ماذا بَعد الموت؟
الأصل الخامس: المعاد
تُعتبر فكرة الموت من أكثر الأفكار التي أقلقت الإنسان وسلبته الراحة والاستقرار في عالم الدّنيا. فكلّ إنسان مهما حمل من أفكار ومعتقدات مؤمن بأنّه سيموت في يوم من الأيّام. ولكون مرحلة ما بعد الموت ليست بمتناول أنظارنا، فإنّ أغلب النّاس يخافون من الموت ذلك المصير المجهول، ويهربون من التّفكير فيه، ويسلّون أنفسهم بأمور أخرى كلّما لاح شبحه أمامهم.
ويختلف حال المؤمنين برسالات الأنبياء ، وخاصّة الرسالة الخالدة للرّسول الأكرم ، عن غيرهم من أصحاب المعتقدات. فصورة الموت وما بعده عندهم معلومة. فأنبياء الله الذين خبروا تفاصيل عالم الآخرة، نقلوا لنا بدقّة كلّ ما يمكن أن تناله أفهامنا عن الموت والمعاد والحساب. وهم إضافة إلى ذلك قد تركوا مواعظ ووصايا تبيّن للإنسان طرق النّجاة من أهوال القيامة وعذابها.
قال أمير المؤمنين: “لا شيء أصدق من الأجل”1.
إلى أين ينتقل الإنسان بعد موته؟
أوّل منزل ينتقل إليه الإنسان بعد موته هو عالم البرزخ. والبرزخ هو منزل متوسّط بين الدّنيا والآخرة. وهو ما تشير إليه الآية الكريمة: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾2.
المعاد في النـّص والعقل
لم ينبّه الأنبياء على أمر كما نبّهوا على مسألة المعاد، والرّجوع إلى الله عزّ وجلّ والوقوف بين يديه للحساب. والقرآن الكريم أفضل شاهد على ذلك، فهو يحوي مئات الآيات والإنذارات حول أهوال الآخرة والمحشر، قسم كبير منها عبارة عن إنذارات الأنبياء والرّسل لأقوامهم.
قال الإمام الصّادق: “البرزخ القبر، وهو الثّواب والعقاب بين الدّنيا والآخرة”3.
والإنسان الإلهيّ بعدما تدرّج في إثبات وجود الله عزّ وجلّ وإثبات توحيده، ومن ثمّ إثبات ضرورة بعث الأنبياء ، وبعد ذلك الاعتقاد بضرورة وجود الإمام بعد ختم النبوّة بنبيّ الله محمّد ، صار بإمكانه الاعتماد على آيات القرآن الكريم والرّوايات الشّريفة لإثبات البعث والمعاد.
ويُعتبر رجوع الإنسان وحشره من ضروريّات ومسلّمات الدّين الإسلاميّّ. والقرآن والنّصوص الشريفة مليئة بما يشير إلى ذلك. يقول تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾4، ويقول تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾5.
وبغضّ النّظر عن النّصوص الدّالّة على المعاد، فإنّ العقل يستطيع أن يوصل الإنسان إلى ضرورة المعاد، وذلك من خلال التأمّل في صفة العدالة الإلهيّة. فعالم الدّنيا ليس هو المكان الصّالح لتسوية الأمور بين الظّالم والمظلوم، على الرّغم من بعث الأنبياء ونزول الشّرائع، حيث لا يزال الظّلم يملأ الأرض بسبب طغيان الكثير من البشر. وكثيراً ما يفلت الظّالم من العقاب والحساب في الدّنيا. وبالتالي إذا لم يكن هناك عالَم آخر يُعمِل الله عزّ وجلّ فيه عدالته بحيث يقتصّ من الظّالم ويجازيه على ظلمه، لاستلزم أن ينسب الظّلم إليه تعالى.
قال تعالى:﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾6.
إستنتاج
-نصوص القرآن والأحاديث الشريفة هي دليلنا على ثبوت المعاد.
– العقل أيضاً يستطيع أن يوصل الإنسان إلى ضرورة المعاد، وذلك من خلال التأمّل في صفة العدالة الإلهيّة.
فائدة تذكّر الموت والمعاد
قال الإمام الصادق: “لم يُكثر عبد ذكر الموت إلّا زهد في الدّنيا”7.
إنّ المداومة على تذكّر الموت والمعاد يحيي القلوب، ويجعلها تزهد في الدّنيا… والعكس صحيح تماماً، فمن أهمّ عوامل الانحراف والعصيان هو الغفلة عن الموت وعن الحساب يوم القيامة. وهذا لا يعني أنّ أيّ تذكّر للموت والمعاد يمكن أن يُصلح سلوك الإنسان ويحرّره من أسر أهوائه وشهواته. ولذلك يجب أن يصل الإنسان إلى مرتبة يكون فيها الموت ذكره الدّائم الملازم له في كلّ الأوقات. وفي كلّ الأحوال تبقى هذه المرتبة أقلّ شأناً ممّا ذكره أمير المؤمنين عند وصفه للمتّقين حيث يقول: “فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنّار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون”8.
- طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
المصادر والمراجع
1-عيون الحكم، ص537
2-المؤمنون:99-100
3-ميزان الحكمة، ج1، ص252
4-القيامة:3
5-ق:14
6-القصص: 83
7-بحار الأنوار، ج79، ص172
8-نهج البلاغة،الشريف الرضي،ج2 ،161