تقارير عسكرية

الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. النشأة وجذور الخلاف

وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري في السودان (الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع) إلى مستوى غير مسبوق من التوتر أدى إلى المواجهة المباشرة والتي بدأت يوم السبت الواقع 15-4-2023. إذ حذر الجيش السوداني نهار الخميس الواقع 13-4-2023 من أن البلاد تمر بـ”منعطف خطير” بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم ومدن رئيسية.

في هذا الملف، لمحة عن نشأة قوات الدعم السريع وعلاقتها بالجيش السوداني وجذور ومحطات الخلافات بينهما، والتحالفات الإقليمية لكل منها.

أولاً: تعريف بالجناحين العسكرين في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع)

قوات الدعم السريع:

النشأة

انبثقت قوات الدعم السريع مما يُسمى مليشيا الجنجويد المسلحة التي قاتلت في صراع بدارفور. وأنشئت بشكل رسمي بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) عام 2013 كقوات شبه نظامية تابعة لجهاز المخابرات. عام 2017 أجاز البرلمان السوداني أثناء حكم الرئيس المعزول عمر البشير “قانون قوات الدعم السريع” وانتقلت تبعيّتها إلى القوات المسحلة. إذ عرّفها القانون: “القوات الدعم السريع هي قوات عسكرية قومية التكوين وتتقيّد بالمبادئ العامة للقوات المسلحة السودانية.”

القيادة

الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي هو قائد قوات الدعم السريع، ويشغل في الوقت الحالي منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم.

العتاد والعدة

لا يوجد إحصاء رسمي للعدد، ولكن يقدر المحللون عدد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد. لا تعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكن الاستعراضات العسكرية التي تنظمها بين حين وآخر تظهر امتلاكها مدرعات خفيفة وأعداداً كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز “لاندكروز بك آب” مسلحة. وأيضاً تظهر تلك الاستعراضات أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة.

المصدر المالي

  • تنقيب حميدتي عن الذهب والقمار.
  • تمويل إماراتي وسعودي مباشر.

التحركات

  • شاركت قوات الدعم في الحرب على اليمن عام 2017.
  • في إبريل/ نيسان 2019، شاركت قوات الدعم السريع في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالبشير. وفي وقت لاحق من ذلك العام، وقع حميدتي اتفاقاً لتقاسم السلطة جعله نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، الذي يرأسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
  • قبل التوقيع في 2019، اتُهمت قوات الدعم السريع بالمشاركة في قتل عشرات المحتجين المناصرين للـ”ديمقراطية”. واتُهم أيضاً جنود قوات الدعم السريع بممارسة العنف القبلي، مما أدى إلى رفع حميدتي الحصانة عن بعضهم للسماح بمحاكمتهم.
  • وشاركت قوات الدعم السريع في انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021 الذي عطل الانتقال إلى إجراء انتخابات.  
  • في 2022، زار حميدتي روسيا وأعرب عن انفتاحه على بناء قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر، الأمر الذي أحرج الإمارات التي كان لها اتفاقًا مع الخرطوم بتشييد ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر. وبحسب موقع الجزيرة فإن تواصل حميدتي مع شركة فاغنر الروسية أوصد أمامه أبواب التواصل مع واشنطن التي تراه مجرد قائد مليشيا.

التحالف الإقليمي

بحسب موقع الجزيرة، فإن مشكلة حميدتي  أنه يعتمد فقط على حلفاء داخل الإقليم ممثلين في أبو ظبي والرياض فقط. وترى واشنطن أن الدعم السريع مجرد ميليشيا. إذًا لا حليف لحميدتي في الدول المجاورة إلا في أفريقيا الوسطى والتي تبتعد عن مناطق نفوذ حميدتي وعشيرته في منطقة شمال دارفور.

الجيش السوداني

القيادة

يقود الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن والذي يرأس حاليًا المجلس السيادي السوداني.

العتاد والعدة

بحسب تقارير صادرة عن منظمات دولية، يبلغ عدد قوات المسلحة في السودان حوالي 205 آلاف جندي، بينهم 100 قوات عاملة، 50 ألفا قوات احتياطية، 55 ألفا قوات شبه عسكرية. فيما تصنف القوات الجوية التابعة للجيش، في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وتمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، 37 طائرة هجومية، 25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، 12 طائرة تدريب، وقوات برية تشمل قوة تضم 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالميا، 6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالميا، قوة تضم 20 مدفعا ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالميا. قوة مدافع مقطورة تضم 389 مدفعا تجعله في المرتبة رقم 29 عالميا، 40 راجمة صواريخ تجعله في المرتبة رقم 54 عالميا في هذا السلاح. كذلك يمتلك الجيش أسطولا حربيا يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالميا، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار، وفقا لموقع “غلوبال فاير بور”. واعتبرته إحصائيات صدرت عام 2021، من أقوى وأكبر الجيوش في القرن الإفريقي.

التحركات

أشرفَ البرهان على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع حميدتي وذلك ضمنَ تحالف العدوان العلى اليمن.

التحالفات الإقليمية

بحسب المحلل محمد حسب الرسول في مقالة له على موقع الميادين، فإن البرهان جعل ملف العلاقات السودانية الروسية وملف القاعدة العسكرية الروسية على البحر الأحمر ورقة ضغط على الغرب، يُعليها ويخفضها كلما بعد الغرب عنه أو اقترب. وبعد الحصار الغربي عليه انفتح الأخير على روسيا، وبخاصة بعد حرب أوكرانيا التي وقفت فيها السلطة في السودان موقفاً أقرب ما يكون إلى الموقف الروسي، وسعى البرهان إلى استغلال ظروف الصراع الروسي الغربي لتحقيق مكاسب سياسية ومادية وخاصة في ملف تعدين واستخراج الذهب بصورة خاصة. هذا المنعطف في سياسة البرهان وتوجهه الجديد نحو روسيا أدى إلى تعديل سياسيات أميركا تجاهه. فبحسب المحللين سارعت أميركا نهاية عام 2022 إلى فتح الجسور مع السلطة من خلال دعوتها وزير الداخلية إلى المشاركة في مؤتمر أمني تنظمه الإدارة الأميركية، في سابقة لم تشهدها العلاقات بين البلدين خلال 3 عقود خلت، كما سارعت إلى إرسال سفير أميركي إلى السودان بعد غياب دام 25 عاماً. وقد رأى المحللون أن سياسة أميركا الجديدة تسترد عبرها نفوذها ومكانتها في المشهد السوداني، في ظل المتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية السودانية، والمتغيرات على المسرحين الإقليمي والدولي.

كما يتلقى البرهان دعم سياسي ومادي قطري تحت عناوين “التعاون بين البلدين” وتقوية المصالح المشتركة”. في إشارة إلى أنه لا يوجد إحصاء للدعم المادي القطري للسودان.

ثانيًا: جذور الخلاف

الخلاف بين قيادة الجيش والدعم السريع قديم ويعود إلى تاريخ تكوين هذه القوات في 2014 في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، فقد رفض الجيش وقتها إلحاق هذه القوة الجديدة بالجيش السوداني بسبب تكوينها الذي يعتمد على مكونات قبلية محددة، ووقتها اختار البشير أن يلحق قوات الدعم السريع بجهاز الأمن والمخابرات، قبل أن تُستغل بشكل كبير وتصبح في 2017 قوات منفصلة وإمرتها بيد رئيس الجمهورية، الذي كان يشغل أيضا منصب القائد الأعلى والعام للجيش السوداني.

وتجدّد الخلاف بعيد اندلاع ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 خاصة بعد أن رفض حميدتي المشاركة في قمع “الانقلاب” وأظهر تعاطفًا مع “الثوار”.

وبلغ الخلاف ذروته بعيد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، ورفض وقتها حميدتي العمل مع رئيس المجلس العسكري الجديد الفريق عوض بن عوف، وفتح أبواب التواصل مع القوى السياسية الصاعدة، مما عجّل بانسحاب بن عوف من المشهد.

الخلافات الجديدة برزت مع بروز طموحات سياسية للرجلين برهان وحميدتي. إذ يسعى برهان بالاحتفاظ بمنصب القائد العام ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يضم نحو 14 جنرالًا وممثلًا واحدًا للدعم السريع، الأمر الذي أزعج حميدتي واعتبره خطوة تمثل احتواء ناعمًا لقواته.

فضلا عن ذلك، فإن حميدتي كان دائمًا ما يفكر في الانتخابات وسيلة جديدة للانفراد والاحتفاظ بالسلطة، وشرع في تكوين تحالف يعتمد على أعيان القبائل وزعماء الطرق الصوفية، ثم يلتحم في نهاية المطاف مع تحالف آخر من القوى المدنية المهيمنة على الفترة الانتقالية.

هذه الخطوات أقلقت البرهان وكبار قادة الجيش الذين يرون في هيمنة حميدتي على السلطة في المستقبل تهديدًا أمنيًا خاصة إذا ما كانت السلطة مصحوبة بقوات عسكرية مستقلة عن الجيش، الأمر الذي سيؤدي إلى التمرد إن لم يتم دمج الدعم السريع في الجيش السوداني بشكل سريع.

الخلاف على الدمج وانتشار الدعم السريع:

  • برز الخلاف بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، الذي أقر بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
  • لاحقًا أعلن الجيش أنه أيّد الاتفاق الإطاري لأنه يلزم بدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
  • طالب الجيش بدمج قوات الدعم السريع في جيش واحد وأن تكون هناك قيادة واحدة للجيش بعد الدمج. وطالب الجيش أيضًا بإتباع شركات قوات الدعم السريع لوزارة المالية والإجراءات الحكومية المعروفة. ويشترط الجيش بأن يكون هو من يحدد تحركات وانتشار القوات وفق عملية الدمج.
  • من جانبه، اتهم حميدتي قيادات في الجيش -لم يسمها- بالتخطيط للبقاء في الحكم وبأنها لا تريد مغادرة السلطة.
  • بلغ التوتر ذروته بقيام الدعم السريع باستجلاب قوات بأعداد ضخمة من ولايات دارفور وكردفان قدرت بأكثر من 20 ألف مقاتل، وتوزعت على 4 معسكرات رئيسية حول ولاية الخرطوم. ومارست قيادة الدعم السريع التضليل في استقدام هذه القوات، إذ أعلنت في بيانها العسكري أن القادمين مجرد جنود جدد جاؤوا بغرض التدريب. الأمر الذي اعتبره الجيش محاولة تمرّد وحرب.
  • يؤيد الدعم السريع فكرة الدمج، ولكنه يشترط بأن يتم وفق جداول زمنية متفق عليها.
  • يشدد الدعم السريع على تمسكه بالاتفاق الإطاري ويقول إنه لن يتنازل عنه. وتشترط مساواة ضباطها في الامتيازات بنظرائهم في الجيش، وتطالب بالتزام القوات المسلحة بالدستور السوداني الذي سيتم إقراره. كما تطالب بوقف ما تسميه عمليات التجنيد في الجيش خلال فترة الدمج.
  • وهناك خلافات مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول أحقية القيادة والتحكم خلال عملية الدمج وبعدها.

المصادر:

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى