حمامة في صحن الرضا
رفت على وتر الهموم *** و حلقت فوق السلاسل
ورقاء يملأها الأسى *** و القلب مكلوم و ثاكل
لا عزفها عزف الهديل *** و لا تغاريد البلابل
صوت يرجّعه الصدى *** فيتيه ما بين المجاهل
و النوح شجو دائم *** و اللحظ مفتون و ذاهل
و ينوء جرح راعف *** و الدمع في العينين سابل
ظمأ تجود به العجاف *** فيشتكي سغب الحواصل
و الريش حزن باهت *** و الجسم مهزول و ناحل
في رجفة الزغب البليل *** تظل في يأس تناضل
تطوي السحاب بجنحها *** بين المشارق و الأصائل
إما وميض البرق *** يعروها فيسقيها الغوائل
في قصف ريح صرصر *** حيث العواصف و الزلازل
أو حر شمس قائظ *** يغتالها فوق الجنادل
أو ذاك صيد فاتك *** يمضي فتنطبق الحبائل
كيف السبيل و طرفها *** لا زال يحلم بالجداول؟؟
تغفو فيأخذها الخيال *** إلى السنابل و النجائل
لغلالة الفرح السعيدة *** و التضاحك و الهلاهل
و حرارة اللقيا و شوق *** صار للأعماق واصل
طارت فطار بها الهوى *** رغم الكوارث و النوازل
نحو المنائر و القباب *** و للمكارم و الفضائل
في ليلة كان الضياء *** حليفها و السعد ماثل
و العطر ضمّخ روحها *** كالزهر مابين الخمائل
حط الفؤاد بروض *** سلطان الأواخر و الأوائل
و تمرّغ القلب الحزين *** بصحنه بين الجحافل
نادت بأعلى صوتها *** و الصوت مهزوز و ذابل
غوث اليتامى و الأيامى *** و الثواكل و الأرامل
و الضامن الجنات في *** طيب الخلائق و الشمائل
و هو الرضا و المرتضى *** و سليل سادات كوامل
و ابن النجابة و التقى *** خير الأكارم و الأفاضل
و ابن النبي و حسبه *** نسب تتيه به القبائل
باب المقاصد و الرغائب *** و الحوائج و المسائل
وهو المؤمل في النوائب *** و هو حلال المشاكل
نبع و ماء سائغ *** الدفقات ريّان المناهل
و الباسط الكفين في *** كرم و منه الجود هاطل
كرم تذل له الرقاب *** و تنحني منه الكواهل
ما صدّ يوما طالبا *** أو رد آمالا لسائل
و الغاية المأمول و *** الأمل المرجّى و الوسائل
هو كعبة الوفاد مافتئت *** تشد له الرواحل
و لنور قبته الشريفة *** ينتهي قصد القوافل
من كل فج قد اتى *** حاف و منتعل و راجل
و إليه تستبق الركاب *** فليس تنهكها المحامل
و يؤول كل مضيع *** و مشرد بين السوابل
يا سيد السادات يا *** كهفي و يا خير الكوافل
يا أنت يا أسطورة في *** الدهر ليس لها مماثل
هل أنت نجم ساطع *** ام أنت بدر غير آفل؟
نور بهي يملأ الآفاق *** طرا و المحافل
و الوصف يعجز فيك و *** الأشعار تخجل و المخايل
فالعلم أنت البحر فيه *** بلا حدود أو سواحل
و المجد لا يرقى ذراك *** فأنت للعليا معاقل
و كذا العهود بغير حفظك *** مالها في الكون كافل
أنت الصلاة و أنت *** عنوان الفريضة و النوافل
و الحجة العليا و *** عهد الله يا خير الدلائل
يا عشق قلبي و الهوى *** لولاك فاحشة و باطل
آمنت أنك مبدئي و *** عقيدتي رغم العواذل
و برغم كل معاند *** يرجو لشيعتك الغوائل
و يحيك في أوجاعها *** بطش الدسائس و الحبائل
و يحيل طيب العيش *** منها علقما مثل الحناظل
تلك الحمامة و هي تشكو *** ضيمها و الحال ماحل
تبكي و دمع العين *** للحسرات و الآلام غاسل
و ترى الضماد بقبة *** نوراء في ألق المشاعل
إذ تقطر الرّحمات *** وافرة و للنعماء وابل
لم تبق من درن التشرد *** و التأسي أي حائل
حيث الأمان يلفها *** عن كل صياد و نابل
و الصحن صار يضمها *** و بسطوة الرمضاء قائل
و حنان كف غضة *** تحنو على تلك المفاصل
و تشد من عزم الضلوع *** فتستوي مثل الأجادل
لكنها لولا الديار و *** شوقها نحو المنازل
و محبة الأوطان فرض *** ماله في القلب شاكل
فبها الأحبة و الصحاب *** و كل معطاء و باذل
و لأن هجر الأهل و *** الخلان لا يرضاه عاقل
لولا التعلق في هواهم *** مثل إحكام الجدائل
لبقت و أمضت عمرها *** بين المنائر و المناهل
و الذكر و القرآن في *** طهر الفرائض و النوافل
و لما اعتراها عن *** زيارته الشريفة أي شاغل
لكنها رجعت لموطنها *** و دمع العين هاطل
فالوجد في خلجاتها و *** الشوق للأعماق واصل!