ثقافة

كيف تنفق في سبيل الله حال الفقر؟

يقول تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء…).

تتعرض هذه الآية لذكر صفة أساسية من صفات المتقين وهي صفة الإنفاق. فالمتقون ينفقون أموالهم في جميع الأحوال، في الشدة والرخاء، في السراء والضراء. وهم بهذا العمل يثبتون روح التعاطف مع الآخرين، وحب الخير الذي تغلغل في نفوسهم، ولهذا فهم يقدمون على هذا العمل الصالح والخطوة الإنسانية في جميع الظروف والأحوال. ولا شك أن الإنفاق في حال الرخاء فقط لا يدل على التغلغل الكامل للصفات الإنسانية في أعماق الروح وإنما يدل على ذلك إذا أقدم الإنسان على الإنفاق والبذل في مختلف الظروف وفي جميع الأحوال، فإن ذلك مما يدل على تجذر تلك الصفة في النفوس. يمكن أن يقال: وكيف يمكن للإنسان أن ينفق عندما يكون فقيرا؟ والجواب واضح تمام الوضوح:

أولا: لأن الفقراء يمكنهم إنفاق ما يستطيعون عليه، فليس للإنفاق حد معين لا في القلة ولا في الكثرة.

وثانيا: لأن الإنفاق لا ينحصر في بذل المال والثروة فحسب، إذ للإنسان أن ينفق من كل ما وهبه الله، ثروة كان أو علما أو جاها أو غير ذلك من المواهب الإلهية الأخرى. وبهذا يريد الله سبحانه أن يركز روح التضحية والعطاء، والبذل والسخاء حتى في نفوس الفقراء والمقلين حتى يبقوا – بذلك – في منأى عن الرذائل الأخلاقية التي تنشأ من ” البخل “.

إن الذين يستصغرون الإنفاقات القليلة في سبيل الله ويحتقرونها إنما يذهبون هذا المذهب، لأنهم حسبوا لكل واحد منها حسابا مستقلا وخاصا، ولو أنهم ضموا هذه الإنفاقات الجزئية بعضها إلى بعض، ودرسوها مجتمعة لتغيرت نظرتهم هذه. فلو أن كل واحد من أهل قطر من الأقطار – فقراء وأغنياء – قدم مبلغا صغيرا لمساعدة الآخرين من عباد الله، ولتقدم الأهداف والمشاريع الاجتماعية، لاستطاعوا أن يقوموا بأعمال ضخمة وكبيرة، مضافا إلى ما يجنونه من هذا العمل من آثار معنوية لا ترتبط بحجم الإنفاق، وتعود إلى المنفق في كل حال.

والملفت للنظر هو أن أول صفة ذكرت للمتقين هنا هو “الإنفاق” لأن هذه الآيات تذكر – في الحقيقة – ما يقابل الصفات التي ذكرت للمرابين والمستغلين في الآيات السابقة. هذا مضافا إلى أن غض النظر عن المال والثروة في السراء والضراء من أبرز علائم التقوى.


الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – بتصرّف

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى