الإسلام والمشكلة الاقتصادية
لم تكن المشكلة الإقتصادية يوماً، مشكلة قائمة بذاتها، ومنفصلة عن المشكلة الإنسانية العامة، فقد كانت المشكلة الإنسانية والإجتماعية منذ أمد بعيد، حين تشكلت الجماعة، تتمثل في تحديد النظام الإجتماعي الأمثل للإنسان والذي يصل بواسطته إلى الطمأنينة والسعادة الحقيقية ويرتقي من خلاله نحو الأفضل.
وقد سعى الإنسان بكل جهد وطاقة وبما يملك من قوة العقل والتفكير لإقامة هذا النظام الإجتماعي الأمثل، وكان الثمن باهظاً في معظم المراحل التاريخية رغم الخبرات المكتسبة والمتزايدة لتجاربه الاجتماعية، ولم يصل إلى الهدف المنشود لولا نور النبوة والوحي الإلهي الذي أضاء طريق البشرية بين الحين والاخر.
والمشكلة الإقتصادية للإنسان تشكل جزءاً من هذه المشكلة الإنسانية العامة، إذ الإقتصاد يمثل جانباً من شؤون حياة الإنسان لا كلها. غير أن تحديد هوية وحقيقة هذه المشكلة كانت ولا زالت نقطة اختلاف الأفكار والاراء.
فالرأسماية تعتبر أن المشكلة الإقتصادية هي قلة الموارد الطبيعية نسبياً، نظراً إلى محدودية الطبيعة نفسها والتي لا تفي بالحاجات المادية الحياتية للإنسان، التي تبدو في تزايد مستمر، فتنشأ المشكلة حول كيفية التوفيق بين الإمكانات الطبيعية المحدودة والحاجات الإنسانية المتزايدة، والنظام الذي يكفل هذا التوفيق، في حين أن الماركسية تؤمن بأن المشكلة الإقتصادية تتمثل بالتناقض المستمر بين الشكل والنظام الذي يتم به الانتاج في المجتمع وبين نظام التوزيع الذي هو النظام الإجتماعي والذي بواسطته يتم تقسيم وتوزيع الثروات المنتجة، في حين أن المفروض أن يتطور النظام الإجتماعي (نظام التوزيع) مع كل تطور يحصل في نظام الإنتاج. ومن هنا تطرح الماركسية الحل بإلغاء التناقض بين الشكلين وإحلال التوافق بينهما فتزول المشكلة.
وأما الإسلام فإنه يكشف عن حقيقة المشكلة بنحو اخر، وبخلاف ما تطرحه الرأسمالية والماركسية أو غيرهما، فالمشكلة لا تكمن في قلة الموارد الطبيعية حتى لا تكون قادرة على الوفاء بالحاجات الإنسانية المتزايدة، ولا في التناقض بين نظامي الإنتاج والتوزيع، وإنما في الإنسان نفسه ومع الحقيقة التي يكشف عنها القران الكريم بقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الذي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخّرَ لَكُمْ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخّرَ لَكُمْ الأنْهَارَ وَسَخّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والقَمَرَ دَائِبَينِ وَسَخّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ والنَّهَارَ * وَأَتَاكُمْ مِن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾1.
فهو تعالى، بعد ما ذكر التسخير الشامل للكون بين يدي الانسان وصفه بوصفين: الظلم والكفر، وقد ذكر المفسرون أن الظلم هنا هو منع الحق والإسراف والتبذير ونحوه، والكفر هو ترك الشكر على هذه النعم.
ويعلق السيد الشهيد الصدر قدس سره قائلاً: “فظلم الإنسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الإلهية هما السببان الأساسيان للمشكلة الإقتصادية في حياة الإنسان، ويتجسد ظلم الإنسان على الصعيد الإقتصادي في سوء التوزيع ويتجسّد كفرانه بالنعمة في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها”.
ماذا نعني بالإقتصاد الإسلامي؟
هناك فرق بين المذهب الإقتصادي وعلم الإقتصاد، وهذا التمييز الذي يتيح فهم عنوان الإقتصاد الإسلامي وما المقصود به.
فالمذهب الإقتصادي هو الذي يقدم الطريقة المثلى من وجهة نظره لتنظيم الحياة الإقتصادية على ضوء مجموعة من المفاهيم العامة والتشريعات للوصول الى العدالة المنشودة، وعلى هذا الأساس، فإن وظيفة المذهب هي تقييم وتغيير الواقع، وأما علم الإقتصاد فهو يبحث في الواقع الإقتصادي القائم ليكشف عما يجري فيه، فيحدد قوانينه والعلاقات الاقتصادية القائمة والظواهر وأسبابها، سواء كانت طبيعية كظاهرة تناقص الغلة، أو اجتماعية كظاهرة انخفاض الأسعار.
ويمكن أن يبدأ العلم الإقتصادي من فرضيات فكرية ومذهبية معينة لتوقع سلسلة الأحداث الاقتصادية المترتبة عليها، والاتجاه الاقتصادي العام.
ومن هنا يفهم، أن العلم الاقتصادي يأتي في مرحلة متأخرة عن المذهب الإقتصادي سواء كان قائماً في الواقع أم لا.
وبناءاً على ما تقدم، يتضح أن المقصود بالاقتصاد الإسلامي هو المذهب الاقتصادي وأما علم الاقتصاد الاسلامي فإنه وإن كان من الممكن تشكله في زمن غياب التطبيق الاجتماعي الشامل للإسلام، إلاّ أن نتائجه لن تكون دقيقة، وبالتالي فإننا نحتاج إلى واقع اقتصادي محسوس تجري فيه تجميع الوقائع ودراستها وملاحقات العلاقات القائمة بينها بشكل علمي وموضوعي دقيق لإستنتاج القوانين التي تحكمها. والأمل معقود على تجربة الجمهورية الاسلامية في إيران التي تسعى في هذا السبيل لإقامة المجتمع الاسلامي المعاصر.
- الإقتصاد الإسلامي، سلسلة المعارف الإسلامية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية