة محرّمة أو منهيُّ عنها، لما فعله النبي الأكرم(ص).
وأخيراً: هذا كله يتعارض مع ما ورد في زيارة القبور عموماً وزيارة قبر النبي الأكرم(ص) خصوصاً.
فإذا ثبت بأن الزيارة للقبور أمر وارد في السنة النبوية، فيجوز زيارتها والوقوف عندها. شبهة علم الغيب للأئمة المعصومين(ع) لقد حاول أعداء أهل البيت(ع) أن يُشنِّعوا على أتباعهم وشيعتهم بأنهم يقولون بأن أئمتهم يعلمون الغيب، وهذا يلزم الشرك الصريح، باعتبار أن عالم الغيب هو الله(سبحانه وتعالى)، وإشراك غير الله معه يُعدُّ انحرافاً صريحاً.
ولكن في مقام الإجابة عن هذه الشبهة يلزم منّا توضيح بعض الآيات الواردة في القرآن الكريم، ونتناول جملة من الآيات التي ذكرتْ علم الغيب فنجدها على قسمين:
القسم الأول: اختصاص علم الغيب بالله(سبحانه وتعالى).
لقد جاءت بعض الآيات القرآنية تُشيرُ إلى أن علم الغيب مختصٌ بالله(سبحانه وتعالى)، وهو وحده عالمٌ به مطلعٌ عليه.
القسم الثاني: تعليم الغيب من عالم الغيب. فممّا جاء في اختصاص علم الغيب به(سبحانه وتعالى):
1- قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ…}(28).
2- قوله عز من قائل على لسان رسول الله(ص): {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}(29).
3- قوله تعالى: {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ}(30). ففي آيتين من هذه الآيات إشارة واضحة باختصاص الغيب به(سبحانه وتعالى)، والآية الثانية تنفي كون النبي(ص) يعلمُ الغيب، ولكن هذا النفي بمعنى كون النبي الأكرم(ص) لا يعلم الغيب بالاستقلال وفي عرض الله(سبحانه وتعالى). فبمعنى الاستقلالية مرفوض. حيثُ أنّه من مختصات الله(عزّ وجلّ). وأمّا ما جاء في تعلّم الغيب من عالم الغيب فهي:
1- قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ}، ما هو سبب الاجتباء والاصطفاء؟ إنما السبب متعلّق للإطلاع على الغيب بعد إذن الله(سبحانه وتعالى).
2- قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}(31).
3- وكان نبي الله عيسى يعلم الغيب كما قال تعالى: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}(32).
4- وكان الخضر(ع) يعلم الغيب، كما قال تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً… وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا…}(33).
وقد جاء في (خطبة 128 من نهج البلاغة) أن الإمام أمير المؤمنين(ع) حينما أخبر عن التتار بقوله: «كأني أراهم قوماً كأنَّ وجوههم المجانّ المطرَّقة يلبسون السَّرَق والديباج ويعتقبون الخيل العتاق… قام إليه بعض أصحابه، وقال: لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك، وقال للرجل وكان كلبياً: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلّم من ذي علم…». الخلاصة لا بد من التفريق بين هذين الأمرين:
الأول: اختصاص علم الغيب أصالة وبالذات بالله(سبحانه وتعالى)، فهو العالم بالعلم المطلق، سواء علم الغيب وعلم الشهادة، كما في قوله تبارك وتعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}.
الثاني: إمكان أن يُطلع الله(سبحانه وتعالى) بعض علم الغيب إلى من اصطفاه واجتباه، وبواسطة الله(سبحانه وتعالى) وليس من نفسه وذاته يعلم الغيب.
وبعد هذا التوضيح والبيان، لا يبقى أي إشكال على مذهب أهل البيت(ع) من هذه الدعوى الفارغة الخالية من الموضوعية والإنصاف، والمليئة بالتشويه والتضليل، فهل يبقى مجال لنبز هذه الطائفة الكبيرة بهذه الافتراءات العظيمة؟! الحمد لله على نعمة العقل والتعقّل، والحمد لله رب العالمين.
المصادر والهوامش
- (1) لسان العرب: غلا.
- (2) مجمع البحرين: ج2 مادة غلا.
- (3) دائرة المعارف: مادة غلا.
- (4) مجمع البحرين مادة غلا.
- (5) سورة النساء 171.
- (6) سورة المائدة 77.
- (7) سورة التوبة 31.
- (8) عيون أخبار الرضا ج1، ص219.
- (9) كنز العمّال: حديث 11028.
- (10) عيون أخبار الرضا ج1، ص217.
- (11) شرائع الإسلام ج1 ص.
- (12) كتاب الطهارة ج3 ص460 تقريرات آية الله الشيخ الفاضل اللنكراني (عليه الرحمة).
- (13) التنقيح في شرح العروة الوثقى ج3 ص67.
- (14) ذكر المحقق الشيخ السبحاني عدة ممّن تكلّموا في ابن تيمية، وذلك في المجلد الخامس من كتابه الملل والنحل، نقلاً عن كتب تراجم علماء أهل السنة.
- (15) وقد عقد العلامة السبكي الشافعي في شفاء السقام في زيارة قبر خير الأنام فصلا في كون الزيارة لقبر النبي الأكرم(ص) هي قربة لله تعالى، واستدل عليها من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس.. إلى أن يقول: الرابع: الإجماع لإطباق السلف والخلف، فإن الناس لم يزالوا في كل عام، إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته(ص)، ومنهم من يفعل ذلك قبل الحج، وهكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا، وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة كما ذكرناه في الباب الثالث، وذلك أمر لا يُرتاب فيه.. ومن ادّعى أن هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.
- (16) المصدر: مجموعة الرسائل الكبرى: 2/ 57-65 الرسالة الثالثة في زيارة بيت المقدس.
- (17) هذا الاستدلال ذكره المحقق السبحاني في الملل والنحل ج4/228.
- (18) سنن ابن ماجة: 1/113.
- (19) كنز العمّال: 15/647 ح 42558.
- (20) سنن ابن ماجة: 1/501، وروى مضمونه مسلم في صحيحه: 6/82. وصحيح الترمذي: 3/274، ومسند أحمد بن حنبل: 1/ 145.
- (21) سنن ابن ماجة: 1/501، وروى مضمونه مسلم في صحيحه: 6/82. وصحيح الترمذي: 3/274، ومسند أحمد بن حنبل: 1/ 145.
- (22) سنن ابن ماجة: 1/501، وروى مضمونه مسلم في صحيحه: 6/82. وصحيح الترمذي: 3/274، ومسند أحمد بن حنبل: 1/ 145.
- (23) صحيح مسلم: 3/64، سنن النسائي: 3/76.
- (24) صحيح مسلم: ج3، باب ما يقال عند القبور، وباب ما يقال عند دخول القبر.
- (25) لقد ذكر المحقق السبحاني بعض الأدلة القرآنية على زيارة النبي الأكرم(ص) في كتابه الملل والنحل ج4 ص274.
- (26) عقد العلامة الأميني في موسوعته المباركة (الغدير) فصلا في ذكر الروايات الواردة في الحثِّ على زيارة النبي الأكرم(ص) ج5، ص142. وقد اقتطفت من الكتاب ما ذكره اختصاراً، ولم أذكر جميع الروايات والمصادر. فمن شاء فليرجع إلى موسوعة الغدير.
- (27) صحيح مسلم: ج4/127، صحيح البخاري: ج2/ص176. سنن النسائي: ج2/ص 127
- (28) سورة الأنعام 59.
- (29) سورة الأعراف 188.
- (30) النمل 65.
- (31) سورة الجن:26 -27
- (32) سورة آل عمران:49.
- (33) سورة الكهف: 80.