جولة الصحافة

«هآرتس»: وحدة إسرائيلية خاصة تتدرب على تحرير أراضي قد يسيطر عليها حزب الله بالحرب القادمة

نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مقالًا كتبه عاموس هرئيل، مراسلها العسكري ومحلل شؤون الدفاع، وتناول فيه تدريبات سيناريو محاكاة للحرب مع حزب الله، موضحًا أن وحدة «الأشباح» العسكرية الإسرائيلية تدرَّبت استعدادًا لمواجهة عسكرية يتوقع جنرالات إسرائيل أن تنشُب قريبًا بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان.

استهل الكاتب مقاله بالقول: لم تشهد بلدة كابول العربية الواقعة شمال إسرائيل في منطقة الجليل الغربية تدريباتٍ عسكرية منذ عقود، لذا شعرت الشرطة الإسرائيلية بالريبة عندما سَعَت هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع لإجراء بعضٍ من التدريبات العسكرية الواسعة النطاق في هذه البلدة.

استفادة الجيش الإسرائيلي من كوفيد-19

واستشهد الكاتب بما قالته قوات الشرطة الإسرائيلية في هذه البلدة لأفراد الجيش الإسرائيلي: «سيحالفكم الحظ إن لم يرجُمْكم السكان بالحجارة»، لكن الاستقبال الذي حظِيَ به الجيش الإسرائيلي من سكان البلدة لم يكن كذلك، ويعود الفضل في ذلك حقيقة إلى جائحة فيروس كورونا المستجد.

ويوفر رؤساء بلديات العرب، على مدار اليوم، جنبًا إلى جنب مع ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي الذين كانوا يرتدون الملابس العسكرية الرسمية، الحماية اللازمة لسكان المجتمعات المحلية (من الإصابة بفيروس كورونا). والروح العملية الفعَّالة التي سادت الاتصالات مع قيادة الجبهة الداخلية للجيش سادت كذلك تدريبات محاكاة الحرب، كما يقول الكاتب.

سيناريو لمحاكاة الحرب مع حزب الله

وكما هو الحال في تدريبات المحاكاة السابقة التي أُجرِيت خلال السنوات الأخيرة، وضعت تدريبات محاكاة الحرب سيناريو ينطوي على اندلاع مواجهة عسكرية مع  حزب الله في جنوب لبنان. وفي المحاكاة، صُوِّرت سلسلة التلال القريبة من بلدة كابول على أنها الأراضي الإسرائيلية المحتلة، بينما صُوِّر نهر حيلازون الصغير على أنه الحدود اللبنانية، وافترضت المحاكاة أن القرى الواقعة في الشمال هي الجبهة الأمامية، والتي سينشر عليها حزب الله قوات وحدات النخبة المسماة «الرضوان». وبحسب سيناريو المحاكاة، كانت الحرب نتيجة لسلسلة من الأحداث المنفصلة التي تتصاعد سريعًا من مجرد جولة محدودة من القتال حتى تتحول إلى مواجهة شاملة، وكانت للحرب تداعيات على سوريا وقطاع غزة كذلك – بحسب الكاتب.

وسرد الكاتب بعضًا من أحداث سيناريو المحاكاة قائلًا: ترسل قيادات حزب الله قوات النخبة أو الكوماندوز إلى التجمعات المحلية الإسرائيلية القريبة من الحدود، بينما تُمطر أسلحتها الداخل الإسرائيلي بالقذائف والصواريخ. وفي المقابل، يتولى الجيش الإسرائيلي مهمة التصدي للهجوم ويشن في الوقت نفسه هجماتٍ على جميع أنحاء لبنان، بالإضافة إلى إرسال إسرائيل بعض من قواتها البرية الموجودة في الشمال إلى عمق الأراضي اللبنانية.

إسرائيل ومقياس النجاح

ويستدرك الكاتب قائلًا: لكن المعيار الأساسي لنجاح الجيش الإسرائيلي في التدريبات يُقاس بقدراته الهجومية، وفي هذا الصدد، يصبح هدف القوات الإسرائيلية الكشف عن بنية حزب الله التحتية وعناصره المنتشرة حول المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية والانقضاض عليهم ومنعهم من شن أي هجمات على إسرائيل. ومن أجل إنجاز هذا الهدف توظف إسرائيل شبكة ضخمة تتكون من عدة وحدات للاستخبارات والطائرات وقوات الاستطلاع، بالإضافة إلى وحدة التكنولوجيا السيبرانية. وتمتلك الوحدات العسكرية التي تقود المناورات الأرضية بالفعل بعضًا من هذه القدرات والإمكانات.

ووصف الكاتب إطلاق الجيش الإسرائيلي اسم «السهم القاتل» على هذه التدريبات لمحاكاة الحرب، بأنه اختيار سيء لأنه يبدو أشبه بإشارة إلى المسميات التي كان يُطلقها الجيش المصري على عملياته العسكرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لكن الاختلاف يكمن في أن الأفكار التي ترشد أو توجه إلى هذا هي أكثر تقدمًا. وفي مقطع فيديو أُنتج في أغسطس (آب) لقادة الجيش الإسرائيلي، تحدث أفيف كوفاخي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، عن إمكانية اندلاع حرب، محذرًا من أن «الحروب تندلع دائمًا على نحو مفاجئ، لذا ينبغي علينا الاستعداد لها كما لو كانت ستندلع غدًا. إن أكبر وَهْم يمكن أن نعيش فيه أن نعتقد أن بيننا وبين الحرب أمَدٌ بعيد».

وحدة الأشباح.. سواد عين رئيس هيئة الأركان

ولفت الكاتب إلى أن تقديرات خسائر التدريبات العسكرية في هذه المرة بدت أكثر واقعية مما كانت عليه في السابق؛ إذ قُدِّرت الخسائر بمئات القتلى وآلاف الجرحى خلال تنفيذ هجمات بالصواريخ على مناطق مدنية، فضلًا عن التكلفة الباهظة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي لإجراء هذه العملية البرية.

وقبل بزوغ فجر يوم الثلاثاء بساعات في بلدة كابول العربية، بدأت وحدة «الأشباح» المتعددة الأبعاد والمعروفة بسواد عين كوخافي بإجراء التدريبات، وهي مشروع تجريبي من المخطط تكراره في غير وحدة من وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي إذا نجح في دمج بعض التقنيات المتنوعة والموارد لدعم المناورة العسكرية الأرضية. وعند هذه النقطة، أُبلِغ عن إحراز تقدم سريع، لكن لم يتضح بعد مدى السرعة التي يمكن من خلالها نشر هذه القدرات والإمكانات أيضًا بين صفوف الكتائب العامة.

ونوَّه الكاتب إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يعد يُجنِّد سياسيين سابقين لأداء أدوار شخصيات سياسية وذلك على عكس تدريبات المحاكاة التي جرت قبل عقد من الزمان أو أكثر. وفي هذا الأسبوع، زار كلٌ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني جانتس التدريبات وانتهزا الفرصة لكي يصدرا تحذيرات لحزب الله.

ويرى الكاتب أن المواجهة العسكرية القادمة لن تحسمها المعارك القتالية على الأرض فحسب، لكن ستلعب المحادثات الهاتفية بين القدس وواشنطن دورا فعَّالًا أيضًا، وكذلك الاتصالات مع موسكو بصورة أساسية. لذا كان ينبغي على القيادات من هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي التعامل مع هذه التطورات في تدريبات المحاكاة أيضًا.

الأزمة الاقتصادية في لبنان

وطرح الكاتب عدة تساؤلات بشأن المحاكاة إذا ما تحولت إلى حقيقة، كان منها، هل من الضروري اتخاذ إجراءات ضد الأسلحة التي اكتُشِف تورطها في المواجهة العسكرية لكنها كانت في سوريا؟ وكيف سترد روسيا على ذلك؟ وهل ستطالب موسكو بوقف فوري لإطلاق النار؟ وهناك تساؤل آخر ذو صلة بعمل الاستخبارات حول رغبة حزب الله المطلقة في القتال، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس الماضي.

إن جائحة فيروس كورونا المستجد اضطرت الجيش الإسرائيلي إلى التقليل من تدريبات قوات الاحتياط إلى حد كبير هذا العام، إلا أن كوخافي أصر على إجراء هذه التدريبات، التي شارك فيها الآلاف من جنود الاحتياط. ويرى كوخافي، وهو محق في رأيه بحسب الكاتب، أن إلغاء تدريبات المحاكاة هذا سيضر باستعداد إسرائيل للحرب.

وألمح الكاتب إلى أنه إلى جانب معدلات النتائج التنفيذية، من المحتمل أن يُقاس درجة نجاح تدريبات «السهم القاتل» لمحاكاة الحرب من خلال عدد المشاركين الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19 أثناء التدريبات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بجنود قوات الاحتياط، الذين يواجهون مخاطر صحية واقتصادية أكثر من المجندين البالغين من العمر 20 عامًا.

عائق التدابير الصحية

وفي ذات السياق، صرح قائد لواء شارك في التدريبات لصحيفة «هآرتس» قائلًا: «إن معدل الإصابة في وحدته العسكرية خلال الأشهر الأخيرة بلغ نحو 20 حالة جديدة أسبوعيًّا. لكن المشكلة الرئيسة تتعلق بهؤلاء القابعين في الحجر الصحي؛ لأن كل جندي يُحدد على أنه ناقل للإصابة يجعل زملائه في الفصيلة من الجنود عرضة للخروج من ساحة التدريبات. كما كانت أعراض المرض لدى كل من أصيب بالمرض خفيفة جدًّا. وعندما انضم جنود الاحتياط إلى التدريبات، كانوا يشعرون بالقلق الشديد، لذا قمنا بإجراء تعديلات لتقليل المخاطر».

وأشار الكاتب إلى أن تدابير الإغلاق الثانية التي فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد حديثًا في جميع أنحاء البلاد أدَّت إلى عزل الجيش الإسرائيلي وعناصره، إذ مُنِع الجنود في الوحدات العسكرية القتالية من الحصول على إجازة لعدة أسابيع طويلة. وأضاف الضابط المسؤول: «لقد أدركنا فعليَّا مرونتهم العقلية في هذا الصدد. وصحيحٌ أن الشكوى القائلة (إن هذا الجيل مدلل) قد تكون معقولة ومقبولة، لكن هؤلاء الجنود ظلوا محجوزين في القاعدة لمدة ستة أو سبعة أسابيع دون أن يرمش لأحدهم جفن».

وخلُص الكاتب في ختام مقاله إلى أنه في ظل أن أعمار الغالبية العظمى من القوات المقاتلة صغيرة جدًّا ومن الشباب اليافعين، فإن فيروس كورونا لا يمثل لهم على ما يبدو سوى مصدر ثانوي للقلق. وفي حالة اندلاع الحرب، سيتخلى الجيش الإسرائيلي عن تدابير العزل الصارم الذي تشترطه الأنظمة الصحية وسيُركز على ما هو أهم. وإذا لزم الأمر سيواصل الجنود الذين كانوا يَسْعلون القتال.

المصدر
هآرتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى