ثقافة

لحظة شروق

في الوقت الراهن، إذا تأملنا بهدوء، نجد بأن القضية الفلسطينية والمنطقة بأكملها، تمر بمنعطف تاريخي خطير جداً، وأن الشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة، والشعوب الإسلامية تمر بامتحان عسير، وقد شبهت الحالة التي نمر بها الآن، وكأننا ننتظر لحظة شروق، من وراء ليل مظلم دامس عصيب ورهيب، فيه رعد وبرق وعواصف، أو كأننا ننتظر لحظة ولادة بعد مخاص عسير جداً.

لنتعرف بداية على القضية الفلسطينية، وماذا تعني بالنسبة لنا. القضية الفلسطينية تعني ثلاثة أمور: أرض مغتصبة.. مقدسات تدنس.. شعب مظلوم.

الأمر الأول: أن هناك أرضاً إسلامية مغتصبة، وأن هذه الأرض اغتصبت بقوة السلاح، والتكليف الشرعي الذي أجمع عليه فقهاء الإسلام، وجوب تحرير هذه الأرض، ولا يجوز التخلي عن شبر واحد منها.

الأمر الثاني: أن هناك مقدسات إسلامية، عظيمة الشأن، رفيعة المكانة، تتعرض للتدنيس والإهانة كل يوم، هذه المقدسات هي بعض من تراث الأنبياء العظام، وهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وموسى وسليمان وداود، وعيسى بن مريم وزكريا ويحيى، والنبي محمد(ص)، وأن الله جل جلاله قد وضع هذا التراث أمانة في أعناق المسلمين، ويجب على المسلمين حماية المقدسات والدفاع عنها، وبذل الأنفس الغالية رخيصة في سبيلها.

الأمر الثالث: أن هناك شعباً مسلماً مظلوماً، وأن بعض هذا الشعب أخرج بالقوة، وبغير وجه حق، والبعض الآخر يكافح من أجل تحرير الأرض، ومن أجل حماية المقدسات، ويجب على المسلمين كافة أن يقدموا الدعم والمساندة له، وأن ينصروا هذا الشعب.

أمريكا شريكة الصهاينة

هذه الجرائم الثلاث، احتلال الأرض واغتصابها، وتدنيس المقدسات، وظلم الشعب الفلسطيني، تحدث على يد عصابة صهيونية، لا تؤمن بشيء من المبادئ الإنسانية، ولا تحترم شيئاً من القوانين الدولية، ولا تؤمن إلا بالقوة، وهي تحظى بدعم غير محدود، من أمريكا والغرب، وفق تحالف استراتيجي بين الصليبية والصهيونية، ولا أقول بين المسيحية واليهودية، لأن المسيحية بريئة من الصليبية، واليهودية بريئة من الصهيونية، فالصليبية والصهيونية حركات سياسية توظف الدين لأغراضها السياسية، ونحن نعلم يقيناً بأن أمريكا خاصة، شريكة للكيان الصهيوني في كل جرائمه، فهي شريكة له في اغتصاب الأرض، وتدنيس المقدسات، وظلم الشعب الفلسطيني، وكل ما يصيب الشعب الفلسطيني من ظلم، أمريكا شريكة فيه، وبوش شريك كامل لشارون في تحمل مسئولية هذه الجرائم، وعداءنا للكيان الصهيوني، لا يختلف عن عدائنا لأمريكا في شيء.

هذا هو حال الأنظمة العربية

وإذا جئنا للأنظمة العربية، نرى أنها تهمش الدين الإسلامي، وتحاول إبعاده وعزله عن الساحة، وهي تقوم بممارسة الكبت والتقييد لحركة الشعوب، ولا ترتبط بها برباط، كما أن الحكم عندها ليس وسيلة لخدمة الناس، وإنما الحكم هدف وغاية، ومن أجله تمارس التسلط والكبت، وترتبط بإرادة الأجنبي ومصالحه، وتقوم بالدفاع عنها على حساب مصالح وإرادة الشعوب.. هذا هو حال الأنظمة العربية.

بين خيارين

وعلى صعيد القضية الفلسطينية، نملك خيارين، خيار ما يسمى بالصلح، وهو في الواقع خيار استسلام، ففي القواميس السياسية، يقسمون اتفاقية الصلح إلى قسمين، اتفاقية مفروضة، وهي في الحقيقة وثيقة استسلام، وهناك اتفاقية تفاوضية، أي أن يحصل تفاوض بين طرفين، ويعقد الصلح بناء على هذا التفاوض، واتفاقية السلام الموجودة بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين ليست تفاوضية، وإنما وثيقة استسلام، تريد أن تفرضها أمريكا والكيان الصهيوني عليهم، فالخيار الأول هو خيار الاستسلام، أما الخيار الثاني، فهو خيار المقاومة والانتفاضة من أجل تحرير الأرض، والدفاع عن المقدسات، ومناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم وإعطائه حقوقه.

ميئوس منها

الأنظمة العربية وفق التعريف السابق، تميل لخيار الاستسلام، والشعوب تميل لخيار المقاومة، ومن الواضح للجميع، أن الشعوب يائسة من أن يكون للحكام دور في تحرير فلسطين، ودائماً ما يكون دور الحكام دوراً سيئاً في خدمة القضية الفلسطينية، منذ بدايتها حتى الآن، إذن فالمعوَّل في تحرير الأرض، وحماية المقدسات الإسلامية، ونصرة الشعب الفلسطيني على الشعوب، ومن هنا جاء يوم القدس، جاء من أجل تفعيل دور الشعوب، وخلق التوازن بينها وبين الأنظمة من أجل خدمة القضية الفلسطينية، فما الذي يعنيه يوم القدس؟ يوم القدس العالمي يعني عدة أمور:

أولاً: أنه يوم الإسلام، لأن من خلال يوم القدس، تطرح الرؤية الإسلامية، بشأن مناهضة قوى الظلم والبغي، وتحرير الأرض، وحماية المقدسات، والدفاع عن المظلومين، ومن خلال يوم القدس تتضح قدرة الإسلام على حشد الجماهير، وتفعيل دورها في الساحة، فيوم القدس هو يوم المستضعفين، والقضية ليست قضية القدس خاصة، وإنما يوم القدس يريد أن يقول للمستضعفين أنكم تستطيعون أن تقلبوا المعادلة، وتكسروا جماجم المستكبرين.

ثانياً: يوم القدس يعني أن الشعوب المستضعفة تقول أنه لا للمستكبرين ولا للطواغيت بعد هذا اليوم، لأن في يوم القدس تحقيق أرادة المستضعفين، وإعطاؤهم الأمل بالنصر.

ثالثاً: يوم القدس يعني دعم الانتفاضة الفلسطينية، ودعم خيار المقاومة والتحرير.

رابعاً: يوم القدس يعني الالتزام بالثوابت، وعدم الرضوخ للأمر الواقع، إيماناً بقوله تعالى: <وَتِلْكَ الْأَيݧَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ>[1] وهذا يعني أن تحرير القدس ممكن، ويمكن للهزيمة أن تتحول إلى نصر، والضعف إلى قوة، والفقر إلى غنى.

أهداف يوم القدس

كما أن يوم القدس له عدة أهداف: أسلمة.. توظيف.. خلق توازن.. توحيد.

الهدف الأول:

أسلمة القضية الفلسطينية، وهذا يعني توسيع دائرة الاهتمام بها، لأن القضية الفلسطينية ليست قضية وطنية تخص الفلسطينيين لوحدهم، وليست قضية قومية تخص العرب لوحدهم، وإنما هي قضية إسلامية تهم كل المسلمين في العالم.

الهدف الثاني:

توظيف المشاعر الدينية لخدمة القضايا العادلة على أرض الواقع، سواء كانت قضايا ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، فالإسلام منهج حياة، ويريد أن يغير الواقع ويطوره، ويوظف المشاعر الدينية لخدمة قضاياه، ففي شهر رمضان المبارك، وفي يوم الجمعة خاصة، ومن خلال الشعور الديني الذي يتولد من الصيام، ومن قدسية رمضان وقدسية يوم الجمعة، يمكن توظيف هذه المشاعر الدينية لخدمة القضية الفلسطينية، وبالتالي توظيفها لخدمة كل القضايا العادلة.

الهدف الثالث:

يوم القدس يريد أن يفعل دور الشعوب، ويخلق التوازن بينها وبين الأنظمة، فالأنظمة في حالة عجز، وميئوس منها في خدمة القضية الفلسطينية، وكل الأمل معقود على الشعوب، والأنظمة تحاول أن تكبل وتقيد وتلجم الشعوب، وقد ذكرت بأن الأسلحة السياسية التي تستخدمها الأنظمة في ضرب القضية الفلسطينية، وضرب قضايا الشعوب، ليست أقل وطأة من سيوف الأعداء، ويأتي يوم القدس ليفك هذه القيود، ويحرر الشعوب، ومن ثم يصبح تحرير فلسطين على أيدي الشعوب أمراً ممكناً، من خلال تفعيل دور الشعوب، ومساعدتها على فك القيود، والتمرد على الأنظمة والحكومات، التي تحاول أن تضعف دورها، وتمنعها من تحرير الأرض الإسلامية المغتصبة.

الهدف الرابع:

توحيد الصفوف الإسلامية، فقضية يوم القدس يجمع عليها كل العرب وكل المسلمين، وهي تصلح كإطار لخلق الوحدة الوطنية، ويمكن من خلالها البحث عن قضايا مماثلة، يجمع عليها كل العرب والمسلمين، لتكون إطارا لتوحيدهم.

المواجهة الشاملة

في النهاية، فإن المواجهة مع العدو مواجهة شاملة، فهي مواجهة عسكرية وسياسية، واقتصادية، وثقافية، وكل فعالية تقام في سبيل نصرة الشعب الفلسطيني، من مهرجانات، واحتفالات، ومسيرات، هي فعاليات نافعة ومطلوبة لخدمة القضية الفلسطينية.


[1]– آل عمران: 140

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى