الثورة الحسينية مبادئ وقيم
المقدمة
الهدف الأساس من الثّورة الحسينيّة الخالدة هو نفسه هدف الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وهو الدعوة إلى الله تعالى وإلى عبادته، وترك عبادة الآلهة المصطنعة سواء كانت حجارة أم أناساً من البشر، فكما لا تجوز عبادة الأصنام الحجرية، كذلك لا تجوز عبادة الأصنام البشرية.
وقد أطلق الإمامُ الحسين (عليه السلام) شعار ثورته ونهضته، وهو شعار الإصلاح؛ فقال (عليه السلام) -في وصيته لأخيه محمد ابن الحنفية-: «وأني لم أخرج أشراً ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي (صلَّى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جـدي وأبـي علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحق،
ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين»(1)، وهو نفس الشعار الذي جاء على لسان نبي الله شعيب (عليه السلام): {إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}(2).
والمقصود به هو إصلاح النفس والمجتمع، في الفكر والعقيدة والسلوك والأخلاق، إصلاح كلِّ ما هو فاسد، ولا يكون ذلك إلا بتطبيق نهج النبي (صلَّى الله عليه وآله) ودينه المقدّس، وسيرة الأمير (عليه السلام)، وتحكيم الشرع والدّين في جميع مفاصل الحياة.
فالإصلاح بهذا المعنى يجب أن يكون هدفاً لكلّ من ينتسب إلى الحسين (عليه السلام)، ويريد السير على نهجه المبارك.
الغاية لا تبرر الوسيلة:
ولا بدَّ من أن نعرف أنّ الأسلوب المتّبع للوصول إلى الهدف المقدّس قد أولاه الشرع اهتماماً كبيراً بقدر ذلك الهدف، وحيث إنّنا نتكلم عن ثورة، يعني مواجهة بين طرفين كلّ طرف يريد التغلب على الآخر، فإنّه قد تغيب على الكثير تلك المبادئ والقيم التي يجب أن يتحلّى بها حتى في هذه المعركة بين الحقّ والباطل.
فهناك طرف يحمل هدفاً دنيئاً ودنيوياً وهو الوصول إلى السّلطة والجاه والحكم، فلا يهمّه كيف يصل إلى تحقيق هذا الهدف، بل المهمّ لديه هو حصول الهدف ولو بترك كلّ القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية؛ فهو مستعدّ أن يصبح حيواناً مفترساً لأجل تحقيق هدفه.
بينما الطرف الآخر صاحب الهدف النبيل والكبير لا يناسب هدفه إلا الطريق النظيف؛ لأنّ الهدف أصلاً إنّما يسعى إليه لتثبيت تلك القيم والمبادئ، فالطريق الفاقد لتلك القيم والمبادئ يناقض هدفه من الأساس.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة الوسيلة التي خطبها بعد أسبوع من رحيل المصطفى (صلَّى الله عليه وآله): «هيهات لولا التقى لكنت أدهى العرب»(3)، وقال (عليه السلام) أيضا: «والله ما معاوية بأدهى مني ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة، والله ما أستغفل بالمكيدة، ولا أستغمز بالشديدة»(4).
فهنا يمكن للأمير (عليه السلام) من خلال الغدر أن يتغلب ظاهرياً على معاوية، ويكون حينئذٍ لا فرق بينه وبين معاوية، لكن حاشا الأمير (عليه السلام) ذلك فإنّه إمام المتقين والغدر خلاف التقوى، وإنّما الغدر يناسب الأهداف الخبيثة التي يسعى إليها معاوية ابن آكلة الأكباد، وأمّا الأمير (عليه السلام) الطاهر المطهّر، فلا يناسب أهدافه التي يحملها إلا الطريق الطاهر النظيف.
الإمام الحسين (عليه السلام) على مبادئ جده وأبيه (عليهما السلام):
والثورة الخالدة التي قادها الإمام الحسين (عليه السلام) إنّما انطلقت لإرجاع تلك القيم والمبادئ التي كانت على عهد النبي (صلَّى الله عليه وآله) والأمير (عليه السلام) «وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب (عليهما السلام)»، بخلاف منهج يزيد بن معاوية الذي كان يسير بسيرة أبيه معاوية وجدّه أبي سفيان والحزب الشيطاني المعادي للدين الحنيف؛ حيث يقول (لعنه الله) في ذلك الموقف الدنيء:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لاستهلوا واستطاروا فرحاً
ولقالوا يا يزيد لا تشل
ما أبالي بعد فعلي بهم
نزل الويل عليهم أم رحل
لست من خندف إن لم انتقم
من بني أحمد ما كان فعل
قد قتلنا القرم من أبنائهم
وعدلناه ببدر فاعتدل
فبذاك الشيخ أوصاني به
فانبعث الشيخ في قصد سيل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل(5)
فقارِن بين الهدفين والأسلوبين، ترى الفرق ما بين السماء والأرض، ومن هوان الدنيا أن نقارن بين الطهر المطهّر وبين الخبيث، ولكن ماذا نفعل والأسلوبان والطريقان والهدفان لا زالا باقيين في زماننا؛ لأنّه في الحقيقة صراع بين الحقّ والباطل، وبين الإسلام والكفر.
مبادئ وقيم الثورة الحسينية
كما قلنا لقد احتوت الثّورة المباركة على قيم ومبادئ هي في الحقيقة قِيَم الإسلام ومبادئه، فلنحاول استخراج بعض تلك القيم والمبادئ لتكون لنا منهجاً في الحياة:
الوفاء بالعهد ولو مع الظالم:
من الفوارق الأساسية بين من يحمل المشروع الإسلامي وبين أعداء الإسلام هو الوفاء بالعهد ونقضه، فأهل الباطل لا يفون بأيّ عهد، ومثالهم بني إسرائيل {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(6).
ومثال ذلك في الثورة الحسينية، عندما أمر يزيد (لعنه الله) الوليد والي المدينة أن يأخذ البيعة من الناس عامة ومن الحسين (عليه السلام) وابن الزبير وابن عمر وغيرهم خاصة، فلما حضروا عند الوليد، “بدرهم بالكلام عبد الله بن الزبير فخافه أن يجيبوا بما لا يريد فقال: “إنك وليتنا فوصلت أرحامنا وأحسنت السيرة فينا وقد علمت أن معاوية أراد منا البيعة ليزيد فأبينا ولسنا (نأمن) أن يكون في قلبه علينا ومتى بلغه أنّا لم نبايع إلا في ظلمة ليل وتغلق علينا باباً لم ينتفع هو بذلك، ولكن تصبح وتدعو الناس وتأمرهم ببيعة يزيد ونكون أول من يبايع”، قال (الراوي): وأنا انظر إلى مروان وقد أسرّ إلى الوليد أن اضرب رقابهم، ثمَّ قال جهراً: لا تقبل عذرهم، واضرب رقابهم، فغضب الحسين وقال: «ويلي عليك يا بن الزرقاء! أنت تأمر بضرب عنقي، كذبت ولؤمت، نحن أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة»، فقال الوليد: انصرف يا أبا عبد الله مصاحباً على اسم الله وعونه حتى تغدو عليّ”(7).
والبيعة عهد والإمام كان بمقدوره أن يبايع الوليد ثمّ ينكثها، ولكنه ليس فقط لم يبايع، بل لم يعطِ وعداً بأنّه سيبايع في الغد، بل صرّح (عليه السلام): «ومثلي لا يبايع لمثله»، بخلاف ابن الزبير -وهو محب للسلطة- قال: “ولكن تصبح وتدعو الناس وتأمرهم ببيعة يزيد ونكون أول من يبايع”، مع أنه يعلم بأنه لن يبايع.
وفي رواية أخرى في البحار: “فصار الحسين (عليه السلام) إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليدُ معاوية، فاسترجع الحسين، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين (عليه السلام): «إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سراً حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس»، فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين: «فتصبح وترى رأيك في ذلك»”(8)، وهنا أيضاً لم يعطِ عهدا بالبيعة بل قال نرى في الصباح.
البدء بالحرب:
الإسلام لا يحبّ سفك الدماء، ولكنّه يحثّ أبناءه على بذل دمائهم لحفظ الدين والمبادئ، ويحاول الإسلام استنفاذ كلّ الطرق الأخرى التي يتحقق بها الهدف، وأمّا الحرب والدم فهو العلاج الأخير الاضطراري، ومما يشهد لذلك بعض المواقف من إمامنا الحسين (عليه السلام)، مثلاً في صبح عاشوراء أمر الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه “فأوقدوا في حطبٍ كان وراءهم لأنْ لا يأتيهم العدو من ورائهم فقال شمر: يا حسين تعجلت النار في الدنيا!!! (فقال الحسين: من هذا؟ قالوا: شمر بن ذي الجوشن. فقال الحسين: «أنت تقول هذا يا بن راعية المعزى، أنت والله أولى بها صليا»)، فقال مسلم بن عوسجة: ألا أرميه بسهم؟ قال: لا، إنّي أكره أن أبدأهم”(9).
هذا الكره للبدء بالقتال ليس مجرّد حالة شخصية للإمام (عليه السلام) بل لها منطلقها القيمي والمبدأي، فالإمام (عليه السلام) بهذا الكلام يبيّن قِيَم الإسلام المحبّ للسلام ونبذ الحرب وسفك الدماء، مع أنّه يحقّ له (عليه السلام) أن يبدأ الحرب لأنّه محاصر حصاراً ظالماً من فئة فاسدة من غير مبرر شرعي ولا أخلاقي.
بذل الجهد في النّصيحة وحضور الهدف:
من الطبيعي جداً أنْ نرى الإمام الحسين (عليه السلام) حريصاً على هداية النَّاس حتى أعداءه وفي أحلك الظروف، كيف لا وهو يسير بسيرة من يقول عنه القرآن الكريم: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(10).
والإنسان بطبيعته قد ينسى كلَّ شيء حتى الأهداف النبيلة التي يحملها إذا كان في معركة مع العدو، وكان القتال على الأبواب، ولكن عندما نأتي إلى إمامنا الحسين (عليه السلام) وهو في كربلاء، والأعداء محيطون به وبأهل بيته، نراه (عليه السلام) همّه الأكبر أن يرجع هؤلاء عن غيّهم، وكم خطبة خطبها يُرى فيها الحرص الشديد على هداية أعدائه، مثلا ينقل ابن الأثير في الكامل أنه: “لما رأى أصحاب عمر النار تلتهب في القصب نادى شمر الحسين: تعجّلت النار في الدنيا قبل القيامة! فعرفه الحسين فقال: «أنت أولى بها صليا!» ثمّ ركب الحسين راحلته، وتقدّم إلى الناس، ونادى بصوت عال يسمعه كلّ الناس فقال: «أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتى أعظكم بما يجب لكم علي، وحتى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم علي سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ}(11)، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}(12)… أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثمّ راجعوا أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه، وأولى المؤمنين بالله والمصدق لرسوله؟…»(13).
فهدف الإمام (عليه السلام) من خروجه على حكم الطاغية يزيد (لعنه الله) هو إصلاح الأمّة، ولذلك يسعى (عليه السلام) ويبذل كلَّ ما في وسعه لبيان الطريق الصحيح المنجي لأولئك المغرورين والمخدوعين بالدنيا، ولم يغب عنه (عليه السلام) هذا الهدف وهو على أبواب الحرب والقتال.
وهكذا كانت نفسيات أنصار الإمام (عليه السلام)، فإنَّ لكثير منهم خطباً خطبوها يوم عاشوراء من باب النصيحة والهداية، نختار واحدة منها لنؤكد على أهمية النصيحة للعدو وحضور الهدف العظيم في كلّ الظروف الصعبة، وهي للشهيد العظيم زهير بن القين (رضيَّ الله عنه) فإنه خطب قائلاً:
“يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمّة وأنتم أمّة، إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد (صلَّى الله عليه وآله) لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد، فإنّكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كلّه، ليسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويرقعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهاني بن عروة وأشباهه، قال: فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلماً، فقال لهم: عباد الله وإن ولد فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، قال: فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: اسكت اسكت الله نأمتك، أبرمتنا بكثرة كلامك، فقال له زهير: يا بن البوّال على عقبيه ما إياك أخاطب، إنّما أنت بهيمة، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم، فقال له شمر: إنَّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، قال: أفبالموت تخوّفني؟ فوالله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم، قال: ثمّ أقبل على الناس رافعاً صوته فقال: عباد الله لا يغرنّكم من دينكم هذا الجلف الخافي وأشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد (صلَّى الله عليه وآله) قوما أراقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم، قال: فناداه رجل فقال له: إنّ أبا عبد الله يقول لك: «أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ»”(14).
فانظر إلى حرص زهير وبذله للنصيحة، وهكذا ينبغي أن يكون الهدف حاضراً عند كلّ مؤمن وفي كلّ الظروف، وأن لا ينسى الهدف الأساس فيضيع.
الجانب الإنساني في كربلاء:
لنفس السبب المتقدم -وهو أنّ الهدف الأساس لحركة الإمام (عليه السلام) هو الإصلاح والهداية- نرى أنّ المبادئ الإنسانية حاضرة في تعامل الإمام (عليه السلام) مع أعدائه الذين لا يستحقّون الرحمة والرأفة، وعند مراجعة الأحكام الشرعية المرتبطة بالحرب والقتال سنرى هذه المبادئ موجودة في التعامل مع الأسير والفارّ والمجروح، والتعامل مع النساء والأطفال وكبار السن، وغيرها.
ومثال ذلك في الثّورة الحسينية المقدّسة تعامل الإمام (عليه السلام) مع جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي كان هدفه إجبار الإمام (عليه السلام) على المثول أمام ابن زياد (لعنه الله)، فينقل الشيخ المفيد (رحمه الله) أنّه: “جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين (عليه السلام) في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدوا أسيافهم، فقال الحسين (عليه السلام) لفتيانه: «اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفا»، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر، حتى سقوها كلّها. فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين (عليه السلام) ما بي وبفرسي من العطش قال: «أنخ الراوية»، والراوية عندي السقاء، ثمّ قال: «يا بن أخي أنخ الجمل»، فأنخته، فقال: «اشرب»، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين (عليه السلام): «اخنث السقاء» أي اعطفه، فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي”(15).
وهنا الإمام (عليه السلام) لم ينتظر من القوم طلب الماء، بل بمجرد أن رآهم على تلك الحالة -وهو (عليه السلام) يعلم نيّتهم السيئة في المجيء- طلب من فتيانه أن يسقوا الرجال مع فرسانهم، هذه هي مدرسة الإسلام، وشبيه هذه الحادثة حصلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين من جيش معاوية، حيث كان جيش معاوية مستوليا على الماء فمنعوا جيش الإمام (عليه السلام) من الشرب، وعندما صار الماء تحت تصرّف جيش علي (عليه السلام) أراد أصحابه منع جيش معاوية من الشرب لكي يكون الردّ بالمثل، ولكنّ الأمير (عليه السلام) نهاهم عن ذلك.
الصراحة والوضوح (إنّ المصير هو القتل):
يصعب على القائد أن يصارح أتباعه إذا كان المصير المنتظر مصيرا غير مرغوب به، فلا أحد يرغب في الموت والقتل خصوصا لأهل ذلك الزمان الذين باعوا الدين بالدنيا، والإمام (عليه السلام) سعى لتوضيح هدفه المقدّس حتى يلقي الحجّة على النّاس، وهو يريد منهم اللحاق به والانضمام إلى معسكره ضدّ يزيد، ولكن في نفس الوقت كانت المعركة -حسب علم الإمام (عليه السلام)- تتطلب أنصارا من نوع خاص وأي شخص متردد أو صاحب هدف دنيوي فإنّه قد يضر بالثورة وأهدافها العظمى، لذلك من اليوم الأوّل الذي قرّر فيه الإمام (عليه السلام) المسير إلى كربلاء وهو في وسط تجمّع إسلامي كبير وهو موسم الحج بيّن للناس بشكل واضح وصريح لا يحتمل اللبس: «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا، وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، فيوفينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وتنجز لهم وعده، من كان فينا باذلا مهجته، موطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحا إنشاء الله»( 16).
ولا نتعجّب من النّاس الهمج الذين كانوا يسمعون هذا الخطاب من سيّد شباب أهل الجنّة (عليه السلام) ثمّ لا يلتحقوا به، وهم يعلمون جيّداً أنّ إخباره (عليه السلام) عين الصّدق والحقيقة، فكم شخص لحق بالحسين (عليه السلام)؟ والمفترض أنّ عدد النّاس كبير جدا حيث موسم الحج!! فليس أهل الكوفة فقط خذلوا إمامهم، بل كلّ الدنيا خذلته عدا ثلة قليلة من المؤمنين.
القيادة والانقياد:
من الأمور المهمّة جدا التي عكستها واقعة كربلاء وما صاحبها من مواقف هو حالة التسليم المطلق من قبل أصحاب الإمام (عليه السلام)، فلو فتّشنا في مواقف الأصحاب فلن نجدهم يقترحون شيئا على الإمام (عليه السلام) فضلا عن المعارضة والاستنكار، بعكس مجموعة من المؤمنين المحبين للإمام (عليه السلام) حيث اقترحوا عليه أن لا يذهب إلى الكوفة كابن الحنفية أو ابن عباس.
ومن الأمور الدّالة على ذلك مثلا هي استئذانهم يوم عاشوراء للمبارزة، حيث لم يبرز أحد منهم إلا بعد استئذان الإمام (عليه السلام) مع أنّهم يعيشون حالة حرب، ولكنّهم (رضوان الله عليهم) كانوا يعتبرون أنفسهم ملكا لسيدهم ومولاهم الحسين (عليه السلام) فلا تجوز أيُّ حركة إلا بإذنه.
ومما نقل في ذلك مثلا: استئذان برير كما يرويه الصدوق في أماليه أنّه: “بلغ العطش من الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فدخل عليه رجل من شيعته يقال له: برير بن خضير الهمداني… فقال: يا بن رسول الله، أتأذن لي فأخرج إليهم، فأكلّمهم. فأذن له فخرج إليهم، فقال: يا معشر النّاس، إنّ الله (عزَّ وجلَّ) بعث محمدا (صلَّى الله عليه وآله) بالحقّ بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه. فقالوا: يا برير، قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله”(17).
فنرى هنا برير(رضوان الله عليه) يستأذن الإمام (عليه السلام) حتى لموعظة القوم ونصحهم!! وهكذا بقيّة الأصحاب لمن قرأ واقعة كربلاء وتمعّن في كثير من مواقف هذه الصفوة، وهذا ما تحتاجه الأمّة اليوم في التعامل مع قادتها وعلمائها إذا ما أرادت الفلاح والنّجاح في الدنيا والآخرة.
وفي موقف آخر لأبي الفضل العباس (عليه السلام) حيث قال له أخوه الحسين (عليه السلام) -حينما جاء جماعة من جيش ابن سعد-: «يا أخي أتاك القوم»، فنهض ثمّ قال: «يا عباس، اركب -بنفسي أنت يا أخي- حتى تلقاهم وتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عما جاء بهم». فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا، منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تريدون؟ قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا وقالوا: القه فأعلمه، ثمّ القنا بما يقول لك”(18).
نرى هنا العباس (عليه السلام) رغم عظمته ومعرفته بالجواب الذي يجب أن يقال للقوم إلا أنّه قال لهم: أرجع وأنظر ما يقوله الإمام الحسين (عليه السلام).
العلاقة الحميمة بينه (عليه السلام) وبين أصحابه(رضوان الله عليهم):
لا يمكننا أن نتصوّر عمق العلاقة التي كانت بين الإمام (عليه السلام) وبين أصحابه، فهي ليست مجرد علاقة تابع ومتبوع، ولم تنطلق هذه العلاقة من مجرّد المسؤولية الشرعية بوجوب نصرة الإمام (عليه السلام)، بل هي أعمق وأعمق من ذلك. ولتقريب ذلك نضرب مثالا بعلاقة المؤمن بالصلاة، فهناك من يصلي لأنّ الصلاة تكليف واجب متوجه إليه ولا سبيل إلا الامتثال، بينما المؤمن الحقيقي يعشق الصلاة لأنها لقاء مع المحبوب، كذلك كان أصحابُ الحسين (عليه السلام) حيث كانوا ينطلقون من باب العشق. والأمثلة في كربلاء كثيرة بعدد أصحابه (عليه السلام) وأكثر.
في كتاب العوالم أنّ عبدالله وعبدالرحمن الغفاريان جاءا إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، “فقالا: يا أبا عبد الله السلام عليك، إنّه جئنا لنقتل بين يديك، وندفع عنك، فقال: «مرحبا بكما ادنوا مني»، فدنوا منه وهما يبكيان، فقال: «يا ابني أخي ما يبكيكما؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين»، فقالا: جعلنا الله فداك والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك، فقال (عليه السلام): «جزاكم الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين». ثمّ استقدما وقالا: السلام عليك يا بن رسول الله، فقال: «وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته» فقاتلا حتى قتلا”(19).
ففي هذه القصة القصيرة إشارات مهمّة لكلّ من يريد الجهاد في شتى الميادين، حيث إنّ المنطلق يجب أنْ يكون هو عشق المعصوم (عليه السلام) وأنّ الحزن على القائد مقدّم على الحزن على النفس، وفي المقابل نرى الإمام (عليه السلام) يبادل أتباعه نفس المشاعر؛ فيبدي لهم حبّه لهم، وحرصه على مستقبلهم الأخروي.
وفي موقف آخر “خرج مسلم بن عوسجة فبالغ في الجهاد، وصبر على الجلاد، حتى سقط وبه رمق فرقّ له الحسين، وقال: «رحمك الله يا مسلم، {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة»، فقال له قولا ضعيفا: بشرك الله بخير، فقال حبيب: لولا أني في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بما يهمك، فقال: أوصيك بهذا، يعني الحسين (عليه السلام)”(20).
وجاء في كتاب إبصار العين في أنصار الحسين (عليه السلام): “كان واضح غلاما تركيا شجاعا قارئا، وكان للحرث السلماني. فجاء مع جنادة ابن الحرث للحسين (عليه السلام) كما ذكره صاحب الحدائق الوردية، والذي أظنّ أنّ واضحاً هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل: أنّه برز يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلا بسيفه وهو يقول:
البحر من ضربي وطعني يصطلي
والجو من عثير نقعي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلي
ينشق قلب الحاسد المبجلِ
قالوا: ولمّا قتل استغاث، فانقضّ عليه الحسين (عليه السلام) واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال: من مثلي وابن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) واضع خدّه على خدّي، ثمّ فاضت نفسه (رضيَّ الله عنه)”(21).
الغيرة:
عن الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله): «كان إبراهيم (عليه السلام) غيورا، وأنا أغير منه، وجدع الله أنف من لا يغار من المؤمنين والمسلمين»(22). وعن علي (عليه السلام): «إنّ الله يغار للمؤمن فليغر، ومن لا يغار فإنّه منكوس القلب»(23).
بمقتضى هذين الحديثين وغيرهما تكون الغيرة من القيم الإسلامية والإيمانية المهمّة التي يجب أن يراجع فيها المؤمن نفسه، وقد اسخدم أعداء الدين التعدّي على الأعراض سلاحا في مواجهة المؤمنين الغيورين، وهذا ما نراه في زماننا عند كلّ نظام ظالم متوحش فاقد للقيم، وهذا كان هو نهج بنو أمية (لعنهم الله)، وفي المقابل نرى الشهامة والغيرة الحسينية في أحلك الظروف، منها على سبيل المثال في يوم عاشوراء عندما أقحم الإمام الحسين (عليه السلام) فرسه على الفرات، “فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال (عليه السلام): «أنت عطشان وأنا عطشان، والله لا ذقتُ الماء حتى تشرب»، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين (عليه السلام) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام، فقال الحسين (عليه السلام): «فأنا أشرب»، فمدّ الحسين (عليه السلام) يده فغرف من الماء، فقال فارس: يا أبا عبد الله تتلذذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم، فكشفهم فإذا الخيمة سالمة”(24).
هل كان الإمام (عليه السلام) يجهل أنّ الأمر مكيدة؟ بالطبع لا، ولكن أراد (عليه السلام) أن يظهر للناس مدى غيرته على حريمه، وإلا لو شرب الماء وتجاهل قول ذلك الفارس لقيل بأنّ الإمام (عليه السلام) لا غيرة له.
وفي موقف آخر أقسى من هذا الموقف عندما كان الحسين (عليه السلام) وسط المعركة في حال يرثى لها، فأرادوا التعرض لنسائه، “فصاح بهم: «ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعرابا»، فناداه شمر فقال: ما تقول يا بن فاطمة؟ قال: «أقول: أنا الذي أقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا»، فقال شمر: لك هذا، ثم صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفو كريم، قال: فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلوه عنه”(25).
العبادة:
إذا كانت العبادة هي الهدف من خلق الإنسان، وكان الهدف الأساس لبعث الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) -كما تقدم- هو الدعوة لعبادة الله وحده، فلا يمكن حينئذٍ أن يغفل النبي أو الإمام عن هذا الهدف الكبير في أيّ مفصل من مفاصل الدعوة والحركة، وهناك من الناس من يتغافل عن هذا الهدف المقدّس بحجّة أنّ هناك أهدافاً أهمّ في ظروف معينة، كما نراه عند بعض السياسيين أو المشتغلين في الجانب الاجتماعي، ولكن هذه الحجج والدعاوى مهما كانت فإنّها تدلّ إمّا على الجهل وقلة الوعي بالأهداف الإسلامية أو على ابتعاد أصحابها عن الدين والتديّن.
ولو راجعنا سيرة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) جميعا فسوف نجدهم أعلى الناس عبادة وانقطاعا إلى الله تعالى، وسنجد هذه العبارة تتكرر “أعبد أهل زمانه”، وهذه أيضا كانت سيرة العلماء الربانيين كالسيد روح الله الموسوي الخميني (رضوان الله تعالى عليه).
وأمّا التعلّل بعدم وجود الوقت وكثرة الأشغال المهمّة، فجوابه أنّ مسؤوليات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وكذلك العلماء أكثر بمرّات عديدة.
وقدوتنا في هذه المسألة هم المعصومون (عليه السلام) ومنهم إمامنا الحسين (عليه السلام) وأصحابه، حيث يجدر بنا التّأمل في حالهم قبل كربلاء وفي كربلاء خصوصا في ليلة عاشوراء، حيث إنّه لمّا أراد ابن سعد البدء بالقتال يوم التاسع فأرسل الإمام (عليه السلام) أخاه العباس (عليه السلام) وقال له: “ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة وتدفعهم عنّا العشية، لعلّنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، والدعاء والاستغفار”(26).
وقد ورد أنه “لمّا أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون”(27). وهذا يعني أنّهم لم يناموا تلك الليلة لأنهم كانوا مشتغلين بالعبادة حباّ لله تعالى.
وفي رواية أخرى “بات الحسين وأصحابه تلك الليلة، ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبَر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلا”(28). وهذا يعني أن الاثنين والثلاثين رجلا تأثّروا بعبادة معسكر الحسين (عليه السلام) فالتحقوا به.
ولا ننسى أنّ الإمام (عليه السلام) صلّى ظهر عاشوراء وسط السهام والنبال، وقد سقط بعض الشهداء دفاعا عن صلاة الحسين (عليه السلام)، وهذا يدعونا للتأمّل جيدا في أولوياتنا عندما نتحرّك في شتى الميادين، خصوصا أنّنا ندّعي أنّنا أتباع مدرسة كربلاء.
فقد ورد أنّ أبا ثمامة الصيداوي “قال للحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحبّ أن ألقى الله ربي وقد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: «ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أوّل وقتها» ثمّ قال: «سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلي»، فقال الحصين بن نمير: إنها لا تقبل، فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا ختّار، فحمل عليه حصين بن نمير وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبّ به الفرس ووقع عنه الحصين، فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه، فقال الحسين (عليه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: «تقدّما أمامي حتى أصلّي الظهر» فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف”(29).
وهكذا كان أصحاب الإمام (عليه السلام) في كربلا، وهو الذي يقول عنهم: «اللهمّ إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي»(30).
هذه مجموعة مختارة من القيم والمبادئ في الثّورة الحسينية المقدّسة ذكرناها باختصار، وهناك كثير من هذه القيم والمبادئ لم نذكرها، ويمكن للإنسان أن يفحص ويتأمل في هذه الثورة فإنه سيجد كثيرا من الكنوز والمبادئ المهمة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
المصادر والهوامش
- (1) البحار، ج44، ص329.
- (2) هود: 88.
- (3) الكافي، ج8، ص24.
- (4) نهج البلاغة، ج2، ص180.
- (5) روضة الواعظين، ص191.
- (6) البقرة: 100.
- (7) مثير الأحزان لابن نما، ص14.
- (8) البحار، ج44، ص324.
- (9) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن الدمشقي، ج2، ص284-285.
- (10) فاطر: 8.
- (11) يونس: 71.
- (12) الأعراف: 196.
- (13) الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج4، ص61.
- (14) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص120.
- (15) الإرشاد للشيخ المفيد (رحمه الله)، ج2، ص78.
- (16) البحار، ج44، ص366-367.
- (17) أمالي الشيخ الصدوق، ص222، وفي روضة الواعظين، ص185، المستأذن هو يزيد بن الحصينالهمداني.
- (18) الإرشاد، ج2، ص90.
- (19) العوالم، الإمام الحسين (عليه السلام) للشيخ عبد الله البحراني، ص273.
- (20) مثير الأحزان لابن نما الحلي، ج47.
- (21) أبصار العين في أنصار الحسين (عليه السلام) للسماوي، ص145.
- (22) الكافي، ج5، ص536.
- (23) الوسائل، ج20، ص238.
- (24) البحار، ج45، ص51.
- (25) البحار، ج45، ص51.
- (26) الإرشاد، ج2، ص91.
- (27) مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، لأبي مخنف، ص112.
- (28) البحار، ج44، ص394.
- (29) البحار، ج45، ص21.
- (30) أمالي الصدوق، ص220.