الخامنئي: بالإيمان والأمل.. أحدث الإمام الخميني التحوّل في إيران والأمة الإسلاميّة والعالم

مع حلول الذكرى السنويّة الرابعة والثلاثين لرحيل مفجّر الثورة الإسلاميّة، الإمام الخميني (رض)، حضر قائد الثورة الإسلاميّة، الإمام الخامنئي، اليوم الأحد 4/6/2023، إلى جوار ضريح ذاك العظيم وألقى كلمة في هذه المناسبة. وتحدّث قائد الثورة الإسلاميّة عن كون الإيمان والأمل عاملين ساعدا الإمام الخميني على إحداث التحوّل في إيران والأمّة الإسلاميّة والعالم. ولفت سماحته إلى أنّ الإمام الجليل جعل فلسطين القضيّة الأولى في العالم الإسلامي بعدما توهّم الصهاينة وداعموهم أنها منتهية.     

ألقى قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، صباح اليوم الأحد (4/6/2023)، خطاباً بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لرحيل الإمام الخميني (قده) أمام الحشود المتلهفة من أبناء الشعب المقدّر والوفي. 

وصف سماحته الإمام الخميني الجليل بـ«الراية الخفاقة للرسالات الإلهية في عصر الجاهليات المسلحة في القرون الأخيرة». وقال: «الإمام ليس رائد عصرنا فقط بل هو أيضاً من رواد تاريخ إيران الذي لا يستطيع أي أحد ولا تيار إزالته من ذاكرة التاريخ أو تحريف تأثيره ومداه واستمراريته».

مع الإشارة إلى الأبعاد المذهلة لشخصية الإمام في «العلوم الدينية والإيمان والتقوى وصلابة الشخصية والقوة والإرادة، والقيام لله، والسياسة الثورية وإحداث التحول في النظام البشري»، قال الإمام الخامنئي: «لا يُرى في أيٍّ من روّاد تاريخ إيران جميع هذه الأبعاد، ولهذا سيبقى إمامنا الفريد حياً دائماً، وسيعرف الجميع وجهه المشرق بصوت بليغ».

في معرض تبيينه التطورات غير المسبوقة التي أحدثها الإمام في إيران والأمة الإسلامية والعالم، قال قائد الثورة الإسلامية: «بإحداثه الثورة الإسلامية ثم انتصارها بأيدي الناس، أطاح الإمام بنظام ملكيّ واستبدل به نظام سيادة شعبية دينية، وهذا النظام أزاح من الميدان حكومة معادية للإسلام وأسّس مكانها حكومة إسلاميّة وأرساها، كما حوّل الاستبداد إلى حريّة، والفقدان المتزايد لدى هذا الشعب لهويّته إلى هويّة وطنيّة وثقة بالنّفس».

وتابع سماحته: «سلّح الإمام شعباً كان يُعلّق آماله على أيدي الأجانب، بقوّةِ “نحن قادرون”، التي هي سبيل علاج جميع المشكلات في الحاضر والمستقبل».

شارحاً أبعاد التحول الذي أوجده الإمام الخميني على مستوى الأمة الإسلامية، أشار الإمام الخامنئي إلى «ظهور الصحوة الإسلامية، والتحرّك والاستعداد النسبي في الأمة الإسلامية، وصيرورة القضية الفلسطينية أول قضية في العالم الإسلامي»، وقال: «نفخ الإمام الحياة في جسد الأمة الفلسطينية المُتعب».

كان الخروج من الارتباك أمام النزعة المادية، وجذب اهتمام الشعوب نحو الروحانية، المحورين الرئيسيين للتحول الذي أحدثه الإمام الخميني على مستوى العالم، وهذا ما أشار إليه سماحته بالقول: «هذه الشخصية العظيمة أحيت الطابع الروحي في العالم، إذ يُعدّ الهجوم الشديد من المراكز السياسية والإعلامية لنظام الهيمنة على القضايا الروحية، ومحاولتهم المبتذلة ترويج النزعة المادية، ردّ فعل على هذا التحول».

كذلك، رأى قائد الثورة الإسلامية أن الأوراق وأشرطة التسجيل كانت «عوامل الأدوات الصلبة الوحيدة للإمام لإيصال بياناته وتصريحاته إلى الناس»، مستدركاً: «ما مكّن الإمام من إنجاز هذه الفعاليات الإعجازية هما العاملان المهمان على مستوى الأدوات الناعمة، أي الإيمان والأمل». كما وصف سماحته الإيمان بالله في طريق الإمام، أي محاربة أعداء الله، بمعنى «الإيمان والاعتماد على وعود الله»، قائلاً: «قطع الله وعداً بأن كل من ينصره سوف ينعم بنصره، ووعد أن يجعل خطوات المؤمنين ثابتة وقوية، وأن يكون مدافعاً عنهم».

الإمام الخامنئي شرح المسافة بين الإسلام الذي كان الإمام مؤمناً به، وبين إسلام الرأسمالية والإسلام الالتقاطي للمثقفين غير المطلعين، بالقول: «كان الإمام يؤمن بإسلام الكتاب والسنة المصحوب بالاجتهاد المتقن والفهم الصحيح». وبشأن بُعد آخر من إيمان الإمام هو الإيمان بالناس، قال سماحته: «بإدراكه العميق الآيات الإلهية، كان لدى الإمام ثقة وإيمان عميقان بدوافع الناس وعملهم، بما في ذلك أصواتهم [في الاستفتاء العام]». 

وحيث كان لدى الإمام إيمان بهذه القضية، قال قائد الثورة الإسلامية: «تعبير “الجمهورية” في عنوان نظام الحكم، أي الجمهورية الإسلامية، منبثق عن ثقة الإمام العظيم بالشعب وإيمانه به». وذكر سماحته الأمل على أنه عامل برمجي ثانٍ في عقود عدة من نشاط الإمام. وأضاف: «كان الأمل عنصراً دائماً ودافعاً لحركة الإمام العظيم الشأن، ففي الأربعينيات من القرن [الميلادي] الماضي، تحدث الإمام عن القيام لله، وفي الستينيات دخل بالفعل ميدان الانتفاضة، وفي الثمانينيات، لم ينحنِ أمام العواصف العسكرية والأمنية والسياسية الرهيبة».

في هذا الصدد، أوضح الإمام الخامنئي أن الإمام الخميني كما قال بنفسه «لم يفقد الأمل قط، وكان يعتقد أنه عندما يريد الشعب شيئاً، يتحقق حتماً».

بعدما عدّد سماحته جوانب إيمان الإمام وأمله، قال: «مما لا شك فيه أن أهم درس وتوصية لنا هي أن نواصل نهجه ونصون إرثه، وأن نتابع التحول الثلاثي الذي أحدثه على مستوى البلد والأمة والعالم».

لكن المتطلبات والأدوات اللازمة لمتابعة نهج الإمام وهدفه تختلف عن الأساليب التي كانت سائدة قبل 40 عاماً، وهنا أوضح قائد الثورة الإسلامية: «طبعاً لم يتغير اصطفاف الجبهات، فاليوم كما الأمس جبهة الاستكبار والصهاينة والمتجبرين المعتدين اصطفوا في وجه الشعب الإيراني».

مع ذلك، «يكمن الفرق بين تشكيل الجبهات اليوم وأمس في أن الشعب الإيراني صار أقوى وأولئك أضعف»، وفق قوله. وتابع سماحته: «أنواع التحوّل التي أوجدها الإمام الجليل لها أعداء عنيدون ومفعمون بالضغائن والحقد ومجرمون ومعتدون، فعلى الشعب الإيراني أن يكون مجهزاً لمواجهتها بالأدوات البرمجية نفسها للإمام العظيم، أي الإيمان والأمل».

في هذا السياق، شدد الإمام الخامنئي على حقيقة أنه خلافاً للتصور الخطأ لدى بعض الناس، «لن تضعف عداوة الاستكبار والصهيونية العالمية للشعب الإيراني أو تزول إثر التراجعات الموضعية». وواصل: «في كثير من الحالات، تسبب تراجعنا في أن يتقدموا ويزيدوا عدوانهم، لأن هدفهم الأساسي هو إعادة إيران إلى ما قبل الثورة الإسلامية، أي مرحلة التبعية وانعدام الهوية».

واستطرد سماحته بالقول: «كان بين بعض الحكومات في العقود الأخيرة أشخاص يؤمنون بالتراجع وتقديم التنازلات، وفي إحدى هذه الحكومات، أصدرت الدولة نفسها التي تراجعنا أمامها اتهاماً لرئيس جمهوريتنا… أو في حكومة أخرى حيث جرى للأسف تقديم العون إلى الأمريكيين أيضاً، فأطلقوا على إيران اسم محور الشر».

بشأن الهدف الأساسي لمساعي الأعداء، رأى قائد الثورة الإسلامية أنه «إضعاف إيمان الناس وإطفاء شعلة الأمل في قلوبهم»، ولذلك ذكر أن «الحفاظ على الاستقلال والعزة والمصالح الوطنية مرهون بالحفاظ على الإيمان والأمل». وقال في هذا الصدد: «في هذه العقود الأخيرة، بذلت أجهزة الاستكبار العنيدة واللجوجة كل ما في وسعها لإضعاف الإيمان والأمل، وأحرزت تقدماً في حالات قليلة، لكنها كانت بحمد الله مغلوبة ومنكوبة في معظم الحالات أمام الشعب الإيراني».

في جزء آخر من خطابه، وصف سماحته أعمال الشغب التي وقعت في الخريف الماضي بـ«الحلقة الأخيرة من سلسلة محاولات الأعداء». وقال: «جرى التصميم الشامل لأعمال الشغب هذه في مراكز الفكر في الدول الغربية، وجاء تنفيذها بدعم مالي وتسليحي وإعلامي واسع من الأجهزة الأمنية الغربية، وهرولة العناصر الخائنة والمرتزقة الذين أداروا ظهورهم للوطن».

وعدّد الإمام الخامنئي بعض الأعمال العدائية التي أشرف عليها الغربيون في أعمال الشغب هذه، معقباً: «ظنوا أن الجمهورية الإسلامية انتهى أمرها وبات يمكنهم توظيف الشعب الإيراني لخدمة أهدافهم، لكن الحمقى ارتكبوا خطأ من جديد ومرة أخرى لم يعرفوا الشعب الإيراني».

ولفت سماحته إلى تقدم البلاد في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والبنية التحتية المتنامية في المجالات الصناعية والزراعية والنقل، وتدريب القوى العاملة، والأنشطة العمرانية في المناطق المحرومة والنائية من البلاد، والتقدم في السياسة الدولية، والعزة الوطنية والاقتدار العسكري والدفاعي في البلاد… على أنها بين «الحقائق الواعدة التي تبعث على الأمل في مستقبل مشرق، مبيناً: «العدو يريد لهذه الحقائق أن تُنسى وألّا يطلع الشباب الإيرانيون عليها».

كان «جعل الناس متشائمين بشأن الانتخابات» أسلوباً آخر لبث العدو اليأسَ، وهذا ما لفت إليه قائد الثورة الإسلامية بالقول: «انتخابات هذا العام انتخابات مهمة للغاية، وقد فعّل العدو بالفعل مدفعيته لتدميرها رغم أنه تفصلنا تسعة أشهر عنها».

في بداية هذه المراسم، ألقى متولي العتبة المقدسة للإمام الراحل (قده)، حجة الإسلام السيد حسن الخميني، كلمة ذكر فيها أن الثورة الإسلامية هي الأكثر شعبية في العالم، وأن نظام الجمهورية الإسلامية «أعظم ميراث للإمام (قده)».