ثقافة

الصدِّيقون في كربلاء

في محرّم من العام 61 للهجرة وصل المخطّط الأمويّ لمحو الإسلام المحمّديّ الأصيل إلى مشارف التحقّق، ممّا استدعى من الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه أن ينهضوا بالثورة الاستشهاديّة التي لولاها لاندثر ذلك الإسلام، وبالتالي انتفت غاية الخلق من وصول قافلة البشريّة إلى كمالها المنشود. وقد تميّز أهل بيت الحسين عليه السلام وأصحابه ببصيرة عالية في معرفة دورهم في المحافظة على السير التكامليّ للإنسانيّة، وهم الذين وُصِفوا بـ “أهل البصائر”1 أي النخبة الواعية من الأمّة، وبذلك كانوا من الصدّيقين الواعين للمخطّط الإلهيّ، لذا أخبرهم الإمام الحسين عليه السلام بالمكافأة بكرامة إلهيّة هي أنّ الله تعالى سيخرجهم في زمن تلك الحكومة, ليروا بأعينهم تحقّق تلك الغاية التي يستشهدون لأجلها، وقد أخبرهم الإمام الحسين عليه السلام بهذه المكافأة في ليلة العاشر من المحرّم كما حدّثنا بذلك الإمام الباقر عليه السلام فيما ورد عنه عليه السلام بأنّ الإمام الحسين عليه السلام قال لهم في تلك الليلة: “أبشروا بالجنّة، فوالله، إنّا نمكث ما شاء الله بعد ما يجري علينا، ثمّ يخرجنا الله وإيّاكم حتى يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين، وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب”. فقيل له: من قائمكم يا بن رسول الله ؟ قال عليه السلام: “السابع من ولد ابني محمّد بن علي الباقر عليه السلام، وهو الحجّة ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابني، وهو الذي يغيب مدّة طويلة، ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا”2.

إنّه حديث عن الرّجعة التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ3، فالآية الكريمة تتحدّث عن حشر خاص يختلف عن حشر يوم القيامة الذي هو حشر عام عبّر الله تعالى عنه بقوله عزّ وجل: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا4.

وقد ورد في الرّجعة أحاديث عديدة أحصاها العلاّمة المجلسيّ بما يقترب من مئتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقاة العظام، والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم في ذلك العصر5.

ولعلّ سرّ رجعة البعض من أهل الإيمان هو لكونهم صدّيقين واعين للمخطّط الإلهيّ، وقد يكون وعيهم اقتضى أن يقدّموا أنفسهم في سبيل الله في مسار ذلك المخطّط، فأراد الله أن يكافئهم بأن يريهم الحكومة الإلهيّة بأمّ أعينهم بوساطة إرجاعهم في عصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

  • كتاب قافلة البشرية، سماحة الشيخ أكرم بركات.

المصادر والمراجع

1- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج45، ص 19.( أنظر لمعرفة معنى البصائر: بركات، أكرم، كيف نبني مجتمعًا أرقى، ط1، بيروت، بيت السراج، 2013م، ص 98-102).
2- الطبرسيّ، حسين، النجم الثاقب، ط1، قم، أنوار الهدى، 1415هـ، ج10، ص 511.
3- سورة النمل، الآية 83.
4- سورة الكهف، الآية 47.
5- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج53، ص 121.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى