تغريبة العشق

أغرى جَنوبٌ أو أَغارَ شَمالُ؟ *** فلكربلاءَ تحمحمُ الأوصالُ
قُمْ وانظر الشّوق الذي بِدَواخِلي *** أرأيتَ كَيفَ يُباغِتُ الزِّلْزَالُ ؟
فلطَالَما أشْعَلتُها تَهْويمَةً *** وكأنّ كُلَّ طُقوسِها استِهْلالُ
فإذا نَطَقْتُ تَذوبُ رُوحِي فِي فَمي *** وعَلى شِفاهي تَرْتمي أَنْصَالُ
سَنَةً على سَنَةٍ أُنوْرِسُ لَهْفتي *** وأنا الشَّرانقُ مَوْطِني أغْلالُ
حَوْلاً عَلى حَوْلٍ أُتّرْجمُ صبوتي *** فَتَضيقُ بي الأَوْصَافُ والأَحْوالُ
غَازَلتُ أُمْنيةً فَرَمَّضَها الأَسَى *** وغَدا يذَعذعُ ريحَها الوِلْوالُ
وتَعودُ لي في الأَرْبِعينَ قِيامَةٌ *** من كُلِّ فجٍّ شائقٍ تَنْثالُ
جبريلُ أقبلَ في البُروجِ يزفّها *** وبَنَاتُ نَعْشٍ ساقَها مِيكالُ
والشَّمْسُ هَرْولَتِ السَّماءُ بإثرِها *** لتَضيعَ مِنْ حُسْبانِها الأَميَالُ
وإرادَةُ الأرْضِ استَمالَت للجَوَى *** إنَّ الجَوَى في طبْعِهِ ميّالُ
للجَنةِ الحُبلَى وسِدْرةِ مُنْتَهى *** فشعابُ طُوبَى حَبْوةٌ وظِلالُ
والعَاشِقونَ على الخُلودِ تَزَاحَمُوا *** الصّلْتُ والمَشَّاءُ والخَيَّالُ
تَتَعَصْفرُ الضَّحِكاتُ وسْطَ نَشيجِهِمْ *** أَرَأَيتَ كيفَ يُكَرْكِرُ الأطفالُ؟
اللهُ طافَ عَلَى السُّهوبِ أَمَامَهُم *** والأنْبِياءُ تَحفُّهُمْ والآلُ
والمُصْطَفى في المشْعرين صَلاتُه *** حتّى يؤذِّنَ للنَّفير بِلالُ :
“اللهُ أكبرُ”، والعُطورُ تَراكَضَتْ *** ومِن الضَّريحِ تدفّقَ الشَّلاّلُ
وبِهيدَبِ الدَّمْعِ استرَاحتْ غَيْمَةٌ *** ،العُشْقُ مِن سَلسَالِها سَيَّالُ
نَكَفتْ بمنديلِ الوِصَالِ شجونَها *** وسطَ الفَراديسِ التي تَخْتالُ
والمُسْتحيلُ تفتُّهُ دَعَواتُها *** لا يَستقيمُ مَعَ الحُسينِ مُحَالُ
الصَّابئون عَلى شَريعةِ غَفْلتي *** دَرجوا على حُكْمِ الرَّدى أو مَالوا
والرَّاحلون هوى الحسينِ أجنَّهُم *** وأنا كَحَظِّي صَخْرةٌ مِعْطالُ
كانُوا هُناكَ وكُنْتُ أَحْصِدُ شَقْوتي *** والشعرُ أكثر خُبْزِه أطلالُ
فإذا العُذوبَةُ أنَهَرَتْ شطآنها *** و السَّاحلون بقُربِها لا زَالوا
وغَدَوتُ أهتفُ يا نَبيَّ صَبابتي *** حتّامَ يكبرُ للجَفَافِ مِطَالُ ؟
لم يبقَ في التَّقْويمِ رقمٌ حَائِرٌ *** إلا عَليْه بَكى ورَقَّ الحَالُ
تغريبةٌ للوَجْدِ بينَ حرائقي *** والشَّاهِدان الفجْرُ والآصَالُ
ما نقطةٌ بمساحتي قارَبْتُها *** إلا يجوسُ بصَدرِها الترْحَالُ
فمتى ببُشراكَ القميصُ يعيدُ لي *** بَصَري فأنتَ اليوسُفُ المِفْضالُ؟
ومتى قِطافُ الاصْطبارِ يَلوحُ لي *** فأنا وكُلُّ المُتعَبينَ سِلالُ
عدني إذا مَلَكوتُ عُشْقك ضَمَّني *** ونَمَا على أَعْتابِكَ الصِّلصالُ
وأَتيْتُ يَخْتمرُ الأوارُ برَهْبةِ *** اللُّقيا ورنّحَ عُودَه التِّمثالُ
ولَبَسْتُ درعَ الصَّمتِ في تَغْريبتي *** (والصَّمْتُ في حَرمِ الجَمالِ جَمالُ)
عدْني أُسافرُ في هَواكَ مُحَرَّرا *** عدْني بِأنْ تتفتّحَ الأَقْفالُ
وإذا انسكبتُ على يديك قصيدةً *** عدني بأنْ يتعنّبَ الموّال!