ثقافة

شبهة الخصوصيات الزمكانية والشخصانية لقيام كربلاء

ليلة 5 من محرم 1443 هـ

مقدمة:

تتفاوت النظرات إلى قيام كربلاء، فثمة من يراه حدثا تاريخيا لا ينبغي الانشغال به، وثمة من يراه عقيدة لا غنى عنها، ومن الأبحاث التأسيسية هنا: الخصوصيات المدعاة في هذا القيام.

النقطة الأولى: بيان فكرة الخصوصيات:

المفاد العام: أن خصوصيات الزمان والمكان والشخوص في حدث كربلاء تمنع من الاستفادة منه؛ لحدها الحدث في مقاسات ضيقة لا تتناسب مع مقاسات العصر.

  • المقصود من خصوصيات الشخوص: المستوى الثقافي للمجتمع آنذاك، وخصوصيات الحسين(ع) بما يمثله من ثقل الإمامة والعصمة، وخصوصيات من قابله بما يمثلونه من إرث الجاهلية.
  • المقصود من خصوصيات الزمكان: مجموع الظروف المحيطة التي كانت تمثل بمجموعها خصال ذلك العصر الخاص، في تلك البقعة الجغرافية المعينة.
  • الفكرة ببعدها الفقهي: أنها قضية في واقعة لا يمكن استفادة الحكم العام منها، لكونها تعبر عن تكليف خاص بالحسين(ع).أ
  • الفكرة في بعدها الفكري: أن نهضة الحسين(ع) ليست أمرا ثابتا حتى تكون معيارا أصيلا، بل كانت أسلوبا راعى خصوصيات الزمكان والأشخاص آنذاك، والأسلوب من المتغير لا الثابت.

من شواهد ذلك:

 1) أن منطلق الثورة راعى شخص الخصم وخصوصياته (وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد).

 2) ما مارسه الحسين(ع) من تصرفات لا تبدو مبررة بالفهم العقلائي السائد.

 3) الوقائع الإعجازية والغيبية.

الحاصل: ضرورة الخروج من قوقعة عاشوراء والتصنيف على أساسها، ويكفي الأخذ بثوابت الدين وبرخص متغيره لنواكب تطور العالم!

النقطة الثانية: نقد الفكرة:

الفكرة مبتنية على أن الخصوصيات المدعاة مانع من تجدد مدرسة عاشوراء فلا صلاحية فيها لإدارة هذا العصر، وهنا مقدمة وجواب:

المقدمة: من حيث التأسيس لا بد من التوافق على:

  1. شمولية الدين وتجاوزه مشكلة الزمان والمكان لكونه ناشئا ممن خلقهما. (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ).

2. خاتمية الدين أصولا، وانعكس ذلك على التشريع بما ذكره المضمون القطعي: (حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيمة).

3. ثورة الحسين (ع) تطبيق تام للدين بسعته الشمولية والخاتمية بفهم معصوم كانت وظيفته حفظ هذا الدين في شموليته وخاتميه مطلقا فوق الزمان والمكان، وهو ما يُفهم من إطلاق قوله(ص): (حسين مني وأنا من حسين).

  • بملاحظة هذه المبادئ ينبغي أن يُعدل عن الكلام السابق من منطق الاستدلال إلى منطق السؤال:

كيف تمكنت كربلاء من الخلود رغم الخصوصيات المذكورة ؟!

الجواب: يمكن تطبيق نظريات الدفاع عن حيوية النص الديني على هذه الشبهة كونها انعكاسا لها:

  1. نظرية ضبابية لغة الدين وكل يفهمها حسب ثقافته المتأثرة بخصوصيات الزمان والمكان. وهي نظرية مرفوضة تعارض كون القرآن نورا مبينا وهدى.

2. نظرية اعتماد حيوية الدين على قيم وعناوين أصيلة، وتتعدد مصاديقها عبر الزمان. وعليه: كربلاء حيوية بكونها تطبيقا متقدما ثابتا لتلك الأصول والقيم والأحكام التي لا تتبدل.

3. انقسام أحكام الدين إلى ثابت ومتغير، والمتغير هو الأحكام الولائية التي تعالج مستجدات منطقة الفراغ، وتراعي الخصوصيات الزمكانية، ولا تصلح لامتداد والشمول، وهي تدير علاقة الإنسان بالطبيعة والظرف ومتغيراته، وتستند في نفس الوقت إلى ثبات علاقة الإنسان مع الإنسان. وعليه: كربلاء الأنموذج هي تلك الاستنبطات المستفادة من الجانب الثابت.

4. نظرية تأثير الزمان والمكان في فهم النص، فهما موجهان لمقاصده لا بما يبدل الأحكام، بل بما قد يبدل الموضوعات وشرائطها وفقا للأصول العامة الحاكمة. وعليه: تدعو هذه النظرية لدراسة كربلاء بكافة ظروفها الزمكانية والبيئية والظرفية، والأعرافية، وكل ما قد يؤثر في تحديد الموضوع الذي ترتب عليه الحكم آنذاك، ثم تُطبق الاستفادات بتلمس المصاديق والموضوعات ولو بدت مختلفة، مع اتفاقها روحا وشرائطا مع ما حرك الحسين(ع).

الخلاصة: لكربلاء جانبان أصولي وفروعي، الأول لا يتغير، والثاني قد تثبت فيه خصوصية بدليل كعمل الحسين بالرؤى لعصمته، فهذا خاص من هذه الجهة، ويمكن الاستفادة منه أصوليا بالتعمق في عصمته(ع)، وأما ما لم تثبت فيه الخصوصية فهو مورد استفادة وتطبيق أيضا، والحسين(ع) أرجع ثورته لمفاهيم واضحة، كالأمر بالمعروف، والإصلاح، والجهاد.

من هنا يتضح خطأ الأدلة المذكورة عند صاحب الفكرة:

  1. وقوع الحدث على يد أشخاصه لا يعني الشخصنة بالضرورة، وإلا أشكلت الاستفادة حتى من سيرة النبي(ص)! وقد أوكل الحسين المسألة إلى الرمزية فأسقط هذا الإشكال (مثلي لا يبايع مثله).

 2. لا توجد أفعال غير عقلائية في كربلاء، وكلها مفسرة عقلائيا وفقهيا بما قصر عنه فهم المعارضين.

 3. لم يكن الإعجاز أصلا في كربلاء، بل رفضه(ع) حيث كان يتعارض مع أصل العمل بالظاهر كما في روايات.

  • النتيجة: حيوية كربلاء، وبقاؤها أبد الدهر، وصلاحيتها للاستفادة برمزية دائمة عصية على انتهاء الأمد، (عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى