مقالات

الأهمية السياسية لتصحيح تاريخ المنطقة “تاريخ البحرين مثالاً”

قد يغيب كثيرا عن أذهان شعوب المنطقة ونخبها أن يوم الثالث والعشرين من يوليو / تموز يشكل منعطفا مهما في تاريخ البحرين لا زالت آثار ذلك اليوم وأصداؤه تتردد حتى يومنا هذا وترسم خطوطها العريضة على الواقع السياسي والاجتماعي، فقبل 235 سنة خلت بالتحديد (23 يوليو / تموز 1783 م) أقدمت عائلة آل خليفة بمعونة العتوب على احتلال أرخبيل البحرين بقوة السلاح والإرهاب، وقد استطاعت هذه العائلة من فرض سلطتها على البحرين، تلك السلطة المزلزلة التي تواجه في كل عشر سنوات انتفاضات وثورات منذ قرنين من الزمن.

أخذت المعارضة على عاتقها أن تحيي هذا اليوم من كل عام لتستذكر فيه مآسيه، ولتسلط الضوء من جديد على حقيقة وجود القبيلة الخليفية في البحرين كسلطة احتلال تفرض هيمنتها بشتى الوسائل الارهابية على الشعب المحتل، ومثل هذه الذكرى (بالنسبة للبحرانيين) لا تقل أهمية عن ذكرى النكبة بالنسبة لفلسطين، حيث تأتي أهمية الوقوف عند ذكرى احتلال القبيلة الخليفية للبحرين من الحاجة إلى عدة أمور، لعل أهمها هو تنقية التاريخ المدون وإعادة كتابته، فقد تعرضت عملية تدوين التاريخ الحديث إلى تزوير وحذف وإضافة كبيرة تصب في صالح قوى الاحتلال الغربية التي هيمنت على المنطقة، وتصب كذلك في صالح القبائل والأنظمة التي زرعت في بلداننا ونصبت قهرا على الشعوب من قبل القوى الأجنبية.

عندما نقرأ تاريخ منطقة الخليج فإننا نلاحظ كيف استطاعت قوى الاحتلال المحلية والأجنبية أن تصيغ مفاهيم وحقائق سياسية اعتبرتها بعض القوى السياسية من المسلمات .. منها أن عمق المنطقة هو عمق يعتمد على القبائل الحاكمة وعلى مذهب معين، وأن أي حراك سياسي ومطلبي يجب أن لايستثير ويزعج العمق السعودي والخليجي والمذهبي، وأنه لابد من التصالح مع آل سعود وكسب رضاهم لتحقيق أي مطلب سياسي، نستطيع أن نقول أن أعداء الشعوب قد نجحوا مرحليا في تزوير التاريخ، وفرض فهم جمعي وسياسي للمنطقة والتطورات فيها، وإن قوى سياسية عدة وسياسيين وقعوا فخا لعملية التزوير وصاروا يتصرفون وفق هذا الأساس، لنقل أن الغرب وديكتاتوريات المنطقة أداروا عملية تزوير تاريخية كبيرة واستطاعوا أن يمارسوا حربا ناعمة وحربا نفسية على قوى وشعوب المنطقة.

نحن نحيي هذه الذكرى من أجل إعادة كتابة التاريخ، ولنسأل أنفسنا أين تاريخ البحرين للفترة الممتدة من دخول أجدادنا للإسلام مرورا بحقبة الشيخ ميثم البحراني، والشيخ يوسف صاحب موسوعة الحدائق، والنبيه صالح وصولا إلى اليوم الأسود الذي وطأت فيه سنابك آل خليفة قرانا وسواحلنا، لماذا يتم إخفاء هذا التاريخ من المناهج ومن الكتب العامة والتاريخية في المكتبات؟

إن الأهمية السياسية لتدوين التاريخ وتنقيته هي أننا نريد أن نقول للعالم ولآل سعود والبريطانيين والإدارة الأمريكية التي تدعم النظام الخليفي أن حقائق التاريخ والأرض والوطن هي غير ماتذهبون إليه، وندعم ذلك بالحقائق والأرقام.

لا نحب الكلام المذهبي ولانؤمن به، لكننا مضطرون إلى ذكر الحقائق ردا على التزوير التاريخي والسياسي لتاريخ المنطقة، ولكي نوقف الحرب النفسية علينا التي تحاول أن تقنعنا بأن مطالبنا وحراكنا ونضالنا ليس له أفق بفعل الحقائق التاريخية والسياسية المفروضة والمفتعلة، إذا كان العمق السياسي والثقافي أو التاريخي أو المذهبي يعتمد على التركيبة السكانية أو المزيج المذهبي أو القوة العسكرية أو الإرث الثقافي أو الحضاري، فلا يمكن تجاهل البلدان التي تشكل فيها المعارضة أغلبية أو يشكل فيه الشيعة الأغلبية السياسية أو حتى المذهبية.

فإذا ما جئنا لعدد معتنقي المذهب الشيعي في منطقة الخليج نراها تشكل الثقل الأكبر:

  • عدد الشيعة في الجمهورية العراقية يصل إلى 24 مليون في الحد الأدنى
  • وفي اليمن 10 مليون
  • وبلاد الحرمين 2 مليون
  • وفي الجمهورية الإسلامية 70 مليون
  • وفي الكويت 600 ألف
  • وفي عمان 700 ألف
  • والإمارات 400 ألف
  • وقطر 100 ألف

وفي الإرث التاريخي فلا يمكننا القول أن القبائل الحاكمة في المنطقة أو الدول التي أنشأها الغرب هي امتداد لأي من أكبر الحضارات التي وجدت على مر التاريخ في المنطقة كالحضارة الإسلامية الأولى بعد ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، أو الحضارات السابقة في بلاد فارس والعراق واليمن، والتي نشأت قبل آلاف السنوات.

وفي التاريخ الحديث تعود جذور نظام الدولة الحديث في العراق واليمن وإيران إلى ما قبل اكتشاف النفط في منطقة الخليج، وقبل القرن 17 الميلادي لم يكن لآل سعود أو أي من القبائل الحاكمة دور أو سلطة في شبه الجزيرة العربية، حتى أنه في سنة 1932 فقط تم تغيير إسم شبه الجزيرة العربية إلى المملكة العربية السعودية.

 

علينا أن نقر بحقيقة وهي أن أعداء الشعوب من قوى احتلال ومن دكتاتوريات حاكمة هي أكثر إدراكا لأهمية كتابة التاريخ وتدوينه وتقديمه وفق مصالحها .. لننظر لما قام به آل خليفة مثلا:-

أولا: قاموا بعملية تخريب أو تغييب أو نقل متعمد لآثار شعب البحرين، والتي تدل على الحقبة الزمنية الممتدة من دخول أهل البحرين للإسلام إلى مرحلة الغزو الخليفي، ألم نسأل أنفسنا لماذا توجد آثار للحقبة الدلمونية وحقبة أوال وتايلوس في متحف البحرين الوطني، ولكن لايوجد شيئ لما بعدها؟ أين ذهبت الآثار الإسلامية؟

ثانيا: لايوجد في المكتبات الوطنية للبحرين ولدول المنطقة إلا القليل والمحرّف عن الحقبة المحذوفة والمضللة من تاريخ البحرين!

ثالثا: حذف التاريخ الإسلامي وتاريخ الأحداث السياسية لحقبة ما قبل آل خليفة من مناهج التدريس.

رابعا: تم اعتماد سياسة حكومية تضعف الصناعات والمهن التاريخية لأهل البحرين، والتي تمثل دلالات تاريخية وثقافية ومدنية مهمة.

خامسا: قام النظام الخليفي بعملية توطين وتجنيس سياسي على قدم وساق خلال أكثر من 15 سنة مضت، بغية التغيير الديمغرافي والثقافي وفرض حقائق سياسية بالقهر!

سادسا: النظام الخليفي هو أكثر الأنظمة المتحمسة لما يسمى الاتحاد الخليجي، حتى أن النظام الخليفي مستعد لتسليم البلد بالكامل ليدار من قبل آل سعود ويكون خاضعا عسكريا بشكل كامل للقواعد العسكرية والغربية من أجل حماية النظام الدكتاتوري؛ لإدراكهم أن الواقع السياسي يعتمد على حقائق تاريخية وسياسية هشة ومصطنعة، وأن المنطقة قد تتغير بشكل دراماتيكي لصالح الشعوب وتاريخها الحقيقي.

سابعا: أكثر من مرة نسمع في الإعلام الخليجي أن دول الخليج تدرس ضم دول محددة لمنظومة مجلس التعاون، ومن هذه الدول الأردن والمغرب .. طبعا هذا لإدراك هذه الأنظمة أنها رغم قمعها لشعوبها فهي تعيش الضعف وعوامل الأفول في داخلها، وهي لاتنتمي لتاريخ المنطقة وثقافتها، وتحتاج لعوامل دعم خارجي للبقاء والاستمرار.

ثامنا: ترفض القبيلة الخليفية تحقيق أي من المطالب الشعبية، أو تمكين الشعب من أي من عوامل القوة، أو الاعتراف بأصل وجود مشكلة سياسية أو حقوقية أو اجتماعية أو اقتصادية، والسبب هو أن الاعتراف بشيئ للشعب يناقض روح الفتح والغزو والسيطرة بالسيف، والتي يتغنى بها آل خليفة في دواوينهم وكتاباتهم وثقافتهم البدوية التي يرضعون منها جيلهم الصغير قبل الكبير.

 

لهذا من واجبنا إحياء ذكرى الاحتلال الخليفي للبحرين وجعله محطة لإعادة كتابة تاريخنا، وإحياء تراثنا من خلال:-

1: تشكيل لجنة معنية بالبحث في المصادر التاريخية الدولية والأممية المحايدة وفي المتاحف لتدوين التاريخ المخفي وإعادة كتابة التاريخ المزور.

2: إنشاء مركز تاريخي خارج البلاد يحوي الوثائق التاريخية او صور منها، ويحوي مكتبة تاريخية تخص البحرين والمنطقة، كما يحتوي على بنك من المعلومات حول هجرة البحارنة لخارج البحرين بفعل الاضطهاد السياسي والجرائم التي اقترفها الغزاة الخليفيين، بحيث يصف بنك المعلومات أسماء العائلات التي هجرت وأفرادها ويوثق أوضاعهم في بلاد المهجر.

3: صياغة قائمة بالمطالب السياسية والجنائية  للبحارنة في بلاد المهجر، اعتمادا على ما عانوه وخسروه وتعرضوا له، بحيث توثق مطالبهم وقضيتهم دوليا، على غرار الفلسطينيين في الشتات والذين أسسوا حركة المهجر وصاغوا مطالب سياسية منها حق العودة والتعويض الجنائي.

4: إعادة صياغة الخطاب السياسي من قبل النخبة السياسية والإعلامية والثقافية والقوى المتصدية للعمل السياسي والميداني، فصراعنا مع العصابة الخليفية ليس خلاف سياسي، بقدر ما هو صراع على الوجود، وبقدر ما هو صراع على الهوية والأرض والوطن .. نحن لم نفتعل هذا الصراع، وإنما شنت الحرب علينا وعلى ديننا وعلى شعبنا وأرضنا وثقافتنا، لهذا من حقنا أن نقاوم سياسيا وثقافيا وميدانيا كشعب يتعرض لمحاولة تصفية وتهجير.

5: القبيلة الخليفية تتحدث عن فتحها للبحرين، وعن قيام دولتهم بالسيف، وهو واقع، ويجب أن نعلم أطفالنا هذا التاريخ وهذه الحقائق، وأن نجعلها حاضرة في الإعلام وعبر الوسائل الإعلامية والفنية من فلم وشعر ورسم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى