صفات وأحوال رجال الثورة
مقدّمة أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، نتعرض في هذا البحث إلى جملة من صفات وأحوال رجال الثورة المباركة التي قام بها الإمام الحسين (ع) ثائراً في سنة الحادي والستين للهجرة معلناً صرخته على الظلم بُغية رفعه عن المؤمنين ونصرةً لشريعة سيّد المرسلين..
وسنذكر هذه الصفات تباعاً إن شاء الله تعالى[1].
عن أبي عبد الله الحسين (ع) أنّه قال: >اللهمّ إنّي لا أعرف أهل بيت أبرَّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي<[2].
هذا النصُّ يُبيّن نمط مستوى رجالات الثّورة الحسينية، فعلى مستوى الرجالات من أهل بيته ليس لهم مثيل على وجه الأرض، كما ورد عَنْ أبي الحسنِ الرضا (ع) أنّهُ قَالَ -في حديثٍ-: >يا ابن شبِيبٍ إِنْ كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فإنّه ذبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض من شبيهون<[3].
أنّى لهم شبيه وفيهم مثلُ علي بن الحسين الذي وصفه سيد الشهداء (ع) بقوله: >اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك<[4].
والحديث لن يكون عن أمثال هؤلاء من رجالات الثّورة، بل هي محاولة للاقتراب من ساحل رجالات الثّورة من أصحابه[5]، وما يُراد هو معرفة تلك الصّفات الجامعة التي بين هؤلاء، وفي هذه الأسطر أودّ -إن وفقني الله تعالى- أن أقفَ معها رغبة في أن تكون أهدافاً استراتيجية يضعها المؤمن نصب عينيه ليتّصف بها ويتحلّى بها، ويكون مؤهلاً ليكون ثائراً من الثوّار الذين يرفعون شعار “يا لثارات الحسين” مع بقية الله في أرضه.
صفات رجالات الثّورة ويُمكن التّعرف على هذه الصفات ممّا رواه سَمَاعَةَ -في موثقته-، عن أبي عبدالله (ع) قال لقي عبّاد البصري[6] عليّ بن الحسين (ع) في طريق مكّة فقال له: >يا عليّ بن الحسين، تركتَ الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحج ولينه، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {إِنَّ اللهِ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[7].
فقال له عليّ بن الحسين (ع): أتِمَّ الآية.
فقال: {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[8]، فقال علي بن الحسين (ع): >إذا رأيت هؤلاء الذين هذه صفتهم، فالجهاد معهم أفضل من الحجّ<[9].
والنّص واضح في أنّ سبب ترك الإمام (ع) للجهاد، هو افتقاده لوجود ناصرين موصوفين بالأوصاف المذكورة، وكأنّ هذه الأوصاف شرط من شروط الجهاد، هذه الصّفات التي على أساسها يستحقّ الثّائر لقب الشّهادة، ويكون من المبشرين بالجنّة، كما في خبر أَبِي عَمْروٍ الزُّبَيْرِيِّ، عن أبي عبدالله (ع) قَالَ -في حديثٍ-: >فلمّا نزلت هذه الآية – {إِنَّ اللهِ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} قام رجل إلى النبيّ فقال: يا نبيّ الله أرأيتَك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتّى يُقتل إلا أن يقترف من هذه المحارم أشهيدٌ هو؟ فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله: {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، ففسّر النبيّ المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحيلهم بالشهادة والجنّة…إلخ<[10].
هذا التفسير هو ما سأقف عنده-إن شاء الله-.
يظهر من هذه الأخبار وأمثالها أنّ الأنصار اتّصفوا بأوصاف قضية جوهرية وأساسيّة لأيّ قائد يُريد لمسيرة الإسلام أن تبقى نقيّة، صافية، وغيابهم يُشكّل مُشكلة كبيرة جداً، وإنّه وإن كنتُ أهتمُّ في البحث بكيفية التّحلي بهذه الصفات إلاّ أنَّ ذلك يتطلّب زمناً ودراسة مستوعبة، ولذا سأكتفي بإثارة الصّفة وأبعادها، وفي هذه المقدّمة أرغب في أن أذكّر فيه بكيفية الوصول إلى ثواب رجالات الثورات ممّن تحلوا بهذه الصّفات، وهو طريق النّية الصّادقة.
طريق النية الصالحة: عن عطيَّة العَوْفيِّ في حديثه المشهور الذي يصف فيه زيارة جابر بن عبد الله الأنصاريّ قبر الحسين (ع)، وأنّه قال -فيما قال عند زيارة الشّهداء-: “والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه، قال عطيّة فقلت له يا جابر كيف؟ ولم نهبط وادياً، ولم نعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيفٍ، والقوم قد فُرّق بين رءوسهم وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت أزواجهم؟ فقال: يا عطيّة! سمعت حبيبي رسول الله يقول: من أحبّ قوماً حشر معهم، ومن أحبّ عمل قومٍ أُشرك في عملهم، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين (ع) وأصحابه”[11]، إنَّ عالَم النّوايا عالم تمكّنَ الكثيرُ عبره من العروج إلى مراتب عظيمة جدّاً، ويمكنك أن تتواجد في كثير من الأزمنة وفي كثير من المواقف، بل حتّى في الموقف الذي أنت فيه يُمكنك أن تتميّز عن الحاضرين، تعال معي لنحلّل موقفين من مواقف ثوّار كربلاء: ورد أنّ الحسين (ع) حين قال لأصحابه: >أنتم في حلّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعةٌ ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وتفرّقوا في سواده، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري<، فقام –من ضمن من قام- مسلم بن عوسجة فقال- كلاماً مؤثّراً، أقتطع منه قوله-: “والله لو علمتُ أنّي أُقتل ثمّ أحرق ثمّ أُحيا ثمّ أُذرى يُفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً”.
وقام زهير بن القين البجلي ۤ فقال: >والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت، ثمّ قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك<[12].
هذا الكلام ليس إنشائيّاً! بل هي قناعة نابعة من أعماقهما، ولشدّة استعدادهما للتفاني وقناعتهما بذلك، جاءت ألفاظهما بهذه القوة، هذه النّوايا لن تذهب سدى، كيف تذهب سدى وقد ورد عن الْبَاقِر (ع) أنّه قال: >يُحشر النّاس على نيّاتهم يوم القيامة<[13].
ولذا فلنسعَ أنا وأنت -لا سيّما في أيام ذكر الحسين (ع)- أن نصل إلى نيّة صادقة في نصرة الحسين (ع)، فعن الرضا (ع) أنّه قال: >يا ابن شبيب إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين (ع) فقل متى ما ذكرته يا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزاً عظيماً<[14]. فهنيئاً لمن صدق في مقولته، فطوبى وطوبى.
تأثير التربية المستمرة للنفس: إنّ من شأن تربية النفس المستمرة على الصفات التي سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى- أن تجعل نوايا المؤمن عالية وراقية وسامية، وإلاّ فإن فُقدت التّربية، وظلّت النوايا سافلة فسوف تتجلَّى في منعطفات خطيرة، فعن رسول الله كان يقول: >من أسرّ سريرةً ردّاه الله رداءها إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرٌّ<[15].
تأثير البكاء في تربية النية الصالحة: ومشروع البكاء على الحسين (ع) من أعظم المشاريع المربّية لنوايا راقية وسامية، يمتزج فيها الفكر بالعاطفة، فليكن دخولك في سلسة البكّائين من عوامل ذكرك للحسين (ع) وإحياء هذا الذكر في نفسك، فعَنْ الرِّضَا (ع) أنّه قال: >إنّ يوم الحسين أقرحَ جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء وأورثنا [يا أرض كربٍ وبلاء أورثتنا] الكرب [و] البلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام<[16].
كيف لا يحطّ الذنوب العظام وفي البكاء عليه وَصْل لوالدته سيدة النساء، فعَن أبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أنّه قَالَ: >وما من باكٍ يبكي إلا وقد وصل فاطمة÷ وأسعدها عليه<[17].
ولندخل في ذكر صفات رجال الثورة صفة صفة، وهي سبع صفات أساسية: الصفة الأولى: التوبة الثّورية ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنّ الحسين (ع) سار وأصحابه فلما نزلوا ثعلبيّة، ورد عليه رجل يقالُ له بِشْرُ بْنُ غَالِبٍ، فقال: >يا ابن رسول الله، أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}[18].
قال: إمامٌ دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، وهو قوله عزّ وجلّ: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير}[19]<[20].
تقدّمت الإشارةُ في حديث الإمام زين العابدين (ع) إلى صفات رجال الثورة لكي يثوروا على الظالمين، وهذه الصفات جمعها قول الله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[21].
والتّوبة هي أوّل هذه الصفات وقد ورد عن النبي في تفسيرها أنّه قال: >التَّائِبُونَ مِنَ الذُّنُوبِ<[22]. إنّ التّوبة مشروع مُستمرّ، ينبغي تحوّله إلى برنامج وسيرة في حياة كلّ مؤمن يتطلع ليكون من رجالات الثّورة، فإن كان هذا مشروعٌ يوميٌ للمعصومين (ع) فكيف يغفل عنه المذنبون مثلي وأمثالي، ففي صحيحة عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[23]، أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته (ع) من بعده، هو ما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: >إنّ رسول الله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب، إنّ الله يخصُّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب<[24].
ومجال الحديث عن التّوبة مجال واسع يشمل التّوبة عن الذنوب وغير الذنوب، من مثل: التوبة عن فعل المكروه، والتوبة عن ترك المندوب، والتوبة عن الالتفات إلى غير اللَّه، والتي هي رتبة أهل المراقبة، إلى غير ذلك من الأبعاد.
وأقتصر في الحديث حول النّص الذي فسّر {التَّائِبُونَ} بالتّوبة عن الذّنوب، والذنوب هي المحرَّمات وترك الواجبات، وهذه مرتبة عظيمة، والتّوبة من جميع المحرمات يتطلب توفيقاً عظيماً.
وفي هذا الإطار أشير إلى عدد من الأبعاد المرتبطة بهذه المسألة: البعد الأول: إشارةٌ إلى بيان وجه علاقة اشتراط هذه الصّفة في رجالات الثّورة، وأقتصر في هذه الإشارة على بيان وجهين: الوجهُ الأوّل: الحقيقة القرآنية التي أشار إليها خبر أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قال: >إِنَّ أَبِي كان يقول: >إِنَّ اللَّه قضى حتماً: لا يُنْعِمُ على عبده بنعمةٍ فيسلُبها إيّاه قبل أن يحدِث العبد ما يستوجب بذلك الذنب سلبَ تلك النعمة، وذلك قول الله: {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ}[25]<[26].
والشّجاعة هي من تلك النعم التي تُسلب بسبب الذّنب، فعن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (ع) [أنّه] قال: >إنّ أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان، وما ذلك إلاّ بالذنوب فتوقّوها ما استطعتم ولا تمادوا فيها<[27]، ورجال الثّورة يتركون الذّنوب ليتحرّروا من الخوف.
الوجهُ الثّاني: إنّ رجالات الثّورة ينبغي أن يكونوا في موقع القدوة والنّزاهة؛ لأنّهم يرفعون شعارات عالية، ويريدون أن يرفعوا من مستوى وضع الأمة، ويربطونها بالله تعالى، وهذا النمط ينبغي أن يكون في موضع المحبوبية؛ لكي ينعم الله عليه بلباس السّمعة الحسنة، وهذا اللباس يناله عبر التّوبة، ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: >إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله، فستر عليه في الدنيا والآخرة<، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: >ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيءٌ يشهد عليه بشيء من الذنوب<[28].
البعدُ الثّاني: الفوريّةُ، التّوبة عن الذّنوب واجبة وجوباً فوريّاً، فالذنوب -كما قيل- بمنزلة السّموم المضرّة بالبدن، وكما يجب على شارب السمّ المبادرة إلى الاستفراغ تلافياً لبدنه المشرف على الهلاك، كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى تركها والتوبة منها تلافياً لدينه المشرف على الاضمحلال، ولذا ينبغي للمؤمن أن يكون متنبّهاً لكلّ معصيةٍ شخصيةٍ -أعني التي يُمارسها الإنسان فيما بينه وبين ذاته-، مثل: ممارسة العادة السّريّة، أو النظر إلى ما يحرم عبر التلفاز والشبكة العنكبوتية والمجلات ونحو ذلك، وغير ذلك من محرّمات قد يمارسها لوحده ولم يطلع عليه إلا الله وملائكته ونبيّه وإمام زمانه‘.
وكذا يجب أن يكون متنبّهاً لكلّ معصية أُسريّة فيما بين وبين والديه، أو بينه وبين أقربائه من إخوان، أو أخوات، أو أولاد، أو غير ذلك، والأكثر ابتلاءً فيما بينه وبين شريكه، فلتنظر الزوجة فيما تمارسه من معاصٍ تجاه زوجها، ولينظر الزوج ما يُمارسه من معاصٍ تجاه زوجته، وكذا يجب أن يكون متنبّهاً لكل معصيّة اجتماعيّة فيما بينه وبين النّاس، فهل نظر إلى أحد بشهوة؟ هل اغتاب أحداً؟ هل استمع إلى غيبة أحدٍ؟ خطورة تأخير التوبة وكذا في جميع المعاصي يجب أن يتوب فوراً، ولا يُسوّف التّوبة بطول الأمل؛ لأنَّ المؤمن إن لم يبادر بالتّوبة فهو بين خطرين: الخطر الأول: أن يعاجله الموت دون أن يجد فرصة ليرجع فيها إلى ربّه، وأيّ حالٍ أسوأ من أن تُقبض روحه وهي آثمة، مجرمة، مصرّة على معصية الله تعالى، ولذا فليحذر المؤمن من الإصرار، بل عليه أن يواظب على التوبة، ولو تكرر السقوط، فليكرر التّوبة، التّوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية، والعزم على ترك العود أبداً، لكن لو سقط مجدّداً ينبغي عليه الرّجوع إلى الله مُباشرة، ففي صحيحة أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع): ما معنى قول الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً}[29]؟ قال: >هو الذَّنبُ الَّذي لا يعود فيهِ أَبَداً<، قلتُ: وأَيُّنا لَم يَعُد؟ فقال: >يا أبا محمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ يُحبُّ من عباده المفتَّن التَّوَّاب<[30].
>المفتن<: من الافتنان أو التفتين بمعنى الإيقاع في الفتنة، أي: الذنب. قد يقول أحدٌ: أنا أعلم بأني سأعود مجدّداً فلماذا أخدع نفسي بالتوبة؟ فيُقال له: إن كنت تعلم بوقوعك في الحرام مجدّداً، لكن هل تعلم بأنَّ الله تعالى لن يستجيب لك إن سألته التوبة؟!، ثقْ بالله تعالى وأحسن الظن به؛ ليستجيب دعاءك، وقل: “اللهم تب عليَّ حتى لا أعصيك”[31].
هذا، مضافاً إلى أنّه إن كنت تعلم بأنّك تعلم بوقوعك في الذنب مجدّداً، لكن من قال بأنّك ستعيش لتذنب مجدّداً؟! هذان الأمران إذا حضرا في ذهنك سيولدان توبة صادقة مطهرة، فعن أبي جعفر (ع) قال: >كلَّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللَّهُ تعالى عليه بالمغفرة، وإن اللَّه غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تقنِّط المؤمنين من رحمه اللَّه تعالى<[32].
هذا المسلك من المؤمن يجعله مستعدّاً للمواعظ حين يتلقاها؛ لأنّ الموعظة والتّذكير حين يأتي يُشكّل مفصلاً حياتيّاً، إن لم يستقبله فقد خسر الدنيا والآخرة، أحسب أنّ زهير بن القين من هذا النمط الطّاهر، فتعال معي لنتعرّف على وضعه، فقد حدث جماعة من فزارة وبجيلة، قالوا: “كنَّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة، وكنَّا نساير الحسين (ع) فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن ننازله، فإذا نزل الحسين (ع) في جانب نزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ اقبل رسول الحسين (ع) حتى سلَّم ثمَّ دخل، فقال: يا زهير بن القين البجلي، إنّ أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلُّ إنسان منّا ما في يده حتّى كأنّ على رؤوسنا الطير، فقالت امرأته: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثُمّ لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت من كلامه، ثمّ انصرفت، فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهُه، فأمر فسطاطه فقوّض وحمل إلى الحسين (ع)، (فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين (ع))”[33].
هذا الانقلاب في الموقف كان لتذكيرٍ من الحسين (ع)، نتعرّف عليه من قوله لأصحابه: “من أحبَّ منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد إني سأحدثكم حديثاً: (غزونا البحر [في نقل: “بلنجر”، وهي مدينة ببلاد الروم]، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي ۤ: (أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم؟) فقلنا: نعم. فقال: إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم اليوم من الغنائم، قال زهير: وقد عزمتُ على صحبة الحسين (ع)؛ لأفديه بروحي، وأقيه بنفسي<[34].
الخطر الثاني: -لمن لم يبادر بالتوبة ولم يعاجله الموت- أن تتراكم ظلم المعاصي على القلب، وإذا تراكمت صارت طبعاً، ولن يتمكن عند ذلك من إزالتها إلا بجهد جهيد، هذا إن قبل القلب الصّقالة، وقد يعبّر عن هذا بالقلب المنكوس والقلب الأسود كما عـن زرارة عـن أبـى جـعـفـر (ع) قـال: >ما من عبدٍ إلا وفي قلبه نُكتةٌ بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتةٌ سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السّواد حتى يغطّي البياض فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خيرٍ أبداً، وهو قول الله: {كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ}[35]<[36].
فقوله (ع): >لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً<، يدلّ على أنّ صاحب هذا القلب لا يرجع عن المعاصي، ولا يتوب منها أبداً.
وربّما يؤول صاحب هذا القلب إلى عدم المبالاة بأوامر الشريعة ونواهيها، فيسهل أمر الدين في نظره ويزول وقع الأحكام الإلهية من قلبه وينفر عن قبولها طبعه وينجر ذلك إلى اختلال عقيدته وزوال إيمانه فيموت على غير الملَّة وهو المعبر عنه بسوء الخاتمة، وعندها ستصمّ الآذان عن الموعظة، وقد لا ينفع حتى لو كان الناصح بالتوبة معصوماً.
وهذا ما نتعرّف عليه مما ورد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال -في حديث-: >سار الحسين (ع) حتّى نزل الْقُطْقُطَانِيَّةَ فنظر إلى فسطاطٍ مضروبٍ، فقال: لِمن هذا الفُسطاط؟ فقيل: لعُبيد الله بن الحرّ الحنفي [الجعفي]؟ فأرسل إليه الحسين (ع) فقال: >أيُّها الرَّجل إنّك مُذنب خاطئ, إنّ الله عزّ وجلّ آخذك بما أنت صانعٌ إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني، ويكون جدّي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى<، فقال: يا ابن رسول الله، والله لو نصرتك لكنتُ أوّل المقتولين بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك، فوالله ما ركبته قطّ وأنا أروم شيئاً إلا بلغته، ولا أرادني أحدٌ إلا نجوتُ عليه، فدونك فخذه، فأعرَض عنه الحسين (ع) بوجهه، ثم قال: >لا حاجة لنا فيك ولا فرسك، {وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}[37] ولكن فِرّ، فلا لنا ولا علينا، فإنّه من سمع واعيتنا أهلَ البيت ثمّ لم يجبنا، كبّه الله على وجهه في نار جهنّم<[38].
الصفة الثانية: ثورة العبادة عن الصَّادق (ع) أنَّه قال: >خرج الحسين (ع) يوماً إلى أصحابه فقال: أيُّها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، واستغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.
فقال له رجل: يا ابن رسول الله ما معرفة الله؟ قال (ع): معرفة أهل كلّ زمانٍ إمامهم الذي يجِب عليهم طاعته<[39].
تقدّمت الإشارة إلى أنّ زين العابدين (ع) اشترط وجود رجالات بصفات معيّنة لكي يثور على الظالمين، وهذه الصفات جمعها قول الله تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
والصَّفة الثانية التي ذكرتها الآيات المتقدمة هي العبادة وقد ورد عن النبي في تفسيره لهذه المفردة بقوله: >الْعابِدُونَ الَّذِينَ لا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ، وَلا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئاً<[40].
حقيقة العبادة وفي إطار محاولة فهم بعض أبعاد هذا التّفسير، يُمكن القول في البدء أنّ العبادة قد عرّفها الكثيرون بأنّها “الطاعة مع الخضوع، فيقال: هذا طريق معبّد إذا كان مذلّلاً؛ لكثرة الوطء”.
وعليه فإنّ العبد يُسمّي عبداً لذلّته وانقياده. ولكن في الحقيقة ليس مجرَّد التّذلل والخضوع عبادة؛ لأنّ التذلل أمر مطلوب حتى مع العباد، كما أمر تعالى الولد أن يتذلل وينقاد إلى الوالدين فقال له: {واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمة}[41]، وقد مدحه عند تذلّله للمؤمنين بقول: {فَسَوْفَ يأْتِي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أذِلَّة عَلَى المُؤْمِنينَ أعِزَّة عَلى الكافِرينَ}[42].
أمثال هذه الأمور مقرِّبة وليست عبادة، هناك أمور تقرِّب إلى الله تعالى، وهناك أمور يتعبّد بها العبد، فليس كل ما يُقرّب هو عبادة، كلّ عبادة تُقرّب وليس كل مقرِّب عبادة، فالإحسان للوالدين والتذلل للمؤمنين أمر محبوب ويُقرب إلى الله تعالى لكنه ليس عبادة، فالعبادة ليست مجرَّد التذلل والخضوع، وإنما هي نوع محدَّد من الخضوع والتّذلل، وهو تذلل وانقياد وخضوع لله تعالى بما هو إله وربّ، فهو خضوع وتذلل مع اعتقاد بالألوهية لهذا الذي خضعت له، أمّا إذا كان الخضوع والتذلل مع عدم هذا الاعتقاد فليس هذا عبادة –وهذه قاعدة نافعة في ردّ من يتهمون الشيعة بالشرك لتخضّعهم وتذللهم في زيارتهم لقبور الأئمة من آل محمد .
فرجل الثّورة عابد، بمعنى أنّه لا يُشرك في خضوعه لله تعالى أحداً، ولذا يقف جاداً حين يردّد في صلواته: {إيّاكَ نَعبُدُ}[43]، أي: يقرّ بين يدي الله أنّ العبادة مختصّة بالله سبحانه وحده.
ركيزتين أساسيتين للعبادة ووفق ذلك نستخلص ركيزتين أساسيتين في عبادة رجل الثورة: الركيزةُ الأولى: الإخلاص، رجل الثّورة عابد، بمعنى أنه ممن يسعون لتكون عبادتهم وعبوديتهم متفردة ومتمحضة وخالصة لله فحسب، وأوّل مسألة ترتبط بالمقاصد، فعن جراح المدائني، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[44] قال: “الرجل يعمل شيئاً من الثّواب لا يطلب به وجه الله، إنّما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه” [45].
يشتهي أن يسمع به النّاس، هو أمر من شأنه أن يُستر، لكنّه يريد أن يُعرف عنه ذلك؛ ليأخذ موقعية في قلوب الناس، هذا مقصده فاسد من البدء.
هناك نمط آخر، فعن زرارة وحمران عن الباقر (ع) قال: >لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدّار الآخرة، وأدخل فيه رضا أحد من الناس، كان مشركاً<، وقال: >من عمل للنّاس كان ثوابه على الناس، يا زرارة كل رياء شرك<[46]. شخص يقوم بالدفاع عن الدين وأهله، لكنه أيضاً يقرن معه الخوف من عتاب النّاس، والرغبة في أن يرضى عنه النّاس؛ لأنّ الكثير من النّاس عقولهم في عواطفهم تلتفّ وترفع من تراه عيونهم فقط، أمّا من لا تراه فهو ساقط من عينها، ولذا قد يكون عمله القربي -عملاً مجهولاً-، لكنّه يحبّ الأعمال التي تبرزه خوفاً من السّقوط الاجتماعيّ.
فالمتقدّم للعطاء ليُمدح بين النّاس ويأخذ موقعيّته في قلوبهم، هذا في الظّاهر متوجّه إلى الله تعالى، لكنّه في باطنه متوجه لعظمة ذاته، ولذا كان مُشركاً، أو كطالب علم يسهر الليالي في طلب علوم محمد وآل محمد (ع)، ولكن بغرض التّميز أو لينال درجة علميّة مُعينة أو ليصل إلى مقصد من مقاصد الدّنيا، فهذا في الظّاهر متوجه إلى الله تعالى لكن في الحقيقة هو متوجه إلى صنم ذاته أو صنم دنياه وهواه.
وهكذا من مثل التّاجر الباني للمساجد أو المنفق على الفقراء وغير ذلك من مشاريع الخير، فالكلّ ينبغي أن يحطّم الأصنام التي يعبدها من دون الله تعالى، ليكون من العابدين لله وحده لا شريك له، فمسألة الدّوافع مسألة في غاية الأهميّة.
كذا مسألة المشاعر والأحاسيس؛ فإنّ رجل الثّورة عابد في عواطفه وأحاسيسه، وهو معنى واسع، يسعى لكي تكون له سبحانه، فلا كراهية نابعة من الهوى والذّات، ولا انفعال وغضب إلا له وفيه ومن أجله، ولذا تعجَّب من الصّف المؤمن حين يشعر بانفصال عاطفيّ مع أخيه الذي يجتمع معه في الولاية والعقيدة، وليس بينهما سوى اختلاف في تشخيص موقف من المواقف السّياسية، أو يختلف معه في رؤى هي من مساحة الاجتهاد والنّظر، فهل هذا الانفصال العاطفيّ ربّاني؟ هل هذه العلقة المنقطعة إلهيّة؟ كلا وألف كلا، فإن كنت تعدّ نفسك لتكون رجلاً من رجالات الثّورة، فقائدها يقول: >ولو أن أشياعنا وفقهم اللَّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا< [47].
أي تتّفق قلوب المؤمنين مع بعضها وتتعاهد لنصرته# والوفاء بعهده.
الركيزةُ الثانية: الشّمولية، في مقام التّفريق بين مطلق الخضوع والتذلل وبين الخضوع والتذلل لله -تعالى-، قلت بمثل التذلل للمؤمنين والإحسان للوالدين أمر يُقرّب إلى الله تعالى ولكنّه ليس عبادة، ولكن يُمكن جعله عبادة حين يقصد به وجه الله تعالى، ويأتي به تقرّباً لله تعالى؛ لأنّه ربّ، فيكون بهذا التذلل ليس عبداً لمن تذلل إليه وهما الوالدان، وإنّما هو عبد لله تعالى، الذي تذلَّل لهما لأجله وفي سبيل التّقرب منه ونيل رضاه وابتغاء وجهه.
رجل الثّورة عابد بمعنى أنّه لا يحصر دائرة العبودية بالصلاة والصوم والحج، بل يوسعها لتشمل كلّ فكرة وإحساس وقول وفعل؛ وذلك عبر التقرّب إلى الله تعالى في كل ذلك، ولذا ينبغي دراسة مشروعية كل قول أو فعل، فيأتي به إن كان متوافقاً مع إرادة الله وتشريعاته ويتركه إن كان مخالفا لها، فرجل الثّورة يجب أن يكون ثائراً على مصالحه وأهوائه ليجعلها ويخضعها لله تعالى.
فالعمل في تحصيل قوت العيال في الوقت الذي قد يرتقي فيه المؤمن إلى مصاف المجاهدين، كما في صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبد الله (ع) قال: >الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل<[48]، هذا إن كان عمله حلالاً.
وقد يكون أبعد النّاس إلى الله في تحصيل قوت عياله، إذا كان يعمل للطّاغوت فعن الباقر (ع) أنه قال: قال رسول الله : >شر الناس المُثَلّث.
قيل: يا رسول الله، وما المثلّث؟ قال: الذي يسعى بأخيه إلى السّلطان، فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك السّلطان<[49].
وعن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: >يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ لتعلم أنّك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه، فنقلت حتّى صارت إلى فلان الجبار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه<[50].
ولذا لا ينبغي عدم التّراخي في الخضوع إلى غير تعالى، وهذا ما تجلّى من الحر بن يزيد الرياحيّ، كان قائداً، وذا جاه وعزّ ومال وقوة وقدرة، يقول المؤرخون “لما رأى الحر بن يزيد إقبال عمر بن سعد على الحسين (ع)، قال: أصلحك الله أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: أي والله، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس، وتطيح الأيدي.
فتنحّى حتى وقف من الناس موقفاً ومعه قرة بن قيس، فقال له المهاجر بن أوس: يا بن يزيد، لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، وإني لمرتاب بك؟ فقال: إني خيرت نفسي بين الجنة والنار وإني لا أختار على الجنة شيئاً”.
فهنا تجلت عبودية الحرّ، وصدق في خضوعه لله تعالى، فانقطع عن الجاه والمال والمنصب، وكان عبداً بحقّ، فعن الباقر (ع) أنّه قال: >لا يكون العبدُ عابداً لله حقَّ عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه، فحينئذ يقول: هذا خالصُ لي فيقبله بكرمه<[51]. ولكن لم تكن هناك عبودّية قد تجلّت في سنة الستّين للهجرة أعظم من عبودية الحسين (ع)، حيث قدم كل ما يملك قرباناً وتقرباً وخضوعاً لله تعالى.
الصفة الثالثة: الحمد معراج المجاهدين عن الحسين (ع): >شكرك لنعمةٍ سالفةٍ يقتضي نِعمة آنفةً<[52].
وورد عن الصادق (ع) أنّ النبيّ فَسَّر المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحيلتهم بالشهادة والجنّة وقال -في شأن الصّفة التي أودّ التّوقف عندها-: >{الْحامِدُونَ} الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ<[53].
والحديث عن الحمد واسع وكبير، ولكنّ الحديث ناظر إلى زاوية التعرّف على الحمد الذي جُعل كصفة من صفات رجل الثّورة، تلك الصفة التي تعتبر شرطاً في الشخصية المجاهدة، وفي ضوء التفسير النّبوي أود الإشارة إلى بعض الأبعاد: البعدُ الأوّلُ: معنى الحمد حمد الله: هو تعظيمه والثناء عليه[54]، وينبغي للمؤمن أن يتنبه إلى أنّ الحمد شأن كلّ شيء في هذا الوجود، كما قال تعالى: {وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه}[55]، ومن المعيب بل من الخطر أن يخرج المؤمن عن هذا الشيء أو يُهمل هذا الشيء فيشدّ عن هذا الكون بما فيه، والبحث المهم ليس في (كيف يسبّح كل شيء بحمد ربه؟)، وإنّما في كيف يحمد رجل الثّورة ربّه، وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى أنماط الحمد الآتية: النمط الأوّل: أن تقول: (الحمد لله)، عن معمّر بن خلادٍ قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: >من حمد الله على النعمة فقد شكره، وكان الحمد أفضل من تلك النّعمة<[56].
هناك أحوال وأزمان وأوضاع وردتْ صيغٌ بها، فيستحسن حفظها وممارستها، فربما لها من الآثار ما ليس لغيرها، مثلاً في حال اليسر والضر، ورد عن أبي عبد الله (ع) قال: >كان رسول الله : إذا ورد عليه أمرٌ يسُرّه، قال: الحمد لله على هذه النّعمة، إذا ورد عليه غمّ يغتمّ به قال: الحمد لله على كلّ حال<[57].
وفي بداية النهار والليل ورد عن أبي عبد الله (ع): > إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرّات: (اللهمّ ما أصبَحتْ بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها عليّ يا ربّ حتّى ترضى، وبعد الرضا)، فإنّك إذا قلت ذلك كنت قد أدّيت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم، وفي تلك الليلة، وكان نوح (ع) يقول ذلك إذا أصبح فسمّي بذلك عبداً شكوراً، وقال: قال رسول الله : من صدَق الله نجا<[58].
وحال رؤية المبتلى، ورد عن أبي جعفر (ع) قال: >تقول ثلاث مرّات إذا نظرت إلى المبتلى من غير أن تسمعه: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلا به، ولو شاء فعل.
قال: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً<[59].
النّمط الثّاني: أن تعرف بأنّ النّعم من الله تعالى، عن أبي عبد الله (ع) قال: >من أنعم الله عليه بنعمةٍ فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها<[60].
النمط الثالث: معرفة أنّ الشّكر الذي تشكر به نعمة من نعمه، عن أبي عبد الله (ع) قال: >فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى (ع)، اشكرني حقّ شكري.
فقال: يا ربّ، وكيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به عليّ؟ قال: يا موسى الآن شكرتني حين علمتَ أنّ ذلك منّي<[61].
النّمط الرابع: السّجود، عن يونس بن عمّار عن أبي عبد الله (ع) قال: >إذا ذكَر أحدَكم نعمة الله عزّ وجلّ فليضع خدّه على التراب شكراً لله، فإن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التراب، وإن لم يقدر على النزول للشُّهرة، فليضع خدّه على قربوسه، وإن لم يقدر فليضع خدّه على كفّه، ثمّ ليحمد الله على ما أنعم عليه<[62].
هذا النص وهناك نصوص أخرى قد يستفاد منها استحباب الحمد والشكر عند تذكر النعمة، حتى لو كنت قد حمدت الله على ما أنعم عليك، تذكرك موجبٌ لشكرك، وشكرك موجبٌ لزيادتك، فما أعظمك أي ربّ!، وما أكرمك.
النّمط الخامس: الصّلاة، عن أبي بصير أن أبي جعفر (ع) قال: >كان رسول الله عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لِمَ تُتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: يا عائشة، ألا أكون عبداً شكوراً؟ قال: وكان رسول الله يقوم على أطراف أصابع رجليه، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى}[63]<[64].
البعد الثاني: وجه الحمد لله في السّراء الوجه الأوّل: الحمد سواء كان عبارة عن التعظيم والثّناء المطلق، أو عن الشكر المستلزم لتقدّم النّعمة والاعتراف بها، فالمستحقّ له في الحقيقة ليس إلا الله ؛ لأنه بناء على كون الحمد بكونه مطلق الثّناء والتّعظيم لله ، فلكماله وبراءته عن كلّ نقص، وهو وجود محض لا يخالطه عدم ونور صرف لا يشوبه ظلمة، ولأنّ كلّ كمال وجمال يوجد في العالم فإنما هو رشح وتبع لجماله وكماله.
وأمّا بناء على تعريف الحمد بكونه عبارة عن الشّكر المسبوق بالنعمة، فلأنّ كلّ منعم دون الله ، فإنما ينعم بشيء ممّا أنعم الله به عليه، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنما غير الله إن أنعم فإنما يُنعم لأجل غرض من الأغراض، كغرض الثّواب، أو كغرض دفع مضرّة أو غير ذلك، فجوده وإنعامه في الحقيقة معاملة وتجارة، وإن عُدّ في العرف جوداً وإنعاماً، وأمّا الحقّ ، فليس وراء إنعامه تحصيل منفعة لذاته أو دفع مضرّة عنها، فهو الغني المطلق.
الوجه الثّاني: أنّ الحمد ثمن ارتضاه الله تعالى شكرا له على نعمه، عن أمير المؤمنين (ع): >أمّا بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لنعمائه<[65]، وفي التعبير عن الثّمن كون الحمد بمثابة المبيع الذي ارتضاه الله تعالى من عبده، وكأنّه تعالى يقول له: إنّ ثمن نعمي أن تحمدني.
الوجه الثالث: أنّ الحمد توقّ من مكر الله تعالى، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (ع): >إنّي سألت الله عزّ وجلّ أن يرزقني مالاً فرزقني، وإنّي سألت الله أن يرزقني ولداً فرزقني ولداً، وسألته أن يرزقني داراً فرزقني، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجاً[66]، فقال: أما والله مع الحمد فلا<[67].
الوجه الرابعُ: إنّ الحمد موجب للزيادة، فعن أَبي عَبْدِ اللَّهِ (ع): >أيّما عبدٍ أنعم الله عليه بنعمةٍ فعرفها بقلبه، وحمد الله عليها بلسانه، لم تنفد حتّى يأمر الله له بالزيادة، وهو قوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[68]<[69].
ويظهر من بعض الأخبار أنّ الزيادة ليست فقط من سنخ ما أُعطي، بمعنى ليس فقط إنْ حمد الله على ما أنعم عليه من مال فسوف يزيد في ماله، وإنْ حمده على الأكل زاد الله في أكله، بل زيادات الله شاملة، مثلاً عن أبي عبد الله (ع): >الطّاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصّائم المحتسب والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر والمعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع<[70].
وعن رسول الله -متحدثاً عن قراءة المصلي للفاتحة-، قال: >إذا قال الحمد لله ربّ العالمين.
قال الله جلّ جلاله: حمدني عبدي وعلم أنّ النعم التي له من عندي وأنّ البلايا التي إن دُفعت عنه فبتطوّلي أُشهدكم أنّي أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأرفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا<[71].
فقد علم بذلك أنّ الحمد سبب لإفاضة النّعماء.
البعد الثالث: وجوه حمد الله في الضّراء الوجه الأوّل: إنّ البلاء يندفع بالحمد؛ ذلك لأن “النّعمة والنّقمة، والمنحة والمحنة، متضادّتان، كما أنّ الشكر والكفران كذلك، فإذا كان الكفران موجباً للعذاب والبلاء والمحن، بمقتضى قوله سبحانه: {ولَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ}[72]، يكون الشكر والثناء ملاذًا من المحن والبلاء”.
الوجهُ الثّاني: إنّ العبد إذا قال: الحمد للَّه، يشمله دعاء المصلين، والدّعاء جنّةٌ من البلاء، وترس للمؤمن من الأعداء، أمّا أنّه يشمله دعاء المصلَّين فلما رواه المفضل قال: قلت لأبي عبد الله (ع): >جعلت فداك علمني دعاء جامعاً، فقال (ع) لي: احْمَدِ اللَّهَ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ يُصَلِّي إِلَّا دَعَا لَكَ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ<[73].
الوجه الثالث: إنّ البلاء تطهير من الذنوب أو رفع للدرجات، وهذا موجب للحمد.
عن منصور بن معاوية عن أبي عبد الله (ع) قال: >قال رسول الله : قال الله تعالى: ما من عبد [لله] أُريدُ أن أدخله الجنّة إلا ابتليته في جسده، فإن كان ذلك كفّارةً لذنوبه، وإلا سلّطت عليه سلطاناً، فإن كان ذلك كفّارةً لذنوبه وإلا ضيّقتُ عليه في رزقه، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلا شدّدت عليه عند الموت حتى يأتيني ولا ذنب له ثمّ أُدخله الجنّة<[74].
وورد في مرفوعة ابن أبي عمير، قال: >بينما موسى يمشي على ساحل البحر، إذ جاء صيّادٌ فخرّ للشمّس ساجداً، وتكلّم بالشّرك، ثمّ ألقى شبكته فأخرجها مملوءةً، فأعادها فأخرجها مملوءةً، ثمّ أعادها فأخرجها مثل ذلك حتّى اكتفى، ثمّ مضى.
ثمّ جاء آخر فتوضّأ ثمّ قام وصلّى وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ ألقى شبكته، فلم تُخرج شيئاً، ثمّ أعاد فخرجت سمكةٌ صغيرة، فحمد الله، وأثنى عليه وانصرف.
فقال موسى: يا ربّ! عبدُك جاء فكفر بك، وصلّى للشمس وتكلّم بالشرك ثمّ ألقى شبكته فأخرجها مملوءة ثمّ أعادها فأخرجها مملوءة ثمّ أعادها فأخرجها مثل ذلك حتى اكتفى وانصرف، وجاء عبدك المؤمن فتوضّأ وأسبغ الوضوء ثم صلّى وحمد ودعا وأثنى، ثمّ ألقى شبكته فلم يُخرج شيئاً، ثمّ أعاد فأخرج سمكة صغيرة فحمدك وانصرف.
فأوحى الله إليه: انظر يا موسى! عن يمينك، فنظر فكشف له عمّا أعدّه لعبده المؤمن، فنظر، ثمّ قيل له: يا موسى! انظر عن يسارك، فكشف له عمّا أعدّه الله لعبده الكافر، فنظر، ثمّ قال الله تعالى: يا موسى! ما نفَع هذا [الكافر] ما أعطيته، ولا ضَرّ هذا [المؤمن] ما منعته.
فقال موسى: يا ربّ! حقٌّ لمن عرفك أن يرضى بما صنعت<[75].
البعدُ الرابع: وجوه علاقة الحمد بشرطيته في الجهاد الوجه الأوّل: الحمد يعني أنّ الحامد رجل وفيّ، والوفي صادق في جميع المواقف.
الوجه الثّاني: الحامد شخصية واعية، والحمد في الضّراء يكشف عن بصيرة ومعرفة وصبر ورضى، وكلّها عناصر أساسية في عملية الجهاد والثّورة ضد الظلم، فالمؤمن حين يطمئن بكون البلاء تطهيراً أو رفعا للدرجات، سيصبر بل وسيرضى وسيحمد ويشكر، لأنّه شعر بعناية الله له في بلائه، وهذا المعنى يشير إليه ما ورد عن الإمام الكاظم (ع) أَنَّهُ قَالَ: >لن تكونوا مؤمنين حتّى تعُدّوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة، وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء<[76]. وعن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: >رأس طاعة اللهِ الرِّضا بما صنع الله إلى العبد فيما أحبّ وفيما أَكرَه، ولم يصنع الله بعبدٍ شيئاً إلا وهو خيرٌ<[77]، فالمؤمن يطمئن بأنّ الله لن يفعل به إلا ما فيه خير.
الصفة الرابعة: السّياحة… معناها وآثارها لمَّا عَزَمَ الحُسين (ع) على المسير إلى العراق قام خطيباً، فقال -فيما قال- >من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله<[78].
هذا النّص -في بعد من أبعاده- يُشير إلى تجلّ عال للصّفة من صفات رجال الثّورة، وهي صفة السّياحة التي وردت في قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[79].
والسياحة في اللغة كما عن بعض: الذَّهابُ في الأَرضِ للعِبَادة والتَّرَهُّب؛ وعن بعض آخر: إِنّه مُطلقُ الذَّهابِ في الأَرْضِ، سواءٌ كان للعِبادةِ أَو غيرِهَا، لكن السّيح للعبادة، هو مما يعين العبد على الطاعة لانقطاعه عن الخلق، ولما يحصل له من الاعتبار بالتفكر في مخلوقات الله سبحانه، ولعلّ لهذا فسّره الطّبرسي بالماضي في طاعة الله تعالى.
وقد كانت السّياحة قبل الإسلام تعني (الرّهبانية)، وهي ترك الدّنيا وملذّاتها، وهجر شهواتها ونزواتها، والخروج إلى الفلوات بحثاً عن الخلوات، ولكنّ الإسلام جاء وهذّب هذا النمط من السّياحة، وقد ورد عن الحسين بن علي (ع) قال في حديث طويل: >إنّ يهوديّاً من يهود الشّام قال لأمير المؤمنين (ع) -من ضمن ما قال-: فإنّ عيسى يزعمون أنّه كان سيّاحاً؟ قال له عليّ (ع) لقد كان كذلك، ومحمّد كانت سياحته في الجهاد<[80]، وقد سار أبو عبد الله (ع) بسياحة جدّه.
وهذا المعنى من السّياحة، أعني به الجهاد، مُتوقِّف على معنى آخر من السّياحة، قد استفيد من موثقة سماعة أنه شرطٌ في جهاد الإمام كما في رواية عبّاد البصري التي مرّت أوّل البحث، ومن الواضح أنَّ معنى السّياحة التي جعل الجهاد متوقفاً عليها، ليس هو الجهاد، بل شيء آخر، وعند تصفّح الأخبار، يبرز معنيان: المعنى الأوّل: ملازمة المساجد، وهو ما ورد عَنْ أمير المؤمنين (ع) أَنَّهُ قَالَ: >جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، قد غلبني حديثُ النفس، ولم أُحدث شيئاً حتّى أستأمرك، قال: بم حدّثتك نفسك يا عثمان؟ قال: هممتُ أن أسيح في الأرض.
قال : فلا تسح في الأرض، فإنّ سياحة أمّتي المساجد<. وفي نقل آخر: قال: >إنّي قد هممتُ بالسياحة.
فقال: مهلاً يا عثمان، فإنّ السياحة في أمّتي لزوم المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة<[81].
وأظن بأنّ الاعتكاف أفضل عبادة تُحقق مفهوم السّياحة، فهي العباد الوحيدة التي تُمكن المؤمن من الملازمة بالمعنى الدّقي، ويحقق مكسب انتظار الصلاة بعد الصلاة، وعن رسول الله أنّه قال: >..كثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرّباط<[82]. ومعنى الرباط الإقامة عند الثغر لحفظ بيضة الإسلام.
وعنه أنّه قال: >ألا أدلّكم على ما يُكفّر الذنوب والخطايا، إسباغ الوضوء عند المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط<[83].
وعن عليٍّ (ع) أنَّه قال: >انتظار الصلاة بعد الصلاة أفضل من الرّباط<[84].
والمراد من الملازمة، أعمّ من المعنى الذي ذُكر، بحيث يشمل مثل التردد المتواصل والكثير، فعن رسول اللَّهِ أنَّه قال: >إسباغُ الوضوء في المكاره، ونقل الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً<[85].
فنجد التعبير هنا بنقل الأقدام، فهذا الانتقال المستمر يمكن اعتباره نوعاً من أنواع ملازمة المساجد.
المهم أن يصدق على المؤمن أنّه ممن يلازم المساجد، أي: دائم الحضور فيها.
وهذا المعنى يُستفاد مما ورد عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيّ قال: قال رسول اللَّهِ : >أَلا أدلّكم على شيءٍ يكفّرُ اللَّهُ به الخطايا ويزيد في الحسنات. قيل: بلى يا رسول الله.
قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطى إلى هذه المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وما منكم أحدٌ يخرج من بيته متطهّراً فيصلّي الصلاة في الجماعة مع المسلمين، ثم يقعد ينتظر الصلاة الأخرى إلا والملائكة تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه<[86]. الاعتكاف فبالإضافة إلى أنَّه يُحقق ملازمة المسجد، ويهيئ إلى عبادة انتظار الصلاة بعد الصّلاة التي هي مُكفرة لكلّ ذنب كما في بعض الرّوايات، فبالإضافة إلى ذلك، يحقق الاحتمال الثّاني الآتي لمعنى السّياحة.
الاحتمال الثّاني -لمعنى السياحة-: الصّوم، وهو ما ورد في خبر أبي عبد الله (ع) >عن النّبي أنّه قال: {السَّائِحُونَ}: وهم الصّائمون<[87]،[88]. وعنه أنّه قال: >إنّ سياحة أُمَّتي في الصّوم<[89]. وقد نقل الطوسي كلاماً يقول فيه بأنّ “السائحون: الصائمون بلغة هذيل”.
الصائمون، شبهوا بذوي السياحة الذين يسيحون في الأرض بلا زاد، في امتناعهم من شهواتهم، إذ يَسِيحون في النهار متعبِّدين بالإمساك عن الطعام والشراب، ولأنّ الصيام رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على خفايا الملك والملكوت، المتأمل الذي يتعظ بمواعظ اللَّه سبحانه وهو مأخوذ من السياحة بالعقل والقلب، وعليه فرجال الثّورة متميّزون في سياحتهم، فلا يقتصرون على صيام شهر رمضان، بل يسيحون في الدّهر كلّه، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن أفضل ما جرت به السنّة في التطوع من الصوم؟ فقال: >ثلاثة أيام في كل شهر: الخميس في أول الشهر، والأربعاء في وسط الشهر، والخميس في آخر الشهر<[90].
وعن الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الصوم في الحضر؟ فقال: >ثلاثة أيام في كل شهر: الخميس من جمعة، والأربعاء من جمعة، والخميس من جمعة أخرى<[91]. وقال: قال أمير المؤمنين (ع): >صيام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن ببلابل الصدور، وصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر صيام الدّهر، إن الله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[92]<[93].
وفي بعض النصوص: يُذهبن بوحر الصدور[94]. ووحر الصدور: الوسوسة، وما أحوج رجال الثّورة إلى أن يقطعوا طريق الشيطان عن نفوسهم، ويعيشون الزهد عن الشهوات، فهو مما يزيد من قدرة التحرر، والحرّ عال ومتعال.
الاحتمال الثّالث: الهجرة، ويدخل فيها مثل الهجرة إلى طلب العلم، باعتبار أنّ طالب العلم يهاجر ويسيح في الأرض لطلب العلم من مظانه، كما يُشير إليه قوله بقوله: {فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين}[95].
ويدخل فيها هجرة الفرار بدينه، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[96].
والجامع بين هذه الاحتمالات أنّ رجل الثّورة ماض في طاعة الله تعالى، ماض إلى الله عبر ملازمته للمساجد، وماض إلى الله عبر تخلي بطنه عن الشهوات وما يلازمه من صفاء في العقل والباطن، وماضٍ إلى الله من خلال زيادة العلم والمعرفة وما يزيد في بصيرته ووعيه، وماض إلى الله تعالى من خلال البحث عن بقعة يصون فيها دينه وعقيدته.
ومن خلال المتصيد من كل ذلك قد يقال بأنّ السّائحين هم السائرون في الأرض لأداء واجباتهم من تبليغ لأحكام الدين أو إصلاح للمجتمع أو بين المؤمنين أو في عيادة مريض أو في قضاء حاجة، وكلّ ذلك جهاد في سبيل الله تعالى، ففي مثل ملازمة المسجد يتطلب ثباتاً، وترويضا للنّفس لتعشق المسجد، والصيام في الحقيقة جهاد، حيث يقتل المؤمن حبه لشهوات النّفس وما يأسرها، والسّواح زاهدون، أقرب إلى تقديم نفوسهم من غيرهم، والإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه الأوفياء كانوا مصداقاً بارزا للسياحة، فقد تركوا الدّنيا وملذاتها، وهجروا الشهوات وساحوا إلى الفلوات لكن ليس بحثا عن الخلوات كما في رهبانية ما قبل الإسلام، وإنما جهاداً وانتصاراً للدّين وأهله كما في رهبانية الإسلام.
الصفة الخامسة: الرّاكعون السّاجدون عن الإمام الحسين (ع) أنّه قال لأخيه العبّاس (ع) حينما عزم القوم على مناجزته: >ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أنّي قد أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه والدعاء والاستغفار<[97].
هذا النص يُشير إلى محبوبية وموقعية الصلاة في قلب الإمام (ع)، وأنّه الشيء الذي يريد الارتباط به قبل رحلته إلى السماء، وهنا تتجلَّى الصفة الخامسة من صفات رجال الثورة بأرقى معانيها، وأنّ الاهتمام بالصلاة حاضر في وجودهم وحياتهم.
والكلام لا زال في إطار التفسير الذي أورده خبر أبي عمرو الزُّبَيْرِيِّ، عن أبي عبد الله (ع) قال في حَديث تفسير النّبي لقوله: {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. قال : >{الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} الَّذين يواظبون على الصّلوات الخمس، والحافظون لها، والمحافظون عليها بركوعها وسجودها، وفي الخشوع فيها، وفي أوقاتها<[98]، وكأنَّ هذه العبائر تُشير إلى ثلاثة أبعاد في عملية التعاطي مع الصلاة: البعد الأوّل: المواظبة على الصّلوات، عنه : >الَّذين يواظبون على الصّلوات الخمس<.
لعلَّه يُشير إلى البعد الكمّي، أي: صفتهم هي أنَّهم يأتون بجميع الصلوات دون أن يتركوا صلاة من الصلوات -كما عند بعض النّاس إنْ جلس لصلاة الصبح صلّاها وإلا تركها، وكذا إنْ نام ليلاً وجلس متأخراً لم يصلّها ولو قضاءً- فهؤلاء يأتون بجميع صلواتهم، -بغض النّظر الآن عن كونها أداء أو قضاء-، فصفتهم أنّهم لا ينسون ولا يتركون صلاة في ذمّتهم، فعن محمّد بن الفضيل قال: سألت عبداً صالحاً (ع) عن قول الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ}[99]؟ قال: >هو التّضْييع<[100]، وعن السّكونيّ، عن أبي عبدالله (ع) قال: قال رسول اللَّه : >لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم<[101].
البعد الثّاني: أن يكون حافظاً للصلوات، عنه : >والحافظون لها<، لعلّه يُشير إلى البعد الزّماني، أي: صفتهم أنهم لا يُصلّون صلاة قضاءً، ليس مثل الفئة الأولى، الذين يأتون بجميع الصلوات لكنهم قد يصلون أحياناً قضاءً، كلا، فأصحاب هذه المرتبة يأتون بجميع صلواتهم، ويقضونها في وقتها، لكن قد يأتون بها في أوّل الوقت، وقد يأتون بها في وسط الوقت، وقد يأتون بها في آخر الوقت، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) قال: >لكلّ صلاةٍ وقتان، وأوّل الوقت أفضله، وليس لأحدٍ أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا في عذرٍ من غير علّة<[102].
وربّما يُشير بحفظ {الرّاكعون السّاجدون} للصّلاة، بأنّهم يقيمون بما يجعلها في محلِّ الصون، فلكلِّ شيء حفظ خاص، فلا يعقل أن يكون العاقل حافظاً للذهب بوضعه في كرتون، يكون حافظاً للذهب حين يضعه في الصندوق الخاص، وهكذا فلكلِّ شيء حفظاً خاصّاً، وحتّى الخزائن تختلف، فكلما كانت ذات مميزات للحفظ أكبر كان القول بأن صاحب الصندوق أحفظ للذهب من صاحب الصندوق الفلاني الآخر.
ولذا تجد أنّ الإتيان بصلوات الفرائض مع نوافلها يعطي ميزة، عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن (ع)فِي قَوْلِهِ : {والَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ}[103]؟ قال: >أولئك أصحاب الخمس صلاةً من شيعتنا<[104].. لماذا؟ لأنّه قلَّ من يأتي بصلاة محفوظة من السّهو والنقصان، والمؤمن بنوافله، يرفع من مستوى النّقص في الفرائض، فعن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: >كلّ سهوٍ في الصلاة يُطرح منها، غير أنّ الله تعالى يُتمّ بالنوافل<[105]، وبالتالي يكون المصلي بصلاة الإحدى وخمسين حافظاً للصلاة دون غيره، وميزان الحفظ من عدمه أنْ تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، عن يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله (ع): >اعلم أنّ الصلاة حُجزةُ الله في الأرض، فمن أحبّ أن يعلمَ ما أدرك من نفع صلاته فلينظر، فإنْ كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فإنّما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز<[106].
فرجال الثّورة مميزين في الأمانة، لتميّزهم في صلاتهم، وحتى تعرفوا أثر الاهتمام بالصلاة في صيانة حقوق الأمة والدفاع عن مكتسباتها.
البعد الثّالث: المحافظة على الصّلوات، عنه : >والمحافظون عليها بركوعها وسجودها، وفي الخشوع فيها، وفي أوقاتها<[107]، ولعله بهذا يُشير إلى البعد الكيفي، وهو المحافظة على الصلوات في مجالات ثلاثة: المجال الأول: المحافظة عليها بركوعها وسجودها في هذا تأكيد على هذين الأمرين من الصلاة على وجه الخصوص، فإنّ لهما شأناً وأثراً كبيراً في صناعة حياة المؤمن، أشير إلى أمرين: الأول: عن سعيد بن جناحٍ قال: كنت عند أبي جعفر (ع) في منزله بالمدينة فقال مبتدئاً: >من أتمّ ركوعه، لم تدخله وحشة في القبر<[108].
الثاني: عن زيد الشّحّام قال: قال أبو عبد اللَّه (ع): >أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجدٌ<[109].
وفي كيفيّة المحافظة على الركوع والسجود حديث طويل، وفي غير الواجبات أشيرُ إلى مستحِّب واحد لكن له آثار مهمَّة، وهو العناية بزمان الركوع والسجود، والعناية الزّمانية، ينبغي أن تكون في الصلاة كلِّ الصلاة، ولكن في ركوعها وسجودها بشكلٍ أكبر، عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: >إذا قام العبد في الصلاة فخفّف صلاته، قال الله تبارك وتعالى لملائكته: أما ترون إلى عبدي، كأنّه يرى أنّ قضاء حوائجه بيد غيري، أما يعلم أنّ قضاء حوائجه بيدي<[110].
ولذا فرجل الثّورة صانع لشخصيته، وصناعة الشخصية تبدأ من الصلاة، وبالأخص من العناية بركوعها وسجودها، فأولاً يكبت أشدّ أعدائه، فعن معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) وهو يقول: >إنّ العبد إذا أطال السّجود حيث لا يراه أحدٌ، قال الشيطان: واويلاه أطاعوا وعصيتُ، وسجدوا وأبيتُ<[111]، ويصل إلى مقامات القرب، فعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال: >مرّ بالنبيّ رجلٌ وهو يعالج بعض حجراته.
فقال: يا رسول الله ألا أكفيك؟ فقال: شأنك، فلمّا فرغ، قال له رسول الله : حاجتك؟ قال: الجنّة، فأطرق رسول الله ثمّ قال: نَعَمْ، فلمّا ولّى قال له: يا عبد الله أعنّا بطول السجود<[112].
واختيار تطويل الرّكوع والسجود، بالتبع يعني الإكثار من الذّكر بحسب الطاقة والإقبال، وعن أبان بن تغلب قال: “دخلت على أبي عبد الله (ع) وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة”.
وعن حمزة بن حمران والحسن بن زياد قالا: >دخلنا على أبي عبد الله (ع) وعنده قوم فصلى بهم العصر، وقد كنا صلينا، فعددنا له في ركوعه: سبحان ربي العظيم أربعاً أو ثلاثاً وثلاثين مرة، وقال أحدهما في حديثه: وبحمده في الركوع والسجود<[113].
وبغض النّظر عن هذا المقدار، فيحسن ألا يقلّ العدد عن ثلاثة، فعن الصّادق (ع) أنّه كان يجمع نساءه وخدمه ويقول: >اتّقين الله أن تقلن في ركوعكنّ وسجودكنّ أقل من ثلاث تسبيحات<[114].
وعن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر (ع): >تدري أيّ شيء حدّ الركوع والسجود؟< قلتُ: لا.
قال: >تسبّح في الركوع ثلاث مرّات: سبحان ربّي العظيم وبحمده.
وفي السجود: سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلثُ صلاته، ومن نقص ثنتين، نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له<[115].
وبما أنّ البعد المادي يؤثِّر علينا كثيراً، فأرغب بذكر ما عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (ع): >صلاة فريضةٍ خيرٌ من عشرين حجّة، وحجّةٌ خيرٌ من بيتٍ مملوءٍ ذهباً يتصدّق منه حتّى يفنى<[116]. فقل لي أيّها المؤمن كم تحتاج من الوقت لتحج إلى بيت الله تعالى؟ وكم تحتاج من مال للحجة الواحدة؟ والإمام (ع) يخبر بأنَّ صلاة الفريضة الواحدة خير لك من عشرين حجة.
وكم تحتاج من الوقت لتنفق بيتا -غرفة- من الذهب؟ وكم هذا الأمر عظيم وخطير عند صاحبه، فإن كانت الحجة خير من التصدُّق ببيت مملوء من الذهب، وبما أنّ الصلاة خير من عشرين حجة، فيعني أنّ الفريضة الواحدة خير من التّصدق بعشرين بيتٍ مملوء من الذّهب، أليس هذا كاف بأن يُعطي المؤمن قليلاً من وقته، فيجاهد هذه النّفس الأمارة التي تستقل الطاعات، يروضها على الصلاة لتصنع منه القوّة والتحمّل والصلابة.
المجال الثاني: المحافظة على الصلاة في الخشوع فيها لا يعني أن يكون عند المؤمن هاجس في أن يأتي بها خاشعة بقدر الإمكان، عن سعيد بيّاع السّابِريّ قال: قلت لأبي عبد الله (ع): >أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال:َ بَخ بَخ، ولو مثل رأس الذّباب<[117].
فمن زرَّقَ النّفس بفكرة البكاء والتّباكي، سيجدها متهيئة وراغبة في فعل ذلك، وسيساعده على ذلك لو توجَّه إلى الله وتضرَّع إليه بأحبِّ الخلق عليه ألا يصرف عنه وجهه، يسأله صلاة خاشعة، عند ذلك يقوم مخاطباً نفسه، يا فلان، ألا تحتمل أنّ هذه آخر صلاة تُصليها، فكيف تريد أن ترفعها إلى ربّك، فعن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (ع): >إذا صلّيت صلاةَ فريضةٍ فصلّها لوقتها صلاة مودّع يخاف أن لا يعود إليها أبداً، ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لأحسنت صلاتك، واعلم أنّك قدّامَ من يراك ولا تراه<[118].
المجال الثالث: المحافظة عليها في أوقاتها لعلّ المراد: المحافظة عليها في أوقاتها، وتجنب تأخيرها، وهنا يتفاوت المؤمنون، فمنهم من يصليها في أوّل وقتها ومنهم في أوسطه ومنهم في آخره، ورجال الثّورة لا يؤخِّرون الصّلاة عن أوّل الوقت، ويجعلونها نصب أعينهم، فإن أرادوا السفر سألوا عن وقت يؤمّن لهم الصلاة في وقتها في بلدهم أو في البلد الذي سيسافرون إليه، إن أرادوا الذهاب إلى السّوق وشراء المستلزمات، خطَّطوا بأن لا يؤثِّر ذلك على إتيانهم الصلاة في أول وقتها، وهكذا في جميع شؤون الحياة، وحزنوا لو اضطرهم لتأخيرها عن أول وقتها في ظرف من الظروف، وشعروا بأنّه نحو من الحرمان، واستغفروا الله تعالى خوفاً من ذنب كان سبباً في ذلك التأخير.
لأنّ رجالات الثّورة سماويون غير ماديين، وأخرويون غير دنيويين، ولذا لا يشغلهم عن الصلاة شيء لا من المادة ولا من الدّنيا، فعن بكر بن محمّد الأزدي قال: قال أبو عبد الله (ع): >فضل الوقت الأوّل على الأخير [خيرٌ] للمؤمن [من] وُلْده وماله<[119].
وفي حديث آخر قال الصّادق (ع): >فضل الوقت الأوّل على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا<[120].
وإنّه لمن المخجل إهمال الصّلاة من البلدان التي تدعي كونها بلداناً إسلامية، بل ينبغي عليها بحكم واجب ادعائها في دساتيرها بأنّها دول إسلامية، أن تعطي شيئاً من الوقت للصلاة، ولو عبر تقسيم الوقت بين العاملين بحيث لا يتأثر عمل المؤسسات والشّركات، بل ينبغي على هذه الدساتير أن تفرض على المؤسسات والشركات أن تُهيء أمكنة للصلاة لمن يعمل لديها.
وكيف كان، فمن يُريد أن يكون ناصراً لدين الله وأهله، فليجعل أوّل الوقت همّاً وهاجساً، لدرجة أنّ الأمر قد جعل ميزاناً في العلاقات الاجتماعية، عن مفضّل بن عمر ويونس بن ظَبيان قالا: قال أبو عبد الله (ع): >اختبروا إخوانكم بخصلتين، فإن كانتا فيهم وإلا فاعزُب ثمّ اعزُب ثمّ اعزب: مُحافظةٍ على الصلوات في مواقيتها، والبِرّ بالإخوان في العُسر واليسر<[121].
(فاعزب): يعني فابتعد عنه. الاهتمام بالصلاة قد برز من الحسين (ع) حين تحرَّك القوم لمناجزة، وهناك مشهدٌ لحفظ الصلاة بنمط آخر، وهو حفظ ومحبة ونصرة الصلاة المتوجهة إلى كربلاء، عن داود بن كثير قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع): أنتم الصلاة في كتاب الله عزّ وجلّ وأنتم الزكاة وأنتم الصيام وأنتم الحج؟.
فقال: >يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عزّ وجلّ ونحن الزّكاة<[122].
الصفة السادسة: الأمر بالمعروف في خطبة للحسين (ع) أنّه قال: >إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب‘، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي اللهُ بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين< [123].
ورد في خبر أبي عمرو الزُّبَيْرِيِّ عن أبي عبد الله (ع)، في تفسير النبيّ لقوله تعالى: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}[124]، قال: >الآمرون بالمعروف بعد ذلك، والعاملون به<[125]، أي بعد تلك الصفات المتقدِّمة من كونهم تائبين، عابدين، حامدين، سائحين، فإنَّهم آمرون بالمعروف، مما يعني أنهم بتحليهم بهذه الصفة يكونون حصن الدّين، وحصن الأمة من الضياع والانهيار الديني والأخلاقي والاجتماعي والسياسي وغير ذلك؛ لأنّ الأمر بالمعروف حصن وقوة ومناعة، وتركه ضعف ووهن وانهيار وسقوط، وتكفي كإشارة في بيان كون ترك الأمر انهيار، ما ورد عن رسول الله : >لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم<[126].
وكيف كان فقد أشار في تفسير الآية إلى بعدين في صفة (الآمرون بالمعروف): الأمر بالمعروف، والثاني: العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا فلنقف بشكل مختصر عند هذين البعدين لنتعرَّف عليهما، وبالتالي نتعرَّف على هذه الصفة: البعد الأول: الأمر بالمعروف: وفي هذا البعد تحسنُ الإشارة إلى معنى الأمر بالمعروف وحكمه الشّرعي، وفي معنى المعروف يُمكن القول بأنّه الطاعةَ، ويشمل الواجب والمندوب الذي أمر بهما الشّرع المقدَّس، من صلاة وصوم وحجٍّ وبر بالوالدين ومعاشرة كل من الزوجين للآخر بالحسنى، بل وتربيتهما لأبنائهما أيضاً، فعن السّكونيّ عن أبي عبد الله (ع) قال: >قال رسول الله : رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما<[127]، مثلاً، يُمكن للوالدة أو الوالد، أن يحثان ابنهما على أن يحترم كل منهما الآخر، فإن حثت الأم مثلا ولدها على أن يحترم أباه، إن جاء فلتقل له قم واستقبل أباك فقد حضر، قبِّل رأسه، وابتسم في وجهه، وهكذا يقول الأب لولده، وإذا رأى منه سلوكا حسنا مع أمه شجَّعه، ويُقال بأنَّ الولد لديه قدرة قوية على التقاط تصرُّفات الوالدين، وتطوير هذه التصرُّفات، ولذا ينبغي أن يكونا مراقبين لأنفسهما في طريقة تعاطيهما مع بعضهما البعض، فماذا تريده من ولدك سيتعلمه من سلوكك، هذا جانب، وهذا ما يرتبط ببعد العمل بالمعروف، فالكلام المؤدَّب بين الزوجين سيصنع ولداً مؤدباً، واحترام الزوجة لزوجها والعكس سيبني ولداً محترماً، هي مسؤولية كبيرة.
إذا رأيتَ ولدك يقوم بفعل حسن فابتسم في وجهه، لتعزز ثقته بنفسه، وتشعره بأنَّك تحبًّ ما يقوم به، إن أردت أن تتصدق، فأعط ابنك الصدقة ليسلمها إلى الفقير، وإن أردت أن تتصدقي فأعط ابنتك لتوصلها إلى الفقيرة، ففي هذا تربية على المعروف وتعزيز له.
ودائماً لنكن إيجابيين فيما يرتبط بالمحبوبات في الإسلام، ولا ينبغي أن تُعمل الذوق، فقد يكون ذوق أحدنا جاهلياً نتيجة البيئة الملوثة التي يستقي منها فكره، ويعيش فيها حياته، فإذا رأت المرأة بنتاً قبل بلوغها وقد ارتدت العباءة، فكوني ممن تأمرين بالمعروف، فعززي ارتباطها بالحجاب والعفة، فقولي: ما أحلى هذه الجوهرة، ما أجملك، ما أحلاك، هنا تُعززين ارتباط هذه البنت بحجابها وتتربى عليه.
والأمر بالمعروف في الواجبات -مع تحقّق الشرائط- واجب، كوجوب الحج، فإنْ تحققت شرائط وجوبه، كان مستطيعاً ووجب عليه، لكنّ الحج واجب مرة واحدة، بينما الأمر بالمعروف واجب كلما تحققت شروطه، وإن كان للحج زماناً محدداً، فإنّ وجوب الأمر بالمعروف فوريّ ولا يسقط مع التأخير، بل يجب فوراً، ولذا فهو من المشاريع الخطيرة.
البعد الثاني: العمل بالمعروف والعمل بالمعروف، يعني: بأنّه إذا أمر بالصلاة كان من المصلّين، وإذا أمر بفعل الخير كان في نفسه وواقعه من الخيّرين، وإذا أمر الناس بسداد الديون كان في نفسه من الموفين، وإن كان يملك جاهاً -وهو أمر حسن باعتباره قدرةً-، فالعمل بهذا الأمر الحسن عبر توظيفه في الإصلاح بين المختلفين والمتنازعين، وإن كان يملك علماً فبذله لمن يحتاجه، ولذا عملية التّبليغ قد تدخل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وكلّ قدرة مالية أو مقامية أو بدنية، هي من الأمور التي يحسن وقد يجب بذلها.
أهمية الأمر بالمعروف: ولكي تتعزَّز عملية تبني هذين الأمرين -والكلام للآمرات بالمعروف والآمرين به-، يجدر التذكير ببعض جوانب قيمة هذه الفريضة وأهميتها: أوّلاً: قد تقدمت الإشارة إلى أنّه واجب، والرّجل الثوري ملتزم بتعاليم الدين الحنيف، وتكفي الإشارة لبيان أهميته الإشارة إلى جانبين: إيجابي وسلبي، أمّا الإيجابي فعن أمير المؤمنين (ع): >وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل اللَّه عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي<[128].
ولعلّ من وجوه الأفضلية أنّ الجهاد -في الغالب- محاربة للفساد الآتي من الخارج، وأمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو محاربة للفساد النّابع من داخل الأمة، ولذا يصونها من الضعف والسّقوط، وعن أمير المؤمنين (ع): >قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر<[129].
لأنّ كلّ حكم من أحكام الشريعة لبنة من لبنات بناء الإسلام، إن أهملت وتكسَّرت فبالتدريج سيتهدم بناء الإسلام، والأمر بالمعروف هو مما يمنع هذا الانهدام.
وأما الجانب السلبي المبيّن لأهمية الأمر بالمعروف، أنّه يظهر من لسان بعض الأخبار أنّ ترك الأمر بالمعروف من الكبائر، لأنّه مما أوعد اللَّه عليه النار، وكل ما أوعد اللَّه عليه النار يكون من الكبائر، وذلك مثل ما عن أبي عبد الله (ع) قال: >ويلٌ لقومٍ لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر<[130]، >ويل<، وهو واد من أودية جهنّم، وهو محلٌّ لبحث وجه العلاقة بين هؤلاء والمطففين الذين ذكر القرآن بأنَّ جزاءهم الويل.
ثانياً: إنّ الأمر بالمعروف موجب لمشاركة من يسمع تذكيرك وأمرك، فعن النبي : >من أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، أو دلّ على خير، أو أشار به، فهو شريك، ومن أمر بسوء، أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريكٌ<[131].
عن أبي عبد الله (ع)عن آبائه (ع) قال: >قال رسول الله كلّ معروف صدَقة والدالّ على الخير كفاعله والله عزّ وجلّ يحبّ إغاثة اللهفان<[132].
وعنه (ع): >لا يتكلَّم الرجل بكلمةِ حق يؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها، ولا يتكلَّم بكلمة ضلال يؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها<[133].
ثالثاً: إنّ الأمر بالمعروف يرفع من مستوى المؤمن والمؤمن ليكونا من رجال الثورة ونساء الثورة، فيتبوأ مكاناً عالياً في نصرة الدّين وأهله، فعن رسول اللَّه : >من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة اللَّه في أرضه، وخليفة رسول اللَّه، وخليفة كتابه<.
وعن أبي عبد اللَّه (ع): >أيُّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل ذلك إلى رسول الله <[134].
وعن رسول اللَّهِ : >إنّ الله خلق الإسلام فجعل له عرْصة[135]، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً، فأمَّا عرْصتُه فالقرآن، وأمّا نوره فالحكمة، وأمّا حصنه فالمعروف، وأمّا أنصاره فأنا وأهل بيتي، وشيعتنا، فأحبّوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم<[136].. النبي يُعبِّر عن المعروف بأنَّه حصنُ الإسلام، وأنصاره هو وأهل بيته (ع) وشيعته.
الصفة السابعة: النهي عن المنكر عن الحسين (ع) أنّه قالَ: >من أحبّك نهاك، ومن أبغضك أغراك<[137].
الصفة السّابعة من صفات رجال الثّورة، هي صفة: >النّاهون عن المنكر والمنتهون عنه<[138]، كما ورد في تفسير النبي .
المنكر هو المحرَّمات والمعاصي، والنهي عن المنكر يعني منع الغير من فعل المعاصي، ويشمل المكروهات أيضاً، كما هو صريح فتاوى الفقهاء، فكما أنّ المستحب معروف، فالمكروه منكر، الأمر بالمعروف بمعنى المستحب، والنهي عن المنكر بمعنى المكروه ليسا إلزاميين، الأمر بالمعروف وكذا النهي عن المنكر، واجب في النهي عن المحرمات، ومستحب في النهي عن المكروهات، يقول صاحب السداد: “إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا شك في وجوبهما بالكتاب والسنّة والإجماع، كما قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[139]، لكنّ الأمر بالمعروف لا يكون واجباً إلا إذا كان متعلّقه الواجب، وبالمندوب يكون مندوباً، وكذلك النهي عن المنكر، إنّما يكون واجبا إذا كان النهي عن الحرام، وأمّا على المكروه فمندوب”[140].
والمطلوب من المؤمن والمؤمنة أن ينهيان المنكر، وبذلك يتحليان بُخلق إلهي، ويكونان بذلك محط عنايته وألطافه، فعن أبي عبد الله (ع): >الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: خُلقان من خُلُق الله، فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله<[141].
وإنّما يجبان بشروط: الشّرط الأوّل: “العلم بكونهما معروفا ومنكرا ولو بالتقليد لمن له أهلية ذلك، ولا يراعي فيه الاجتهاد والنيابة كالقضاء والفتيا، وقد مرّ دليله وهو خبر مسعدة حيث قال فيه: >إنّما هو على القويّ، المطاع، العالِم بالمعروف من المنكر، لا الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً إلى أيٍّ من أيٍّ يقول من الحق إلى الباطل<[142]، وذلك ليأمن الغلط فلا يجبان في المتشابه”[143].
وعليه فلا يجب النهي عن المنكر على الجاهل بالمنكر، نعم قد يجب التعلّم مقدّمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فوجوب النهي عن المنكر يشترط فيه أن يكون الناهي عالما بحرمة ذلك المنكر الذي يريد النهي عنه، فإذا رأى من يستغيب مسلماً، واحتمل أنّ غيبته من الموراد المأذون بها شرعاً بالنسبة لذلك الشخص، فلا يجب عليه النهي، بل لا يجوز له إذا كان موجبا لهتكه.
الشّرط الثاني: احتمال التأثير والفائدة، فأمّا إذا تيقَّن أن لا فائدة في أمره ونهيه، لم يجب عليه، عن أبي عبد الله (ع): >إنّما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمنٌ فيتّعظ أو جاهلٌ فيتعلّم وأمّا صاحب سوطٍ أو سيفٍ فلا<[144].
فيشترط “جواز التأثير، فلو علم أو غلب على ظنّه أنه لا يؤثِّر لم يجب، لعدم الفائدة فيه، ويدل عليه خبر مسعدة، لقوله فيه: >وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج، إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة<[145]، وقوله فيه أيضا: وسمعت أبا عبد الله (ع) يقول: وسئل عن الحديث الذي جاء عن النبي : >إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر، ما معناه؟ قال: هذا على أن يأمره بعد معرفته، وهو مع ذلك يقبل منه، وإلا فلا<[146]”؛ فلو علم أنّ المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر لا يبالي ولا يكترث بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو احتمل عدم التأثير فالمشهور بين الفقهاء أنه لا يجب شيء تجاهه، ولكن [بعض الفقهاء المعاصرين ذهب إلى أنه] لا يترك الاحتياط [احتياط وجوبي] بإبداء الانزعاج والكراهة [فعلا أو قولا] لتركه المعروف أو ارتكابه المنكر وإن علم عدم تأثيره فيه[147].
فمثلاً لو سمع الغيبة من شخص، ولم يستطع نصرة المُستغاب، كأن كان غير قادر على ردع القائل، ولم يكن قادراً على مغادرة المكان كما لو كان على كرسي عمله، ولم يمكنه مغادرته، فهنا إذا أمكنه إبداء الانزجار والتذمر من قوله لزمه ذلك على الأحوط، وإن علم أنّ إبداء التذمر لن يؤدي إلى ردعه عن المنكر.
وكذا لو كان مرغما على سماع أغاني، كما لو كان في سيارة عمومية ولم يستطع النهي عن المنكر، ولم يكن يستطيع المغادرة، فهنا يلزم إبداء التذمر والانزعاج من ارتكاب المنكر إذا كان متمكناً من ذلك وإلاّ فلا باس.
الشّرط الثالث: “أن يكون المأمور والمنهي مصرين على الاستمرار، فلو ظهر منهما أمارة الإقلاع سقط، للزوم العبث، ويدل عليه قوله (ع) في خبر جابر: >فإن اتعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم، {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}[148]<[149]”[150].
فإذا كان نادماً ومتراجعاً عن المعصية، فمعه يسقط الأمر والنهي، قال عدة من الفقهاء إنه إذا ظهرت عليه علامات الندم والعزم على ترك تلك المعصية سقط الأمر والنهي إذا كان معلوماً منه ترك الحرام والإتيان بالفعل الواجب.
الشّرط الرابع: “أن لا تكون فيه مفسدة وضرر، فلو ظنَّ توجُّه الضرر إليه أو إلى أحدٍ من المسلمين بسببه، سقط إذ لا ضرر ولا ضرار في الدين، ولقوله (ع) في خبر يحيى الطويل: >إنّما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط أو سيف فلا<.
ولا ينافي ذلك ما وقع في خبر جابر، حيث قال: >يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون، إلى أن قال: لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر، إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير<[151]، لأن المراد به أمن الضرر من كل وجه، وذلك غير شرط”[152].
فالشرط: “أن لا يخاف الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ترتّب ضرر عليه في نفسه أو عرضه أو ماله بالمقدار المعتدّ به، ولا يستلزم ذلك وقوعه في حرج شديد لا يتحمّل عادة، إلاّ إذا أحرز كون فعل المعروف أوترك المنكر بمثابة من الأهميّة عند الشارع المقدّس يهون دونه تحمّل الضرر والحرج.
وإذا كان في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به سقط وجوبه. نعم، إذا كان المعروف والمنكر من الأمور المهمّة شرعاً فلا بدّ من الموازنة بين الجانبين من جهة درجة الاحتمال وأهميّة المحتمل، فربّما لا يحكم بسقوط الوجوب”[153].
طبعا “يجوز للمؤمن أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر مع علمه أو احتماله بوقوع الضرَّر عليه في أمره ونهيه، ما لم يكن الضرر المحتمل بليغاً كالهلاك أو ما يقرب منه كما يجوز إن كان الاحتمال ضعيفاً لا يوجب الخوف لدي العقلاء، فالضرر الموجب لسقوط التكليف هو المقدار المعتد به من الضرر على النفس أو المال أو العرض، ومثله الحرج الذي لا يتحمل عادة”[154].
الشّرط الخامس: “أن لا يكون فاعل المنكر أو تارك المعروف معذوراً في فعله للمنكر أو تركه للمعروف، لاعتقاد أن ما فعله مباح وليس بحرام، أو أنّ ما تركه ليس بواجب، نعم، إذا كان المنكر ممّا لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كقتل النفس المحترمة فلا بدّ من الردع عنه، ولو لم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عمّا إذا كان جاهلاً”[155].
هل يُشترط وجود المعصوم؟ يقول صاحب السّداد: “وأما ما جاء في حديث الاحتجاج عن الصادق (ع) في خطبة النبي يوم غدير خم، حيث قال: >لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم<[156]، فمحمول على إرادة العلم المشترط في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنه مشترط الصدور عن الإمام المعصوم، ولو بواسطة نوابهم (ع)، لا اشتراط وجود الإمام وحضوره كالجهاد”[157].
هل يُشترط العدالة؟ “ولا يشترط عند الأكثر ائتمار الآمر بما يأمر به، وانتهاء الناهي عمّا ينهى عنه، لإطلاق الأدلة من الكتاب والسنّة، ولأن الواجب على من فعل الحرام المشاهد فعله من غيره شيئان: تركه له، وإنكاره، ولا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر، وأما قوله : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}[158]، وقوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ}[159]، فالإنكار فيهما إنما هو على عدم العمل بما يأمر به وبقوله، لا على الأمر والقول.
وكذلك ما جاء في بعض الأخبار، وهو حديث الإسراء من قرض شفاههم بمقاريض من نار، إنما نشأ من حيث أنهم لم يأتمروا ولم ينتهوا، لا على أمرهم مع عدم الائتمار، ولا على نهيهم مع عدم الانتهاء، كيف ولو شرطنا ذلك لانسد باب وجوبهما إلا على المعصوم، فيلزم سد أبواب الحسبة، فتنسد أبواب الجنّة بالكلية”[160].
“وإذا اجتمعت هذه الشرائط وكان المطلع عليها واحدا، وجب عليه عينا، وإن كان ثمة غيره وشرع أحدهما في الأمر أو النهي فإن كان قد ظن الآخر أن لمشاركته أثرا في تعديل ترتب الأثر ورسوخ الأمر جاز ووجب عليه أيضا، لأن المتلبس به لم يقم به وحده، فلم يسقط عن الباقي كما هو شأن الواجب الكفائي، وإلا فلا يجب عليه، لأن المتلبس به قائم به، والغرض وقوع المعروف وارتفاع المنكر، فمتى حصل بفعل أحدهما كان السعي من الآخر عبثا وهذا معنى قولهم أن وجوبهما كفائي.
وأما من قال إنه عيني، فإنما أراد به وجوبه على كل من كان مستجمعا للشرائط، فلا تظهر ثمرة هذا الخلاف إلا في حالة سقوطه عن المستجمعين لها بقيام بعضهم به، قبل ترتب الأثر”[161].
في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: للإنكار مراتب: المرتبة الأولى: الإنكار، فعن أبي عبد الله (ع) قال: >حسبُ المؤمن عزّاً إذا رأي منكراً أن يعلم اللهُ عزّ وجلّ من قلبه إنكاره<[162].
والإنكار “بالقلب، وهذا لا يشترط فيه جميع الشرائط المتقدمة، لعدم الاطلاع عليه غالبا، لأن المراد منه بغضه له على ارتكاب المعصية، نعم هو مشروط بعلم الناهي وإصرار المنهي خاصة، بخلاف الشرطين الأخيرين وهما أمن الضرر ورجاء التأثير”[163].
هذه المرتبة الأولى عند أمثال صاحب السداد، أمّا الفقهاء المعاصرون فقد جعلوا المرتبة الأولى، هي: “أن يأتي المكلف بفعل يظهر به انزجاره القلبي وتذمّره من ترك المعروف أو فعل المنكر كالإعراض عن الفاعل وترك الكلام معه”، وهي التي عدَّها صاحب السداد مرتبة ثانية.
قال: المرتبةُ الثانية : “بإظهار الكراهة في وجهه، للخبر المروي من الطرفين، حيث قال فيه: >أَدْنَى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة<[164]، وفي آخر: >حسب المؤمن عزا إذا رأى منكرا أن يعلم الله من قلبه إنكاره<[165]، وفيه إشارة إلى المرتبة الأولى وهي القلبية، فإن ارتدع بالثانية اكتفى بها”[166].
المرتبة الثالثة: “الإعراض عنه وهجره، وقد دلَّت عليه أخبار كثيرة”[167]، هذه هي الثالثة عند صاحب السداد، لكن يظهر أنَّها والثانية من أساليب المرتبة الأولى عند الفقهاء، أي الإنكار القلبي ولكي يصدق عليه بأنه نهي لا بدّ أن يظهر في تصرف من التصرفات المشعرة بذلك.
هذه المراتب الثلاث في لسان الفقهاء هي مرتبة واحدة، وإذا كفت هذه المرتبة في الانتهاء عن المنكر فلا ينبغي الانتقال إلى المراتب الأخرى، كما أنه في نفس هذه المرتبة إذا كانت الدرجة الخفيفة منها مؤثرة، لا ينبغي استعمال الدرجة الأشد، فالملاقاة بوجه مكفهر، أولى من الإعراض، والإعراض أولى من القطيعة والهجر وخلاصة القول إنه يجب مراعاة الأسهل فالأسهل.
وفي بعض الأحيان، ونسبة لبعض الأشخاص، تكون المرتبة الأولى من النهي وهي الإنكار القلبي أشق من المرتبة الثانية وهي الإنكار باللسان، من حيث إن الإنكار اللساني بأسلوب هادئ أخف عنده من الإعراض والهجر، ففي مثل هذه الصورة يجب تقديم المرتبة الثانية.
المرتبة الرابعة: “إنكاره باللسان، بالوعظ والزجر مرتبا الأيسر فالأيسر”[168].
هكذا قال صاحب السداد، وهي المرتبة الثانية عند الفقهاء، “أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقوله ولسانه، سواء أكان بصورة الوعظ والإرشاد أم بغيرهما.
وهنا كذلك يجب ملاحظة الأسهل فالأسهل، ففي البدء يجب الاكتفاء بالكلام الهادئ الناعم والموعظة والنصيحة كما قال تعالى لموسى وهارون: {وقولا لَهُ قَولاً لَيّناً لَعلَّه ُيَتَذكَّرُ أو يَخشى}[169]، وإذا لم ينفع ذلك انتقل إلى الكلام الخشن، وفي كلا النحوين (الناعم والخشن) يجب ملاحظة درجاتهما.
المرتبة الخامسة: أنْ يتَّخذ إجراءات عمليّة للإلزام بفعل المعروف وترك المنكر، “فلو لم ينزجر [باستعمال أسلوب المرتبة الرّابعة] انتقل إلى المرتبة الخامسة، وهي الضرب باليد، وما جرى مجراها من السياط وآلات الضرب، وهذا آخر المراتب في المشهور.
أما لو افتقر إلى الجراح فهو موضع خلاف، فجوّزه السيد وجماعة، وتوقف على إذن الإمام عند المشهور، لعدم وفاء الأخبار به، ولما فيه من الخطر على النفس، وهو الأقوى لخبر >ادرؤوا الحدود بالشبهات<“[170].
فهنا استعمال اليد له مراتب، وهي مرتبة دقيقة، تتطلَّب معرفةً بالأحكام الشّرعية أحياناً، وتداخلها فيما بينها، وأضرب مثالاً بالمدرّس أو المدِّرسة لو قام الطّالب بمخالفات شرعية، وتركه بدون معاقبة قد يستلزم منه نشره للفساد في المدرسة، وفرض بأنه لم تنفع به المراتب السابقة، فهنا هل يمكن استعمال اليد، فيجاب على ذلك بأنه “إذا لم يمكن ردعه إلا بإعمال القوة ولا بد، ولكن بأخف من الضرب كفرك الأذن، جاز ضربه ما لا يزيد على ثلاثة أسواط على الأحوط، ويلزم أن يكون ذلك بإذن الولي، ويكون برفق إلى الحد الذي لا يوجب احمرار البدن، والاّ استوجب الدية”[171].
فهنا لوجود مصلحة في تأديب الولد، اشترطنا إذن الولي، وإذن الولي له حدود، هو نفسه لو قام بها لوجبت عليه الدّية حتى في حق ضرب ابنه.
“ولكل مرتبة من هذه المراتب درجات متفاوتة شدة وضعفاً، ويجب الابتداء بالمرتبة الأولى أو الثانية مع مراعاة ما هو أكثر تأثيراً وأخف إيذاءً ثم التدرج إلى ما هو أشد منه.
“وإذا لم تنفع المرتبتان الأولى والثانية تصل النوبة إلى المرتبة الثالثة والأحوط لزوماً استحصال الإذن من الحاكم الشرعي في إعمالها، ويتدرج فيها من الإجراء الأخف إيذاءً إلى الإجراء الأشد والأقوى من دون أن يصل إلى حد الجرح أو الكسر”[172].
الهوامش والمصادر
- [1] هذه سلسلة محاضرات ألقاها سماحة الشيخ عادل الشعلة البحراني في حسينية الإمام الرضا في عام 1438ﻫ، رتّبت بالصورة التي نشرت فيها.
- [2] أمالي الصدوق، ص١٥٦.
- [3] نفس المصدر، ص١٣٠.
- [4] اللهوف على قتلى الطفوف، ص١١٣.
- [5] ومما يؤسف له أنّك لا تجد ترجمات مفصّلة عن كلّ واحد من هؤلاء.
- [6] الظاهر هو عباد بن كثير البصري العابد بمكّة، الصوفي.
- [7] سورة التوبة: ١١١.
- [8] نفس السورة: ١١٢.
- [9] الكافي، ج٥، ص٢٢.
- [10] نفس المصدر، ص١٥.
- [11] بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ص٧٥.
- [12] أمالي الصدوق، ص١٥٦.
- [13] الكافي، ج5، ص٢٠.
- [14] أمالي الصدوق، ص١٣٠.
- [15] الكافي، ج2، ص٢٩٤.
- [16] أمالي الصدوق، ص١٢٨.
- [17] كامل الزيارات، ص٨١.
- [18] سورة الإسراء: ٧١.
- [19] سورة الشورى: ٧.
- [20] أمالي الصدوق، ص١٥٣.
- [21] سورة التوبة: 112.
- [22] الكافي، ج٥، ص١٦.
- [23] سورة الشورى: ٣٠.
- [24] الكافي، ج٢، ص٤٥٠.
- [25] نفس المصدر، ص٢٧٣.
- [26] سورة الرعد: ١١.
- [27] الكافي، ج٢، ص٢٧٥.
- [28] نفس المصدر، ص٤٣٠.
- [29] سورة التحريم: ٨.
- [30] الكافي، ج٢، ص٤٣٢.
- [31] مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ج٢، ص٥٨٨.
- [32] الكافي، ج٢، ص٤٣٤.
- [33] روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، ج١، ص١٧٨.
- [34] نفس المصدر.
- [35] سورة المطففين، ١٤.
- [36] الكافي، ج٢، ص٢٧٣.
- [37] سورة الكهف: ٥١.
- [38] أمالي الصدوق، ص١٥٤.
- [39] علل الشرائع، ص٩.
- [40] الكافي، ج٥، ص١٥.
- [41] سورة الإسراء: ٢٤.
- [42] سورة المائدة: ٥٤.
- [43] سورة الفاتحة: ٥.
- [44] سورة الكهف: ١١٠.
- [45] الكافي، ج٢، ص٢٩٤.
- [46] المحاسن، ج١، ص١٢٢.
- [47] كتاب المزار، ص١١.
- [48] الكافي، ج٥، ص٨٨.
- [49] بحار الأنوار، ج٧٢، ص٢٦٦.
- [50] المحاسن، ج١، ص١٠٥.
- [51] تفسير العسكري، ص٣٢٨.
- [52] نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص٨٠.
- [53] الكافي، ج٥، ص١٥.
- [54] ولن أدخل في بيان الفرق بين الحمد والشكر، فبالنتيجة والقدر المتيقن: أنّ كل شكر حمد، ويكفيني هذا المقدار، وستأتي بعض الإشارة إلى بعض التفريق بشكل عابر في طيّات الحديث.
- [55] سورة الإسراء: ٤٤.
- [56] الكافي، ج٢، ص٩٦.
- [57] نفس المصدر، ص٩٧.
- [58] نفس المصدر، ص٩٩.
- [59] نفس المصدر، ص٩٧.
- [60] نفس المصدر، ص٩٦.
- [61] نفس المصدر، ص٩٨.
- [62] نفس المصدر، ص٩٨.
- [63] سورة طه: ١-٢.
- [64] شرح الكافي للمازندراني، ج٨، ص٢٧٩.
- [65] نهج البلاغة، ص٣٣.
- [66] في القاموس استدرجه: خدعه وأدناه كدرجه. واستدراجه تعالى العبد أنّه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار، أو أن يأخذه قليلاً قليلاً ولا يباغته والبغتة: الفجأة.
- [67] الكافي، ج٢، ص٩٧.
- [68] سورة إبراهيم: ٧.
- [69] الكافي، ج٢، ص٩٦.
- [70] نفس المصدر، ص٩٤.
- [71] أمالي الصدوق، ص١٧٤.
- [72] سورة إبراهيم: ٧.
- [73] الكافي، ج٢، ص٥٠٣.
- [74] نفس المصدر، ص٤٤٤.
- [75] المؤمن للأهوازي، ص١٩.
- [76] التمحيص للإسكافي، ص٣٤.
- [77] المؤمن، ص٢٠.
- [78] نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص٨٦.
- [79] سورة التوبة: 112.
- [80] الاحتجاج على أهل اللجاج، ج١، ص٢٢٥.
- [81] دعائم الإسلام، ج٢، ص١٩٠.
- [82] مكارم الأخلاق للطبرسي، ص٤٦٧.
- [83] دعائم الإسلام، ج١، ص١٠٠.
- [84] دعائم الإسلام، ج١، ص١٤٨.
- [85] نفس المصدر، ص١٥٤.
- [86] أمالي الصدوق، ص٣٢٢.
- [87] الكافي للكليني، ج5،ص 16، ح1.
- [88] في النهاية: في الحديث: سياحة هذه الأمة الصيام. قيل للصائم: سائح؛ لأنّ الذي يسيح في الأرض متعبداً يسيح، ولا زاد معه ولا ماء فحين يجد يطعم، والصائم يمضي نهاره ولا يأكل ولا يشرب شيئاً فشبه به.
- [89] عوالي اللئالي، ج٢، ص١٥٠.
- [90] المحاسن، ج١، ص١٧.
- [91] الكافي، ج4, ص92.
- [92] سورة الأنعام: ص١٦٠.
- [93] الكافي، ج4, ص92.
- [94] المقنعة، ص٣٦٩.
- [95] سورة التوبة: ١٢٢.
- [96] سورة النساء: ٩٧.
- [97] الإرشاد، ج٢، ص٩٠.
- [98] الكافي، ج٥، ص١٥.
- [99] سورة الماعون: ٥.
- [100] الكافي، ج٣، ص٢٦٨.
- [101] نفس المصدر، ص٢٦٩.
- [102] نفس المصدر، ص٢٧٤.
- [103] سورة المعارج: 34.
- [104] وسائل الشيعة، ج٤، ص٥٨، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض، ح٢٨.
- [105] الكافي، ج٣، ص٢٦٨.
- [106] معاني الأخبار، ص٢٣٧.
- [107] الكافي، ج٥، ص١٥.
- [108] نفس المصدر، ج٣، ص٣٢١.
- [109] نفس المصدر، ص٣٢٤.
- [110] نفس المصدر، ص٢٦٩.
- [111] ثواب الأعمال، ص٣٤.
- [112] الكافي، ج٣، ص٢٦٦.
- [113] نفس المصدر، ص٣٢٩.
- [114] عوالي اللئالي، ج٣، ص٩٣.
- [115] الكافي، ج٣، ص٣٢٩.
- [116] نفس المصدر، ص٢٦٦.
- [117] نفس المصدر، ص٣٠١.
- [118] أمالي الصدوق، ص٢٥٦.
- [119] ثواب الأعمال، ص٣٦.
- [120] ثواب الأعمال، ص٣٦.
- [121] الكافي، ج٢، ص٦٧٢.
- [122] تأويل الروايات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، ص٨٠١.
- [123] مناقب آل أبي طالب، ج٤، ص٨٤.
- [124] سورة التوبة: 112.
- [125] الكافي للكليني: ج5، ص16، ح1.
- [126] الكافي، ج٥، ص٥٦.
- [127] نفس المصدر، ج٦، ص٤٨.
- [128] نهج البلاغة، خ٣٨٠.
- [129] عيون الحكم والمواعظ، ص٣٧٠.
- [130] الكافي، ج٥، ص٥٧.
- [131] الخصال، ج١، ص١٣٨.
- [132] الكافي، ج٤، ص٢٦.
- [133] ثواب الأعمال، ص١٣٢.
- [134] الكافي، ج٤، ص٢٤.
- [135] العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
- [136] الكافي، ج٢، ص٤٦.
- [137] كنز الفوائد، ج١، ص٢٧٩.
- [138] الكافي للكليني، ج5، ص16، ح1.
- [139] سورة آل عمران: ١٠٤.
- [140] سداد العباد لحسين العصفور، ص413.
- [141] الكافي، ج٥، ص٥٩.
- [142] نفس المصدر، ص٥٩.
- [143] سداد العباد لحسين العصفور، ص415.
- [144] الكافي، ج٥، ص٦٠.
- [145] نفس المصدر، ص٦٠.
- [146] سداد العباد لحسين العصفور، ص415.
- [147] السيستاني: http://www.sistani.org/arabic/qa/0296/ [148] سورة الشورى: ٤٢.
- [149] الكافي، ج٥، ص٥٦.
- [150] سداد العباد لحسين العصفور، ص415.
- [151] الكافي، ج٥، ص٥٥.
- [152] سداد العباد لحسين العصفور، ص415.
- [153] السيستاني: http://www.sistani.org/arabic/qa/0296/ [154] السيستاني:
- http://www.sistani.org/arabic/qa/0296/page/2/ [155] السيستاني:
- http://www.sistani.org/arabic/qa/0296/ [156] الاحتجاج على الأهل اللجاج، ج١، ص٦٥.
- [157] سداد العباد لحسين العصفور، ص415.
- [158] سورة البقرة: ٤٤.
- [159] سورة الصف: ٢.
- [160] سداد العباد لحسين العصفور، ص415.
- [161] نفس المصدر، ص416.
- [162] الكافي، ج٥، ص٦٠.
- [163] سداد العباد لحسين العصفور، ص416.
- [164] الكافي، ج٥، ص٥٩.
- [165] نفس المصدر، ص٦٠.
- [166] سداد العباد لحسين العصفور، ص416.
- [167] نفس المصدر.
- [168] نفس المصدر، ص417.
- [169] سورة طه: ٤٤.
- [170] سداد العباد لحسين العصفور، ص417.