المنظومات القتالية الأمريكية غير المأهولة في غرب آسيا

عام 1996 وبعد 6 سنوات من نيل الولايات المتحدة قصب السبق في صراع القوة بينها وبين الاتحاد السوفياتي السابق، شهدت وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) التابعة لوزارة الدفاع الامريكية، طفرة في مشاريع التطوير العسكرية وتكنولوجيا السلاح والأفكار المستقبلية، التي يُفترض أن تؤمن في ذلك الوقت احتفاظ الولايات المتحدة الامريكية على زعامتها المنفردة للعالم لسنوات 50 قادمة.
كانت (DARPA) مصنع أفكار مخططي وزارة الدفاع الامريكية، وبحكم امتلاك البنتاغون هذه الدجاجة التي تبيض ذهباً، كان لا بد من استخدام أقصى طاقة لهذه الوكالة، حيث عملت على تطوير وتصنيع 100 مشروع عسكري، وعشرات المشاريع ذات الطابع المدني التي اهتم بها البنتاغون، ليهيمن تقريباً على مجمل صناعة وابتكار تكنولوجيا السلاح وتكنولوجيا الفضاء، فاستخدمت (DARPA) لتطوير معدات ووسائط لمصلحة الـ NASA، وعلى رأسها الروفر او المركبة غير المأهولة التي أرسلت للمريخ كما استخدمت نفس الوكالة أيضاً لتحويل مشروع الانترنت الذي بنته عام 1972 (لمصلحة تبادل علمائها المعلومات والخبرات) من مشروع عسكري بحثي إلى مشروع مدني غزا العالم في ذلك الوقت.
إلا أن مشروعاً واحداً كان يؤرق أدمغة علماء ومبدعي (DARPA) منذ 12 أيلول 2001 أي في اليوم التالي لاستهداف الولايات المتحدة بثلاث ضربات قاسية بطائرات مدنية بطريقة استهداف مبتكرة في نيويورك برجي مركز التجارة العالمية والبنتاغون.
أحس موظفو (DARPA) أنهم أكثر الأمريكيين خسارة في الضربات الثلاث وأنه على عاتقهم واجباً باستعادة هيبة الولايات المتحدة التي أُهينت يوم الثلاثاء 11 أيلول 2001، وذلك لأسباب عديدة منها، عدم تقديمهم لبروتوكولات التصدي للطائرات الثلاث وعدم وجود وسائط دفاع جوي يمكنها اسقاط الطائرات وعدم وجود منظومة فعالة للإنذار المبكر يمكنها من خلال السياق المعلوماتي والتجسسي اتقاء ضربات تحت الحزام، كتلك التي تلقتها بلادهم عام 2001.
أعاد القيمون على الوكالة عام 2002 وبمعاونة وزارة الدفاع ووكالتي الأمن الوطني والسي آي إي صياغة مفهوم جديد لعمل الوكالة، فكانت الأولوية لبناء منظومة دفاع متكاملة في البر والبحر والجو وتحت الماء، يتم الاشراف عليها مركزياً من خلال منظومة متكاملة للقيادة والسيطرة والامن والمعلومات، وتعمل جميع تلك المنظومات لتحقيق هدف واحد، تأمين المعلومات الكافية في الوقت الحقيقي للدفاع عن الولايات المتحدة ووقايتها من المخاطر والتهديدات التي تأتي من دول ومنظمات وأفراد، على أن تكون هذه المنظومات خاضعة في هيكليتها وبنيتها لمتطلبات التغيير في العقيدة الدفاعية للولايات المتحدة، التي كانت ستعتمد منذ ما بعد 11 أيلول 2001 بناء جيش صغير ذكي، يمتلك كافة متطلبات التكنولوجيا اللازمة للتسليح وأدوات الاستشعار ومنظومات استطلاع الميدان على جميع مستوياته (التكتيكية والتعبوية والاستراتيجية)، وفي كافة ظروف القتال والمناخ.
قدمت (DARPA) مفاهيمها وخططها التشغيلية لوزارة الدفاع الامريكية مشفوعة بطلبات مالية وموازنات كبيرة، فأعادت وزارة الدفاع صياغتها وتقديمها للإدارة الامريكية كخطط طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل، وعللت وزارة الدفاع الفلسفة العسكرية والدفاعية لذلك، فتولت إدارة بوش الابن آنذاك، الموافقة عليها وتضمين أقسام كبيرة منها في خطة بوش الاستراتيجية لأميركا ما بعد الكارثة. ولعل أكثر مشروع لقي قبولاً في ذلك الوقت، هو مشروع (DARPA) الذي اقترح اعتماد الوسائط والمنظومات غير المأهولة كتعويض للنقص في عديد القوات بعد التحول إلى تطبيق فكرة الجيش الذكي الصغير.
كانت حلول DARPA هي جعل المنظومات غير المأهولة تحل محل كل شيء يخدم المجهود العسكري معلوماتياً ولاحقاً عسكرياً (أي الاستعمال اللوجستي وآليات التسديد والاستهداف عن بعد، وأخيراً استخدام عمليات القتل المستهدف). طرحت DARPA على عدد من كبار جامعات ومختبرات تكنولوجبا السلاح الانضمام للفريق، فوافقت أهم 6 جامعات على ذلك، تبعها عدد من المختبرات وشركات تكنولوجيا المعلومات كمايكروسوفت ولينوكس واوراكل وغيرها.
كان تطوير التقنيات التي توسع أفق انتاج الوسائط والمركبات غير المأهولة من الموضوعات المثيرة في مختلف الجامعات والمعاهد البحثية في جميع أنحاء العالم. تم تشجيع نشر كل شيء غير مأهول تقريباً للأغراض العسكرية ومن خلال الأموال الضخمة التي تم ضخها في أنشطة البحث من قبل مختلف الهيئات الحكومية، اكتفت الجامعات مادياً ولم تعد بحاجة إلى ممولين ومتبرعين، فتفرغت للبحث والابتكار إيماناً منها بما يمكن أن تقدمه هذه الوسائط غير المأهولة لأغراض الدفاع والمراقبة من تخفيض للمخاطر التي يتعرض لها البشر في المناطق المحفوفة بالمخاطر والنائية.
سعى المشروع المشترك 2097، المرحلة 1 ب، إلى تعزيز قدرات العمليات الخاصة ذات الأولوية العالية (SO)، وهي تتناول القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسيب والمعلومات والاستخبارات والمراقبة والاستهداف والاستطلاع (C4ISTAR) وتم وضع معايير لذلك تحقق الأهداف المعلوماتية من هكذا نظام ضخم كان سينشر في معظم بؤر التوتر في العالم، حيث تم تحديد المتطلبات التالية من المنظومة:
- المخابرات والمراقبة والاستطلاع.
- توليد صورة دائمة وفورية عن المشهد العسكري المتكامل (بر – بحر – جو – تحت الماء).
- الإجراءات المضادة للألغام.
- الحرب المضادة للغواصات.
- الحرب المضادة للزوارق البحرية والسفن المعادية.
- الحرب المضادة للوسائط الجوية المعادية.
- تأمين الاشراف المعلوماتي في البر والبحر والجو وتحت الماء.
- التفتيش / تحديد الهوية / إعاقة الجهات المستهدِفة.
- حماية وتأمين عقدة شبكة الاتصال / الملاحة البحرية (السطحية وتحت السطحية).
- حماية وتأمين الطرق البرية ورؤوس الجسور ومناطق القتال المحتملة.
- كشف بنى وهيكليات العدو في البر.
- نقل وتسليم الحمولة إلى أماكن نائية.
- تنفيذ جميع عمليات المعلومات.
- تنفيذ ضربات حرجة فورية (من البر والبحر والجو ومن تحت الماء).
شنت الولايات المتحدة بين عامي 2001 و2003 حربين على أفغانستان والعراق، وغرقت في وحول هذين البلدين بفعل المقاومة العنيفة والجادة والذكية، فبدأت على هامش الصراع بين المقاومة العراقية والافغانية وبين الأمريكيين، حرب تكتيكات وطرائق قتال وتجربة أسلحة من الطرفين، وبرزت ميزة البلدين الجيوبوليتيكية، لتفرض على الأمريكيين تحييد كل ما يتعلق بالأسلحة البحرية، حيث أن الواجهة البحرية العراقية في البصرة كانت صغيرة جداً، مما جعل جغرافية العراق شبه مغلقة، بينما كانت أفغانستان دولة مغلقة بالكامل ولا تطل على أي مسطح مائي.
خلال احتلالها للعراق وأفغانستان، طورت واشنطن العديد من النظم غير المأهولة، مثل المسيرات، رادارات الانذار المبكر، أجهزة استكشاف إطلاق النار، منظومات تحديد المدفعية العدوة، منظومة (C-RAM)، وأسطول حديث من مركبات العمليات الخاصة (SOV)، والتي تضم SOV-Commando، وSOV-Support، وSOV-Logistics، (التي استعمل أغلبها في أفغانستان نتيجة للطبيعة الجبيلة الوعرة والتي تختلف بشكل كبير عن طبيعة العراق المنبسطة والتي تجتاح الصحراء في الوسط ونصفه الغربي). وجنباً إلى جنب طورت DARPA من خلال الشركات التي تعاقدت معها برمجيات تساعد الجنود على فهم لغة العراقيين والأفغان، كما طورت برامج للتعرف على البصمة الصوتية، وطورت أيضاً نظاماً ذكياً زودت به طائراتها المسيرة للمسح تحت الأرض (SAR)، والبحث عن أهداف وتحديدها بشكل دقيق على نظم المعلومات الجغرافية العسكرية، كما طورت برامج للتعرف على الجنود في العمليات الخاصة لدعمهم وإنقاذهم في حال تعرضوا لنكسات عسكرية.
كانت معظم تلك المنظومات تحتاج إلى بروتوكولات وبنية ذكية، لدمجها في برامج قيادة وسيطرة تكتيكية أو مركزية، لتؤمن الاشراف والتشغيل وادارة المهمات الفردية أو المركّبة، وهو ما بدأته الادارة الامريكية متأخرة في العام 2009 في أواخر شهور احتلالها للعراق.
كان نظام التشغيل يحتاج إلى كفاءات مميزة لتحديد ما يمكن وما لا يمكن وضعه على المنصة الرئيسية للمعلومات ودرجات الاهتمام والاستعداد والجاهزية، ومع تقادم الأجهزة والمنظومات التي استعملت عام 2003 وما بعدها، تم ابتكار مفهوم ثوري لغرف القيادة والسيطرة، يدمج أي منظومة غير مأهولة أو ذكية مهما تقادمت بالبرنامج الأساسي للقيادة والسيطرة، وقد أُسمي النظام وقتها بـ (C4I2S).
المنطقة الوسطى والمنظومات غير المأهولة
مع اندحار الامريكيين من العراق عام 2011 إلى الخليج، أجرت المؤسسة العسكرية الأمريكية تعديلاً على مسؤوليات المنطقة الوسطى (القيادة المركزية)، بحيث أصبحت قيادة عمق أمريكية، تتولى معظم مهام الجيش الامريكي في منطقة مسؤوليتها، وتتمتع بشبه استقلالية عسكرية في اتخاذ القرار (دون الاستراتيجي)، وحيث أن عديد جنود المنطقة الوسطى قليل بالنسبة للمهمة، فقد كان حل الثغرة باعتماد الوسائط غير المأهولة في منطقة يشغل الحيز المائي فيها أكثر من 60 % من مساحة منطقة المسؤولية، فأصبح قائد القوة البحرية Navcent التابعة للمنطقة الوسطى (الذي يكون حُكماً قائد الاسطول الخامس)، نائباً لقائد القيادة المركزية.
كان اقتراح استعمال سفن USV Unmanned Surface Vehicle وغواصات UUV غير المأهولة مهم جداً لتوفير الموارد البشرية، والتخلص من العشرات من الطاقم البشري، مما قلل بشكل كبير من الحجم والتكلفة
لتوزيع القوة النارية عبر الأسطول وتقليل تكاليف الأفراد، خططت البحرية الأمريكية وبحرية القيادة المركزية NAVCENT لـ “أسطول الأشباح” لسفن غير مأهولة متعددة المهام المتوسطة والكبيرة MUSV و LUSV التي يمكنها محاربة الغواصات والأهداف السطحية، بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات مسح وصيد الألغام وحماية كابلات الانترنت القارية من طراز T1 من التخريب والاختراق للتجسس من قبل القوى المعادية كالصين وروسيا.
بالنسبة للغواصات غير المأهولةUUV، فكانت منذ العام 1952 أنظمة صغيرة مقيدة تُستخدم لاستعادة العناصر من قاع البحر، وحتى القيام بمهام استخباراتية سرية، وقد اعتمدت نتيجة للدروس المستفادة والاحتياجات المستقبلية على غواصات جديدة غير مأهولة من ثلاث أحجام (القريبة من السطح – التي تعمل بعمق متوسط AUVs – ذات الإزاحة الكبيرة والتي تعمل بأعماق كبيرة DUUV) لتقوم بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي بدلاً من المشغلين البشريين بمهام بحث أو صيد الغواصات والسفن السطحية الموجهة كالغواصات غير المأهولة التي طورت الصين أعداداً متميزة منها.

استعادة غواصة غير مأهولة من نوع MK 18 MOD 2 UUV تابعة للبحرية الأمريكية بعد اختبار تشغيلي في 20 أكتوبر 2015.
بدأت القيادة الوسطى حصراً ومنذ العام 2014 استعمال الغواصات الجديدة الصغيرة والمتوسطة غير المأهولتين في البحر الأحمر وبحر العرب والخليج، فيما بدت المحاولات الأولى لتجربة السفن غير المأهولة غير مشجعة، فأعيدت صياغة الخطة العملانية للمنطقة الوسطى مع التأكيد على أولوية إنجاح المحاولات القادمة لتجربة السفن السطحية غير المأهولة، واستمرت التجارب 4 سنوات مليئة بالخيبات إلى أن تمت دراسة كل أوجه القصور في المنظومة البحرية غير المأهولة وفي العام 2016، وبناءً على اختبارات (DARPA) تم تسليم أول مركبة سطحية ذاتية التشغيل غير مأهولة (USV) أطلق عليها Sea Hunter كجزء من برنامج DARPA المضاد للغواصات والسفن غير المأهولة.

Sea Hunter ، فئة جديدة من السفن البحرية غير المأهولة
تم تعميد السفينة في 7 نيسان 2016 في بورتلاند بولاية أوريغون، تم بناؤها لمصلحة (DARPA) بواسطة شركة Vigor Industrial، وتواصل بناء خط للسفن التجريبية من عائلة “Sea”، بما في ذلك Sea Shadow وSea Fighter وSea Jet وSea Slice.
تصنف Sea Hunter على أنها من الدرجة الثالثة USV وتم تعيينها على أنها مركبة متوسطة الإزاحة غير مأهولة السطح بتكلفة عشرين مليون دولار، طولها 132 قدمًا (40 مترًا) (هيكل مركزي مع اثنين من الركائز)، تعمل بمحركي ديزل بسرعة قصوى تبلغ 27 عقدة (31 ميلاً في الساعة، 50 كم / ساعة)، يبلغ وزنها 135 طنًا، بما في ذلك 40 طنًا من الوقود، وهي كافية لرحلة بحرية لمدة 70 يومًا. تتمتع Sea Hunter بقدرة إزاحة كاملة للحمولة 145 طنًا بأمواج يصل ارتفاعها إلى 6.5 قدم (2.0 متر) وتتحمل السفينة سرعة رياح حتى 21 عقدة (24 ميلاً في الساعة، 39 كم / ساعة) يوفر بدن السفينة مزيدًا من الثبات في المياه القليلة العمق دون الحاجة إلى عارضة ثقيلة، مما يمنحها قدرة أعلى على المسارات الخطية وعمليات أفضل في المياه الضحلة، على الرغم من أن العرض الأكبر يقلل من قدرتها على المناورة وهذه إحدى نقاط الضعف الرئيسية فيها.
أسباب تأسيس المنظومات الثلاث:
كانت حرب اليمن نقطة فاصلة في تسريع تحول التفكير العسكري البحري الامريكي نحو اعتماد المنظومة المتكاملة للسفن والمركبات غير المأهولة، مضافاً إليها مشروع طموح للدفاع الجوي المتكامل. ويمكن الجزم أن تاريخ 14-9-2019 كان تاريخاً فاصلاً للأمريكيين وخصوصاً وكالة (DARPA)، فبأقل من 30 طائرة مسيرة وصاروخ كروز أصاب الجيش واللجان الشعبية مقتلاً لكل النظم الدفاعية الجوية الامريكية المتطورة التي كانت تحمي حقلي بقيق وخريص السعوديين، الذين ينتجان بين الـ (7-15) % من مجمل النفط العالمي، ويستخلصان 40 % من إنتاج السعودية.
وبعد أشهر، أي في 8 كانون ثاني 2020، دُمر القسم الإلكتروني ومنطقة الرادارات ومهجع ومدرّج المسيرات في قاعدة عين الأسد التي تلقت ضربة بـ 11 صاروخًا باليستيًا من الحرس الثوري الإسلامي، كرد أولي على اغتيال الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، مما أربك الامريكيين وجعلهم أكثر حرصاً على تنفيذ برنامجهم المتعلق بمنظومة الدفاع المتكاملة في الخليج، وخلال عام 2020 اختبر الامريكيون والصهاينة القدرات البحرية الايرانية عبر عدد من الاحتكاكات بين سفن الاسطول الخامس الامريكي واستهداف سفن صهيونية كانت تبحر وتستطلع في الخليج تحت ستار سفن تجارية.
في ذلك العام أدخلت القيادة الوسطى كيان العدو لأول مرة في منظومتها نتيجة لتطبيع عدد من الدول الخليجية، فاختار الصهاينة قاعدة السلمان لينشؤوا رصيفاً وقاعدة بحرية خاصة بهم في البحرين. تزامن ذلك مع تغيير في قيادة المنطقة الوسطى حيث حل مايكل كوريلا محل كينيث ماكنزي، وكانت فلسفة الاتيان بكوريلا هي انجاز ملف المنظومة المتكاملة.
في تشرين أول 2021 قال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل “إريك كوريلا” خلال إيجاز صحفي من مقر القيادة المركزية الأمريكية: تامبا، فلوريدا، إن الجيش الأمريكي قد طور ثلاثة أنظمة عسكرية مبتكرة للذكاء الاصطناعي لمواجهة التهديدات الإيرانية الواسعة على الأرض والجو والبحر في المنطقة، خاصة قدرات الطائرات بدون طيار.
وقال كوريلا في إحاطته: “إن إيران طورت قدراتها إلى أنظمة طائرات بدون طيار متطورة للغاية مع زيادة في المدى وحمولات مميتة، مما يشكل تهديدًا للولايات المتحدة والجيوش الشريكة لها في المنطقة”.
وقال إن: “الولايات المتحدة تقلل من حجم قواتها على الأرض، وبدلاً من ذلك ستعتمد على أنظمة ذكاء اصطناعي مترابطة من شأنها أن تدمج شراكة عسكرية داخل جيوش المنطقة”.
وأضاف كوريلا: “إن الولايات المتحدة طورت ثلاثة أنظمة عسكرية متميزة ومتطورة ومترابطة للذكاء الاصطناعي، تغطي القدرات البرية والبحرية والجوية”.
المنظومات الثلاث (39-59-99) غير المأهولة:
في أيلول 2021 تأسست فرقة العمل 59 لتصبح إحدى فرق العمل الجديدة في القوات البحرية التابعة للمنطقة الوسطىNAVCENT وسيكون لفرقة العمل 59 أسطولاً يضم أكثر من 100 سفينة بحرية غير مأهولة في البحرين موطن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، لدمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي في عمليات الشرق الأوسط بعد سلسلة من هجمات الطائرات بدون طيار التي ألقي باللوم فيها على إيران.
وقالت القيادة المركزية للبحرية الأمريكية (NAVCENT) إنها تضم طائرات بدون طيار محمولة جواً وإبحاراً وتحت الماء وتعتمد على الشراكات الإقليمية والتحالفات، تتمثل مهمتها في تطوير ودمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي (AI) كوسيلة لتعزيز الوعي بالمجال البحري وزيادة الردع.
عام 2021 تأسست فرقة العمل 99 التابعة للقوات الجوية العاملة في المنطقة الوسطىAFCENT ، التي تتخذ من قاعدة العيديد في قطر مقراً لها، ويتلخص عمل الفرقة 99 على تشغيل طائرات بدون طيار مزودة بحمولات مخصصة للاستطلاع الجوي، وقدرات أخرى تعمل على مراقبة واكتشاف وجمع البيانات التي تغذي مركز العمليات.
عام 2020 تأسست فرقة العمل 39 وهي المكون الأرضي غير المأهول الذي سيختبر المفهوم والتكنولوجيا، لتشمل أسطولًا من المركبات البرية غير المأهولة المقترنة بمركبات أرضية مأهولة، مع توفير تقنية جديدة “لهزيمة الطائرات الإيرانية بدون طيار”.
في حوار المنامة الذي عقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الثامن عشر، الذي عقد بين 18 و20 تشرين الثاني 2022، سلط الجنرال مايكل “إريك كوريلا” قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) الضوء على الدور المتزايد للطائرات بدون طيار في ضمان أمن الشرق الأوسط وما وراءه، وقال كوريلا متحدثا في البحرين يوم 19 نوفمبر تشرين الثاني 2022: “لدينا القدرة التكنولوجية في الوقت الحالي لتحسين الوعي بالمجال البحري بشكل سريع، وبناء شبكة ذكاء اصطناعي وغير مأهولة متكاملة لتحقيق بحار أكثر أمانًا وحماية أقوى للتجارة العالمية”. وقال مسؤولون عسكريون أميركيون كبار آخرون في مؤتمر حوار المنامة السنوي إن الولايات المتحدة تعزز البنية التحتية الدفاعية في الشرق الأوسط في الوقت الذي تسعى فيه لردع “تهديدات وشيكة” في المنطقة.
قال منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك “إن الولايات المتحدة تعمل الآن بنشاط على بناء وتمكين هيكل دفاع جوي وبحري متكامل في هذه المنطقة”، وقال: “يتم الآن القيام بشيء طالما تحدثنا عنه، من خلال الشراكات المبتكرة والتقنيات الجديدة”.
بعد أيام من كلام كوريلا وماغورك عن المنظومات غير المأهولة العاملة في الخليج، قامت الجمهورية الاسلامية بمصادرة سفينتين من طراز Sea Hunter كانتا تبحران بشكل استطلاعي في المياه الاقليمية الإيرانية، وقامت بمصادرة معظم أجهزتهما الإلكترونية ثم أعادتهما إلى البحرين، كرسالة واضحة للأمريكيين حول من يهيمن ويتحكم بالخليج.
خلاصة واستنتاج
مما سلف، يتبين أن المنظومات التي تكلم عنها الأمريكيين، هي منظومات تجريبية ومنظومات قطعت مرحلة التجربة وبدأت تعمل في الخدمة والتركيز على الخليج ودوله في بناء هذه المنظومة يؤكد أنها لا زالت في مجال التطوير وأنها تحتاج لأموال الدول الخليجية لتطويرها، فهناك ثغرات كبيرة في تلك المنظومة تجعل منها حتى الآن منظومة دعائية أكثر منها منظومة عملانية، وذلك للأسباب التالية:
- عدم قدرة المنظومات البحرية غير المأهولة على التخفي وحجمها الكبير نسبياً مما يجعلها بشكل دائم عرضة للكشف بالرؤيا أو بطائرات الاستطلاع المأهولة وغير المأهولة.
- ضحالة مياه الخليج في مناطق عديدة (قلة الاعماق) تجعل من استخدام غواصات كبيرة لأغراض غير المعلومات قضية صعبة، لأن أجهزة الكشف تجعل من إبحارها الحر تحت الماء قضية صعبة إن لم نقل مستحيلة.
- بالنسبة للمركبات البرية غير المأهولة، فإن الطبيعة الصحراوية لضفتي الخليج تجعل من استعمالها عملاً محفوفاً بالمخاطر، حيث يمكن كشفها بالرؤية البشرية وبوسائل مراقبة إلكترونية غير معقدة.
- يمكن لأي سفينة تشويش إلكتروني تتحرك في الخليج أن تجعل تلك المنظومات غير المأهولة صيداً سهلاً للخصوم، حيث يمكن إعماؤها إلكترونياً وضربها أو مصادرتها.
- لا يمكن للسفن السطحية غير المأهولة أن تبحر بحرّية في المياه العميقة، حيث نفقد امكانية المناورة.
- لا بد لتلك المنظومات من عامل تشغيل بشري في اليابسة أو في سفينة مأهولة، وهذا لا يجعلها غير مأهولة بالكامل.
- تحتاج تلك المنظومات للتشغيل، إلى عدد من المنظومات المعاوِنة، منها منظومات القيادة والسيطرة ومنها منظومات الملاحة والارشاد الإلكتروني ومنها منظومات استخلاص المعلومات التي تجمعها، وهذا ما يمكن أن يكون أحد أسباب اختراقها من قبل الخصوم فضلاً عن إمكانية تضليلها بسهولة.
- هذه المنظومات تصبح في حالات الاشتباك غير ذات فائدة، لأنها تكون عُرضة للضرب بسهولة بسبب انكشافها وامكانية متابعتها إلكترونياً وبصرياً من قبل الخصوم.