تفسير آية

تفسير آية: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. سورة الأنفال، الآية 67

شرح المفردات:

﴿يُثْخِنَ﴾: يشتد القتل ويكثر.

﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾: متاع الدنيا.

الإشارات والمضامين:

1- منع أخذ الأسرى قبل السيطرة الكاملة على العدو

الأسرى جمع أسير، والإثخان معناه القوّة والشدّة. وعلى هذا التقدير يكون معنى عبارة ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ أي حتى يستقر دينه ويشتد ويثبت.

وهنا أمور ينبغي إيضاحها:

أولاً: أن السنّة الجارية في الأنبياء الماضين عليهم السلام أنّهم كانوا إذا حاربوا أعداءهم وظفروا بهم، ينكّلون بهم بالقتل، ليعتبر به مَنْ ﴿وَرَاءهُمْ﴾، فيكفّوا عن محادّة الله ورسوله.

وكانوا لا يأخذون الأسرى حتى يثخنوا في الأرض، ويستقرّ دينهم بين الناس، عندها لا مانع من الأسر، ثم المنّ أو الفداء.

ثانياً: أن المهاجرين والأنصار في بدر، وعلى قاعدتهم في الحروب، أقدموا على أخذ الأسرى للاسترقاق أو الفداء، وكان الرجل منهم يقي أسيره من الناس أن ينالوه بسوء إلا علي عليه السلام فقد أكثر من قتل الرجال ولم يأسر، ولم يرد في الروايات بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شارك المهاجرين والأنصار، او استشارهم، أو رضي بالأسر، فنزلت الآية لتقول لمن شارك في الأسر، ولعامة المسلمين ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾ ولم يُعْهد في سنّة الله في أنبيائه ﴿أَن يَكُونَ لَهُ﴾ أسرى، أو يحقّ له أن يأخذ ﴿أَسْرَى﴾، ويستدرّ على ذلك شيئاً، ﴿حَتَّى يُثْخِنَ﴾ ويغلظ ﴿فِي الأَرْضِ﴾ دينه ويستقر بين الناس، ﴿تُرِيدُونَ﴾ أنتم معاشر أهل بدر، – خطاب وعتاب لمن شارك في أسر المشركين لأجل الفداء -، ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ ومتاعها السريع الزوال، ﴿وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ بتشريع الدين، والأمر بقتال الكفار.

فهذه الآية تُنبّه المسلمين إلى مسألة عسكرية حساسة وهي أنّه لا يجب التفكير بأخذ الأسرى قبل الهزيمة الكاملة للعدو، لأنّ الانشغال بأخذ الأسرى ونقلهم إلى المكان المناسب يشغل المقاتلين عن الهدف الأصلي للقتال، ويمكن أن يسمح للعدو الجريح بأن يُجدِّد هجومه.

2- جواز أخذ الأسرى بعد السيطرة الكاملة على العدو

عبارة ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ تدل على أن المسلمين لا يمكنهم أن يباشروا بأسر الأعداء، إلاّ بعد حصول السيطرة الميدانية على العدو – كما اتّضح قبل قليل -.

3- عدم السعي للأسر بهدف الحصول على الفدية ومال الدنيا

المراد من ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ مال الدنيا، لأنّه بمعرض الزوال. والخطاب ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ هو لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين ممن شارك في عملية أسر المشركين، – كما أوضحنا سابقاً -، لأنهم رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى. والخطاب توجّه لجميع المقاتلين، لكون أكثرهم متلبّسين باقتراح الفداء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

4- الهدف الأساسي من تشريع الجهاد حصول المجاهدين على المواهب الأخروية والمنافع المعنوية

المسألة الأساسية في القتال في الإسلام هو الحصول على رضا الله وتقوية الحق ونجاة المستضعفين، وليس جمع الغنائم وأخذ الأسرى وافتداؤهم بالمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى