تقارير سياسية

يوم نكبة فلسطين وقيام الكيان المؤقت .. لعب بالنار سيجر المنطقة للتصعيد

في الخامس عشر من شهر مايو (أيار) من كل عام تتصارع ثقافتان على أرضٍ واحدةٍ، الأولى تعد هذا اليوم ذكرى مأساوية في تاريخ الشعب الفلسطيني من جراء احتلال أرضه من طرف القوات الإسرائيلية، لذا تسميه بـ«عام النكبة»، وفي المقابل يحتفل الاحتلال الإسرائيلي بهذا اليوم ويطلق عليه «عيد الاستقلال» وهو ترجمة لعبارة «يوم هعتسماؤت» العبرية، الذي شهد استيلاء الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين.

فبينما تجهز الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين للاحتفال بعيد الاستقلال نظم فلسطينيو الأراضي المحتلة (عرب 1948) اليوم مسيرة للمطالبة بحقهم في العودة لأرضهم في قرية «ميعار» التابعة لقضاء مدينة عكا المحتلة المهجرة، وذلك بالتزامن مع إحياء ذكرى تهجير أهالي القرية في الخامس من مايو (أيار) 1948.

وتقدم المسيرة قيادات الحركات والأحزاب السياسية والقوى الوطنية وعدد من نواب القائمة المشتركة ولجنة المتابعة واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، إلى جانب مشاركة واسعة من عائلات المهجرين في البلاد، وجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، لتأتي المسيرة في ظروفٍ قاسيةٍ يمر بها الشعب الفلسطيني في الداخل والضفة الغربية وقطاع غزة، من هجمة عنصرية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، خصوصًا الاعتداء على المسجد الأقصى والاعتداءات الجسدية وهجمة الاعتقالات الإدارية والسجن الفعلي للشباب الفلسطينيين، وهكذا فقد كان يوم الاستقلال الإسرائيلي (يوم هعتسماؤت) هو يوم كارثي في تاريخ الفلسطينيين، فكيف حدث ذلك؟

تاريخ لابد منه.. الانتداب البريطاني وقيام الكيان الإسرائيلي

في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1947 اقترحت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين لدولتين يهودية وعربية، وكان اليهود يشكلون ثلث السكان آنذاك، ويسيطرون على مساحة أقل من 6% من إجمالي مساحة دولة فلسطين، ومع ذلك خصصت لهم الأمم المتحدة 55% من مساحة الدولة، وبالتالي قوبل القرار بالرفض الفلسطيني، وفي المقابل، وافقت الحركة الصهيونية على خطة التقسيم، لتضفي شرعيةً على تأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين.

ومع بداية عام 1948 بدأت العملية العسكرية الصهيونية السيطرة على المدن الفلسطينية، والتي أسفرت عن مجازر جماعية مروعة بحق الفلسطينيين، إذ تلخصت رسالة الصهيونية في: «إما أن يغادر الفلسطينيون أراضيهم، أو سنقتلهم».

بينما قرر البريطانيون إنهاء فترة انتدابهم لفلسطين يوم 14 مايو (أيار) 1948 وهو اليوم الذي أعلن فيه ديفيد بن جوريون، رئيس الوكالة الصهيونية، إقامة الكيان الصهيوني؛ وليصبح الفلسطينيون بلا دولة بين ليلةٍ وضحاها، إذ أسس اعتراف الأمم المتحدة بحق اليهود في إقامة دولة إسرائيلية على أرض فلسطين، بداية بناء الكيان الصهيوني، عقب اجتماع أعضاء مجلس الشعب (من ممثلي اليهود وممثلي الحركة الصهيونية) في يوم 14 مايو (أيار) 1948 الموافق للسادس من مايو عام ‎5708 حسب التقويم العبري؛ إذ أعلن المجلس إقامة دولة لليهود فيما عرف في الكيان الصهيوني بـ«يوم هعتسماؤت». 

«يوم هعتسماؤت».. فرحةٌ للأعداء ونكبةٌ للفلسطينيين

سادت أجواء ضبابية في الخامس من مايو للعام 5709 الموافق 1948م، في اختيار توقيت عيد الاستقلال (يوم هعتسماؤت) الذي ارتبط بذكرى وفاة بنيامين زيئيف هرتزل، وأرادت سلطات الدولة تسليط الضوء على الرابط بين رؤية هرتزل والكيان الصهيوني، واقتصر الاحتفال الرئيس لأول مرة في «يوم الدولة» على موكب عسكري للجيش الإسرائيلي حديث الإنشاء.

 في “يوم الاستقلال” الأول بحسب الرؤية الإسرائيلية عام 1948، خططت البلديات في جميع أنحاء البلاد لبرامج احتفالية تشمل إضاءة المشاعل، ورفع أعلام، ونصب منصَّات لعروضٍ ترفيهيةٍ، والعديد من المسيرات والمواكب، وفي الجليل، أضاؤوا المشاعل، وأقيمت مسيرات مشاعل في مدن مختلفة مثل رمات جان، حولون وبيتاح تيكفا، وأقيمت في رياض الأطفال والمدارس، استعراضات احتفالية ورفعوا الأعلام، وقد حضرها بعض السياسيين لإلقاء خطابات.

وحاليًا تبدأ احتفلات ما يسمى عيد الاستقلال (يوم هعتسماؤت) الذي يتزامن مع يوم نكبة فلسطين، على جبل هرتزل في القدس بجوار مقبرته، ويبدأ المتحدث باسم الكنيست الاحتفال بأن يوقد شعلة، بينما يشعل آخرون اثنتي عشرة شعلة أخرى، رمزًا للقبائل العبرية الاثنتي عشرة، ثم يسير حمَلة المشاعل في استعراض، ويليه استعراض عسكري لـ«فصائل الجدناع»، وتقام احتفالات رياضية وراقصة، كما تمنح جوائز الدولة في ذلك اليوم، وينتهي الاحتفال بإطلاق المدافع على أن يكون عدد الطلقات مساويًا لعدد سني الاستقلال.

الانقسام..«يوم هعتسماؤت» يظهر الانشقاق اليهودي

أثناء الاحتفال بعيد الاستقلال تطفو على سطح المشهد في إسرائيل مظاهر انقسام اجتماعي وفكري، وبالتالي سياسي، في ظل تزايد حدة المواجهة بين اليمين المتطرف والمتدينين، بين علمانيين يحتفلون بإعلان قيام الكيان الصهيوني، ومتدينين يهتفون بإزالة الدولة وإعادة الفلسطينيين إلى بلادهم. 

متطرفون يهود يحاولون اقتحام المسجد الأقصى

وفي هذا السياق يثير «الراب يسرائل جيليس» وهو أحد الشخصيات المعروفة في الجاليات الأورثوذكسية في القدس، جدالًا واسعًا بسبب رؤيته لعيد الاستقلال (يوم هعتسماؤت) إذ يرى أنه لا يعني له شيئًا بوصفه يهوديًّا متدينًا، خصوصًا أن هذا المصطلح لم يرد في التوراة، بل ورد مصطلح آخر «يهودي أرض إسرائيلي».

ويؤكد يسرائل جليس أن أرض اليهود المذكورة في التوراة، لا علاقة لها بأرض الكيان الصهيوني الحالية، وحدودها ليست حدود “إسرائيل”، وقيمها ليست قيم “إسرائيل”، وقياداتها ليست قيادات “إسرائيل”، وأن الحكم الحالي يحاول بناء نموذج آخر لليهود لا يشبه بتاتًا حكم الشعب اليهودي الذي عاش وسكن أرض فلسطين.

وفي هذا السياق يقول كلٌّ من البروفسور دان هوروفيتس والبروفسور موشيه ليسك من الجامعة العبرية، إن حديث حليس يعبر عن ظاهرة «الانعزال المتديِّـن» لليهود الأرثوذكس في الكيان الصهيوني، ويؤكد عالما الاجتماع الإسرائيليين أن العلاقة بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل، تعد أحد الشروخ المركزية في المجتمع الإسرائيلي حاليًا.

وفي المقابل، يقول جمال زحالقة العضو العربي بالكنيست الإسرائيلي، إن الهدف الأول للحركة الصهيونية وما زال هو بناء «بيت» آمن لليهود في العالم، لكنها لم تحقق الهدف، إذ إن الكيان الصهيوني اليوم هي أكثر المواقع في العالم خطورةً على اليهود، بعد أن زجَّت بهم الصهيونية في صراع دَاَمٍ تبعًا لسياساتها الاستعمارية العدوانية العنيفة.

ويضيف زحالقة: «إذ تدعي “إسرائيل” الدولة ومفكِّرو بلاطها أن استقلال “إسرائيل” هو الخلاص، أو بداية خلاص اليهود من معاناة الملاحقة واللاسامية، وحصولهم على الأمن والأمان المفقودين في بلاد الشتات لكن هذا الادعاء لا يصمد بامتحان النقد المحايد ويتهاوى أمام حقيقة أن كل دول العالم هي أكثر أمانًا لليهود من دولة اليهود».

يوم هعتسماؤت.. مواجهة مفتوحة بين الفلسطينيين والمستوطنين

وما زالت الجماعات اليهودية المتطرفة التي تتزعمها منظمة «الهيكل» الصهيونية تواظب على تنظيم مسيرةٍ ضخمةٍ باتجاه المسجد الأقصى المبارك، احتفالًا بعيد الاستقلال (يوم هعتسماؤت)، وتستمر في المطالبة باقتحام جماعي للمسجد الأقصى لإقامة طقوس وشعائر تلمودية وإقامة احتفالات خاصة بهذه المناسبة في باحات المسجد المبارك، وذلك بهدف تحقيق السيادة اليهودية الكاملة على المسجد الأقصى، ودخول اليهود للمسجد بحريةٍ تامةٍ دون معوقاتٍ، وحرية تأدية الطقوس والصلوات التلمودية في ساحاته، ورفع علم الكيان الصهيوني داخل المسجد الأقصى.

البلدة القديمة

وشهد عام 2022 المرة الثانية على التوالي لمنع قوات الاحتلال آذان العشاء في المسجد الأقصى، حسب دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس التي قالت إن قوات الاحتلال منعت أداء صلاة العشاء في المسجد الاقصى من خلال قطع السماعات الخارجية للمسجد الاقصى، بحجة وجود كلمة لرئيس وزراء الاحتلال «نفتالي بينت» في حائط البراق بمناسبة «يوم هعتسماؤت».

وفي هذا السياق أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي ومجموعات من المستوطنين، على رفع علم الاحتلال فوق الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، في الرابع من مايو (أيار) 2022، تمهيدًا للاحتفال بـ«عيد الاستقلال» (يوم هعتسماؤت).

ومن جانبه قال مدير أوقاف الخليل نضال الجعبري: «إن هذا الاعتداء يمثل انتهاكًا صارخًا لحرمة الأماكن المقدسة، وتجاوزًا لكل المواثيق والأعراف الدولية، واستفزازًا لمشاعر الفلسطينيين» مضيفًا «أن هذا الأمر يأتي ضمن مخططات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى تهويد الحرم، وتغيير ملامحه التاريخية والحضارية».

وفي الخامس من مايو (أيار) 2022 اقتحمت ثلاث مجموعاتٍ من المستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال، وذلك بعدما احتشد الفلسطينيون في باحات الأقصى وأداء أطول صلاة ضحى، لتستمر ثلاثة ساعات. 

ويشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية منعت اليهود من دخول المسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان، وذلك بعد تصدي الفلسطينيين للاقتحامات المستمرة المستوطنين للأقصى واعتداءات قوات الاحتلال على المصلين المسلمين.

كما أعلنت قوات الاحتلال في الأول من مايو (أيار) فرض إغلاقٍ شاملٍ للضفة الغربية المحتلة والمعابر الحدودية مع قطاع غزة، لمدة ثلاثة أيام بمناسبة «يوم هعتسماؤت» وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على حسابه على «تويتر»، إن هذا الإجراء يأتي «بناءً على تقييم الوضع الأمني وتوجيهات المستوى السياسي».

رفض فلسطيني.. ومطالبة بشد الرحال 

قالت الخارجية الفلسطينية في بيانٍ صدر مساء الثالث من مايو (أيار) 2022: «إن مجلس الأمن عليه أن يتخذ ما يلزم من الإجراءات الكفيلة بالضغط على الحكومة الإسرائيلية، لوقف عدوانها وتصعيدها ضد الفلسطينيين وإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي».

كما أدانت الخارجية الفلسطينية أفعال جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، خاصةً دعوات الجماعات الاستيطانية لاقتحام الأقصى ورفع العلم الإسرائيلي داخله وأداء صلوات تلمودية في باحاته.

ومن جانبٍ آخر تعددت دعوات الفصائل الفلسطينية لشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك لحمايته وإفشال مخططات الاقتحام والتهويد، وذلك في ظل سماح سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام باحات المسجد.

اقتحام المسجد الأقصى 15 أبريل (نيسان) 2022

ووصفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، السماح باقتحام الأقصى بأنه «لعب بالنار سيجر المنطقة إلى أتون تصعيد يتحمل الاحتلال كامل المسؤولية عنه»، ودعت الحركة أبناء الشعب الفلسطيني إلى شد الرحال والاحتشاد في المسجد الأقصى المبارك والاستنفار في مدينة القدس، دفاعًا عن «هويتنا وديننا وقبلتنا الأولى» مضيفةً «ليعلم الاحتلال أن محاولات التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، ومشروعات التهويد لمقدساتنا لن تمر، ولن تحقق أهدافه الخبيثة».

ومن جانبه، قال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس «إن ما جرى في المسجد الأقصى المبارك اليوم الخميس يؤكد أن المعركة ليست مرهونةً بحدثٍ، بل هي مفتوحة وممتدة زمانيًّا ومكانيًّا على أرض فلسطين».

وبدوره قال خالد البطش عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إن «تكرار الاقتحامات للمسجد الأقصى من طرف المستوطنين الصهاينة بحماية الجيش والشرطة الصهيونية، يأتي في سياق تجسيد مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك، مطالبًا لجنة القدس بالمغرب الشقيق للتحرك الفعلي لتأخذ دورها في وقف الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك».

 وبصدد هذا قال سهيل الهندي عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن اقتحام المستوطنين للأقصى يندرج تحت الإطار الديني أكثر مما يندرج تحت الإطار السياسي، وذلك ما ينعكس خلال الاحتفالات والأعياد الإسرائيلية، إذ تأتي الصلوات التلمودية ضمن معتقداتهم، التي تؤكد أنهم شعب الله المختار، وأن فلسطين هي أرض الميعاد، ومن حقهم أن يعيشوا بهذه الأرض متمسكين بتلك الأوهام والأساطير، وذلك مختلف جذريًّا عن المعتقدات الإسلامية في قدسية مدينة القدس أرض كنعان ما قبل الديانات، لتمتد عبر التاريخ عروبتها وإسلامها.

ويضيف الهندي: «نجد أن العدو حوَّل فلسطين لأرضٍ تدور بها حرب دينية ويحاول خلال هذا الصراع فرض سلسلةٍ من الأفكار والمعتقدات التي تشير بشكلٍ أو بآخر إلى حقهم في هذه الأرض المقدسة، ونحن بوصفنا فلسطينيين نؤمن أن هذه الأرض أرضنا ونرفض الخلط بين المفاهيم السياسية والعقائدية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى